العصر استثنائيّ، والمستقبل واعد وهما محمّديّان

العصر استثنائيّ، والمستقبل واعد وهما محمّديّان

01/02/2011

شاء الله تعالى أن يكون سائر الأنبياء رحمةً لعوالمهم، إلّا أنّ سيّد الأنبياء محمّد رحمةٌ للعالمين. لقد جمع كلّ رحمة تجلّت فيهم، ﴿..لا نفرِّق بين أحدٍ من رُسُله..﴾


___ الشيخ حسين كوراني ___

 

الشيخ حسين كوراني شاء الله تعالى أن يكون سائر الأنبياء رحمةً لعوالمهم، إلّا أنّ سيّد الأنبياء محمّد رحمةٌ للعالمين. لقد جمع كلّ رحمة تجلّت فيهم، ﴿..لا نفرِّق بين أحدٍ من رُسُله..﴾، وزاده الله تعالى عليهم عالميّةَ رحمتِه «للعالمين» التي هي نتيجة الاستجابة للهدى الإلهيّ والالتزام بدعوته.

والمسار طويل المدى. إنّه بعمر البشريّة كلّها، ويُختتم بإظهار الرحمة العالميّة، حين تقوم الحكومة العالميّة الواحدة على يد آخر أوصياء «محمّد»؛ «المهديّ المنتظَر»، تحت شعار الجهاد الحسينيّ، أي المحمّديّ، «يا لثارات الحسين»، سرّ الرحمة الإلهيّة الواسعة. «حسين مني وأنا من حسين».

أولى خصائص ﴿رحمة للعالمين﴾ أنّ الشمس مثلها تشرق على الصالح والطالح، لتزيد الأوّل صلاحاً، وتَستصلح ما أمكن من الثاني. ليست الرحمة المحمّديّة خاصّة بالمسلمين، بل لا تعمّ كلّ المسلمين بالعنوان «الطائفيّ»، كما أنّها لا تشمل المسيحيّين ولا غيرهم من غير المسلمين بهذا العنوان «الطائفيّ».

إنّها رحمة للعالمين بلا تطييف، وشرذمة. تبحث عن المُتعَبين لتحتضنهم كما يبحث العقل عمّن يرجع إليه، دون تمييز بين الأطياف والطوائف والأعراق، وهل الرحمة غير العقل الأتمّ؟!

**

من مشاهد يوم القيامة: ﴿وأشرقت الأرض بنور ربِّها ووضع الكتاب وجيء بالنبيّين ...﴾ الزمر:69.

فهل يمكننا الفصل بين هذا العصر وبين تلك الإشراقة، أَلا يتقدّم طلوع الفجر، إشراقةَ الشمس؟

أبرز سمات العصر الراهن الاستثنائيّ أنّه محمّديّ، ومحمّد صلّى الله عليه وآله سرّ النبيّين وتَجلّي التوحيد، و«الرحمة» التي يبحث عنها العالمون، والعدل والقسط الذي سيملأ الأرضَ بعدما ملأها المتنكِّبون لصراط الأنبياء ظلماً وجوراً.

والدنيا اليوم غير ما كانته بالأمس القريب.

كانت أميركا تبدو قدَراً، وصارت اليوم تذكِّر ببريطانيا حين أشرفت شمسُها على الأُفول.

وكان زوال «إسرائيل» حلماً، واليوم يتحدّث عنه «الإسرائيليّون» بهلع مستبدّ، وهم يفكِّرون بالمخيّمات القادمة.

كان الشعب الفلسطينيّ بين ستّة ملايين ممنوعين من العودة، وأقلّ منهم مهدّدين بـ «التهجير» الذي كان يلطَّف بالتعبير عنه بـ «الترانسفير».

وها هو اليوم يستعيد كلّ آماله بتحرير كلّ فلسطين.

كانت غزّة منفى، كمحطّة للتهجير، وصارت اليوم «غزّة هاشم»، سلاح الأمّة الأمضى، والمُصلت فوق رؤوس الصهاينة والمُتصهينين.

تذكِّر غزّة ببعيد غور الاستدراج الإلهيّ للكيان الغاصب: ﴿وأُملي لهم إنّ كيدي متين﴾ الأعراف:183.

كان لبنان «دولة النصارى» المتحالفين مع «إسرائيل» والذين نُشر مشروع دولتهم مع منشور الوطن القوميّ اليهوديّ، في آن معاً، وها هم المسيحيّون في لبنان بأغلبيّتهم الساحقة، يثبتون ولاءهم للمسيح وبراءتهم من «قَتَلته».

من معالِم هذا العصر الاستثنائيّ غلبة الوطنيّين من المسيحيّين على حلفاء «إسرائيل» وعملائها.

كانت بيروت «باريس الثانية»، وها هي اليوم القدس الثانية، ورافعةً راية تحرير القدس وكلّ المقدّسات، ومنها تراب الوطن وإنسانه.

عشنا عقوداً من الخوف على الأنفس، وسالت دماؤنا، وتشظّت الأجساد، إلى أن ملّ الموت منّا، ولم نعرف طعم الحياة، وها نحن مع المقاومة الإسلاميّة نتنفّس مع الصبح الحياة وطعمها الأبهى، ببركة من أيقن بأنّ «الموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين».

كانت تركيا «الرجل المريض» ثم دخلت في «كوما» طويلة الأمد، وها هي اليوم تتوثّب لتكون شريان قلب الأمّة النابض.

وكانت سوريا مهدّدة بالاقتلاع، وها هي محجّة التائبين من الغرب والشرق.

وكان العراق «حوض أَسِيدٍ» صداميّ- أميركيّ، وها هو الشعب العراقيّ يتعافى سريعاً من مجازر وجرائم لا نظير لها، لو كانت في أيّ بلد آخر لما أمكنه استعادة عافيته.

