أحسن الحديث

أحسن الحديث

منذ 6 أيام

﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا..﴾


﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا..﴾
بِهم أكرمَ اللهُ تعالى نبيَّه آدم
________ السيّد حسين البروجردي رحمه الله________


* تفسير ثلاث آيات من سورة البقرة بدءاً من قوله تعالى: ﴿وعلّم آدم الأسماء كلّها..﴾ البقرة:31، منتخَبة من كتاب (الصّراط المستقيم في تفسير القرآن الكريم) لآية الله السيّد حسين البروجردي (ت: 1284 هجريّة).
* عرَّف الشيخ الطّهراني في (الذريعة) بهذا التّفسير القيّم، وقال إنّه في ثلاث مجلّدات؛ الأوّل في المقدّمات، والثاني في تفسير سورة الفاتحة، والثالث في تفسير سورة البقرة، وانتهى فيه مؤلّفه السيّد البروجردي إلى آية الكرسي [الآية 255] ولم يتجاوزها.
* يشار إلى أنّ الطبعة الحديثة من الكتاب (أنصاريان، قم 1426 هجريّة) في خمس مجلدات، وتنتهي عند الآية 41 من سورة البقرة، والسيّد البروجردي المذكور من تلامذة «صاحب الجواهر»، وهو غير زعيم الحوزة العلميّة في قمّ آية الله السيّد حسين البروجردي المتوفّى سنة 1380 هجريّة... رضوان الله تعالى عليهما.

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ البقرة:31-33.
هذا التّعليم [في قوله تعالى: وعلّم آدم] تعليمٌ تكوينيّ للأسماء الَّتي هي كليّات العوالم وجزئيّاتها، وهي مظاهرُ للأسماء الإلهيّة، التي هي النّعوت الكماليّة، والصّفات الجماليّة والجلاليّة، باعتبار غلَبة ظهور الصّفة الَّتي اشتمل عليها ذلك الإسم فيه، وهي الَّتي تُسمّى كليّاتها بالمهيّات والحقائق، وجزئيّاتها بالهويّات عند قوم، وتسمّى عند آخرين بالفيض، الذي ينقسم عندهم إلى الفيض الأقدس والفيض المقدّس. وبالأوّل يحصل إمكانات الأعيان واستعداداتها بالمشيّة الإمكانيّة، وبالثّاني يحصل تلك الأعيان في عالم الأكوان مع لوازمها وتوابعها وآثارها وارتباطاتها بالمشيّة الكونيّة.
ولهذا كلَّما كانت أفراد هذا النّوع أكمل، كانت مظهريّتها للأسماء الإلهيّة أظهر، ونبيُّنا محمّد وآلُه الطّاهرون صلَّى الله عليهم أجمعين أفضلُ الموجودات وأكملُ البريّات، ولذا ورد في الأخبار الكثيرة أنّهم أسماء الله الحسنى التي لا يقبل الله من أحدٍ إلَّا بولايتهم ومعرفتهم وكرامتهم، لأنّ الله تعالى جعلهم أبوابه وحجّابَه ودلائلَ معرفته ووسائلَ فيضه وكرامته، فهم «الأعراف» الذين لا يُعرَف الله تعالى إلَّا بسبيلِ معرفتهم، وهم الأسماء الَّذين علَّمهم الله تعالى آدمَ وشرَّفَه بهم، وأكرمَه بإسجاد الملائكة تعظيماً لهؤلاء الأنوار، وتكريماً لآدم وعبوديّته لله سبحانه.

الأسماء في الرّوايات

O ففي (الإكمال) [إكمال الدين للشيخ الصدوق] وغيره، عن الإمام الصّادق عليه السّلام قال: «إنّ الله تبارك وتعالى علَّم آدم أسماء حجَجِ الله كلَّها، ثمّ عرضهم وهم أرواحٌ على الملائكة فقال: ﴿..أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين﴾ أنّكم أحقُّ بالخلافة في الأرض -لتسبيحكم وتقديسكم- من آدم.
قالُوا: ﴿سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ..﴾. فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكرُه، فعلموا أنّهم أحقُّ بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججَه على بريّته، ثمّ غيّبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبّتهم وقال لهم: ﴿..أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إني أعلم غيب السماوات والارض..﴾ [الآيات في سورة البقرة 31-33]».
O وفي تفسير الإمام [العسكري] عليه السّلام [لقوله عزّ وجلّ] ﴿وعلَّم آدم الأسماء كلَّها..﴾ البقرة:31: «أسماءَ أنبياء الله، وأسماءَ محمّد، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، والطَّيّبين من آلهما، وأسماء خيارَ شيعتهم، وعتاةَ أعدائهم».
O وفيه [تفسير الإمام العسكري عليه السلام] عن سيّد الشهداء عليه السلام قال: «إنّ الله تعالى لمّا خلق آدم وسوّاه، وعلَّمه أسماء كلِّ شيء، وعرَضهم على الملائكة، جعل محمّداً، وعليّاً، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام أشباحاً خمسة في ظَهر آدم».
O وفي (المجمع) [مجمع البيان للطبرسي] عن الصّادق عليه السلام أنّه سُئل عن هذه الآية، فقال: «الأرَضين، والجبال، والشّعاب، والأودية. ثمّ نظر إلى بساطٍ تحته فقال: وهذا البساط ممّا علَّمه الله».
O ورواه العيّاشي في تفسيره، وفيه: أنّه سُئل الصّادق عليه السلام عن الأسماء في قوله: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّها﴾ البقرة:31، ما هي؟ فقال عليه السلام: «أسماء الأودية، والنبات، والشّجر، والجبال من الأرض».

عِلمُ آدم بالأسماء

".." وقد ظهر لك ممّا لوّحنا إليه، الجمعُ بين أخبار الباب، بل بينها وبين ما قيل من أنّ المراد بالأسماء هي الأسماء الإلهيّة، أو الحقائق الكونيّة الَّتي لها مظاهرُ كلَّية، وذلك لأنّه قد تواتر عنهم [المعصومين عليهم السلام] أنّه تعالى خلَق أوّلَ ما خلَق أنوارَ محمّدٍ وآل محمّدٍ وأرواحَهم عليهم السلام، ثمّ خلَق من أشعّة أنوارهم سائرَ الحقائق الكليّة؛ من المجرّدة، والمادّية العلويّة والسّفلية على حسب درجاتها ومراتبها وقُربها من ينبوع الرّحمة الكلَّية وبُعدها عنه، وقد علَّمها اللهُ تعالى آدمَ بأنْ جعل تكوينه من القبَضات المأخوذة من جميع العوالم الكليّة، وجعل طينتَه مستعدّةً لظهور الحجَج والأنبياء -سيّما محمّدٍ وآله الطَّيبيّن صلوات الله عليهم أجمعين- منها في هذه النشأة الدّنيوية، فعلَّمه الأسماء الكلَّية والحقائق الكونيّة تعليماً تكوينيّاً، وجعلها مستعدّةً لإدراك كلّ حقيقة من الحقائق، بما فيه من القبضة المأخوذة من تلك النّشأة والتّجلي الحاصل من ذلك الاسم، فكان [آدم] أنموذجاً وخلاصةً مأخوذةً من جميع العوالم، فخُلق في عالم النّاسوت بعد خلْق جميع أجزائه الكونيّة، لأنّ ما هو متقدّم في الخلْقة الملكوتيّة متأخّرٌ في الظَّهور النّاسوتي، فيتعاكس التقدّم الدّهري والزّماني، فلمّا دارت الأدوار وتمّت الأكوار ظهر الإنسان محيطاً على جميع الشؤون والنّشآت، مجمعاً لجميع الاقتضاءات والاستعدادات، قابلاً للتّرقيّات من جميع الجهات، فهو ثمرة شجرة الوجود، والقابل لإشراق أشعّة أنوار الشّهود، فكما أنّ الثمرة تعبُر على أجزاء الشجرة كلّها حتّى تظهر على أعلى الشجرة بعد تمامِها، كذلك عبَر آدم على جميع أجزاء شجرة الوجود حتّى ظهر في هذه النشأة الدّانية السّافلة، في كسوة النّاسوت.

