تحقيق

تحقيق

02/10/2013

أحداث غدير خمّ


أحداث غدير خمّ

أبرز محطّات حجّة الوداع في أكبر حشدٍ من الصّحابة


_______إعداد: أحمد الحسينيّ_______

 

أجمع المسلمون، سنّة وشيعة، على وقوف رسول الله صلّى الله عليه وآله في غدير خمّ، وخطبته في الجموع بعد عودته من حجّة الوداع، حيث أرسى قواعد ثابتة للدّين والحياة... وفيه جرت بيعة الغدير التي هي تمهيد لعهد الإمامة والإمام وختم لعهد الرّسالة والرّسول؛ ومن هنا اكتسب موقع (غدير خُمّ) أهمّيته الجغرافيّة في التّراث الإسلاميّ، ومنزلته المحمّديّة –العلويّة كمَعْلَمة بارزة من معالم التّاريخ الإسلاميّ. في هذا التّحقيق نُبيِّن أهمّيّة هذه الواقعة في التّاريخ والأحاديث الشّريفة.

لموقع غدير خمّ خصائص ومميّزات اكتَسبها من أمورٍ عدّة: فهو يقع في طريق الهجرة النّبويّة، وفي طريق عودة النّبيّ صلّى الله عليه وآله من حجّة الوداع، ثمّ مكان بيعة الغدير، فهل كان اختيار النّبيّ صلّى الله عليه وآله ذلك الموضع لتبليغ ما أُمِر به، مصادفة؟ أم أنّه اختار ذلك المكان بعناية ليخطب بالمسلمين خطبته الشّهيرة في حجّة الوداع؟ فما هو هذا المكان؟ وأين يقع؟ وما هو الحدث الجلل الّذي وقع فيه؟


غدير خمّ لغةً

جاء في (لسان العرب) لابن منظور: «الغَدِير: القطعة من الماء يُغادِرُها السّيل أَي يتركها ".." وقد قيل إِنّه من الغَدْرِ لأنّه يَخُونُ وُرَّادَه فيَنْضُب عنهم ويَغْدر بأَهله فينقطع عند شدّة الحاجة إِليه، ويقوّي ذلك قول الكميت: [من المتقارب]

ومِنْ غَدْره نَبَزَ الأَوّلو     نَ إذ لَقَّبوه الغَدِير الغدِيرا

".." الغَدِيرُ: مستنقع الماء ماءِ المطر صغيراً كان أَو كبيراً، غير أَنه لا يبقى إِلى القيظ إِلّا ما يتّخذه النّاس من عِدّ أَو وَجْدٍ أَو وَقْطٍ أَو صِهْريجٍ أَو حائر ".."»، والجمع غُدْرانٌ وغُدُرٌ وغُدْرٌ.

ويقال: «خَمَّ البيتَ والبئرَ يَخُمُّهما خَمّاً واخْتَمَّهما كنسهما، والاخْتِمامُ مثله، والمِخَمَّةُ المِكنسَةُ. وخُمامَةُ البيتِ والبئر: ما كُسِحَ عنه من التّراب فأُلقِيَ بعضُه على بعضٍ ".." والخُمامَةُ والقُمامَةُ الكُناسةُ ".." وخُمامةُ المائدة ما يَنْتَثِرُ من الطّعام فيؤكل ويُرْجَى عليه الثّواب. وقلب مَخْمومٌ أَي نَقِيٌّ من الغِلِّ والحسد، ورجل مَخمُومُ القلب نَقِيٌّ من الغشّ والدَّغَلِ، وقيل نَقِيُّهُ من الدّنس ".." والخَمُّ الثّناء الطّيّب، وفلانٌ يَخُمُّ ثيابَ فلان إذا كان يُثْنِي عليه خيراً، وفي النّوادر يقال: خَمَّه بِثَناءٍ حسَنٍ يَخُمُّه وطَرَّهُ يَطُرُّه طَرّاً وبَلَّه بثناءٍ حسنٍ ورَشَّه كلُّ هذا إذا أَتبعه بقول حسن. ".." وخَمَّ اللّحمُ يَخِمُّ، بالكسر، ويَخُمُّ خَمّاً وخُموماً وهو خَمٌّ وأَخَمَّ أَنتنَ أَو تغيّرت رائحته، ولحم خامٌّ ومُخِمٌّأَي منتن ".." والخُمُّ قَفَصُ الدّجاج، قال ابن سيده: أَرى ذلك لخبث رائحته. وخُمَّ إذا جُعل في الخُمِّ وهو حبس الدّجاج وخُمَّ إذا نُظِّفَ ".." وخَمٌّ غَديرٌ معروف بين مكّة والمدينة بالجُحْفةِ وهو غدير خَمٍّ، وقال ابن دُرَيْدٍ: إنّما هو خُمٌّ بضمّ الخاء».