محمّديّة العراق مكّنته من تحقيق المعجزة.

ومحمّديّة العصر مكّنت أهل هذا العصر من الاستحمام بالسنا المحمّديّ، وتنسّم هبوب الرحمة الإلهيّة الواسعة.

**

ولم يتحقّق تواصل الأمّة مع نبيّ الرحمة في هذا العصر، فإذا هو استثنائيّ، لولا محمّديّة الإمام الخمينيّ الراحل قدّس سرّه.

كانت محمّديّة أبي مصطفى وما تزال استثنائيّة. إنّها محمّديّة مَن «استنزل القرآن» وليس مجرّد أنّه «نزل عليه». وهي بعدُ محمّديّة الحسين وحسينيّة محمّد؛ «حسينٌ منّي وأنا من حسين».

ألم يقل الإمام الخمينيّ: «كلّ ما لدينا من عاشوراء»؟

ألم يحمل الإمام الخمينيّ همّ العالم كلّه معتبراً «إيران» قاعدة الانطلاق؟

وهل تكلّم يوماً بغير هموم العالمين:
* «عليكم أن تُميطوا اللّثام عن الوجه النورانيّ للإسلام أمام العالم أجمع. فإنّ هذا الوجه لو كُشِف عنه نقاب أعداء الإسلام وذوي الفهم الخاطئ، وظهر جماله البديع الذي دعا إليه القرآن والسنّة على جميع الصُعد، لَعَمَّ العالم». 

* «على "الشرق" أن يصحو، ويفصل مصيره عن الغرب قدر استطاعته، وإذا استطاع أن يفعل ذلك، فعليه أن يواصل الإصرار على ذلك حتى النهاية، أما إذا لم يمكنه ذلك الآن، فعليه أن يسعى لتحقيق ذلك بمقدار ما يتمكّن، لينقذ ثقافته على الأقل».          

* «ينبغي لنا أن ندرك أبعاد شهادة الإمام الحسين عليه السلام، ونعِي عمقها وتأثيرها في العالم، ونلتفت إلى أنّ تأثيرها ما زال مشهوداً اليوم أيضاً».

**

 

لم يكن خطّ الإمام الخمينيّ ليتواصل بعد رحيل الإمام، لولا عناية الله بعبده المسدَّد الإمام الخامنئيّ.

بذات النفس الخمينيّ العالميّ واصل وليّ أمر المسلمين، المرجع القائد دام ظلّه، رفدَ المسيرة المحمّديّة في هذا العصر:

* «إنَّ بعثة النّبي الأكرم تُعتبر حركة عظيمة في تأريخ البشريّة، عبر إنقاذها للإنسان وتهذيب النفس والروح والأخلاق البشريّة. يومٌ يُعَدُّ أمجدَ يومٍ في تأريخ البشريّة؛ لأنّ مَنْ خاطبه الباري عزّ وجلّ وألقى عليه تلك المهمّة الكبرى - ألا وهو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم - هو أعظم إنسانٍ في التأريخ، وأسمى ظاهرةٍ في عالم الوجود، ومَظهرُ اسم الله الأعظم».

* «إنَّ الهمَّ الثقافيّ نابعٌ من القلق حيال إنسانيّة الإنسان، وحيال الأهداف الإنسانيّة السامية».               

 

* «لقد أضحى صوت الإسلام أقوى صيحةً وأبلغَها ضدّ نظام وحاكمي الاستكبار العالميّ، للقضاء على الظالم منذ أن انتصرت الثورة الإسلاميّة. كذلك صار القضاء على صوت الإسلام هو في طليعة وأهمّ أولويّات الأعداء والطغاة».

**

هذا العصر الاستثنائيّ نعمةٌ كبرى، وقد وعدنا ربّنا سبحانه، إنْ شَكَرْنا بالمزيد.

فهل نؤدّي بعض واجب الشكر على هذه النِعَم:

* الثورة الإسلاميّة وقيادتها الرشيدة.

* حزب الله، المقاومة الإسلاميّة في لبنان.

* المقاومة الإسلاميّة في فلسطين، عبر حماس، والجهاد الإسلاميّ بالخصوص.

* الصحوة الإسلاميّة والتحرريّة العالميّة، التي يقع في سياقها كلّ حراك وطنيّ وإنسانيّ سليم.

خير ما يُمكن أن نعبّر به كمسلمين عن شكرنا: إقامة الصلاة بما تعنيه من حُسن الأداء، وإقامةِ العدل في العالم.

أمّا غير المسلمين من المستضعَفين، فإنّ مُضيَّهم قُدماً في مواجهة الظلم هو نفسه التعرّف على سرّ النبيّين، الرحمة للعالمين، الذي يذكِّرهم بيوم الخلاص، موعد نزول نبيّ الله عيسى عليه السلام، ليأتمَّ بآخر أوصياء محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، ويدعوهم إلى اتّباع محمّد وآل محمّد صلّى الله عليهم أجمعين.

إنْ أردنا أن نعرف عظيم واجب هذا الشكر، فلنتأمّل في مشاهد هدم بيوت الفلسطينيّين، ومحاصرة كنيسة القيامة، ومجازر الكنائس في العراق ومصر، وتمزيق السودان، ونسأل أنفسنا: ماذا لو لم تكن شجرة الثورة الإسلاميّة الطيّبة، وثمرتاها الأنضج المقاومة الإسلاميّة في لبنان وفلسطين؟ إلى أين كانت ستصل هذه المخطّطات الصهيونيّة التي صارت بفضل محمّديّة الخمينيّ مجرّد حشرجات مؤلمة.. ﴿ولتعلمنّ نبأه بعد حين﴾ ص:88

 

 

اخبار مرتبطة

نفحات