كلمة سواء

كلمة سواء

09/07/2013

الحوار بديلاً عن التّكفير


الحوار بديلاً عن التّكفير*

ـــــ إعداد: «شعائر» ـــــ

لا توجد آليّة، في تَصوُّرِنا، أَحسن وأَنجع من عمليّة الحوار الهادئ لتقريبِ وُجهات النَّظر، وللتّعرُّف إلى فكْر الآخَر. وقد أشارَ القرآنُ الكريمُ إلى هذه الآليّة الحضاريّة في عدَّة آيات مباركة، منها قولُه تعالى: ﴿قُل من يَرزُقُكُم من السّماواتِ والأرضِ قُل اللهُ وإنّا وأيَّاكم لَعَلَى هدًى أو في ضَلالٍ مُّبينٍسبأ:29. فالمسألةُ لا تَخلو من وجهَين اثنين: إمّا أن أكون أنا مع الحقّ، أو أن تكون أنتَ كذلك، ولن نتبيّن حقيقة الأمر إلّا من خلال الحوار الهادئ والمفيد الّذي لا يبتغي غير الحقّ.

لكن مع شديد الأسف، لم نَجِد لهذه الآليّة العظيمة مكانةً تُذكَر في تاريخنا الّذي أسَّسته السّياسة، ولا زالت إلى يومنا هذا تزوّره من خلال تلاعُبها بعقول النّاس، وهؤلاء عموماً في غفلةٍ كبيرةٍ من أمرِهم، أللّهمّ إلّا مَن أخذتْ بيده العناية الإلهيّة، فتأدّب بآداب رسول الله صلّى الله عليه وآله، والأئمّة المعصومين عليهم السلام من أهل بيتِه، فاقتفى آثارهم في جميع مناحي حياته، وتخلَّق بسعة الصّدر والبِشر وحُسن التّعامل مع الأبعَدين والأقرَبين، ومع الموافقين والمخالفين، بل وحتّى مع المعاندين والمستكبرين، وهذا ما نجده جليّاً في حوارات رسول الله صلّى الله عليه وآله مع المرَدة والمستكبرين من قريش وغيرها، لا لشيء، إلّا لإبلاغهم رسالة الله تعالى، ولإقامة الحجّة عليهم.

ومن ذلك أيضاً حواراتُ أمير المؤمنين عليه السلام مع فئةٍ من الصّحابة في بيان حقِّه المغصوب، يُحاجِجُهم بـ «غدير خمّ» وغيره. وكذلك ما أَلْقَتْه سيِّدتُنا ومولاتُنا الزّهراء عليها السلام أمام حشود المسلمين في خطبتها الغرّاء ذات النَّفَس المحمّديّ العلويّ، ونقاشات الإمام الحسن المجتبى عليه السلام مع مُعانِديه و«أنصارِه» الّذين جرّعوه الغُصص، ومع ذلك بَقيَ صلواتُ الله عليه يُصغي إليهم ويُجيب على أسئلتهم بحنانٍ وعطفٍ وتقبُّلٍ، على الرّغم من كَونه غنيّاً عنهم وعن نُصرتِهم. وأيضاً حوارات الإمام الحسين عليه السلام في مَسيرِه إلى كربلاء وفي أرض الطّفّ نفسها، فإنّه عليه السلام ما فَتئ يُبيّن لهم بأسلوبٍ متينٍ وهادىء غيَّهم وضلالهَم ويَحثُّهم على التّوبة، لكنَّ قلوبهم كانت قاسية مظلمة، فلم تُصغِ إلى حواراته النّورانيّة والهادية. وكذلك الإمام الصّادق عليه السلام الّذي كان يُحاور مَن يَنتمي إلى الدِّين الإسلاميّ كأبي حنيفة وغيره من مشايخ وقتِهم، ومَن هو خارج دائرة الدِّين من الزّنادقة والملاحِدة، بحيث يَخرجُ الرّجل وهو في غاية الإعجاب بِعلمِ الإمام، وسعةِ صدرِه الشّريف، وقوّة تحمُّله سوءَ أدبِ المُحاور وغطرَسَته. وتُمثِّل حوارتُ الإمام الرّضا عليه السلام في مجالس المأمون مع المتشرّعة وغيرهم من أهل الكتاب والملاحدة غايةَ ما يُمكن أنْ تَصل إليه آداب الحوار والمُناظرة، لقوَّة حُجّته عليه السّلام وفرادة عِلمِه النّبويّ العلويّ، الأمر الّذي جعلَ المأمون يَخشى من انقلاب الآية عليه، ففَعَل ما فَعل، وإلى الله المُشتكى.

فالحوارُ إذاً، هو الوسيلةُ الحضاريّة الوحيدة الّتي تجعلُ الإنسانَ الحرّ ينفتح على أفكارِ الغيرِ، وعلى الطّروحات الّتي تقع خارج دائرة مُعتقداتِه. ومن دون هذه الآليّة، يقع لا محالة، في ما وَقع فيه مَن لا يَحمل في قلبِه إلَّا الحقدَ والبُغض، والّذي ما فتئ يكفِّر ويُزندِق غيره لِمجرَّد أن يرى فكرةً ظَهرَت في الأفقِ لا تتَماشى مع ما لُقِّنَ المسكينُ من أفكارٍ لا يدري هو مفادَها، ولا حتّى مَن لقّنه إيّاها يدري ما معناها.

فمَن يَحرم نفسَه من الحوارِ الهادئ وآليّاته الحضاريّة، تَجدهُ يلجأ إلى آليّاتٍ غير إنسانيّة في مخاطبة غيره ومناظرتهم، مِن قبيلِ الشَّتم والتّكفير والإقصاء، وما شابه ذلك من وسائل تنتمي إلى عالَم التّخلُّف والظّلاميّة.

____________________________________

* نقلاً عن الموقع الالكترونيّ لمركز الأبحاث العقائديّة

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

09/07/2013

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات