تحقيق

تحقيق

07/06/2013

«التَّوسِعة» في الحَرَم المكّي

«التَّوسِعة» في الحَرَم المكّي

تحالفُ الوهّابيّة مع رجال الأعمال

 

ـــــ إعداد: أحمد الحسيني ـــــ

أنْ تَبقى مدينةُ خَيبر الأثريّة محفوظةً بأبنتيِها القديمة وجميعِ معالِمِها، بناءً لِطلَبِ «الإسرائليّين»، وتُطمَس الآثار النّبويّة في الحرم المكّيّ والمدينة المنوّرة، لَشيءٌ يدعو إلى العَجب والتوقّف مليّاً أمام أهداف التّوسعة... فظاهِرُها –وفق المزاعم السّعوديّة- تيسيرُ الطّواف، حيث تَستوعِب المساحةُ الجديدة أعداد الطّائفين ثلاث مرّات عمّا كان من قبل، وتوسيعُ مساكن الحجّاج لاستقبال الأعداد المتزايدة الّتي تَتدفّق على مكّة المكرّمة.

أمَّا باطنها، فطَمْسُ المعالم النّبويّة، وإزالة التّراث الأثريّ والتّاريخيّ والثّقافيّ للحرَمَين الشّريفَين، على نحوٍ تنقطعُ صلةُ المسلمين بكلّ مَعْلَمٍ قديمٍ ارتبط بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله، وبِمَهبط الوحيِ والرّسالة السّماويّة، وزيادة أرباح حيتان الرّأسماليّين المحليّين والغربيّين.

ماذا يجري في «الحَرَم المكّيّ»؟ ولماذا يلوذ المسلمون بالصّمت أمام الجريمة التّاريخيّة الكبرى بحقّ أقدس المعالم الإسلاميّة التي تُقلَع وتُطمَس، في زمنٍ تُحاول كلُّ أمّةٍ الحفاظ على تُراثها بكلّ أشكاله؟ فهل الحَفْرُ في الحرم المكّيّ والحَفْرُ تحت المسجد الأقصى صِنْوان؟ وهل يَرميان إلى الهدف نفسِه؟؟


مشروع التّوسعة السّعوديّ

\تقومُ المملكة السّعوديّة بتَوسعةِ صحن المَطاف في الحرم المكّيّ، حيث يجري فيه ترحيلُ الرّواق الشّرقيّ المُتمِّم للرّواق العبّاسيّ باتِّجاه الغرب، لإفساح المجال لِتَوسعة مسارِ الطّواف في الأدوار العليا، ويُنتظَر أنْ تبلغَ قدرة استيعاب مَطاف المسجد الحرام، بعد اكتِمال توسعتِه، إلى أكثر من مائة وخمسين ألف طائف في السّاعة، وذلك في إطار خطّةٍ لتوسيعِ مساكنِ الحجّاج، واستيعابِ الأعدادِ المتزايدةِ الّتي تتدفّق على مكّة، وتُقدَّر كلفة المشروع بمليارات الدّولارات، هكذا في التّصريحات الرّسميّة السّعوديّة.

وكان الملك السّعوديّ عبد الله بن عبد العزيز قد عيَّن إمام الحَرَم المكّيّ عبد الرّحمن السُّدَيس مسؤولاً عن مشروع التّوسيع الّذي تتولّاه شركة «مجموعة بن لادن». وأفادت التّقارير أنّ المشروع يَستغرقُ تنفيذُه ثلاث سنواتٍ، ويَهدف إلى «تيسيرِ الطّواف، واسْتيعابِ ازديادِ أعداد الطّائفين ثلاث مرّات، مع مراعاة أوضاع كبار السّنّ وذوي الاحتياجات الخاصّة، من خلال منظومة حركةٍ مستقلّة». والملاحَظ في الوقت نفسه تشييدُ عددٍ كبيرٍ من ناطحات السّحاب، والمجمّعات التّجاريّة الضّخمة، على أنقاض عشرات الأحياء المكّيّة القديمة المحيطة بالحرَم الشّريف.

