في محراب كربلاء

حوادث الكوفة

ـــــ قراءة: سلام ياسين ـــــ

أصلُ مادّة الكتاب أحاديثُ إذاعيّةٌ قدَّمها المؤلِّف في شهرَي محرّم وصفر من العام 1412 للهجرة، تتناول حوادث مدينة الكوفة في الأشهر الّتي سبقت وقعة كربلاء الأليمة إلى حين دخول موكبِ السَّبي إليها، وما شَهدتْهُ خلالها من وقائع تؤرّخ لتلك المرحلة المفصليّة من تاريخ الإسلام. 

وهي –أي الأحاديث الإذاعيّة- جاءت في سلسلةٍ سُمّيت «في محراب كربلاء» استمرَّ عرضُها لخمس سنواتٍ متتاليةٍ ابتداءً من العام 1411 للهجرة، وقد جاءت محاورها كالتّالي:

* السّنة الأولى: جرى فيها استعراض النّهضة الحسينيّة المبارَكة باختصارٍ مع نظرةٍ تحليليّة. وقد طُبِعت مادّتُها في كتاب (في رحاب كربلاء).  
* السّنة الثّانية: جرى فيها استعراضُ حوادث الكوفة بالتّفصيل، مع ترجمةِ عددٍ من أصحاب سيِّد الشّهداء عليه السّلام، وهي المطبوع أكثرها في هذا الكتاب، وأُلحِق بها تراجم بعض الشّهداء في الكوفة، وفي مقدِّمهم الشَّهيدان مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، رضوان الله تعالى عليهما.
* السّنة الثّالثة: جرى فيها مواصلة تراجم الشُّهداء الكربلائيّين.
* السّنة الرّابعة: تُرجم فيها لقتلة سيِّد الشّهداء وأصحابه، لِما في تراجمهم من دروسٍ بليغةٍ حول تبدّل المواقف، وسوء العاقبة.
* السّنة الخامسة: عرضٌ واسعٌ لحركة التّوّابين الّتي انطلقت في الكوفة بقيادة سليمان بن صَرْد الخُزاعي.

منهج الكتاب

يقول المؤلّف معرّفاً بالمنهج الّذي اعتمده في كتابه:

«1- أعدتُ النّظر جذريّاً في المادّة الّتي كانت قد أُعِدَّت سابقاً، فرجعتُ إلى كثيرٍ من المصادر بالأناة الّتي لا يُتيحها برنامجٌ يوميّ "..".

 2- كان الظَّرف الّذي جرى فيه تقديمُ المادّة في الإذاعة حافلاً بعمليّات المقاومة الإسلاميّة، مُضَمَّخاً بدماء الشُّهداء ".." وكان من الطّبيعيّ أنْ تحظى الدّروس الكربلائيّة بما يشمل الكوفيّة بعنايةٍ خاصّة، حرصْتُ في تقديمها الآن على الاحتفاظ بها، ليبقى المنحى العمليّ –لا التّنظيريّ- الطّابع العامّ.

3- يمكن اعتبار ما يأتي من حديثٍ بداية لتراجم أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام، ويمكن اعتبارُه خاصّاً بأحداث الكوفة، وذلك لأنّ معظم هذه الأحداث، إن لم تكُن كلُّها، عبارة عن ترجمة لشهيدَين: هما مسلم وهانئ رضوان الله عليهما.

4- سَتَجِد في هذه الأحاديث الحرص على التَّعريف بكلِّ شخصٍ يَرِدُ اسمُه في سياق أحداث كربلاء، موالياً كان أو معادياً، لِما في ذلك من فوائد جمّة "..".

 5-  وقد حرصتُ على الاستقصاء في التّرجمة لِشهداء كربلاء، من أجل تقديم كلّ التّفاصيل الّتي أمكن الحصول عليها حولهم، حرصاً على التّمييز بين المصدر الرّئيس، والثّانوي، وما ليس مصدراً ".."».

