السُّنَن المهجورة

السُّنَن المهجورة

08/03/2013

من آداب الطعام


الضّيفُ يأتي بالرِّزقِ الكثير
آدابُ الطّعام، والضّيافة 
ــــ صاحب (الجواهر) قدّس سرّه ـــــ

آيةُ الله الشّيخ محمّد حسن النّجفيّ (ت: 1266 للهجرة)، شيخُ الفقهاء، وصاحبُ الموسوعة الفقهيّة المتميّزة (جواهر الكلام)، التي فاقت -بشهادة العلماء الأعلام- جميعَ ما سبقَها من الموسوعات سعةً وجَمعاً، وإحاطةً بأقوال العلماء وأدلّتِهم، مع مناقشتِها وبُعد نظرٍ وتحقيق، حتّى عدّها بعضُهم من أعجبِ ما حدثَ في زمنِ مؤلِّفها، في إشارةٍ إلى أهمّيتِها وعظَمتِها.
ولا أدَلّ على مكانة الشّيخ النّجفيّ الذي اشتُهِر لاحقاً بـ «صاحب الجواهر»، من أنّ الشّيخَ الأنصاريّ صاحب (الرّسائل) و(المكاسب) قدّس سرّه كان يحضرُ مجلسَ درسِه «تبرُّكاً واحتراماً»، كما أنّ الإمام الخمينيّ قدّس سرّه أطلقَ مصطلحَ «الفقه الجواهريّ»، مؤكّداً على مواصلة حركة الاجتهاد بالمنهجيّة العلميّة التي اعتمدها الشّيخ محمّد حسن النّجفيّ.
يقول الإمام الخمينيّ قدّس سرّه: «..يجب عدمُ إهمال الفقه أو نسيانه، ويجب أن يبقى على نفس الصّورة التي كان عليها. يجبُ الحرصُ على تقويةِ الفقه الجواهريّ».
ويقول في موضعٍ آخر: «أمّا بالنّسبة إلى الدّروس والبحوث داخل الحوزات فإنّي أؤمنُ بالفقهِ التّقليديّ والاجتهادِ الجواهريّ، وأرى عدمَ جوازِ التّخلُّفِ عنه..».
ويوضح رضوان الله عليه قائلاً: «..طبعاً في ذات الوقت الذي يتمّ التّرويج للاجتهادِ الجواهريّ بشكلٍ دقيقٍ وراسخ، تتمُّ الاستفادةُ من الأساليبِ الحديثة، والعلومِ التي تحتاجُ إليها الحوزاتُ الإسلاميّة».
النَّصّ الآتي، من موسوعة (جواهر الكلام) في استحبابِ استفتاح الطّعام بالملح، وفي آداب المائدة والضّيافة، وفضلاً عن إضاءته على سُنَنٍ وردَ الحثُّ عليها، فإنّه يكشفُ عن طريقة مقاربة المراجع والفقهاء العناوينَ التي قد تبدو ثانويّة، فقد استشهدَ «صاحب الجواهر» في هذا المقطع المقتضب بأكثر من ثلاثين رواية، لتأكيدِ ضرورةِ العناية بهذه السُّنن المهجورة.