وتشهد المدينة المنوّرة والحَرَم النّبويّ أيضاً «أعمال تَوْسِعةٍ وتطويرٍ»، يرى الكثيرون فيها طريقةً لِطَمْس معالمَ إسلاميّةٍ لا تُريد السّلطةُ الحاكمةُ إظهارَها، كما طَمَست في وقتٍ سابق عدّةً منها.


الغطاءُ الفقهيّ الوهّابيّ للدّمار والتّشويه

كان المفتي العامّ للملَكة السّعوديّة الشّيخ عبد العزيز بن عبد الشّيخ قد أَجازَ هَدْمَ الآثار بذريعةِ توسعةِ الحرمَين الشَّريفَين، وتنصّ فتواه: «ما هُدِمَ من أثرٍ في الحرمَين الشّريفَين لا مانعَ منه، بل إنّه من الضّروريّ»، وجاءت الفتوى في سياق كلامه في ندوةٍ أُقيمت بالرّياض. ورأى أنّ ما تُنفذّه المملكة من مشاريع توسعة هو «عملٌ شريف تُشكَرُ عليه الدّولة وهو من الضّروريّات، فلولا التّوسعة لما وَسعَ الحجّ لملايين البشر، وهي -أي أعمال التّوسعة- أمرٌ مشروع».

وكان الشّيخ عبد العزيز بن باز مفتي السّعودية السّابق أعلن في فتوًى له عام 1994م أنّه «لا يجوزُ تمجيدُ المباني والمواقع التّاريخيّة»، وأضاف: «هذا العمل يؤدّي إلى الشّرك، لذلك من الضّروريّ رفضُ هذه الأعمال وتحذيرُ الآخرين للابتعاد عنها».

كما كان الشّيخ محمّد بن عُثيمين (مات في 2001م)، أحدُ أبرز رجال الدّين الوهّابيّين في السّعوديّة، الّذي ألقى خُطَبه في المسجد الحرام في مكّة لأكثر من 35 عاماً، قال مرّةً: «نأمل في يوم من الأيّام أن نكون قادرين على هَدْم القبّة الخضراء للنّبيّ محمّد!!»، وفقاً للتّسجيل الموجود لدى «مؤسّسة بحوث التّراث الإسلاميّ»، ومقرّها لندن. وتَتداول الأوساط الإسلاميّة أنّ كُتيّباً وُزِّع قبل سنواتٍ في المسجد النّبويّ، وردت فيه الدّعوة إلى هَدْمِ القبّة الخضراء، وإزالة معالم الضّريح الذي يتضمّن الجسد المقدّس لرسول الله صلّى الله عليه وآله.

فَأمامَ هذا الغطاء الدّينيّ الوهّابيّ، سُمح باستمرار أعمال المشروع، على الرّغم من أنّ الأصواتَ ارتَفَعَت مُستنكِرةً لِما يجري في الحَرَم المكّيّ، وساعد على هذا الهَدْم المريع، عقيدةُ المملكة الوهّابيّة، الّتي تَستخفّ بالآثار، وترى زيارة القبور شِرْكًا بالله؛ ففي العام 1925م، قامت الدّولة بهَدْم «مقبرة البقيع»، حيث سُوِّيت قبورٌ عدّة لآل النّبيّ صلوات الله عليه وعليهم، وزوجاتِه، وأصحابِه بالأرض.


إزالة الآثار المقدّسة مجدّداً

تُطالِعنا الصُّوَر المأخوذة من المشروع، على عمّالٍ ومعهم حفّاراتٌ آليّة، وقد بدأوا بهَدم بعض أجزاء من آثارٍ تاريخيّة تعود للدّولتَين العبّاسيّة والعثمانيّة في الجانب الشّرقيّ من المسجد الحرام في مكّة المكّرمة. ويُفيدُ المراقبون أنّه جرى هَدْمُ أعمدةٍ مهمّةٍ تعود إلى مئات السّنين، وقد حُفر على العديد منها، بالخطّ العربيّ، أسماءُ صحابة النّبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، وأُرِّخ عليها لحظاتٌ مهّمةٌ من حياة نبيّ الإسلام، ويؤرِّخ أحدُ الأعمدة -الّذي هُدِمَ بالكامل- قصّة إسراء رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المسجد الأقصى، ومعراجه إلى السّماء؛ والمُعتَقَد أنّ رحلته السّماويّة على «البُراق» انطَلَقَت من مكان ذلك العامود. كذلك هُدِمَ عامودٌ آخر يَرمزُ إلى مكانٍ قُرِئ فيه القرآن.

لقد سُحِقَت هذه الأعمدة الأثريّة بآلاتٍ صناعيّة تقودُها أيْدٍ بشريّة، فأُزيلت وزالت معها وثيقةٌ تاريخيّةٌ لِمراحِل مضيئة من تاريخ الإسلام، لم تَمْحها عادياتُ الزّمان، حتّى كانت اللّحظة الوهّابيّة القاصِمة. فهذه الأعمدة هي آخر ما تبقّى من أقسام الحَرَم الأثريّة، وتُشكِّل المحيط الدّاخليّ على مشارف الأرض الرّخاميّة البيضاء المحيطة بالكعبة المقدّسة؛ ما أثارَ انتقاد علماءِ الآثار.

وكما فَتَك مِبضعُ العمران بجسد مكّة، فَتَك أيضاً بِرُوحها... لم تَعُدْ لِمكّة القدرة على إعادتِنا إلى زمنٍ مرَّ عليها يوم كان رسولُنا صلّى الله عليه وآله يتجوّل في طرقاتها... فعمليّات النّخْرِ بالأماكن الأثريّة في مكّة المكرّمة، كَنَخْرِ السّوس في الأسنان وتشويه الوجه... وتَجري تحت عنوانٍ واحدٍ هو «التّوسعة وتحسين الخدمات العامّة لمصلحة الحجّاج»!! علماً أنّ أعمال التّوسعة يمكن أن تَجري من دون اللُّجوء إلى هدم المواقع التّاريخيّة، إذ أنّ ناطحات السّحاب والأبراج أَخَذَت حَيِّزاً مهمّاً من المساحات، وبَدأت تعجّ بها مكّة، ما أبعدها عن طابعها الدّينيّ الّذي تتميّز به المدينة، فتغيّرت ملامِحُها في السّنوات العشر الأخيرة، إذ اختفت 95 في المائة من عماراتها القديمة الّتي تعود مئات الأعوام إلى الوراء، وارتَفَعَت حول المسجد الحرام مبانٍ عمرانيّة حديثة، منها ناطحة سحاب «أبراج البيت» الحاملة ساعة مكّة الشّبيهة بساعة لندن، وهي فندق مؤلَّفٌ من 120 طابقاً، وتُعدّ أضخم ناطحة من حيث المساحة في العالم.


الهَدمُ طمعاً بالمال

إثْرَ هدم الأماكن المقدّسة في الحَرَم المكّيّ، أَقْدَمَ الكثيرُ من المراقبين على إظهار النّوايا الحقيقيّة للمملكة الوهّابيّة. فَعَلى سبيل المثال، انتَقَدَت مجلّة «أتلانتيك» الأميركيّة -في تقريرٍ لها حَمَلَ عنوان: «مكّة: تحالفٌ غريبٌ بين رجال الأعمال ورجال الدّين في السّعوديّة»- قيام السّلطات السّعوديّة بهدم مواقع تاريخيّة في المدينة المقدّسة بِحجّةِ توسعة منطقة الحَرَم المكّيّ الشّريف. وتساءلت: «كيف لِهؤلاء القادة الوهّابّيين في السّعوديّة أنْ يَسمحوا بهدمِ تلك المواقع المهمّة والمقدّسة؟».

وأَلْمَحت المجلّةُ إلى أنّ هناك تقريراً صادراً عن المصرف السّعوديّ البريطانيّ (ساب)، وهو واحدٌ من أكبر المصارف في المملكة، يقول إنّه وفقاً للتّقديرات سيجري استثمار 30 مليار دولار في مشروعات البُنية التّحتيّة في مكّة المكرّمة على مدى السّنوات الأربعة القادمة من الشّركات المحليّة والأجنبيّة. كما أنّ رجال الأعمال والمقاولين وجدوا حليفاً غير مُتَوقَّع في رجال الدّين الوهّابيّين الّذين يعدّون احترامَ المواقعِ التّاريخيّة شكلاً من أشكال الوَثَنيّة، وسُعَداء لرؤيةِ تلك المواقع تُهْدَم.

وقالت «أتلانتيك»: «إنّ عدداً قليلاً من عُلماء الآثار والمُهتمّين بالحفاظ على البيئة، وكذلك المنظّمات غير الحكوميّة الأجنبيّة، هي الأصوات الوحيدة فقط الّتي تحاول مَنْع تَدمير هذه المواقع». وأضافت: «أنّ عمليّات الهدم الأخيرة في المسجد الحرام ليست سِوى أحدث ضحايا تقاطُعِ المصالح التّجاريّة والدّينيّة. فالملاحَظ ازدياد حركة التّسوّق التّجاريّة في أقدسِ مدينةٍ دينيّةٍ في العالم الإسلاميّ. وعندما سُئل حبيب زين العابدين، نائب وزير الشّؤون البلديّة والقرويّة بالسّعوديّة، ورئيس جميع مشاريع البناء ذات الصّلة بالحجّ في المملكة، عن هَدْم المواقع التّاريخيّة في مكّة المكرّمة، بدا غَير مبالٍ اتّجاه أهميّتها الدّينيّة، والمُهمّ بالنّسبة إليه، أنَّ الحجّ "فرصةٌ جيّدةٌ لزيارةِ مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، والقيام ببعض التّسوُّق، وقضاء العطلة"!! إنّ المواقع الدّينيّة والتّاريخيّة المتبقّية في مكّة المكّرمة أصبحت تُعَدّ على الأيدي الواحدة تقريباً».

 

 

الهدمُ سلسلةٌ متواصِلةٌ

ليست هي المرّة الأولى الّتي تُقدِمُ فيها السّعوديّة على إزالةِ أماكن دينيّة وأثريّة، ضاربة بعرض الحائط مشاعر المسلمين؛ ففي عام 2002م، جرى تدمير قلعة أثريّة بُنِيَت على تلّةٍ مُطلّةٍ على الكعبة المشرّفة في القرن الثّامن عشر، وذلك لِتوفير مساحةٍ إضافيّة لِناطحات السّحاب المحيطة بالحَرَم المكّيّ اليوم، ولِإفساحِ الطّريق أمام مشروع «أبراج البيت» الفندقيّ، وقد قامت بعض الحكومات في دول إسلاميّة، في حينه، بوصف هذا العمل بـ «العمل البربريّ»، وبأنّه «إبادةٌ ثقافيّة».

وكانت الحكومة السّعوديّة قد هَدَمت بالكامل منزلَ أمّ المؤمنين السّيّدة خديجة بنت خويلد عليها السلام، وهو المنزل الّذي عاشت فيه مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكذلك تَحَوَّل العديدُ من الأماكن التّاريخيّة الَتي تعود لِزَمن الرّسول وعصر صدر الإسلام، إلى سوقٍ أو مكتبةٍ، أو غَدَت مُجرّد أرضٍ مبلّطةٍ بالرّخام. أمّا الموقع الّذي وُلِدَ فيه النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله، فأصبحَ مكتبةً عامّة. وحتّى مواقع المعارك التّاريخيّة الّتي خاضَها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله في أُحُد وبَدْر بالمدينة المنوّرة، عُبِّدَت بالأسفلت لتكون مواقف للسّيّارات.

وقَدّر «معهدُ الشّؤون الخليجيّة»، ومقرُّه الولايات المتّحدة الأميركيّة، أنّ خمساً وتسعين في المائة من المباني الّتي تعود إلى مئات السّنين أُزيلَت خلال العقدَين الماضيَين، بينما تقول السّلطات السّعوديّة إنَّ هذه التّغييرات هي جزءٌ من خطّة تحديث المدينة لِما فيه خدمة للحجّاج!!

ويقدّر سامي عنقاوي، المؤسِّس والمدير السّابق لـ «مركز بُحوث الحجّ فى مكّة»، وأحد المُناهِضين لِهَدمِ المواقع التّاريخيّة في مكّة، عددَ المواقع القديمة الّتي جَرى هدمُها في مكّة والمدينة بأكثر من ثلاثمائة موقعٍ حتّى عام 2008م.

وكشفت مجلّة «الإندبندنت» البريطانيّة أنَّ المخطّطات الجديدة للمسجد النّبويّ في المدينة، ستؤدّي إلى هدمِ ثلاثةٍ من أَقدمِ المساجد في العالم. وقد هُدِمَت مساجدُ كانت للصّحابة، كما هُدِمَ قبرُ السّيّدة آمنة بنت وَهَب أمّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله، ومُعظم اﻟمساجد الّتي ثَبتَ أنَّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله صلّى فيها ﻗد هُدِمَت، ولا يوجد مَعلمٌ يَدلُّ عليها؛ إذ هُدِمَ «مسجدُ اﻟفضيخ»، وأُزيلَ «مسجد ثنيّة الوداع» و«السّقيا» [قيل إنّ هذا الأخير أُعيد بناؤه] وبئره الّتي استعذَب الرّسولُ الأكرمُ ماءَها، و«مسجد المُعرّس»، و«مسجد الفسح»، كما أُﻏﻠﻘت المساجد السّبعة باستثناء «مسجد الفتْح» و«القبلتَين»، وتوقَّفَت إﻗﺎمةُ صلوات اﻟجُمَع ﻓﻲ «مسجد الجمعة»، أوّلِ مسجدٍ صلّى فيه رسولُ اﷲ صلّى الله عليه وآله أوّلَ جُمعةٍ ﻓﻲ اﻹسلام. وتحوّلت «بئرُ بضاعة» إلى موقفٍ للسّيّارات، وحُوِّلت مياهُها إلى مرافق الحَرَم، علماً أنَّ هذه البئر دعا لها النّبيّ صلّى الله عليه وآله، و«بئر البصّة» الّتي صبَّ فيها غُسالةَ رأسِه الشّريف، وهي قريبةٌ من البقيع، وغيرها من الآبار، كما تحوّل موقع «الخندق» في معركة الأحزاب إلى طريقٍ عامّ، وسُوِّيَت بالأرض قبورُ الكثير من الصّحابة والتّابعين.


الانتقادات لِهَدْمِ المُقدّسات

وجَّه كثيرٌ من الغَيارى الانتقادَ للنّظام الوهّابيّ لِطَمْسِه المُتعمَّد التّراثَ الأثريَّ والتّاريخيَّ والثّقافيَّ للحرمَين الشّريفَين، والسّماح لتلك النّاطحات والأسواق الفخمة فيها وفي محيطها باحتلال مساحاتٍ كبرى، بدلاً من الحفاظ على الأماكن الأثريّة الدّينيّة، فهذه الآثار لا تُقدَّر بثمنٍ، وهي لِجميع المسلمين، وليس من المفتَرض أن ترتبط بفتوى لبقائها أو إزالتها، فالكُلُّ مُطالَبٌ بالحفاظ عليها، ومَن يَعرف الحَرَم، يُدرك أنّه ليس بحاجةٍ لهذه التّوسعة.

وكان عرفان العلويّ، رئيس «مؤسّسة التّراث الإسلاميّ» الّتي تعمل على حمايةِ المواقع التّاريخيّة في الحجاز، قد اتَّهم السّلطات بالتّسبّب بـ «تخريبٍ ثقافيٍّ» للمدينتَين المقدّستَين، معتبراً أنّ «أجزاءَ كبيرةً ومهمّةً من الطّابع المعماريّ لِمكّةَ والمدينة تضيع حاليّاً بسبب عمليّات الصّيانة والتّوسِعة». ويؤكّد العلويّ، وهو مؤرِّخٌ حجازيٌّ مقيمٌ في لندن، وجودَ طريقةٍ أفضل للتّعامل مع الموضوع، وقال: «أنا لا أَقِفُ ضدّ توسيع المسجد الحرام، ولكن يُمكنهم القيام بذلك من دون تدمير الجوانب الأثريّة والتّاريخيّة للمكان، ولكن من الواضح أنّ السّلطات السّعوديّة غير مُهتمّة لهذا الجانب أبداً». أضاف: «إنّ التّهديدات الّتي تواجهها المساجد الأثريّة تُضاف إلى قضيّة تدمير المناطق التّاريخيّة في السّعوديّة».

ووجَّهت «الرّابطة المغربيّة للمواطَنة وحقوق الإنسان» نداءً للحكومة المغربيّة من أجل «التّدخُّل العاجل» لدى الحكومة السّعوديّة لِوَقف التّدمير الخطير لِمواقع إسلاميّةٍ مهمّةٍ. ورأى رئيسُها الحقوقيّ إدريس السّدراوي، أنّ تدخُّل هيئته في قضيّة تدمير مآثر إسلاميّة يأتي كَوْن «تلك المآثر ليست في مُلكيّةِ السّعوديّة، وإنّما هي مُلْكٌ للعالم الإسلاميّ».

وجاء في بيان الرّابطة الّتي تَبَنَّت الدّفاع عن القضيّة، أنّ الحكومة السّعوديّة تدّعي أنّ هذا التّدمير «ضروريّ من أجل التّوسُّع وإفساحِ المجال للمزيد من الحجّاج، فيما يَرى الخبراءُ أنَّ التَّوسُّع مُمكنٌ دون تدمير هذه المواقع، حيث أنَّ السّبب الحقيقيّ وراء هذا التّدمير هو قلقُ الوهّابيّين في السّعوديّة من تبجيل النّاس مثلَ هذه الأماكن».

وأدانت الرّابطة بشدّة «التّدمير المُمَنهج الذي تقوم به الحكومة السّعوديّة ضدّ جزءٍ من التّراث الإسلاميّ والعالميّ، داعيةً "لجنة التّراث في العالم الإسلاميّ" التّابعة "للمنظمّة الإسلاميّة للتّربية والعلوم والثّقافة" (إيسيسكو)، إلى التّدخُّل لدى الحكومة السّعوديّة لِوَقف هذا العمل الهمجيّ الخطير».

وقال الشّيخ أحمد زكي يمانيّ وزير النّفط السّعوديّ السّابق: «ما أَعرفُه من مخطّطاتٍ أُعلنَ عن بعضِها وأُخفيَ غيرُها، أصابني بالذُّعر، إلَّا أنّ الإقدام على هدْمِ قبورِ آل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله في المدينة المنوّرة، وهَدْمِ مسجدِ ومدرسةِ ومكتبةِ السّيّد عليّ ابن الإمام جعفر الصّادق وحفيد رسول الله صلّى الله عليه وآله، قد أَنساني لِهَوْلِه وشناعةِ فِعلِهِ المخاطرَ الخارجيّةَ الّتي سَتزول يوماً من الأيّام. فقد هزَّتني المخاطر الّتي تُهدِّدُ آثارَ الإسلام، وهي إنْ زالت، فسوف تَزول. وكأنّي أشعر بوجود مُخطّطٍ مدروسٍ لإزالتِها من الوجود».

ويقول: «لوْ أردتُ أنْ أَسردَ الآثارَ الإسلاميّة المهمّة في مكّة المكرّمة أو المدينة المنوّرة والتي تمّ حتّى الآن هدمُها وإزالتُها بِحُجّة سدّ الذّرائع أمام البِدَع ومَهالِك الشّرك، لَأَطَلْتُ واستَفَضْت».

بدورها طالبَت الكاتبةُ الحجازيّة سهيلة زين العابدين بإعادة بناءِ آثار الرّسول صلّى الله عليه وآله الّتي هُدِمَت لِتلبيةِ حاجةِ زُوّار «مهرجان المدينة المنوّرة عاصمة الثّقافة لعام 2013م»، وتقول إنّهم لن يأتوا إلى المدينة لِيَستمعوا إلى محاضراتٍ دينيّةٍ، لكن -إلى جانبِ سلامِهِم على الرّسول والصّلاة في مسجده- فإنّهم يريدون رؤية ما قَرأوه في كُتُبِ السّيرة عن الكثير من الآثارِ النّبويّة الّتي تمتلىء بها المدينة المنوَّرة، والّتي لم يَعُد الكثيرُ منها موجوداً بذريعة محاربة الغلوّ والشّرك!!

اخبار مرتبطة

  أيُّها العزيز

أيُّها العزيز

  دوريات

دوريات

07/06/2013

دوريات

نفحات