الملف

الملف

17/12/2012

قصيدة الفرزدق في مدح الإمام السجاد عليه السلام


«يُغضي حياءً ويُغضَى من مهابتِه..»
قصيدة «الفَرَزْدَق» في مدح الإمام الرّابع من أئمّة المسلمين
______إعداد: أسرة التحرير______

مُقــَدَّمٌ بعد ذكرِ الله ذِكرُهمُ * في كلِّ بَدءٍ ومختـومٌ به الكَلِمُ
ذهبت قصيدة «الفرزدق» الشّهيرة مذهبَ الأمثال، وحيث إنّ نُسَخَ هذه القصيدة ناقصةٌ عادة، فقد تتبّعَ العلّامة الرّاحل السيّد محسن الأمين قصيدة الفرزدق الشهيرة في مدح الإمام السجّاد عليه السلام، وختمَ بقوله: «العزُّ الحقيقيّ، والجاهُ الصّحيح إنّما هو للدّين والتّقوى والعلم، لا للمُلك والقوّة والقهر».
ما يلي، النّصّ الكامل لهذه الفريدة العصماء، تقدّمه «شعائر» برواية السيّد الأمين في (أعيان الشيعة).
وليس قولُك «مَن هذا؟» بِضائِرهِ العُرْبُ تعرفُ مَن أنكرْتَ والعجمُ


قال السيّدُ الأمين: «أوردَ "سِبطُ ابن الجوزي" في (تذكرة الخواصّ) رواية (الحُلية)، ولكنّه ذكرَ الأبيات بأكثر ممّا في (الحُلية). ثمّ قال [سبط ابن الجوزي]: قلت: لم يذكر أبو نعيم في (الحُلية) إلّا بعضَ هذه الأبيات، والباقي أخذتُه من ديوان الفرزدق.
ورواها "السَّبْكي" في (طبقات الشّافعيّة) بسنده المتّصل إلى "ابن عائشة، عبد الله بن محمّد"، عن أبيه، قال:
حجَّ هشامُ بنُ عبد الملك، أو الوليد، فطافَ بالبيت، فَجَهِدَ أن يصلَ إلى الحَجر فيستلمَه فلم يقدِر عليه. فنُصِبَ له منبرٌ وجلس عليه ينظرُ إلى النّاس ومعه أهلُ الشّام، إذ أقبلَ عليُّ بنُ الحسين بنِ عليّ بن أبي طالب -وكان من أحسن النّاس وجهاً، وأطيبِهم أرَجاً- فطافَ بالبيت، فلمّا بلغَ الحَجرَ تنحّى له النّاسُ حتّى يستلمَه. فقال رجلٌ من أهل الشّام: مَن هذا الذي قد هابَه النّاسُ هذه الهيبة؟
فقال هشام: لا أعرفُه، مخافةَ أن يرغبَ فيه أهلُ الشّام. وكان الفرزدقُ حاضراً. فقال الفرزدق: ولكنّي أعرفُه.
قال الشّاميّ: مَن هو يا أبا فراس؟
فقال الفرزدق: -و قد توافقت روايتا "سبط ابن الجوزي"، و"السَّبكي"، إلّا في أبياتٍ يسيرةٍ، وهذا ما ذَكراه:
هذا الّذي تعرفُ البَطحاءُ وطأتَه والبيتُ يعرفُه والحِلُّ والحَرَمُ
هذا ابنُ خيرِ عبــادِ اللهِ كلِّهِمُ هذا التّقيُّ النّقيُّ الطّاهرُ العَلَمُ
يكادُ يُمسكُه عِرفــانَ راحتِه ركنُ الحطيمِ إذا ما جاءَ يَستلمُ
إذا رأتْهُ قريشٌ قـال قائلــُـها إلى مكارمِ هذا ينتهي الكَرمُ
إنْ عُدَّ أهل التّقى كانوا ذَوِي عَدَدٍ أو قيلَ مَن خيرُ أهلِ الأرض؟ قيلَ هُمُ
هذا ابنُ فاطمـةٍ إنْ كنتَ جاهلــَهُ بجدِّه أنبياءُ اللهِ قد خُتِموا
وليس قولُك مَن هذا بضائرِه العُرْبُ تعرفُ مَن أنكرتَ والعَجمُ
يُغضي حيـاءً ويُغضى من مهابتـِه فمـا يكلَّمُ إلّا حينَ يبتسمُ
يُنْمَى إلى ذروة العزِّ الّتي قَصُرَتْ عنها الأكفُّ وعن إدراكِها القَدمُ
مَنْ جَدُّه دان فضلُ الأنبيـــاءِ له وفضلُ أمَّتِه دانتْ لــه الأُمَمُ
ينشقُّ نور الهدى عن صبحِ غرّتِه كالشّمسِ تنجابُ عن إشراقِها الظُّلَمُ
مشتقّةٌ من رسول الله نبعتُه طابت عناصرُه والخيم والشِّيَمُ
أللهُ شرَّفَـه قِـدْماً وفضَّـلَه جرى بذاك لـه في لَوحهِ القَلمُ
كِلتـا يدَيـه غِياثٌ عَمَّ نفعُهما يَسْتوْكِفانِ ولا يَعروهما العَدمُ
سهلُ الخليقةِ لا تُخشى بوادرُه يزينه اثنان، حُسن الخُلقِ والكَرمُ
حَمّالُ أثقالِ أقوامٍ إذا فُدِحوا رَحْبُ الفِنـاء، أريبٌ حين يعتزمُ
ما قـال لا قَــطُّ إلّا في تشهُّدِهِ لولا التَّشهُّدُ كانت لاؤُه نَعمُ
عـمَّ البريّـةَ بالاحسانِ فانقشَعت عنها الغَيابة لا هلق ولا كهمُ
مِنْ مَعْـشرٍ حبُّهمْ دِينٌ وبُغضُهمُ كفرٌ وقُربُهُمُ مَلْجَىً ومُعتصَمُ
لا يستطيعُ جَـوادٌ بُعْــدَ غايتهم ولا يدانيهمُ قومٌ وإن كَرُموا
همُ الغيوثُ إذا ما أزمةٌ أزِمَتْ والأُسْدُ أُسْدُ الشَّرى والرأيُ مُحْتَدِمُ
لا ينقصُ العسرُ بسطاً من أكفِّهم سِيّانَ ذلك إن أَثْرَوْا وإن عَدِموا
يُستَدْفَعُ السّوءُ والبلوى بحبّهمُ ويُستزادُ به الاحسان والنِّعمُ
مقــدَّمٌ بعد ذكر الله ذِكرُهمُ في كلّ بَدءٍ ومختـومٌ به الكَلِمُ
يأبى لهمْ أن يحِلَّ الذَّمُّ ساحتَهمْ خيم كريم وأيدٍ بالنّدى هُضُمُ
أيُّ الخلائـق ليســت في رقابهـم لأوَّليَّة هذا، أو له نعمُ
من يعرف الله يعرفْ أَوَّلِيَّةَ ذا ألدِّينُ مِن بيتِ هذا نالَه الأممُ


وختم الفرزدق قائلاً: هذا عليُّ بنُ الحسين بنِ عليّ بن أبي طالب.
فغضبَ هشام، وأمرَ بحبسِ الفرزدق بـ "عُسفان" بين مكّة والمدينة، فبعثَ إليه عليٌّ [زينُ العابدين عليه السلام] بألفِ دينار فردّها وقال: إنّما قلتُ ما قلتُ غضباً لله ولرسولِه، فما آخذُ عليه أجراً. فقال عليٌّ [زينُ العابدين عليه السلام]: نحنُ أهلُ بيتٍ لا يعودُ إلينا ما أعطينا، فَقَبِلَها الفرزدق، وهجا هشاماً، فقال:

أيحبسُني بينَ المدينة والّتي إليها قلوبُ النّاس يهوي مُنيبُها
يقلِّبُ رأساً لم يكن رأسَ سيّدٍ وعيناً له حولاءَ بادٍ عيوبُها


فأُخبِر هشام بذلك، فأطلقَه».
وختم السيّد الأمين: «وممّا مرَّ يُعلَم أنّ العزّ الحقيقيّ والجاهَ الصّحيح، إنّما هو للدّين والتّقوى والعِلم، لا للمُلك والقوّة والقَهر، فهذا هشام يحجُّ في خلافةِ أخيه عبد الملك، وبيده القوّة والسّلطان، وحولَه وجوهُ أهل الشّام، فيرومُ استلامَ الحجر الأسود فلا يقدر، ولا يعبأُ النّاسُ به وبملكِه وسلطانِه، وعليُّ بنُ الحسين الذي ليس له سلطانٌ غيرُ سلطان الدّين والتّقوى والعلم، وليس معه خَدمٌ ولا حشم، يتقدّمُ إلى استلامِ الحجر، فينظرُ النّاس إليه بعينِ الإجلال والإعظام، ويتنحّون له عن الحَجر حتّى يستلمَه، وفي ذلك عبرةٌ لمن اعتبَر». (السيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة: ج 1، ص 634 - بتصرّف يسير)

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات

إصدارات

17/12/2012

دوريات

نفحات