ومع سعي المؤلِّف لاستقصاء ما أمْكَنَه من وقائع ما جرى في الكوفة، فإنّه يشير إلى عدم توفّر تفاصيل شافيةٍ في المصادر حول بعض هذه الوقائع خصوصاً في المفاصل الحَرجِة، ويردُّ ذلك إلى أسبابٍ، منها:

أ- أنّ أبرز أبطال أكثر تلك الأحداث استُشهدوا خلال شهر وبضعة أيّامٍ، ما بين أوائل ذي الحجّة والعاشر من محرّم "..".

ب- انتقال عددٍ كبيرٍ من (الأبطال) إلى معسكر الأعداء، وهو ما يَفرضُ عليهم التّنكُّر لمواقفهم السّابقة، وعدم التّطرُّق إليها من قريبٍ أو بعيدٍ. منهم: عمرو بن الحجّاج، وشبَث بن رِبْعيّ، وعُزْرَة بن قيس.

ت- تخاذُل عددٍ منهم، ليشكِّل التّخاذلُ، بالتّالي، سبباً للكتمان، خصوصاً في ظلّ الوضع الأمنيّ غير المؤاتي؛ منهم: سليمان بن صُرَد، وعبد الله بن حازم، وعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكنديّ، والعبّاس بن جُعْدَة الجَدَليّ.

ث – استمرار الظُّروف الأمنيّة الحذرة حوالي ستّ سنواتٍ إلى حركة المختار، كانت دواعي الكتمان فيها متوفّرة جدّاً، وقد استُشهد خلالها عددٌ من المعنيِّين بدرجةٍ كبيرةٍ بتلك الأحداث "..".

ج- عدم وصول عددٍ كبير من كتب (المَقاتل) الأقدم الّتي أَرَّخت لهذه الفترة، والّتي كان بإمكانها حصر الأضرار النّاجمة عن العوامل المذكورة».

وقد نتج من ذلك - يقول المؤلِّف- صعوبة معرفة خُطَط طرفَي الصِّراع في الكوفة، وغياب المعطيات الدّقيقة  الوافية في كثيرٍ من الوقائع العامّة أو الفرديّة مثل تفرُّق النّاس عن مسلم، وغياب قادة جيشه حينذاك.

فصول الكتاب

 يقع الكتاب في خمسة فصولٍ، جاءت عناوينها كالتّالي:

1-     المعارضة في الكوفة: وفيه بحَث المؤلّف بأناة عن تاريخ الكوفة منذ تأسيسها إلى عشيّة كربلاء.

كما تحدّث وافياً عن مهمّة سفير الحسين عليه السّلام مسلم بن عقيل فيها، ثمّ عرَّفَ بالشّهيد مسلم تعريفاً مبسوطاً، مستعرضاً -في السِّياق- بعض ما ورد في كتاب (فتوح الشّام) حول «فتح مصر» المنسوب للواقديّ، الّذي يتضمّن مشاركة «مسلم بن عقيل» في فتح مصر، وتعيينه عاملاً على إحدى المناطق فيها. 

2- حبُّ الدُّنيا يلوِّن الكوفيّين: بيّن فيه المؤلِّف كيفيّة دخول عبيد الله بن زياد إلى الكوفة والياً عليها، حاملاً كتاب عزل النّعمان بن بشير الّذي أظهر ضعفاً في مواجهة حركة مسلم في الكوفة. وتضمّن الفصل ترجمة وافية  للشّهيد هانئ بن عروة.

3- كيف تمّ تفكيكُ المعارضة: وفيه بيانٌ لوقائع استدراج هانئ بن عروة إلى قصر ابن زياد، وأدوار الوُجَهاء في تبدّل موازين القوى لِصالح الأخير. وتحت عنوان: ما هي أبعاد التَّخويف بجيوش الشَّام، يقول المؤلِّف: «لا وجود لأيّ خبرٍ عن تحرّك جيشٍ من الشّام أو التّفكير بذلك، فلم يكن ذلك إلَّا اختلاقاً في سِياق حربٍ نفسيّةٍ، أراد الطّاغيةُ أنْ يضربَ به على وَتَرٍ كوفيٍّ حسّاس»، إلى أن يقول مشخِّصاً نقطة ضعف أهل الكوفة الّتي جعلتهم ينهارون أمام التّخويف بجيش الشّام: «إنّها في جوهرها فرارٌ من الزَّحف، ورغبةٌ عن الجهاد استَتْبَعَت شمول الذُّلِّ والتّمرُّغ بالصَّغار والمَهانة».  

