قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

01/03/2014

«إلى الطّليعة المؤمنة»


«إلى الطّليعة المؤمنة»

 رسائلُ في العقيدة والسّلوك

ـــــ قراءة: سلام ياسين ـــــ


الكتاب: إلى الطّليعة المؤمنة.

المؤلّف: المرجع الدّينيّ الشّيخ محمّد أمين زين الدّين (1333- 1419 هجريّة).

النّاشر: «مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات»، بيروت 1405 هجريّة.

 

(إلى الطّليعة المؤمنة) واحدٌ من كُتُب المرجع الرّاحل الشّيخ محمّد أمين زين الدّين رحمه الله، الّتي اهتمّ من خلالها بتربية الجيل الواعد، خصوصاً الّذين عصفَت بهم رياحُ التّغرُّب، وأظلمتْ أفكارَهم سُحُبُ المدِّ الإلحاديّ الماركسيّ في سبعينات وثمانينات القرن الرّابع عشر الهجريّ، الخمسينات والسّتّينات من القرن العشرين الميلاديّ.

وكتابُه هذا مجموعةٌ من الرّسائل كتبها ردّاً على تساؤلاتٍ كان يطرحُها عليه الشّباب المؤمن – بالمراسلة - خصوصاً الجامعيّين منهم، وبعضُها طلباً للإرشاد لِما ينبغي أن يواجهوا به زملاءَهم من ذوي النّزعات المادّيّة، فجاءت مادّةُ الكتاب مؤرِّخةً للواقع الفكريّ في تلك الحقبة، غنيّةً بالاستدلالات على أصول العقيدة وفروعِها، طافحةً بالتّوجيهات الأخلاقيّة، نابضةً بحنوّ الأبوّة ورعايتها. وكان الكتاب قد صدر عن مطبعة الآداب بالنّجف الأشرف سنة 1387 هجريّة.

وإحدى ميزات الكتاب هي الأسلوبُ البيانيّ الّذي كُتِبَت مادّته فيه، حتّى أضحى وثيقةً مهمّةً في أدب الرّسائل. يقول أحدُ عارفي المؤلّف، وهو مَن تصدّى لكتابة ترجمةٍ له [انظر: أعلام من هذا العدد]: «إنّ رسائلَ شيخنا قدّس اللهُ نفسَه، تُمثّل أنموذجاً عالياً فريداً في آداب المراسلة، وهي تعبّر - كما لا يعبّر غيرُها - عن إمكانيّاته المتميّزة في الأدب الإنشائيّ الفنّي، وتعبّر - في الوقت نفسه - عن أسلوبه في الحوار العلميّ، وعن خُلُقه، وعرفانه».

وعن البُعد الوجدانيّ والعاطفيّ عند المؤلّف، يقول: «إنّ مَن يقرأ رسائله، رحمه الله، يجد لأوّل وهلةٍ أنّه يُلاشي الحواجزَ والمسافاتِ بينَه وبين مَن يراسلُه أو يحاوره، فهو أبٌ حانٍ حريصٌ بالنّسبة إلى البعض، وأخٌ صميمٌ صادقُ الصّلةِ والمحبّةِ بالنّسبة إلى البعض الآخر، لا فرقَ في ذلك بين ما يكون به مُجيباً أو مُبتدئاً، وذلك سرُّ ما تركته هذه الرّسائل من أثر، ومن فعلٍ نفسيٍّ وفكريٍّ لدى مَن كانوا الطّرف الآخَر فيها».

وجاء في نعي المؤلّف مِن قِبَل بعض عارفيه، وهو السّيّد محمّد الموسويّ: «وكم انتشلتْ كتاباتُه، وخصوصاً كتابه الرّائع (إلى الطّليعة المؤمنة) الّذي أجدُ فيه دواءً ناجعاً لداء الضّياع الّذي يعاني منه كثيرٌ من شباب اليوم، الّذين لم يتذوّقوا طعمَ الطّمأنينة القلبيّة، الّتي لا تنشأُ إلّا بذكر الله..».

الكتاب في نظر مؤلّفه

أمّا المؤلّف نفسه قدّس سرّه، فيقول معرّفاً بالكتاب: «هذه آثارٌ متفرّقةٌ، شاء الأدبُ أن يقاربَ ما بينها في لونٍ، وشاء الإسلامُ أن يجمع ما بينها في غايةٍ، وشاء واجبُ التّربية أن يشدَّها في إطارٍ وأن يضمّها في منهجٍ، وتآزرت هذه العواملُ فكان منها هذا المجهود الّذي أضعُه بين أيديكم اليوم».

وعن طبيعة مادّة الكتاب، يقول المؤلّف: «آثار متفرّقة حُرِّرتْ أجوبةً خاصّةً لبعض الأعزّاء من شباب الجيل، ثمّّ حُذفتْ منها المخصِّصات والمعيِّنات، لِتُقدَّم بحوثاً عامّة إلى الشّباب المؤمنين برسالتهم، المتمسّكين بدينهم، لعلّها تؤدّي أمانة، وتفي بحقّ، وتُسهمَ في بناءٍ..».

وفي أولى رسائله الموجّهة إلى ولده «ضياء الدّين»، ثَمَّن المؤلّفُ فكرةَ ابنِه في جمع أجوبة رسائل الشّباب إليه في كتاب، يقول: «بنيّ! هذه إضمامةٌ من أحاديث العاطفة المؤمنة، ومن بلاغ الفكر المؤمن، كنتَ أنتَ السّبب في لمّها يوم بدأتْ تَرِدُ عليَّ رسائلُ إخوانك، يطلبون فيها أجوبةً لبعض المسائل وحلولاً لبعض المشاكل، فكنتَ تطلبُ منّي أن أحتفظَ بصورةٍ من كلِّ جواب، لتُدوَّنَ في مجموعة، ثمّ تُنشَر في كتاب».

 

من الكتاب

* في الرّسالة الأولى الّتي كتبها المؤلّف لولده، يقول متحدّثاً عن صلة العاطفة بالايمان:

«بعد أن ينظرَ الفكرُ المجرَّدُ في ما يقدّمه الإسلام من أدلّةٍ ومُثبتات، ويقتنعَ اقتناعاً كاملاً بأنّ النّتائجَ الّتي دلّت عليها تلك الأدلّةُ حقٌّ لا ريبَ فيه ".." يأتي دورُ الإيمان بهذه النّتائج، وهي عمليّةٌ يشتركُ فيها العقلُ والنّفس ".." وتؤمنُ العاطفةُ وتؤمنُ المشاعرُ، كما يؤمنُ الفكرُ والقلبُ، ومعنى إيمانِ العاطفة أن تخضعَ لقيادة الإيمان ورقابتِه، فلا تنبسطَ لأحدٍ من النّاس، ولا تنقبضَ عنه إلّا وفقَ مقاييس الإيمان، وفي ضمن حدوده».

* وجاء في جوابٍ له عن سؤالٍ حول رأي العلم الحديث بيوم القيامة، وقدرته على التّنبّؤ بها:

«ولدي! إنّ حديثَ القيامة ونشر الأجساد.. غَيبٌ من الغيوب، وليس من مجالات العلم الحديث ليُحكمَ فيه أو يُتنبّأَ عنه، فقد عرفتَ وعرفَ كلُّ مطّلعٍ أنّ مجالَ العلم الحديث إنّما هو الأمور المادّيّة الّتي يُدركُها الحسّ، وتبلغُها الآلة، ولا تنالها التّجربة، وتقع عليها الملاحظة، وبديهيٌّ أنّ القيامةَ وشؤونَها وأحوالَها ليس من ذلك في شيء، فهي ليست من مجالات العلم المادّيّ ليقولَ قولتَه فيها بنفيٍ أو إثباتٍ».

* ويقول في جوابه لشابٍّ آخَر يشكو من جَهالة المجتمع ونزوعه نحو المادّيّة:

«إنّ السّببَ هو الجهل، ومصدرُ الجهل هو تقصيرُنا نحن في تقديم الغذاء النّافع لأبنائنا، والدّواءُ النّاجع لأدوائهم - إلى أن يقول: ليعمل كلٌّ منّا في هذا السّبيل قدرَ طاقته ومبلغَ جهده وحسبَ اختصاصه، ليُثبتِ العالِمُ منّا أنّ العلمَ الكونيّ يُناصرُ الإسلامَ في كلّ خطوةٍ يخطوها، وفي كلّ نظرةٍ ينظرُها، وَلْيَقُلِ الطّبيبُ إنّ الطّبّ الحديث يُفلسفُ شريعةَ الإسلام في أحكامها، وليُعلن القانونيّ أنّ قانونَ الله تعالى أوفر ضماناً بتحقيق العدل، وأعظم رعايةً بالحقوق، وأدقّ ملاحظةً للحدود».

* وفي الرّسالة نفسها الّتي يبدو أنّ المَعنيّ بها من الشّباب الدُّعاة، يقول:

«والدّاعيةُ المسلمُ لا بدّ له من أن يستشعرَ الحبَّ في الله لِمَن يدعوه، والإخلاص في الدّعوة لنجاته، والثّقة الكاملة بالله في نُصحه وإرشاده».

* وفي رسالةٍ يُجيب فيها شابّاً يشكو قلقَ أصحابه ممّن تراودُهم الشّكوك في أمور العقيدة، يقول:

«علينا أن نستقبلَهم بابتسامة العطف، ونُشير لهم إلى مواضع الأمن، إنّهم قلقون خائفون أيّها الحبيب، وإنْ كانت سؤالاتُهم ومظاهرُهم تدلُّ على غير ذلك، فهل تَعِدُني أن تكونَ صلةً بين مَن تعرفهُ منهم وبين الموجِّهين في النّجف أو في غير النّجف؟ و«لئنْ يَهدِي اللهُ بكَ رجلاً واحداً، خَيْرٌ لكَ مِمّا طَلَعَت عليه الشَّمسُ».

***

كتاب (إلى الطّليعة المؤمنة) للمرجع الدّينيّ الرّاحل الشّيخ محمّد أمين زين الدّين، جديرٌ - لمَتانة محتواه وروعة سبْكِه - بأن يُترجَمَ إلى اللّغات الحيّة الأخرى، كي يستفيدَ منه شبابُ المسلمين الّذين لا يقرأون العربيّة أوّلاً، وعمومُ النّاس الباحثين عن الاستقرار النّفسيّ في عالمٍ لا يفتقرُ إلى شيءٍ، كما يفتقرُ إلى الاستقرار النّفسيّ والطّمأنينة.

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

01/03/2014

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات