حوارات

حوارات

28/03/2014

حوار السيّد الطهراني مع صاحب (الميزان)


 

حوارٌ قرآنيّ مع صاحب (الميزان)

إجاباتُ العلّامة الطّباطبائيّ على أسئلة السّيّد الطّهرانيّ

ـــــ إعداد: «شعائر» ـــــ

 

توقّف العلماء والمفسّرون مليّاً أمام الكثير من الآيات الشّريفة الّتي يخاطبُ فيها اللهُ نبيَّه الأعظم صلّى الله عليه وآله. ولعلَّ الآيات الّتي تُستهلّ بلفظ «قُلْ»، هي التي أخذت مساحةً واسعةً من اهتمام المُشتغلين بتفسير الكتاب العزيز وتدبُّره.

الحوار التّالي يبيّنُ مقاصدَ هذه الآيات ومعانيها، ويلقي الضّوء على آياتٍ أُخَر، وهو عبارة عن أجوبة العلّامة الفيلسوف السّيّد محمّد حسين الطّباطبائيّ، صاحب (تفسير الميزان)، على أسئلة تلميذه الفقيه العلّامة السّيّد محمّد حسين الطّهرانيّ، وقد اقتبسَته «شعائر» - باختصار - من كتاب (الشّمس السّاطعة)، في ترجمة العلّامة الطّباطبائيّ رضوان الله عليه.

 

السّيّد الطّهرانيّ: نجدُ في العديد من آيات القرآن الكريم أوامرَ موجّهةً إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، مُصَدَّرةً بلفظ «قُلْ»، مثل: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ﴾ الإخلاص:1، ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ الناس:1، ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ الفلق:1، ﴿قُلْ يَا أيُّهَا الْكَافرُونَ﴾ الكافرون:1،﴿قُلْ إنَّ الأوَّلِينَ وَالأخِرِينَ، لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ معْلُومٍ﴾ الواقعة:49-50، ﴿قُلْ إنَّمَآ أنَا بَشَرٌ مّثْلُكُمْ..﴾ الكهف:110، ﴿قُلْ أطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ..﴾ آل عمران:32، ﴿قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا..﴾ آل عمران:95، ﴿..قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالأخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى..﴾ النّساء:77.

ومن المعلوم أنّ ما كان أمر الله في هذه الخطابات، والرّسولُ مُؤتمَرٌ عليه ليس نفسَ القول، بل مَقول القول، فإذا جاء: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ﴾؛ فالرّسول مأمورٌ بالقول: «هُوَ اللهُ أحَدٌ»، وليس «قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ»، وإلّا لم يَعمل بأمر الله، ولم يؤدِّ المأمورَ به الّذي هو مَقول القول.

ولا يوجد في هذا المطلب مكانٌ للشّبهة والتّردّد. فإذا أَمَرَنا أحدٌ ما بأنّ نذهب إلى النّاس ونقول لهم: «اللهُ واحد»، فيجب علينا أن نذهب ونقول: «اللهُ واحد»، لا أن نقول: «قُلِ اللهُ واحد». لأنَّ القول هنا واسطة، ويحكي عن نفس المأمور به ومتعلّقه، لا أنّه قد أُخِذ على نحو استقلال. فإذا قال الإنسانُ: «اللهُ واحدٌ»، فقد أدّى متعلّق الأمر، وإذا قال: «قُل اللهُ واحد»، يكون قد خرجَ عن أداء الأمر.

وبناءً على ما قيل، يجب على الرّسول صلّى الله عليه وآله، أن يقول للنّاس: «هُوَ اللهُ أحَدٌ». وكذلك في سائر الآيات، يجبُ أنْ يقول للنّاس ما هو متعلّق الأمر. في حين أنّنا نرى في القرآن الكريم كلِّه أنّ لفظ «قُل» قد ورد كما هو موجّهٌ في خطاب الرّسول صلّى الله عليه وآله. فبماذا يتفضّل علينا أستاذُنا في هذا المورد؟

العلّامة الطّباطبائي: إنَّ البحث يقعُ هَهنا في موردَين:

الأوّل: في مسألة أمر الله تعالى للرّسول، وكونه مأموراً، وتنفيذه للمأموريّة في الخارج. فمن المعلوم الواضح في هذه المسألة أنّ رسول الله كان مؤتمِراً بأمر الله سُبحانه وتعالى، وكان يؤدّي الأوامر كما هي. ففي المورد الّذي يأتي فيه الأمر بصيغة «قُلْ»، كان النّبيُّ يؤديّ متعلّق الأمر نفسه. مثل سائر الأوامر الّتي كانت تصدر إلى الرّسول وإن لم تَرِد بلفظ «قُلْ»، كقوله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ* إنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِءِينَ﴾ الحجر:94-95.

