الملف

الملف

منذ يوم

وثيقة أمنيّة بالغة السِّريّة


«إقطَعْ أصلَ هذا البيت، أُقتلْ عليَّ بن الحسين»!!
«أُقتُلْه، فليسَ هو بأكرمَ من صاحبِ هذا الرَّأس»
وثيقة أمنيّة بالغة السِّريّة، برواية حاضنة «يزيد»!
ـــــ من دروس «المركز الإسلامي» ـــــ

وردت روايةُ «رَيا، حاضنة يزيد» مسندةً في الكتاب الموسوعي (تاريخ دمشق) للحافظ ابن عساكر (70 مجلّداً)، وقد تضمّنت هذه الرّواية تفاصيلَ هامّة عن لحظة وصول خبر قتل الإمام الحسين عليه السلام إلى «يزيد»، وتَمثُّلِه بشعر «ابن الزّبعْرى» المشهور، ثمّ تنقل عن «صحابيّ»! إصرارَه على يزيد -في عباراتٍ نعتذرُ عن الإضطرار لنقلها- بقتلِ الإمام السجّاد عليّ بن الحسين عليهما السلام، حتّى لا يبقى أحدٌ من نَسل الحسين.
وإذ تنشرُ «شعائر» هذا النّص، تلفت النّظر إلى أنّه والنّصّ الذي يليه عن محاولة قتل الإمام السجّاد عليه السلام، من الوثائق النّادرة جدّاً.

أوضحُ نصٍّ يؤكد الذُّعر الأمويّ من عدم المسارعة إلى قتل الإمام السجاد عليه السلام-ما يُعتبَر بمثابة وثيقة أمنيّة بالغة السّريّة والخطورة، يسّرَ اللهُ تعالى للأجيال الحصولَ عليها من قلب تلافيف قصر يزيد- هو ما نقلَه «الحافظُ ابنُ عساكر» في (تاريخ دمشق) عن «ريا» حاضنة يزيد بن معاوية، وهي -كما قال-: «امرأةٌ شاعرة، عاشت إلى أن أدركتْ دولةَ بني العّباس ".." يحكي عنها «حمزة بنُ يزيد الحضرمي»، والد «يحيى بن حمزة» الذي يأتي اسمُه في السَّند.
وقد أوردَ ابنُ عساكر «سَندَه» إلى كلام «ريا»، كما يلي:
«أنبأنا أبو القاسم النّسيب. (نا = حدّثنا): عبد العزيز بن أحمد الكتّاني، وحدّثني أبو القاسم بن السّمرقندي، قال: وجدتُ في كتاب جدِّي لأمِّي أبي القاسم عبد الرّحمن بن بكران المقرئ الدَّرْبَنْدي. قالا: (أنا = أنبأنا) أبو محمّد بنُ أبي نصر. (أنا) أبو الحارث أحمد بن محمّد بن عمارة بن أحمد بن أبي الخطّاب. (أنا) أحمد بن محمّد بن يحيى بن حمزة. حدّثني أبي عن أبيه يحيى بن حمزة بن يزيد، أخبرني أبي؛ حمزة بن يزيد الحضرمي، قال:
رأيتُ امرأةً من أجمل النّساء وأعقلهنَّ، يُقال لها "ريا"، كان بنو أميّة يُكرمونها، وكان هشام يُكرمُها، وكانت إذا جاءت إلى هشام تَجيءُ راكبة، فكلُّ مَن رآها من بني أميّة أكرَمها، ويقولون: "ريا حاضنةُ يزيد بن معاوية"، فكانوا يقولون قد بلغت من السنِّ مائة سنة، وحُسن وجهِها وجمالها باقٍ بنضارتِه، فلمّا كان من الأمر الذي كان، استتَرت في بعض منازلِ أهلِنا، فسمعتُها وهي تقول، وتعيبُ بني أميّة مداراةً لنا.
قالت: دخلَ بعضُ بني أميّة على يزيد فقال: أبشِر يا أمير المؤمنين، فقد أمكنَك اللهُ من عدوّ الله وعدوِّك، يعني الحسينَ بن عليّ، قد قُتِل، وَوُجِّه برأسه إليك. فلم يلبث إلّا أيّاماً حتّى جيءَ برأس الحسين، فَوُضِع بين يدَي يزيدٍ في طشت ".." فقال: الحمدُ لله الذي كفانا المؤنة بغير مؤنة. ﴿.. كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ..﴾ المائدة:64.
قالت "ريا": فدنوتُ منه، فنظرتُ إليه وبه ردْعٌ [أَثَرٌ] من حِنّاء.
قال حمزة -الرّاوي عن حاضنة يزيد-: فقلتُ لها: أَقَرَعَ ثناياه بالقضيبِ كما يقولون؟
قالت: أي، وَالّذي ذهبَ بنفسِه ".." لقد رأيتُه يقرعُ ثناياه بقضيبٍ في يده، ويقول أبياتاً من شعر ابن الزّبعْري.
ولقد جاء رجلٌ من أصحابِ رسول الله صلّى الله عليه [وآلــه] وسلّم، فقال له: قد أمكَنَكَ اللهُ من عدوّ الله، وابنِ عدوِّ أبيك، فاقتُلْ هذا الغلام يَنقطعْ هذا النَّسل، فإنّك لا ترى ما تحبُّ وهم أحياء. [هذا] آخرُ من يُنازِع فيه. يعني عليَّ بن حسين بنِ عليّ. لقد رأيتَ ما لَقي أبوك من أبيه، وما لقيتَ أنت منه، وقد رأيتَ ما صنعَ مسلمُ بن عقيل، فاقطَعْ أصلَ هذا البيت، فإنّك إنْ قتلتَ هذا الغلامَ انقطعَ نسلُ الحسين خاصّة، وإلّا فالقومُ ما بَقي منهم أحدٌ طالبُك بهم، وهم قومٌ ذَوو مكر، والنّاسُ إليهم مائلون، وخاصّة غوغاء أهلِ العراق يقولون: إبنُ رسول الله صلّى الله عليه [وآلــه] وسلّم، إبنُ عليٍّ وفاطمة. اقتُله! فليسَ هو بأكرمَ من صاحبِ هذا الرّأس
".."».
وقد تكتَّمَ الرّاوي عن ذكر اسمِ هذا «الصَّحابيّ»!! مع علمِه به، فقال: «إنّي قد سمّيْتُ الرَّجل الذي من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [وآلــه] وسلّم، ولكنْ لا أسمِّيه أبداً ولا أذكرُه»! (ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج 9، ص 58 - 161)
ورغمَ أنّ النّصَّ يتضمّنُ رفضَ يزيد ما طرحَه هذا الكافرُ الحاقد، فإنّ وثيقةً أخرى أوردَها «المدائني»، وهو في طليعة المؤرّخين الذين يُتعامَل مع نصوصِهم باحترامٍ خاصّ، توضحُ أنّ هذا الرّفضَ لم يكن حقيقيّاً، وعلى الأقل لم يكن نهائيّاً.

قال المحدّث الجليل ابنُ شهراشوب:
«قال المدائني: لمّا انتسبَ السجّادُ إلى النّبيّ، قال يزيد لجلوازه: أَدْخِلهُ في هذا البستان، واقتُله، وادفِنه فيه. فدخلَ به إلى البستان، وجعلَ يحفر، والسجّادُ يُصلّي، فلمّا هَمَّ بقتلِه ضربَته يدٌ من الهواء، فَخَرَّ لوجهِه وَشَهِقَ ودُهِش. فرآه خالدُ بن يزيد وليس لوجهِه بقيّة، فانقلبَ إلى أبيه وقصَّ عليه، فَأَمَرَ بدفنِ الجلواز في الحفرةِ وإطلاقِه».
(ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج 3، ص 309)

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات

إصدارات

منذ يوم

دوريات

نفحات