أسماء غدير خمّ

عرف غدير خمّ بأكثر من اسم، وعُلّلت تسميته بأكثر من وجه:

-غدير خمّ؛ يقال: فلان مخموم القلب أي نقيّه، فكأنّ تلك البئر سمّيت بذلك لنقائها؛ قال الزّمخشريّ: خمّ اسم رجل صبّاغ أضيف إليه الغدير الّذي هو بين مكّة والمدينة بالجحفة.

ويُقيّد لفظ (الغدير) بإضافته إلى (خُمّ) تمييزاً بينه وبين غدران أُخَرَ، قُيّدت -هي الأخرى- بالإضافة مثل: (غدير الأشطاط) و(غدير العروس) وغيرهما.

وفي شعر نُصيب: [من الوافر]

وقالتْ بالغديرِ غَديرِ خُمٍّ         أُخَيَّ إلى متى هذا الرّكوبُ

      ألم تَرَ أنَّني ما دُمتَ فينا           أنـامُ  ولا أنـامُ إذا تغيبُ  

غدير الجحفة؛ كما في حديث زيد بن أرقم: «أقبل النّبيّ صلّى الله عليه وآله في حجّة الوداع حتّى نزل بغدير الجحفة بين مكّة والمدينة».

-وادي خمّ؛ ورد في (معجم البلدان) للحمويّ: «".." خمّ وادٍ بين مكّة والمدينة عند الجحفة به غدير، عنده خطب رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة». وهذا الاسم ورد في سيرة ابن كثير: «".." عن ميمون أبي عبد الله، قال: قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول الله منزلاً يقال له وادي خمّ، فأمر بالصّلاة فصلّاها بهجير".."». وقد يُطلق عليه "خُمّ" اختصاراً ، كما في كتاب (صفة جزيرة العرب) للهمدانيّ، وكما استعمله الشّاعر معن بن أوس المزنيّ: [من الطّويل]

عَفا وَخَلا مِمَّنْ عَهِدّتَ بهِ خُمُّ      وَشاقَكَ بِالمَسْحاءِ مِنْ سَرَفٍ رَسْمُ

عَفا حِقَباً، مِنْ بَعْدِ ما خَفَّ أَهْلُهُ    وَحَنَّتْ بِهِ الأَرْواحُ وَالهُطَّلُ السَّجْمُ


-الجحفة: أُطلق عليه هذا الاسم في بعض الحديث، من باب تسمية الجزء باسم الكلّ، لأنّ خُمَّاً جزء من وادي الجحفة الكبير؛ ورد في (المراجعات) للسّيّد عبد الحسين شرف الدّين: «".." عن عائشة بنت سعد قالت: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله، صلّى الله عليه وآله، يوم الجحفة.."». وكذا في سيرة ابن كثير.

-الخرّار؛ ورد في (معجم ما استعجم) لأبي عبيد البكريّ: «الخرّار، بفتح أوّله، وتشديد ثانيه، بعده راء أخرى، على وزن فعّال ".." قال الزّبير: هو وادي الحجاز، يصبّ على الجحفة ".." وقال السّكونيّ: موضع غدير خمّ يقال له الخرّار».

الغُرَبَة؛ بضمّ الغين المعجمة وفتح الرّاء المهملة والباء الموحَّدة، قال البلاديّ في (معجم معالم الحجاز): «ويُعرف غدير خُمّ اليوم باسم "الغُرَبَة"، وهو غدير عليه نخل قليل لأُناس من البلاديّة من حَرْب، وهو في ديارهم يقع شرق الجحفة على ثمانية أكيال، وواديهما واحد، وهو وادي الخرّار».


