بسملة

بسملة

02/10/2013

«ولّى زمنُ الهزائم»، ويبقى «الجهادُ الأكبر»


 

 

«ولّى زمنُ الهزائم»، ويبقى «الجهادُ الأكبر»

§        الشّيخ حسين كوْراني

                                                                              «..وبقي عليكم الجهاد الأكبر..»

الرّسول الأعظم صلى الله عليه وآله

 

حجُّ الأمَّة رهنُ التَّحرُّر من إصْرِ الطَّواغيت وكَسْرِ أغلالهم. رهنُ فقهِ دلالات ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّالمسد:1.

ها هي الأمَّة مؤهَّلة لهذا الحجّ الإبراهيميّ المحمَّديّ.

رغم تعدُّد الفراعنة - في الدّاخل والخارج- الَّذين يفوقُ كلّ منهم تَفَرْعُن «أبي لهب» و«أبي جهل»، فإنّ أيديهم «مغلولة» ﴿..كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله..المائدة:64

كاد «هِرَقل» العصر «أوباما» أن يقول جَهراً «وداعاً سوريا»، إلَّا أنَّ العَبرة خَنَقَتْه، فتهدَّج الصَّوتُ وزاغَ البصرُ «وبَلَغَت القلوبُ الحناجِر»، فقالها كالمبحوح ﴿..الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ..محمّد:20.

يمكننا الآن أنْ نُدرِك- بمراتب أعمق- معاني ما قاله سماحةُ الأمين العامّ السّيّد نصرالله: «وَلَّى زمنُ الهزائم».

حتّى ساعتنا هذه، انجلى غبارُ النّقع، عن ثلاث نتائج أبرز:

أ‌-  «إسرائيلُهم» تترنّح. ب- نواطيرهم مرعوبون يلفّ الذُّعر مَن بقيَ منهم أو استَجدّ. ت- اكتَمَلَ الفرزُ بين الأمّة والتّكفيريِّين: تمَّ تشخيصُ الوجه الآخَر للغدّة السَّرطانيّة.

لم يبقَ إلَّا استئصال «إسرائيلهم» ليتحقَّق القضاءُ على الوجهَين الصّهيونيَّين، ثمّ مواصلة الدَّرب في دعوة العالم بالحكمة والموعظة الحسنة إلى إقامة التَّوحيد والعدل في أربع رِياح الأرض.

زمنُ الهزائمِ وَلَّى إلى غير رجعة. لم يبقَ إلَّا تتويج الانتصارات الّتي حَصَدَتْها الأمَّةُ في هذا العصر الاستثنائيّ، وبقيَ «الجهادُ الأكبر»!!

 

***

 

والتّسميةُ نبويّة. «عن أمير المؤمنين عليه السلام: (إنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله بعثَ سَرِيّةً فلمّا رجعوا، قال: مرحباً بقَوْمٍ قَضَوُا الجهادَ الأصغر وبقيَ عليهم الجهادُ الأكبر، قيل: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟ فقال: جهاد النَّفس)».

«وعنه صلّى الله عليه وآله: (الشَّديد مَن غَلَبَ نفسَه)».

«وفي كتاب (المجازات النّبويّة) عنه صلّى الله عليه وآله: (المُجاهد مَن جاهدَ نفسَه)، وعنه صلى الله عليه وآله: (حاسِبوا أنفسَكم قبل أنْ تُحاسَبوا، وَزِنُوها قبل أن تُوزنوا، وتَجهَّزوا للعَرْضِ الأكبر)».

 «وليست الكلمات المذكورة مواعظ قيلت لِمجرَّد التّذكير والتّنبيه القصير الأمد، ولكنّها مناهج واجبة الاتِّباع، تُلقى للعمل الدّائم الواجب مدى الحياة». (زين الدّين- كلمة التّقوى 2/330).

***

أبرز محاور التّعمُّق في جهاد النّفس هو هذه التّسمية «الجهاد الأكبر»، والظَّرف الّذي أُطلقت التّسميةُ فيه.

أمّا الظَّرف فهو رجوع «البدريّين!» من أوّل - وأقسى- معركة بين الإيمان والكُفْر، لم يكن التَّوازن المادّيّ فيها لصالح المؤمنين بل كان معهم سَيْفان لا غير، وسيوف الباقين العصيّ وسعْف النَّخيل.

من شأن عدم التَّوازن المادّيّ هذا أن يرفع منسوب اللّجأ إلى الله تعالى والانقطاع إليه، لتتَجلَّى الفطرةُ المركوزة على غاية العناية بتزكية النَّفس ومجاهدتها. من هنا كان التَّركيز على الجهاد الأكبر في مثل هذا الظَّرف استثماراً للمناخ النّفسيّ الأفضل الّذي يلتقي مع قوله تعالى ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ..الحجّ:41.  