..[ومن آدابِ الطّعام] الابتداءُ بالملحِ والاختتامُ به، فإنَّه يُعافي من اثنين وسبعين نوعاً من أنواع البلاء، منها «الجُنون، والجُذام، والبَرَص»، وفي بعضِ الأخبار: «أيْسرُها الجذام»، وفي ثالث «أهْوَنها الجنون، والجذام، والبَرَص، ووجعُ الحلق والأضراس، ووجعُ البطن»، بل في آخر «مَن افتتَح طعامَه بالملح، ذهبَ عنه سبعون داءً، وما لا يعلمُه إلّا الله»، و«لو يعلمُ النّاسُ ما في الملح لاختاروه على التّرياق المجرَّب». بل قال الإمام الصّادق عليه السلام: «مَن ذرَّ الملحَ على أوّلِ لقمةٍ يأكلُها استقبلَ الغنى»، وفي آخر «ذهبَ عنه نَمَشُ الوجه». ".."
وفي خبر الهمدانيّ: «أنَّ رجلاً كان عند الرِّضا عليه السلام بخراسان فقُدِّمت إليه مائدة عليها خلٌّ وملح فافتتحَ بالخلّ، قال الرّجل: جُعِلتُ فداك، أمرتمونا أن نفتتحَ بالملح، فقال عليه السلام: هذا مثلُه -يعني الخلّ- وإنَّ الخلّ يشدُّ الذّهنَ ويزيدُ في العقل».
وفي (الدّروس) [للشّهيد الأوّل]: «ويُستَحبُّ البَدأة بالملح والختمُ به، ورُوِيَ الخَتمُ بالخَلّ». وفي (الوسائل) [للحرّ العامليّ]: «ويأتي ما يدلُّ على استحبابِ الافتتاحِ بجملةٍ من الأطعمة والاختتامِ بها، فيجمع بينها وبين ما تقدَّم إمّا باستحبابِ الجمع، أو بالتّخيير، أو بحملِ أحاديثِ الملحِ على الابتداء الحقيقيّ لكثرتِها وشُهرتِها وصراحتِها، و[يحمل] ما عداها على الابتداء الإضافيّ، وكذا الخَتم».



من مستحبَّات المائدة، والضّيافة

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «الطَّعام إذا جَمَع ثلاثَ خصال فقد تمّ: إذا كانَ من حَلال، وكَثُرت الأيدي عليه، وسُمِّي في أوّلِه وحُمِد اللهُ في آخره».
وعنه صلّى الله عليه وآله:«ما مِن رجلٍ يجمعُ عيالَه ويضعُ مائدتَه فيُسمُّون في أوّل طعامِهم ويحمدون في آخره، فتُرفَع المائدة حتَّى يُغفَر لهم».
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يأكل كلَّ الأصناف من الطّعام، وكان يأكلُ ما أحلَّ اللهُ له مع أهلِه وخدمِه إذا أكلوا، ومع مَن يدعوه من المسلمين على الأرض، وعلى ما أكلوا عليه، وما أكلوا، إلَّا أن ينزل بهم ضيفٌ فيأكل مع ضيفِه.
وكان الإمام الرّضا عليه السلام إذا خلا ونصبَ مائدتَه جلسَ معه على مائدتِه مماليكُه ومواليه حتّى البوّابُ والسّائس، ولا يدَعُ صغيراً ولا كبيراً منهم، حتى أنَّ رجلاً من أهل بلخ قال له يوماً: لو عزلتَ لهؤلاء السُّودان مائدة، فقال له: «مَه، إنَّ الله تبارك وتعالى واحد، والأمُّ واحدة، والأبُ واحد، والجزاءُ بالأعمال».
ومِن حقِّ المسلمِ على المسلمِ أن يجيبَه إذا دعاه، ولو على خمسةِ أميال، فإنَّ ذلك من الدِّين، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يُجيبُ الدَّعوة، وفي الخبر: «أنَّ مِن أعجز العجزِ رجلاً دعاه أخوه إلى طعامِه فتركَه من غير علّة».
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «لو أنَّ مؤمناً دعاني إلى طعامِ ذراعِ شاةٍ لَأَجبتُه، وكان ذلك من الدِّين، ولو أنَّ مشركاً أو منافقاً دعاني إلى جَزورٍ ما أجبتُه، وكان ذلك من الدِّين».
ونهى صلّى الله عليه وآله -في حديث المناهي- عن إجابة الفاسقين إلى طعامِهم، وقال صلّى الله عليه وآله في وصيَّته لأبي ذرّ: «لا تُصاحب إلَّا مؤمناً، ولا يأكل طعامَك إلَّا تقيّ، ولا تأكُل طعامَ الفاسقين، يا أبا ذرّ، أطعِم طعامَك مَن تحبُّه في الله، وكُلْ طعامَ مَن يُحبُّك في الله».



