كلمة سواء

كلمة سواء

منذ يومين

محاورة الأخرين


محاورة الآخرين
حقائقُ وأوهام
ــــ إعداد: «شعائر» ــــ


ترتفع الأصوات من فترة إلى أخرى منادية بضرورة الحوار بين الحضارات والأديان، وبين أهل المذاهب للدّين نفسه، وربما بين أهل المذهب الواحد، حين تتنازعُهم الأهواء السياسيّة، فينقسمون ويتخاصمون، وربما يتقاتلون... وهنا يأتي السؤال: هل الدعوات إلى الحوار وقبول الآخر المختلف دعوات جادّة وحقيقيّة، أم أنّها أوهام أُطلقت لا لحلّ الأوضاع المتشابكة، بل للبهرجة الإعلاميّة.

دعوة أصيلة
الدّعوة إلى الحوار وإلى كلمة سواء تجمع الناس على الخير والحقّ، دعوة أصيلة، نادت بها الأديان السّماويّة، والقرآن الكريم نادى بضرورة الحوار، وظهر ذلك في آيات عديدة، منها: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:64.
وليس المقام هنا للوقوف على أقوال الجماعات المختلفة ومواقفها من قضيّة الحوار، وضرورة قبول الآخر، وعدم الاعتداء عليه أو على ماله أو عرضه، إنّما وضْع قضية الحوار على مشرحة الحقيقة في العصر الحديث.

حوار المذاهب

إنّ إقامة الحوار بين المذاهب الإسلاميّة، ضرورة ملّحة، ولا سيّما بعد صعود التيّارات التي تنسبُ نفسَها للإسلام، ولا ترى بأساً في إلغاء الآخر ولو بقوّة السلاح. فقد لعبت بالأُمّة جهات، اتّخذت من الشّعارات المذهبيّة مطيّةً للوصول إلى مآربها، فتصدر فتوى من هنا أو هناك، تكون نتيجتُها إراقة دماء الأبرياء، لا لشيء، سوى اختلافهم في المذهب. فترى أتباع هذا المذهب يكفّرون غيرَهم من المذاهب الأُخَرَ، فيحلّلون ما حرّم الله تعالى من سفك الدّماء وقتْل النّفوس المحترمة، وهتك الأعراض، وترتفع أصواتهم تثير الأحقاد والضغائن، أكان عبر الوسائل المرئيّة أم المسموعة، وكأنّ العالم الإسلاميّ والعربيّ لا يعاني من مشاكل الاحتلال الأجنبي، والتنمية، والأميّة، والفقر!

الحوار بين الحقيقة والوهم

هناك دعوات صادقة من أجل إقامة الحوار بين الأديان، أو بين أتباع الدّين الواحد، ولا سيّما أنّنا أمّةٌ نُهبت خيراتُ بلادها، وحكمَها أهل الفساد الذين لا يتورّعون عن إلحاقها بالأجنبي الطّامع في ثرواتها، وعن إغراقها بالدّيون والتخلّف والجهل حتى يبقوا حاكمين.
فهؤلاء الذين يدعون إلى الحوار بصدق وشفافيّة، خبروا سوء الخلاف الذي أجّجه المنتسبون إلى الإسلام، وأفضى إلى بثّ الكراهية والحقد والقتل ضدّ جمهورٍ عريضٍ من المسلمين، ما ينذر بسوء العاقبة. وهم في دعوتهم للحوار يهدفون إلى الحفاظ على الإسلام كدين وعقيدة، وعلى المسلمين كأُمّة مسلمة كانت خير أمّة أُخرجت للناس... فعندما يتعاون المسلمون ويقبلون بعضهم بعضاً يكونون كالبنيان المرصوص، لا أحد يستطيع اختراق كيانهم الجغرافي أو السياسيّ والاقتصاديّ. ولو عدنا إلى التاريخ زمن المغول قبل سقوط بغداد، كان هؤلاء قد أرسلوا جواسيسهم، على هيئة تجّار، إلى بغداد ليخبروا أهلها، فوجدوا تجّارها في وئامٍ وَوِفاق، إذ كان التّاجر عندما يبدأُ صباحه بالبيع الوفير، يطلب من الشّاري القادم التوجّه إلى جاره الذي لم يبِع شيئاً بعد، علماً أنّ أولئك التجّار توزّعوا بين غير مذهبٍ إسلاميٍّ واحد، لكنّهم لم يتصرّفوا اتّجاه بعضهم بحسب اختلافهم المذهبيّ، فعاد الجواسيسُ وأخبروا قاداتهم أن الظروف غير مؤاتية لغزو بغداد. وبعد مدّة، قصدوا بغداد مرّةً أخرى، فوجدوا النّعرات المذهبيّة على أشدّها، وقد أضرمَ نارها مَن يدور في فلك السلطة الحاكمة، تريد بذلك -كما هو الحال اليوم في معظم الأقطار العربيّة والإسلاميّة- أن يدومَ سلطانُها بالتّفرقة وبثّ الخلاف. فرجع الجواسيس وأخبروا هولاكو بما عاينوه من انعدام الوئام الذي ألفوه قديماً بين تجّار بغداد، فعلمَ أنّ الوقت حان لغزوها، فكان سقوطها المدويّ في التاريخ، إيذاناً بانهيار العالم الإسلامي، لولا أن تدارك الموقف طائفةٌ من أعلام المسلمين ،كنصير الدين الطوسي والسيّد ابن طاوس وغيرهما.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات

إصدارات

منذ يومين

دوريات

نفحات