وأمَّا التّسميَة، فإنَّها صريحة في أنَّ الجهاد العسكريّ هو جهادٌ أصغر.

 يُنتج ذلك قاعدتين مركزيّتَين:

1-  لا يؤهِّل الجهادُ الأصغر صاحبَه لوصف المجاهد إلَّا حين يكون الأصغر في خطّ الأكبر مبنيّاً عليه ومنطلقاً منه لتثبيت جهاد النّفس في ساحات الوغى وبين مشتبك النّقع والموت الزُّؤام، وتطايرالأطراف والرُّؤوس، والتّشظّي واللَّظَى.

2- أنّ على المسلم إنْ أراد الالتزام بمقتضيات «الجهاد الأكبر»، أنْ يُمضي العمر كلّه في جوٍّ يشبهه حذر المقاتل عند احتدام المعارك الضَّارية، وقد «حَمِي الوَطيس».

هنا تُسكبُ العَبَرات!

***

 

أمَّا مَن خاضوا الغَمَرات في ميادين الجهاد الأصغر -العسكريّ أو الأمنيّ بالخصوص، فإنّ عبراتهم - في العموم- صادقة، مربّية، موصِلَة، لأنّهم تدرَّبوا على أصل الحذر من العدوّ. تفيض أعيُنُهم من الدّمع خوف تَنَكُّب صراطِ الحذر الدّائم المُتصاعد من «العدوّ المبين».

وأمّا مَن لمْ تَصقل التَّجارب حذرَهم من العدوّ، ورَكَنوا إلى الدُّنيا واطمأنُّوا إليها وراقَهُم زِبْرِجُها، وتوارى فيهم الإيمان بالغَيب أو اضمَحَلّ أو تلاشى فإنَّ مبعث نشيجهم - أو نشيجنا- والعبرات، هو اكتشافهم أنّهم فصلوا بين «التّديُّن» وبين الجهاد الأكبر، فارْتَكَسُوا في عبادة الهوى.

 ليس تَنَكُّب جهاد النّفس غير عبادة الهوى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا الكهف:28.  

النّاسُ -إذاً- على مرِّ العصور، في باب العبادة على قسمَين: 1- «مَن خاف مقام ربَّه، ونهى النّفس عن الهوى».  2- مَن «اتَّبَع هَواه» و«آثَرَ الحياة الدُّنيا».  الأوّل هو عبادة الله، والثّاني هو عبادة الهوى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا الفرقان:43.

***

على  عبادة الهوى هذه، تتفرّع  كلّ تجلّيات عبادة «الطَّاغوت». السّببُ المركزيُّ فيها جميعاً هو استبدال جهاد النّفس، بالعبوديّة لميولها ورغباتها والأهواء.

قال الإمام الصّادق عليه السّلام: «مَن مَلَكَ نفسَه، إذا رَغبَ وإذا رَهبَ، وإذا اشْتَهَى وإذا غَضِبَ وإذا رَضي، حرّم اللهُ جَسَدَه على النّار».

ليس مُلْكُ النّفس غير تحكيم العقل في حالات الرَّغبة والرَّهبة، والشّهوة والغضب والرِّضا. يُستعانُ على ذلك - في ما يستعان- بالصَّلاة الّتي هي عمود الدِّين.

جهاد النّفس، بمنتهى اليُسْر، هو تهذيب الأخلاق للتّحلي بالصّبر، والتّسامح والعفو، وكظم الغيظ، ومواجهة الإساءة بالّتي هي أحسن بعد مرحلة المواجهة بالإحسان، وهو الهدف المُضيَّع.

حقَّ لمن أضاع الهدف وهو جهاد النّفس، وتهاوَنَ بالوسيلة - وهي هنا الصّلاة- أن ينشج: وقد أفْنَيْتُ بالتَّسويف والآمال عُمري. عَشَوْتُ عن «الميدان الأوّل» كحاطبِ ليل، يَحسبُ أنَّه يُحسِن صنعاً.

                  نعم.. بقي «الجهاد الأكبر».

 

 

اخبار مرتبطة

  شعائر العدد الثالث و الأربعون -شهر ذو الحجة 1433 - تشرين الأول / تشرين الثاني 2013

شعائر العدد الثالث و الأربعون -شهر ذو الحجة 1433 - تشرين الأول / تشرين الثاني 2013

نفحات