أدبُ التّعامل مع الضّيف

عن الإمام الصّادق عليه السلام: «إذا دخلَ عليك أخوك فاعرضْ عليه الطّعام، فإنْ لم يأكُل فاعرِض عليه الماء، فإنْ لم يشرَب فاعرِض عليه الوضوء». وعنه عليه السلام: «المؤمن لا يحتشمُ من أخيه، وما أدري أيّهما أعجب؟ الذي يكلّفُ أخاه إذا دخلَ عليه، أو المتكلِّفُ لأخيه».
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «من تكرمةِ الرّجلِ لأخيه أن يَقبلَ تحفتَه ويُتحفَه بما عنده، ولا يتكلّف له شيئاً، ولا أحبُّ المتكلِّفين». و«كفى بالمرء إثماً أن يستقلَّ ما يقرِّب إلى إخوانِه، وكفى بالقومِ إثماً أن يستقلُّوا ما يقرِّبه إليهم أخوهم».
نعم قال الإمام الصَّادق عليه السلام: «إذا أتاك أخوك فَأْتِه بما عندك، فإذا دعوتَه فتكلَّف له»، و«تُعرَف مودّة الرجل لأخيه بكثرةِ أكلِه من طعامِه».
وفي الأخبار: «إذا دخلَ الرّجلُ بلدةً فهو ضَيْفٌ على مَن بها من إخوانِه وأهل دِينِه حتّى يَرحل عنهم». و«مَن كان يؤمنُ باللهِ واليوم الآخر فلْيُكرم ضيفَه»، و«من حقِّه أن يعدَّ له الخِلال»، و«الضّيف يُلطَف به ليلتَين، وإذا كان اللّيلة الثّالثة فهو من أهل البيت يأكلُ ما أدرك». بل «الضّيافة أوّل يومٍ حقّ والثّاني والثّالث، وما كان بعد ذلك فهو صَدَقة».
ولا ينبغي النّزول عند مَن لا يكون عنده ما يُنفق عليه، كما أنَّه لا ينبغي خدمةُ الضّيف فضلاً عن استخدامِه. و«إذا دخلَ الضّيفُ دخل بالرِّزق الكثير، وإذا خرجَ خرجَ بالمغفرة»، بل «ما من ضيفٍ حلَّ بقومٍ إلَّا ورزقُه في حِجرِه».
وينبغي أكلُ المضيف مع ضيفِه، وأن يكون أوّل مَن يَضع يده وآخِر مَن يَرفعُها.




استحبابُ التّخَلُّل

ومن حقِّ الضّيف إعداد الخلال له لأنَّه يُستحبّ التخّلّل، وقد «نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله بالخِلال والسّواك والحجامة». والتّخلّل يطيِّب الفم وينقِّيه، وهو مصلحةٌ للّثة والنّواجذ [أضراس العقل] ومجلبةٌ للرّزق.
لكن نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن التّخلّل بعُودِ الرّمان والآسِ والقصب، وقال: «إنّهنّ يحرَّكن عِرْقَ الأَكِلَة [داءٌ في العُضْوِ يَأْتَكِلُ مِنْه، وهو الحِكَّةُ بعَينِها]»، ونهى أبو الحسن عليه السلام عن التّخلّل بِعُود الرّيحان وقضيب الرّمّان، «لأنهنّ يهيّجان عِرْقَ الجذام». بل عن الإمام الصّادق عليه السلام: «مَن تخلَّل بالقصب لم تُقضَ له حاجة ستّة أيّام». وكان النّبيّ صلّى الله عليه وآله يتخلّلُ بكلّ ما أصاب، ما خلا الخوص والقصب. وقال عليه السلام أيضاً: «لا يَزْدَرِدَنَّ [يبتلع] أحدُكم ما يتخلّلُ به، فإنّه يكون منه الدُّبَيْلَة» وهي داءٌ [جراحٌ] في الجَوْف..
(مختصَر بتصرّف بسيط)


اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

نفحات