موقع غدير خمّ

يذكر معظم البلدانيّين واللّغويّين العرب أنّ غدير خمّ يقع بين مكّة والمدينة؛ ورد في (معجم البلدان) للحمويّ: «"..."هو بين مكّة والمدينة بالجحفة، وقيل: هو على ثلاثة أميال من الجحفة، وذكر صاحب (المشارق) أنّ خمّاً اسم غيضة هناك وبها غدير نسب إليها، قال: وخمّ موضع تصبّ فيه عين بين الغدير والعين، وبينهما مسجد رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم، وقال عرّام: ودون الجحفة على ميل غدير خمّ وواديه يصبّ في البحر، لا نبت فيه غير المرخ والثّمام والأراك والعشر، وغدير خمّ هذا من نحو مطلع الشّمس لا يفارقه ماء المطر أبداً، وبه أناس من خزاعة وكنانة غير كثير، وقال معن بن أوس المزنيّ: [من الطّويل]

عَفا وَخَلا مِمَّنْ عَهِدّتَ بهِ خُمُّ     وَشاقَكَ بِالمَسْحاءِ مِنْ سَرَفٍ رَسْمُ

عَفا حِقَباً، مِنْ بَعْدِ ما خَفَّ أَهْلُهُ    وَحَنَّتْ بِهِ الأَرْواحُ وَالهُطَّلُ السَّجْمُ».

وفي (معجم ما استعجم) لأبي عبيد البكريّ: «وغدير خمّ على ثلاثة أميال من الجحفة، يسرة عن الطّريق. وهذا الغدير تصبّ فيه عين، وحوله شجر كثير ملتفّ، وهي الغيضة التى تسمّى خمّ. وبين الغدير والعين مسجد النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وهناك نخل ابن المعلّى وغيره. وبغدير خمّ قال النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لعليّ: من كنت مولاه فعلىّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعاد من عاداه. وذلك منصرفه من حجّة الوداع». وفي (لسان العرب) -مادّة خمم-: «وخمّ: غدير معروف بين مكّة والمدينة، وهو غدير خمّ».

إذاً، غدير خُمّ يقع في وادي الجحفة على يسرة طريق الحاجّ من المدينة إلى مكّة، عند مبتدأ وادي الجحفة حيث منتهى وادي الخرّار، ومن هنا أسماه بعضهم بالخرّار.


واقعة الغدير

جاء في مصادر أحاديث الشّيعة الإماميّة وفي كثير من مصادر أهل السّنّة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نصّب أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام خليفة للمسلمين من بعده...

وجاء في كتاب (الغدير) للعلّامة الأمينيّ: «أجمع رسول الله صلّى الله عليه وآله الخروج إلى الحجّ في سنة عشر من مهاجره، وأذّن في النّاس بذلك، فقدم المدينة خلقٌ كثير يأتمُّون به في حجّته تلك التي يقال عليها حجّة الوداع، وحجّة الإسلام، وحجّة البلاغ، وحجّة الكمال، وحجّة التّمام. ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أن توفّاه الله، فخرج صلّى الله عليه وآله من المدينة مغتسلاً متدهّناً مُترجّلاً مُتجرّداً في ثوبين صحاريَيْن إزار ورداء، وذلك يوم السّبت لخمس ليال أو ست بقين من ذي القعدة، وأخرج معه نساءه كلهنّ في الهوادج، وسار معه أهل بيته، وعامّة المهاجرين والأنصار، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء النّاس.


وعند خروجه صلّى الله عليه وآله، أصاب النّاس بالمدينة جدري (بضمّ الجيم وفتح الدّال وبفتحهما) أو حصبة منعت كثيراً من النّاس من الحجّ معه صلّى الله عليه وآله ومع ذلك كان

معه جموع لا يعلمها إلّا الله تعالى، وقد يقال: خرج معه تسعون ألفاً، ويقال: مائة ألف وأربعة عشر ألفاً، وقيل: مائة ألف وعشرون ألفاً، وقيل: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، ويقال أكثر من ذلك، وهذه عدّة مَن خرج معه، وأما الّذين حجّوا معه فأكثر من ذلك كالمقيمين بمكّة والذين أتوا من اليمن مع عليّ أمير المؤمنين وأبي موسى "..".

فلمّا قضى مناسكه وانصرف راجعاً إلى المدينة ومعه مَن كان من الجموع المذكورات، ووصل إلى غدير خمّ من الجحفة الّتي تتشعّب فيها طرق المدنيّين والمصريّين والعراقيين، وذلك يوم الخميس الثّامن عشر من ذي الحجّة نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ المائدة:67، وأمره أن يقيم عليّاً علماً للنّاس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطّاعة على كلّ أحدٍ، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة، فأمر رسول الله أن يردّ مَن تقدّم منهم ويحبس مَن تأخّر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهنّ أحد، حتّى إذا أخذ القوم منازلهم فقمّ [نظّف] ما تحتهنّ حتّى إذا نودي بالصّلاة، صلاة الظّهر، عمد إليهنّ فصلّى بالنّاس تحتهنّ، وكان يوماً هاجراً يضع الرّجل بعض رداءه على رأسه، وبعضه تحت قدميه، من شدّة الرّمضاء، وظُلّل لرسول الله بثوبٍ على شجرة سمرة من الشّمس، فلمّا انصرف صلّى الله عليه وآله من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع، رافعاً عقيرته فقال:

الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكّل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا الّذي لا هادي لمَن ضلّ، ولا مضلّ لمَن هدى، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً عبدُه ورسولُه -أمّا بعد-: أيّها النّاس قد نبّأني اللّطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيٌّ إلّا مثل نصف عمر الّذي قبله، وإنّي أوشك أنْ أُدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنّك قد بلّغتَ ونصحتَ وجهدتَ فجزاكَ الله خيراً، قال: ألستُم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ السّاعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللّهمّ اشهد، ثمّ قال: أيّها النّاس ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإنّي فرط على الحوض، وأنتم واردون عليّ الحوض، وإنّ عرضه ما بين صنعاء وبصرى، فيه أقداح عدد النّجوم من فضّة، فانظروا كيف تخلفوني في الثّقلين. فنادى مناد: وما الثّقلان يا رسول الله؟ قال: الثّقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عزّ وجلّ وطرف بأيديكم فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخَر الأصغر عترتي، وإنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتّى يراد عليّ الحوض فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا، ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها حتّى رُؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيّها النّاس مَن أولى النّاس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أوْلى بهم من أنفسهم، فمَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه، يقولها ثلاث مرّات.

وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرّات، ثمّ قال: أللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وأحبّ مَن أحبّه، وأبغضْ مَن أبغضه، وانصرْ مَن نصره، واخذلْ مَن خذله، وأدرِ الحقَّ معه حيث دار، ألا فليبلِّغ الشّاهد الغائب، ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين وحي الله بقوله: ﴿...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...﴾ المائدة:3. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدّين، وإتمام النّعمة، ورضى الرّبّ برسالتي، والولاية لعليّ من بعدي.

ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وممن هنّأه في مقدم الصّحابة: الشّيخان أبو بكر وعمر، كلّ يقول: بخٍ بخٍ لك يا بن أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. وقال ابن عبّاس: وجبتَ والله في أعناق القوم، فقال حسّان: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهن، فقال: قل على بركة الله، فقام حسّان فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية؛ ثمّ قال:

يُناديهم يوم الغدير نبيّهم      بخمّ فاسمع بالرّسول مُناديا


هذا مجمل القول في واقعة الغدير"..."وقد أصفقت الأمّة على هذا وليست في العالم كلّه وعلى مستوى البسيطة واقعة إسلاميّة غديريّة غيره، ولو أُطلق يومه فلا ينصرف إلّا إليه، وإن قيل محلّه، فهو هذا المحلّ المعروف على أممٍ من الجحفة..».

وقد روى إمام الحنابلة أحمد بن حنبل في مسنده حديث الغدير وهذا لفظه: « حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا بِغَدِيرِ خُمٍّ، فَنُودِيَ فِينَا: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ، وَكُسِحَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَتَيْنِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، وَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، قَالَ: فَلَقِيَهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَهُ هَنِيئًا يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَمُؤْمِنَةٍ».


تواتر حديث الغدير

إنّ حديث الغدير حديثٌ متواتر، رواه المحدّثون عن أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وعن التّابعين بصيغٍ مختلفة، تؤكّد جميعها إمامة أمير المؤمنين عليه السَّلام.

وقد تناقلت المصادر الإسلاميّة السّنيّة والشّيعيّة، على حدٍّ سواء، حديث الغدير في كتب التّفسير والحديث والتّاريخ والكلام وغيرها بأكثر من عشر صيغ، وفي ما يقارب المائة من الكُتُب المعتبرة المعتمدة.

أمّا رواة حديث الغدير الّذين تمكّن التّاريخ من ضبط أسمائهم فهم: من الأصحاب (110) صحابيّاً، ومن التّابعين (84) تابعيّاً، وأمّا رواة هذا الحديث من العلماء والمحَدِّثين فيبلغ عددهم (370) راوياً، ولا يتّسع التّحقيق لذكرهم، (لمعرفة أسماء رواة حديث الغدير يراجع: الغدير في الكتاب والسّنّة والأدب، لمؤلّفه الشّيخ عبد الحسين الأمينيّ، الجزء الأوّل/العناية بحديث الغدير)، ورواه عددٌ كبير من العلماء (راجع: الغدير للأمينيّ، الجزء الأوّل/طبقات الرّواة من العلماء). وقد أغنانا المؤلّفون في الغدير عن إراءة مصادره ومراجعه، كالعلّامة السّيّد هاشم البحرانيّ، والسّيّد مير حامد حسين الهنديّ اللّكنهويّ، والعلّامة الأمينيّ في كتابه القيّم (الغدير).