عِلمُ الملائكة بالأسماء

وأمّا الملائكة، فكلٌّ منهم له مقامٌ معلوم لا يتعدّاه، ولا يُدرك ما سواه، ولا يعبد الله سبحانه إلَّا بلسانٍ واحد، ولا يدعوه إلَّا بإسمٍ واحد، وأمّا سائر الأسماء الإلهيّة فمحجوبةٌ عنهم لا يدركونها أصلاً، نعم ربّما كان الإسم الذي يدعوه به واحدٌ منهم مغايراً لما يدعوه به الآخر، لكنّها متّفقةٌ في نوع الاتّحاد بخلاف الإنسان، فإنّه يدعوه بأسمائه الحسنى وأمثاله العليا ونعَمِه التي لا تحصى، المفسَّرة في الأخبار الكثيرة بالنّبي والأئمّة عليهم الصلاة والسلام.
ومن هنا يتّضح تفسير الأسماء بالأنبياء والحجَج، وبتلك الحقائق الكلَّية والأعيان الموجودة الخارجيّة التي عُبّر عنها بالأرضين، والجبال، والنّبات، والحيوان، وغيرها ممّا هي تعيّنات لتلك الحقائق البسيطة والمركّبة. ".."

عرضُ الأسماء على الملائكة

عرَض هؤلاء الأسماء الفعليّة، الذين هم نفس الحقائق الكونيّة المشتملة على ذوات العقول، الذين هم الأصول لها ولو باعتبار الشّرف، وسبق الخلْقة، ووساطة الفيض، تكويناً وتشريعاً على النّحو المقرّر، أو [عرَض] مسمّيات الأسماء اللَّفظيّة المدلول عليها ضمناً، باعتبار حذف المضاف إليه في قوله: ﴿وعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ..﴾ لدلالة المضاف عليه، وتعويض اللّام عنه كما في قوله: ﴿..واشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً..﴾ مريم:4، فينتظم حينئذ قوله: ﴿عَرَضَهُمْ﴾، وقوله: ﴿بِأَسْماءِ هؤُلاءِ﴾. ولم يجعل المحذوف مضافاً أي مسمّيات الأسماء، لينتظم تعليقُ الإنباء على الأسماء في ما ذكر بعد التعليم.
وعلى الوجهين [عرض الأسماء الفعلية أو مسمّياتها اللّفظية]، فالمراد أشباحُ المخلوقات وحقائقها فرداً فرداً في عالم الملكوت، فإنّ السؤال [هو] عن أسماء المعروضات، فلا يكون المعروض نفس الأسماء، سواءً أريد بها الألفاظ أم الآثار واللَّوازم والفوائد.
وتذكيرُ الضّمير إمّا لأنّ لكلٍّ منها عقلاً وشعوراً في عالمه، ولذا نسب إليهم التّسبيح وذكَّرهم في قوله: ﴿..وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه ولكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..﴾ الإسراء:44، وإمّا لتغليب ما اشتمل عليه من العقلاء لما مرّ، كما في قوله: ﴿والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِه ومِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ومِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ..﴾ النور:45، وإمّا لكون الضّمير للنّبي والأئمّة الطَّاهرين صلَّى الله عليهم أجمعين. ولذا قال الإمام عليه السلام في تفسيره ﴿ثمّ عرضهم﴾ [بعد بيانه أنّهم محمّد، وعليّ، وفاطمة، والأئمّة عليهم السلام]: «أي عرَضَ أشباحهم وهم أنوار في الأظلَّة». وفي الخبر المتقدّم: «علَّم آدم أسماء حجج الله كلَّها ثمّ عرَضهم وهم أرواح على الملائكة». وقرأ أُبَي: ﴿ثمّ عرضها﴾، وابن مسعود: ﴿ثمّ عرضهنّ﴾، ويُظهر الوجهَ فيهما ما مرّ. والمعنى: أظهرَهم على الملائكة بكشف الحُجب عن الأرواح، وإراءة الأشباح وهم في أصقاع الملكوت، وسُرادقات الجَبروت، متوجّهين إلى الحيّ الذي لا يموت "..".