4- الانقلاب الثّاني على الأعقاب: عرض فيه المؤلّف تفاصيل أحداث تَفرُّقِ أهل الكوفة عن مسلم، والموقف البطوليّ للشّهيد رضوان الله تعالى عليه حين واجه جند ابن زياد وحيداً. والجديد في هذا الباب هو توضيح سبب عدم اقتحام الشهيد مسلم قصر الإمارة، وأنَّ القصر كان محاطاً بِسُورٍ مرتفعٍ جداً، وأنّ  هذا السُّور كان العائق عن اقتحام القصر في جميع الأحداث الّتي عصفت بالكوفة في ما بعد.

5- تداعيات الانهيار الكوفيّ: وفيه بيانٌ لِحالِ الكوفة بعد مقتل مسلم وهانئ، ودخول المختار الثّقفيّ إليها وهو لا يعلم بالانقلاب، ثمّ إيداعه السّجن. وتحت عنوان «أبرز تداعيات الانهيار الكوفيّ» يورد المؤلّف أمرَين:

أ‌-     التّصفية الجسديّة الفوريّة لعددٍ من الرُّموز الموالين للإمام الحسين عليه السّلام، الّذين أمكن إلقاءُ القبض عليهم.

ب‌- الزّجّ بقسمٍ آخَر منهم في السّجن ليُنظَر في أمرهم في ما بعد، في ضوء المعطيات ومنها المعادلات القبليّة.

الشّهيد الكربلائيّ الأوّل

تحت هذا العنوان ترجم المؤلِّف للشّهيد أبي رَزِين رسول الحسين عليه السّلام إلى البصرة، وقد استوفى البحث في محاولة التّعرُّف إلى اسم الشّهيد وشخصيّته، مُستعرِضاً المصادر الكثيرة من كُتب الرِّجال وغيرها، وصولاً إلى نتيجةٍ نهائيّةٍ مفادُها: «أنّ القرائن المذكورة آنفاً تبلغُ بنا مشارف الاطمئنان بأنّ أبا رزين، الّذي هو رسول الإمام إلى البصرة، هو "أبو رزين بن مسعود بن مالك"، الّذي عدّه الشّيخ الطّوسيّ في أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام، وعدّه البرقيّ في أصحاب الإمام الحسن عليه السّلام. وهو الّذي ضرب ابن زيادٍ عنقه على المنارة في البصرة قبيل توجُّهه إلى الكوفة والياً عليها وعلى البصرة».

وخُتم الكتاب بملحقٍ بالغ الأهمّيّة في تحديد «المَضيق من بطن الخَبْت»، وهو الّذي رُويَ أنّ الشّهيد مسلم بن عقيل توقّف فيه بعد أن ضلّ الدَّليلان الطَّريق، وأنَّه كَتَبَ إلى سيِّد الشُّهداء عليه السّلام منه يَستعفيه إنْ رأى ذلك. والجديد في هذا البحث هو أنّ «المَضيق» يقع قرب «ميقات الجحفة»، وهذا يعني أنّ تيهَ الدَّليلَين أدّى إلى أن يصبح «الشّهيد مسلم» بعد أيّامٍ من انطلاقه من المدينة باتّجاه العراق أقرب إلى مكّة، وهنا كَتَب إلى الإمام الحسين عليه السّلام.

 وقد أَلحق المؤلِّف َبالكتاب صورةً لبناءٍ في قرية «المَضيق من بطن الخَبْت»، وأَلْحَق أيضاً خرائط مهمّة لمدينة الكوفة تُبيِّن مناطق تَوَزُّع القبائل فيها، وخرائط لمسجد الكوفة وقصر الإمارة.