بسملة

بسملة

30/12/2013

زيارةُ الأربعين، نبْضُ وحدةِ الأمّة والمُستَضعَفين

زيارةُ الأربعين، نبْضُ وحدةِ الأمّة والمُستَضعَفين

§        الشّيخ حسين كوراني

 

عندما قال سيّدُ النّبيّين «حسينٌ منِّي وأنا مِن حسَين» كان يؤسِّسُ للفَرزِ بين الأمّة (السّنّة والشّيعة من جهةٍ) وبين الدُّخَلاء (من الجهةِ المقابلة) على أساس حبِّ الحسين عليه السَّلام.

وعندما خاطبَ الإمامُ الحسين الجموعَ المتدفِّقةَ كالسَّيل لِحربِه بقوله: «يا شيعةَ آل أبي سفيان» أبلغَ أجيالَ الأمَّةِ كلِّها أنَّ الفرز المحمّديّ - الحسينيّ إنّما هو بين خطَّين: حبِّ أهل البيت، وحبِّ آل أبي سفيان.

من أبرز العلاماتِ الفارقةِ في حبّ أهل البيت: حبُّ الإمام الحسين عليه السّلام. وفي «حبّ آل أبي سفيان» حبُّ يزيدِ بنِ معاوية بنِ أبي سفيان الّذي قادَ أكثرَ الحروب ضدّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وفي إحداها - معركة «أُحُد» - أَسَرَّتْ زوجتُه «هند» إلى «وحشيِّ» الإسم والفعل باغتيال «حمزة» عمّ الرّسول صلّى الله عليه وآله، واستخراج كَبِده لِتَلوكَ قطعةً منها!!

مَن يدافع عن «يزيد» محاولاً تبرئتَه من دمِ الحسين، فهو يحبّ «يزيد» وإنْ كان يخجلُ بأن يُشعِرَ بذلك. لا يمكن لِمَن كان يحبُّ يزيد أنْ يحبَّ أهلَ البيت وبالخصوص الحسين عليه وعليهم السَّلام. مُؤدَّى ذلك أنَّه لا يُمكن أن يكون محمَّديّاً.

في خطبتها النّبويّة في الشّام قالت السّيّدة زينب بنت عليّ عليهما السَّلام، مخاطبةً «يزيد»: وكيفَ يُرتجَى مراقبةُ مَن لَفظَ فوه أكبادَ الأزكياء، ونبتَ لحمُه بدماءِ الشَّهداء؟ وكيف يُستبطأْ في بُغضِنا أهلَ البيت مَن نَظَر إلينا بالشّنف والشّنآنِ، والإحنِ والأضغان؟

**

 

هذه الملايينُ الزّاحفةُ إلى كربلاء في موسم زيارة الأربعين، وملايينُ أفئدةٍ محمّديّةٍ في أربعِ رياحِ الأرض تَهوي إليها وتتمنّى لو أنّها معها بالجَسد - تُشكِّلُ أعظمَ تظاهرةٍ جماهيريّةٍ حضاريّةٍ في بداية الألفيّة الثّالثة.

صارت زيارةُ الأربعين علامةً بارزةً من علامات المؤمنين.

لم تَكن كذلك في القرن الهجريّ الثّاني ولا أواسط القرن الثّالث - عصر الإمام العسكريّ عليه السّلام، الإمام الحادي عشر من أئمّة المسلمين - حين تحدّث عن «زيارة الأربعين» باعتبارها إحدى علاماتِ المؤمنِ الأبرز.

بعد أنْ قال الإمامُ العسكريّ عليه السّلام ذلك - وإلى الأمس القريب -  لم تكُن زيارةُ الأربعين أبرزَ زياراتِ الإمام الحسين عليه السّلام.

كثيرةٌ هي زيارات الحسين عليه السّلام ومتعدِّدةٌ، والمشهور منها متعدِّدٌ أيضاً وليس من بينه «زيارة الأربعين».

لقد حُوربت زيارةُ الأربعين ولو عن غير قصدٍ إلى حدِّ أنَّ البعض يُفسِّرُها بزيارة أربعين مؤمناً!!

ها هي «زيارة الأربعين» تتجاوزُ حدودَ العراق في طريق تَبلوُرِها كأكبر مظاهرةٍ مليونيّةٍ تقطعُ أطولَ مسافةٍ سيراً على الأقدام، للتّعبير عن التزام الأمَّة الإسلاميّة كلِّها، شيعةً وسُنّةً، حبَّ أهل البيت عليهم السّلام، في مقابل مَن التزموا طاعةَ الشّيطان وآلَ أبي سفيان.

**

كانت كربلاء - في العهد الملَكيّ في العراق، وفي مرحلة عبد الكريم قاسم والأخوَين عارف -  تشهدُ في «الأربعين»، أي العشرين من شهر صفر، حشوداً جماهيريّةً غفيرةً. لكنّها لم تكُن تأتي مَشياً ولم تكُن بهذه العَظَمة ولا بِما يَقرُبُ منها. 

تَختزنُ الذّاكرةُ الشّعبيّةُ العراقيّةُ أنّ «نوري السّعيد» رئيس الوزراء - في حينه - قد حذَّرَه بعضُ ناصحيه من الشّعارات السّياسيّة الّتي كانت تُرفَعُ في كربلاء في عهده مِن قِبَل الحشود الغفيرة الّتي تتظاهرُ في كربلاء مندِّدةً بالنّظام مطالِبةً بإسقاطه، فقال: «دَعْهُم يَحكمون العراقَ يوماً وأحكُمُه باقي أيّام السّنة»!

وفي مرحلةِ ما بعد سقوط الطّاغية صدّام، شَهِدت كربلاءُ تدفُّقَ الشّلّالات الجماهيريّة الهائلة - للتّعويض عن القَمعِ طيلةَ عهدِ صدّام - إلَّا أنّ السّنوات الأخيرة تميَّزت بأمرَين لافتَين:

* الأوَّل: غاراتُ شيعةِ آل أبي سفيان على العالَم الإسلاميّ - بِشيعتِه وسُنّتِه، وتقديم صورة حقيقيّة عن «وحشيّة» هند وأبي سفيان ومعاوية ويزيد، وأتباعِهم، وما استشهادُ الشّيخِ البوطيّ وغيرِه من العلماء السُّنَّة ببَعيدٍ.

* الثّاني: تَلاطُمُ أمواجِ زيارة الأربعين بما يفوقُ كلَّ زياراتِ سيِّد الشّهداء عليه السّلام، حتّّى زيارة عاشوراء، لِتُصبحَ زيارةُ الأربعين علامةً للمؤمنين بارزةً، كما أخبرَ الإمامُ العسكريّ عليه السّلام.

**

* السُّؤالُ المركزيّ: كيف تحقَّقَ ذلك؟

كيف تحوَّلتْ زيارةُ الأربعين من موقعِها المُتراجِع في الأذهان، المحارَبِ بشدّة، إلى هذه التّظاهرة المليونيّة الهادرة المُتصاعدة؟

هل تحقَّقَ ذلك نتيجة زيارةٍ عفويّةٍ بادرَ إليها الصّحابيُّ «جابرُ بنُ عبد الله الأنصاريّ» إلى كربلاء في العشرين من صفر عام 61 للهجرة؟

أم أنّه جاءَ نتيجةَ تأسيسٍ نَبَويٍّ مُعْجِزٍ شَمَلَ كلَّ مفاصلِ «عاشوراء»، والكثيرَ جدّاً من مفرداتها، الكبيرة والصّغيرة، حدوثاً واستمراراً، ومن أبرزِ الكبيرةِ استمراراً زيارةُ الأربعين؟

يُرادُ بالتّأسيسِ النّبويّ لزيارة الأربعين، التّأمُّلُ في دلالاتِ زيارةِ الصّحابيّ الظّاهرة «جابر بن عبد الله الأنصاريّ» إلى كربلاء وتلاوة زيارةِ «الأربعين» الّتي بَقِيَت الزّيارةَ الوحيدةَ المُعتَمَدةَ إلى زمنِ الإمام الصّادق عليه السّلام، حيث أضافَ إليها زيارةً ثانية.

الصّحابيُّ الجليل جابر الأنصاريّ، هو آخِرُ مَن تُوفِّيَ من الصّحابة، وكان له مجلسُ عِلْمٍ في المسجد النّبويّ يأخذ النّاسُ عنه ويرجِعون إليه. وهو مِن حَمَلَةِ الأسرار النّبويّة حولَ أهل البيت عليهم السّلام، والمشهورُ منها إبلاغُه الإمام الباقر عليه السّلام سلاماً خاصّاً من رسول الله صلّى الله عليه وآله.

كان إبلاغُ السَّلامِ بعدَ كربلاء.

وكان مع جابر في كربلاء «عطيّة العوفيّ» المحدِّث الكبير والقاضي الشّهير في أيّام المهديّ العبّاسيّ.

هل نحن أمامَ موفدٍ نَبَويٍّ خاصٍّ للتّأسيس لزيارة الأربعين؟

ذلكم ما تتراكمُ في تكثيفِه الاحتمالاتُ الجادّةُ وأقوى القرائن.

ما بَلَغتْه «زيارة الأربعين» في التّعبير عن نَبْض الأمّة والمستضعَفين يعزِّزُ دراسةَ نصوصِ «الأربعين»، ومنها كلّ مقاربةٍ لسيرةِ جابر، في مسار ﴿..لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ..﴾ التّوبة:33، وإقامة الحكومة العالميّة الواحدة تحت شِعار «يا لثارات الحُسَين».

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

02/01/2014

دوريّات

نفحات