فَطِبْقَ هذا الأمر الإلهيّ أعلنَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله التّوحيدَ جَهراً، وأعرضَ عن المشركين. أو في قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ﴾. كان يقول للنّاس هو اللهُ أحد، هو الواحدُ الأحد.

الثّاني: في حكاية القرآن عن الأوامر الإلهيّة، وهذه المسألة أمرٌ آخَر، فإنّنا نعلمُ أنّ القرآن وحيٌ سماويّ، وعلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله أن يتلوه كما هو بدون زيادة ولا نقصان. ولذلك فإنّ القرآن يُبيّنُ عينَ ما كان يخاطبُ به الرّسول، وهذا هو معنى القرآنيّة.

فإذا جرى حذفُ لفظ «قُلْ» في قوله: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ﴾، أو: ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾، فقيل: «هو الله أحد»، أو «أعوذُ بربِّ النّاس»، فلن يكون هذا هو القرآن ولا كلامَ الله، بل كلامَ النّبيّ الّذي يقول للنّاس: «هو الله أحد».

ولأنّ القرآنَ المجيدَ هو الوحيُ نفسُه، فلا يُمكن أن يكون بدون لفظ «قُل»، كما هي الحالُ في جميع الأوامر الإلهيّة الّتي لم تصدَّر بلفظ «قُلْ»، كما في الآية المذكورة: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وأعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ الحجر:94، فقد جاء الأمر كما هو، ومثلما ذكرَه القرآنُ الكريم.

وإذا تجاوزنا هذا، نجدُ أنّ الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله يمثِّلُ في الخطاب الإلهيّ والمطالب القرآنيّة عنوانَ المرآة لخطاب الأمّة جميعاً، بل لكلّ العالمين. ويكون الخطابُ متوجّهاً إلى النّاس ولكن عبر مرآة نفس الرّسول، الّتي لها إحاطة وجوديّة وعلميّة وإدراكيّة، والّتي اكتنفتْ لِسِعتها وشمولها جميعَ أفراد الأمّة، بل جميعَ البشر. والآية المباركة: ﴿..وَأنزَلْنَآ إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ..﴾ النّحل:44، توضِحُ حقيقة الأمر جيّداً، وهي أنّ نفسَ رسول الله هي المبيّنة لمسائل الوحي الإلهيّ الّذي نزل إلى النّاس.

 

 

في معنى العمل على الشّاكلة

 السّيّد الطّهراني: قوله تعالى: ﴿وإذَا أنعَمْنَا عَلَى الإنسَانِ أعْرَضَ ونَأى بِجَانِبِهِ وإذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا * قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهْدَى سَبِيلًا﴾ الإسراء:83-84. هذه الآية تُبيّن حالتَين للإنسان:

الأولى: شاكلتُه وقالبُه الأوّليّ، فهو مغرورٌ وغافلٌ، إذا مسَّه الخيرُ والنّعمةُ والرّخاءُ، فاستكبارُه وأنانيّتُه تَدفعانه إلى الإعراض، وإذا مسّه شرٌّ كضيقٍ في المعيشة وفقرٍ وبلاءٍ، يَئسَ وقنطَ وطَأطَأ رأسَه.

الثّانية: تلك الهداية الّتي يحصل عليها البعضُ في السَّير إلى الله، فيخرجون بها عن تلك الشّاكلة، وقد تزدادُ عند البعض لتُصبحَ طريقاً أوضح وأشدَّ استقامة.

هل هذه الآية تريدنا أن نعرف أنّ جِبِلَّةَ كلّ النّاس وشاكِلتَهم تكون في تلك الحالة الأولى، وهي الإعراض والانحراف في النّعمة، واليأس من الرّحمة عند الشّرّ والسّوء، وأنّ الّذين يحصلون على الهداية ويسلكون سبيل السَّعادة هم الّذين خرجوا من تلك «الفطرة» الأوَّليّة؟ أم أنّهم لا يخرجون عن فطرتهم وشاكلتِهم الأوّليّة، وأنّ هذه الهداية قد أُودِعَت في أعماقهم على أساس الفطرة؟

فإذا قلنا: إنّهم قد خرجوا عن الفطرة الأوّليّة، كما هو ظاهرُ الآية، والاستثناء منقطع، فما هو معنى الخروج عن الفطرة؟ فهل يُمكن أن يخرج الإنسان أو الموجود عن نظامه الأساسيّ وقالَبِه الوجوديّ بشكلٍ عامٍّ، ثمّ يحصل على نظامٍ وفطرةٍ أخرى؟ إضافة إلى أنّنا نعلم أنّ فطرةَ الإنسان بُنِيَت على أساس التّوحيد والسّعادة وليس الشّقاء.