حجابُ العِلم
من الآداب الباطنيّة عند تلاوة القرآن الكريم التَّنبُّه إلى حجاب العِلْم، بمعنى العقائد التي استَمَرّ عليها أكثر الناس بالتَّعلُّم من المحجوبين، وتقليد الآباء وأهل الضّلال، والرُّجوع إلى تفاسير [غير الضّليعين] وبياناتهم، وتأويلهم المُتشابِهات على مقتضَى آرائهم وأهوائهم الباطلة .
ثمّ إنّ هذه العقائد الباطلة ربَّما تصيرُ راسخةً في النّفْس بحيث لا يَكاد يُلتَفتُ معها إلى غيرها، وقد تكون مسموعةً متردّدة في الذِّهن بحيث يَمنعه الالتفات إليها عن التَّوجُّه إلى غيرها، أو الشَّوق إلى تحصيله. بل ربّما يكون العِلم ببعض الظَّواهر حجاباً عن الالتفات إلى الحقائق والبواطن، وإنْ كان كلٌّ منهما حقّاً وصدقاً بالنّسبة إلى رتبته ومقامه، فلا ينبغي الجمود على شيء من الظَّواهر، وإنْ كان حقّاً منطبقاً على القواعد العربيّة، لأنّه يؤدّي إلى جحود الحقائق، والبواطن المقصودة .
ولا تظنَّنّ أنّ الغرض من هذا الكلام تسهيلُ الأمر وجواز التَّصرُّف في الآيات القرآنيّة بحسب الأهواء الباطلة والآراء الزَّائفة؛ إذ المقصود تركُ الجمود، ومجانبة اللّجاج والجحود، وعدم الاقتصار على خصوص الظَّواهر المشهورة، أو بعض البَواطِن المأثورة، فإنّي أرى كثيراً من أهل هذا الزّمان قد هَجَروا القرآن، ونَبَذوه وراءَ ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً، فبِئس ما يَشترون. فإذا احتاجوا إلى تفسير آية رجعوا إلى ظواهر اللَّغة العربيّة والتّفاسير العاميّة، بل ربَّما تصرّفوا في معناها بقريحَتِهم البَتْراء، وبَصيرتهم العمياء، من غير رجوعٍ إلى أخبار الأئمّة عليهم السلام، ولا استضاءةٍ من أنوار أهل العصمة، بل يردّونها بعد الاطَّلاع عليها، معلَّلين بمخالفة الظّاهر.
وقد يَرِد عليهم في تفسير آية واحدة أخبارٌ يظنّون اختلافها، فيَعملون فيها قواعد التّرجيح مع أنّه لا بأس بالجمع بينهما بحملها على وجوه التّنزيل والتّأويل .
وبالجملة فإنَّ الميزان الكلِّي في هذا الباب، يُلزم في جميع ذلك الرُّجوع إلى الأئمّة الَّذين هم الحجّاب والأبواب، مع ملازمة التّقوى، ودوام الانقطاع، والأُنس التامّ بأصولهم وقواعدهم، والاطِّلاع على أخبارهم وآثارهم، والاقتباس من أشعّة أنوارهم. (تفسير الصّراط المستقيم، السيّد البروجردي)


اخبار مرتبطة

   أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 4 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات