الجهاد الأكبر. -11- آثار جهادكم الأكبر في بلاد السِّند

الجهاد الأكبر. -11- آثار جهادكم الأكبر في بلاد السِّند

منذ يوم

من الواضح أن الجهاد الأكبر يعطي للجهاد الأصغر المحتوى، والمضمون الحقيقي، الذي بدونه يصبح مانتصوره الجهاد الأصغر، عملاً عسكرياً لا قيمة له فضلاً عن أن تكون جذوره ضاربة في أعماق النفس والوجود.

من الواضح أن الجهاد الأكبر يعطي للجهاد الأصغر المحتوى، والمضمون الحقيقي، الذي بدونه يصبح مانتصوره الجهاد الأصغر، عملاً عسكرياً لا قيمة له فضلاً عن أن تكون جذوره ضاربة في أعماق النفس والوجود.


بمناسبة زيارة وفد حزب الله إلى الباكستان

للمشاركة في مجلس تأبين الشهيد السيد عباس الموسوي رضوان الله تعالى عليه.

السلام على السادة المجاهدين ورحمة الله وبركاته.

من الواضح أن الجهاد الأكبر يعطي للجهاد الأصغر المحتوى، والمضمون الحقيقي، الذي بدونه يصبح مانتصوره الجهاد الأصغر، عملاً عسكرياً لا قيمة له فضلاً عن أن تكون جذوره ضاربة في أعماق النفس والوجود.

بدون المحتوى النابع من الجهاد الأكبر يصبح ما نسميه جهاداً أصغر، زبداً، لا ينفع الناس ولا يمكث في الأرض.

بمقدار ما يهتهم المجاهد في جبهة الجهاد الأصغر ببناء نفسه، يتعملق جهده فيصبح جزءاً من موكب النور.

يتصل بالنهج البدري والكربلائي، نهج المانعة والإعتراض، والرفض للفراعنة الذي كان من أبرز محطاته وقوف السحرة في وجه فرعون.

ويتحقق هذا الإتصال من خلال " الفعل الإستراتيجي" الذي تحققه النية!

إن كانت المادة تختزن من الطاقة الهائلة مالاقبل بتصوره، فماذا يمكن أن تختزن النفس وعوالمها المعنوية؟

أليس من يعمل عملاً صالحاً فيقتدي به الناس من بعده، يسن سنة حسنة، له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.[1]

أليس من أحب عمل قوم أُشرك في عملهم؟[2]

وهل يمكن أن نتصور العمل الصالح وسن السنة الحسنة بمعزل عن المحتوى الداخلي، الذي هو العلاقة بالله عز وجل وإخلاص النية في العمل؟

من يبني مسجداً بنية خالصة لوجه الله عز وجل، فإن هذه النية قد تصل إلى حيث تؤثر في مدة بقاء المسجد، وعلى نسبة المصلين فيه وعلى مصائرهم وذرياتهم، وعلى عدد الذين اهتدوا إلى الصراط المستقيم من خلال هذا المسجد، وعلى الوضع الديني وبالتالي الإجتماعي والسياسي، في تلك المنطقة ً، وفي غيرهاعموما.

هكذا تكون النية بصدورها من اليقين والتقوى والورع، أي من وادي طوى الجهاد الأكبر، قد أعطت لهذا العمل قيمته والمحتوى، وجعلته يخرج من إطار الزبد، والعمل الإستعراضي إلى إطار العمل الحقيقي، ليمتد وينتشر، ويتجذر ويخلد.

بعد من الأبعاد التي ينبغي أن نلحظها في آثار الجهاد تأثير الأعمال القائمة على الجهاد الأكبر على الناس.

إن اهتمام المجاهدين في المقاومة الإسلامية أعزّها الله، بتهذيب النفس يجعل المقاومة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى، فإذا اهتمام الملأ الأعلى بالمقاومة وقوافل الشهداء و رعاية الأنبياء والأولياء بالمقاومة، يعجز البيان عن وصفه، بل يعجز العقل عن إدراك كنهه.

كل ذلك مرتبط بالمخزون الشعوري والوجداني الناشيء من الإلتفات إلى أننا بين يدي الله عز وجل، وسنعرض عليه " إنا لله وإنا إليه راجعون" نحن له ملكه، وسنرجع إليه سبحانه.

نقر له تعالى بالملك، ونقر على أنفسنا بالهُلك، كما هو مؤدى الرواية عن المولى أبي الحسن عليه صلوات الرحمن.

أضف إلى ذلك أن هذه العناية من المجاهدين بالمخزون الإيماني، تجعل المقاومة الإسلامية تمتد بين الناس. إذا أحب الله عبداً حبب الناس به، وإذا أحب الله عملاً حبب الناس به.

أقف هنا عند امتداد المقاومة الإسلامية أعزّها الله بين المسلمين في العالم وارتباط ذلك بمخزون الجهاد الأكبر فيكم - أيها الأعزاء- هذا المخزون الهائل الذي نستطيع أن نتنسم شذاه، من خلال كل عملية استشهادية، وعبر كل روحية مجاهد وشهيد نتشرف بمحادثته والتعرف إليه.

في سرنا مؤخراً إلى باكستان قال أحد المسؤولين الكبار في إحدى حركات التحرر: نحن تأسست حركتنا قبلكم بكثير ولم نستطع أن نفعل شيئاً مما فعلتم، وأنتم تأسس عملكم قبل حوالي 11 سنة وأصبحتم ملء السمع والبصر وأنزلتم بالشيطان الأكبر الضربات القاصمة! فما هي التقنية التي اعتمدتموها وكيف استطعتم أن تحققوا ذلك خلال هذه الفترة القصيرة؟

أوضحت له في الجواب محورية مسألة الإرتباط بالله عز وجل " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ".

الفرق كبير بين عمل يتولاه الله سبحانه وتعالى فينمو ويكبر ويربو وتضرب جذوره في أعماق السماء والأرض، وبين عمل مرتبطٍ بالأنا، بالإنسان المحدود، فمهما بدا هذا العمل كبيراً فإنه إلى زوال.

لا ينفصل تأثير المقاومة الإسلامية -أعزّها الله تعالى - على المسلمين وعلى المستضعفين، وعلى الناس عموماً، عن الجهاد الأكبر إطلاقاً.

يمكننا معرفة سر المقاومة الإسلامية،عندما نتأمل المخزون الإيماني الكبير في نفس الشهيد أحمد قصير رضوان الله تعالى عليه، الذي يجعله يتقحم هذا الذي يعتبره غيره موتاً زؤاماً، وهو موقن بأن حلمه يتحقق.

هذا المخزون في الشهيد أحمد وفي الشهيد " أبو زينب" والشهيد الحاج جواد والشهيد الشيخ أسعد برو، والشهيد هيثم دبوق، والشهيد الحر العاملي، وسائرالشهداء كالشهيد الشيخ راغب والشهيد أبي ياسر سيد شهداء المقاومة وشيخ شهدائها - هذا المخزون الكبير- بالإضافة إلى أنه سبب للنصر بتوفيق الله تعالى، وشفاء صدور المؤمنين، وموت المنافقين والكفار بغيظهم، هو في نفس الوقت سبب لامتداد المقاومة الإسلامية على مستوى العالم الإسلامي، وانطلاقة موكب المجاهدين وكواكب الشهادة.

وقفت طويلاً أتأمل خروج الناس في بلاد السند لاستقبال وفد حزب الله، وفد المقاومة الإسلامية.

إنها بلاد السند! من الشائع بيننا التمثيل للمكان البعيد جداً ب" بلاد السند والهند" !

في بلاد السند خرج الناس إلى المطار يستقبلون وفد حزب الله، وطبعاً ليس الأمر مرتبطاً بشخص أو بأشخاص- ومن أنا وغيري من الإخوة في الوفد، ومن يعرفنا هناك- وإنما المسألة مسألة المقاومة الإسلامية وحزب الله، مسألة دماء الشهداء المباركة التي قُدمت من منطلق الجهاد الأكبر وبكل تواضع.

لسان حال كل شهيد في المقاومة الإسلامية ما قاله الشهيد أبو ياسر رضوان الله تعالى عليه: أقدم نفسي، وأقدم روحي، أقدمهما والخجل يعتصرني إذ كيف أعيد الأمانة ملوثة! كيف أعيدها ملوثة!

هذا المخزون هو الذي جعل المقاومة الإسلامية بتوفيق الله تعالى تعبر أربع رياح الأرض.

وفي مهرجان حاشد في بلاد السند جاء الناس وفوداً من مناطق مختلفة.