  كما ألّف علماء الإسلام كتباً مستقلّة في هذا الحديث إذعاناً منهم بأهميّة هذا الحديث وصحّته ونتائجه، منها:

(الولاية في طرق حديث الغدير) لمحمّد بن جرير الطّبريّ (ت 310 للهجرة)، و(الولاية في طرق حديث الغدير) لابن عقدة، أحمد بن محمّد (ت 333 للهجرة)، و(من روى حديث غدير خمّ) للجعابيّ، محمّد بن عمر (ت 355 للهجرة)، و(طرق حديث الغدير) لعبيدالله بن أحمد بن زيد الأنباريّ الواسطيّ (ت 356 للهجرة)، و(من روى حديث خمّ) لأبي الفضل محمّد بن عبدالله الشّيبانيّ (ت 372 للهجرة)، و(بيان حديث الغدير) للشّيخ محسن بن الحسين بن أحمد النّيسابوريّ الخزاعيّ، و(كتاب يوم الغدير) لأبي عبد الله بن عبيد الله الغضائريّ (ت 411 للهجرة)،  و(طرق خبر الولاية) لعليّ بن عبد الرّحمن بن عيسى القنانيّ (413 للهجرة)، و(عدّة البصير في حجّ يوم الغدير) لأبي الفتح محمّد بن عليّ الكراجكيّ (ت 449 للهجرة)، و(الدّراية في حديث الولاية) للحافظ أبي سعيد مسعود بن ناصر (ت 477 للهجرة)، و(طريق حديث الولاية) لشمس الدّين الذّهبيّ، محمّد بن أحمد (748 للهجرة)، و(أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب) لشمس الدّين لمحمّد بن محمّد الجزريّ الدّمشقيّ (ت 833 للهجرة)، و(الرّسالة الغديريّة) لعبدالله بن شاه المنصور القزوينيّ الطّوسيّ، و(حديث الولاية في حديث الغدير) للسّيّد مهديّ بن عليّ الغريفيّ البحرانيّ النّجفيّ (ت 1343 للهجرة)، و(فيض القدير في حديث الغدير) للشّيخ عبّاس بن محمّد القمّيّ (ت 1359 للهجرة)، و(الغدير في الإسلام) للشّيخ محمّد رضا ابن الشّيخ طاهر آل فرج الله النّجفيّ، و(إهداء الحقير في معنى حديث الغدير) للسّيّد مرتضى الخسرو شاهيّ التّبريزيّ، و(الغدير في الكتّاب والسّنّة والأدب) للشّيخ عبد الحسين الأمينيّ (ت 1390 للهجرة) وهذا الكتاب موسوعة جامعة شاملة في كلّ ما يتعلّق بحديث الغدير. 


شعراء الغدير

يذكر الأمينيّ عدداً من الأعلام والشّعراء الّذين ذكروا حادثة الغدير في شعرهم، منهم: حسّان بن ثابت، وقيس بن سعد بن عبادة الأنصاريّ، وعمرو بن العاص، والكميت، والحميريّ، والعبديّ الكوفيّ، وأبو تمّام الطّائيّ، والمفجّع، وأبو فراس الحمدانيّ، ودعبل الخزاعيّ، وأبو الفتح كشاجم، والنّاشىء الصّغير، والصّاحب بن عبّاد، وابن الحجّاج البغداديّ، وأبو العبّاس الضّبيّ، وأبو محمّد العونيّ، وابن حمّاد العبديّ، والشّريف الرّضيّ، وأبو محمّد الصّوريّ، ومهيار الدّيلميّ، والشّريف المرتضى، والملك الصّالح، وابن العوديّ النّيليّ، والخطيب الخوارزميّ، والفقيه عمارة.

وفي العصر الحديث، تطرّق إلى «الغدير» عدد من الشّعراء، منهم بولس سلامة.

اخبار مرتبطة

  شعائر العدد الثالث و الأربعون -شهر ذو الحجة 1433 - تشرين الأول / تشرين الثاني 2013

شعائر العدد الثالث و الأربعون -شهر ذو الحجة 1433 - تشرين الأول / تشرين الثاني 2013

نفحات