وإذا قلنا: إنّ الاهتداء إلى ذلك السّبيل يكون على أساس الفطرة وموازينها، وإنّ هناك حالتَين تحيطان بالإنسان: الحالة الأوّليّة وهي الإعراض والتّمرّد واليأس والقنوط؛ والحالة الثّانويّة وهي الخروج من هذه المرحلة ونشوء البصيرة والاهتداء إلى الصّراط المستقيم، والاستثناء هنا متّصل، فهذا خلافُ ظاهر الآية الّتي تقول: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ..﴾ الإسراء:84، وأنّ ذلك الإعراض واليأس وفق الشّاكلة. بناءً عليه، ينبغي أن يكون ذلك الاهتداء خارجاً عن الشّاكلة، أي النّظام الوجوديّ للإنسان.

العلّامة الطّباطبائي: في الظّاهر إنّ المراد من الشّاكلة هو الشّاكلة الأوّليّة الّتي وُجدت قبل خضوع الإنسان للتّربية، وقبل بروز القابليّات الكامنة وظهورها إلى مرحلة الفعليّة. لأنّ الإنسان موجودٌ متحرّكٌ وقابلٌ للتّرقّي والكمال، ولهذا فإنّ فطرته الأوليّة هي ذلك الاستعداد المَحض والقابليّة الصّرفة الّتي إذا تُركت على حالها في عالم الطّبيعة والكثرة أصبح: «أعْرَضَ ونَأَى بِجَانِبِهِ»، و«يَؤوس وكَفُور»، وإذا قام بتربيتها وتهذيبها وإرشادها تَعبُرُ من الضّعف والوَهْن إلى مقام عزّ الإنسانيّة. ففي فطرة الإنسان تكمنُ هذه القابليّة وهذا الاستعداد، وتختفي هذه القدرة والقوّة. وإن كان الإنسان بحسب الظّاهر يَؤوساً وكفوراً، ولكن في أعماقه تموجُ بحارٌ من أنوار الحقيقة، لم تكن خارجةً عن فطرته أبداً. غاية الأمر أنَّ عليه أن يوصلَ هذه الأنوار بواسطة الرّياضة والتّربية إلى منصّة الظُّهور.

الإنسان موجودٌ ذو أعماقٍ منطويةٍ داخله، وله مراحلُ مختلفةٌ، كلّها كامنةٌ ومنطويةٌ في وجوده، ولا يُمكنه أن يحصلَ على مقامٍ خارج فطرته. وليس المراد من الإنسان في هذه الآية الشّريفة تلك النّفس القدسيّة والرُّوح النّاطقة فيه، والّتي هي من المراحل الكامنة في وجوده، والّتي لا يُمكنه الوصول إليها إلَّا بِطَيِّ الطّريق والاهتداء بالهداية الإلهيّة. بل المراد من الإنسان ذلك الإنسان العاديّ بأفكاره العامّيّة وحالاته العاديّة، وبالطّبع تبعاً لهذه الشّاكلة يُعرِضُ ويَيأسُ ويَكفُر. فإذا أَدْرَكَتْهُ الهدايةُ الرّبّانيّة أخرجَته عن هذه الشّاكلة، وهذه الخِلقة، وهذه الدّرجة من الفطرة، وليس من مطلق الفطرة والخِلقة.

وما أشبهَ هذه الآية بالآيات الواردة في سورة المعارج: ﴿إنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وإذَا مَسَّهُ الخيْرُ مَنُوعًا * إلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * والَّذِينَ في أمْوَالِهِمْ حَقٌ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ والْمَحْرُومِ * والَّذِين يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينَ * والَّذِينَ هُمْ مِّن عَذَابِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ * إنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غير مَأمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إلَّا عَلَى أزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُهُمْ فَإنَّهُمْ غير مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى ورَاءَ ذَلِكَ فَاولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِين هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِين هُمْ بِشَهَدَاتِهِمْ قَآئِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أولَئِكَ في جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ * فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبْلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ * أيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلّا..﴾ المعارج:19-39.

فهذه الآيات المباركات تريد بحسب الظّاهر أن توصل المعنى نفسَه، وهو أنّ خلقة الإنسان الأوّليّة هي الهَلوعيّة (بمعنى عدم الصّبر والثّبات)، والعجلة الّتي يلازمها - في حال الخير - المنعُ، وعند المصيبة أو فقدان المال وغيره، الجَزَعُ. والمصلّون هم فقط مَن استُثْنِيَ من هذه القاعدة الكلّيّة، ولكن أيّ صنفٍ من المُصلّين؟

إنّهم أولئك الّذين يهتمّون بالصّلاة والزّكاة، ويخافون عذاب الله ويصدّقون بيوم القيامة والحساب، ويمنعون أنفسهم من الوقوع في الزّنا وارتكاب الأعمال الشّنيعة، ويحفظون الأمانات، ويرعون العهود، ولا يشهدون بالزُّور أبداً. فقد عدّ الله تعالى في هذه الآيات جميع الأعمال الحسنة، ولم يترك منها شيئاً.