جاءت كل هذه الحشود لتشارك في فاتحة للشهيد السيد عباس، وتعبر عن اعتزازها بالمقاومة الإسلامية في أسبوع المقاومة الإسلامية.

كان الجو أشبه ما يكون بأي جوٍّ نشاهده في احتفال جماهيري حاشد عندنا في البقاع أو في الجنوب!

بل يمكن أن نلاحظ إيجابيات تميز هذا المهرجان في " سَكْهَر" من بلاد السند عن كثير من مهرجاناتنا هنا.

عندما استعرضت تفاصيل استشهاد الشهيد أبي ياسر رضوان الله تعالى عليه، كان الجو جو بكاء، وتفجع، ثم عندما طُرحت في المهرجان فكرة أننا لا نفهم المقاومة الإسلامية مقاومة اللبنانيين وحدهم، و مقاومة المسلمين في المناطق المجاورة لفلسطين العزيزة المحتلة وحدهم، وإنما المقاومة الإسلامية هي مقاومة كل المسلمين في العالم، هي مقاومتكم، ولكي نثبت ذلك نريد أن نوجه من هنا التحذير إلى الشيطان الأكبر، ونقدم الدليل الواضح على أن المقاومة الإسلامية هي مقاومة كل المسلمين فرغم أننا الآن في لبنان لسنا بحاجة إلى أفراد يشاركون معنا، لأننا بحمد الله تعالى نمتلك الأعداد الكبيرة والكافية، ولكن إذا لزم الأمر، فهل أنتم مستعدون للمشاركة في مواقع الجهاد مع مجاهدي المقاومة الإسلامية.

من كان منكم مستعداً لذلك فليقف مثبتاً بذلك حبه للمشاركة.

ووقف الجميع وقفة رجل واحد، وبدأت الهتافات تتعالى: سيروا ونحن من ورائكم.

نريد أن نحارب العدو الصهيوني.

في كشمير وفي بلاد السند، في كراتشي وفي لاهور وإسلام آباد وسائر المناطق التي ذهبنا إليها، كنا نشعر أننا بين الجماهير التي لا يوصف حماسها للمقاومة الإسلامية، بين جماهير المقاومة الإسلامية حقيقةً، حتى لتخال أن الجبهة امتدت من لبنان إلى كشمير.

لا يصح أن نفهم هذا الأمر على أساس أن الأداء العسكري للمقاومة الإسلامية، هو السبب.

إن المخزون الإيماني الهائل في شهداء المقاومة الإسلامية رضوان الله تعالى عليهم، والصبر على مضض المعاناة عند أسرى المقاومة الإسلامية، وكذلك الصبر في مواقع الجهاد رغم الشدائد والهزاهز، والصبر في مختلف المنعطفات على المعاناة التي فرضت على مجاهدي المقاومة الإسلامية، كل هذا الصبر قربةً إلى الله وحرصاً على رضوانه تقدّست أسماؤه وإصراراً على اللحاق بالركب الحسيني لنكون حقاً ممن يحق له أن يقول " يا ليتنا كنّا معك سيدي " كل هذا المضمون الجهادي مضمون الجهاد الأكبر في المقاومة جعلها بعين الله عز وجل تنمو، وتولى الله سبحانه وتعالى حفظها وتسديدها والنصر.

أيها الأعزاء: مسؤوليتنا كبيرة جداً، إما أن نجد في صحائف أعمالنا في يوم القيامة أننا أسهمنا في حفظ هذا الإنجاز الكبير، وإما أن نجد في صحائف أعمالنا- لا سمح الله - أننا بتقصيرنا أو بغرورنا والعجب بأنفسنا، بدأنا نهمل بُعد الجهاد الأكبر، ونغلّب الجوانب الأخرى فإذا بالمسار يستبدل، وتخسر الأمة الإسلامية رقماً صعباً في مواجهة الأعداء.

إن المسؤولية كبيرة.

علينا في شهر الله تعالى أن نتوسل ونتضرع، لنوفق لحمل الأمانة.

اللهم اجعلنا ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بنا غيرنا برحمتك يا أرحم الراحمين,

والحمد لله رب العـالمين.


--------------------------------------------------------------------------------
[1] العلامة الحلي، منتهى المطلب2/996 عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وتتمة الحيث: " من غير أن ينقص من أجورهم شيء".
[2] المجلسي، البحار98/196 عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

اخبار مرتبطة

نفحات