ثمّ يقولُ تعالى ما مضمونه: إنّ هؤلاء الكفّار الّذين يحيطون بك يا رسول الله، والّذين لا علاقة لهم بالأعمال الحسنة والفضائل الأخلاقيّة والأعمال الرّوحيّة الحقيقيّة، ماذا يقولون؟ وماذا يريدون؟ هل يتصوّرون أنّهم بدون الصّلاة الّتي لها تلك الآثار والخصائص، يستطيعون الوصول إلى مقام الإنسانيّة والدّخول إلى جنّة النّعيم؟ الأمر ليس كذلك؛ ولن ينال هؤلاء هذا المقام أبداً.

ففي هذه الآيات استُثنِيَ المصلّون من قاعدة الخِلقة الأوّليّة للإنسان، الّتي هي الهَلَع ولوازمُه من المنع والجزَع. وبناءً عليه، غُرِسَت الصّلاة بخصائصها المذكورة في ذات الإنسان وفطرته، وعليه أن يقوم بإبرازها وإيصالها إلى مقام الظّهور الفعليّ، وعليه أن يوقظَ هذا الشّعور الإلهيّ الكامن فيه.

والخلاصة، أنّ المراد من خَلْق الإنسان بحالة الهلع، هو خلقُ إحدى الحالات والمقامات الإنسانيّة، وليس لُبّ الفطرة الأصليّة للإنسان. والآيةُ تبيّنُ خَلْقَ الحالات العاديّة والعامّة للإنسان، وليس أصل النّفس النّاطقة والرّوح القدسيّة.

                     

الشّفاعة مختصّة بأهل الكبائر



السّيّد الطّهراني: الآية المباركة ﴿..ولَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ الأنبياء:28، لها دلالةٌ على الارتضاء المُطلَق، أي ينبغي أنّ تكون جميعُ مراتب الإنسان الوجوديّة، حتّى ذاتُه وسرُّه، موردَ الرّضا حتّى تنالَ الشّفاعة، وهذه هي درجةُ المقرّبين والمخلَصين.




العلّامة الطّباطبائي: في مثل هذه الحالة لا حاجةَ للشّفاعة، بل المقصود الارتضاءُ في الدِّين، وإطلاقُ الآية يجب أن يكون في هذا الحدّ المحدود. أي أنّ مَن يُرتَضَى منه دينُه وعقيدتُه ومنهجُه، في مقابل التّقييد بالارتضاء في العمل الّذي ليس المقصود بالطّبع، لأنّ الشّفاعة مختصّةٌ بأهل المعاصي، أي بأهل الكبائر؛ لأنّ الّذي يجتنبُ الكبائر، يحصل بهذا الاجتناب على تكفيرٍ لذنوبه الصّغيرة، وهنا لن تبقى معصيةٌ لتكون موردَ الشّفاعة. ﴿إن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيّئاتِكُمْ..﴾ النّساء:31، و﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ والْفَوَاحِشَ إلَّا اللَّمَمَ..﴾ النّجم:32، فهذه الآيات تدلّ على غفران الذّنوب والمعاصي الصّغيرة تلقائيّاً عند الاجتناب عن الكبائر، وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: «ادَّخَرْتُ شَفاعَتِي لأهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أمَّتِي، فَأمَّا المُحسِنُونَ فَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ».

وعن الإمام الرِّضا عليه السّلام في تفسير «الارتضاء» المذكور في الآية: «ولَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى دِينهُ». والمُراد من الدّين الاعتقادُ بالتّوحيد ونَفيُ الشّرك. أمّا الّذي يرتكبُ الكبيرةَ ولا يتوب، فهو مصداقُ قول الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السّلام بأنّه «ليس مَرْضِيّ الدّين».

 

السّيّد الطّهراني: هل آية (الكرسيّ) الّتي حازت على عنوان العَلَم بالغلبة، هي الّتي تنتهي بقوله تعالى: ﴿..ولَا يَؤدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيّ الْعَظِيمُ﴾ البقرة:255، أم أنّها تشملُ الآيتَين التّاليتَين، وتنتهي عند قوله تعالى: ﴿..أولَئِكَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ البقرة:257؟

العلّامة الطّباطبائي: تنتهي بقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيّ الْعَظِيمُ﴾، وقد سُمّيت بآية الكرسيّ لأنّها اشتملت على لفظ الكرسيّ. أمّا الفقرات الأُخَر فليست جزءاً من الآية. وفي الأدعية والصّلوات المستحبّة الّتي ورد فيها استحبابُ قراءة الآية، يُكتفى بهذا المقدار فقط.

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

28/03/2014

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات