الملف

الملف

25/04/2014

مؤلَّفاتُ أمير المؤمنين عليه السّلام

  اقرأ في الملف

استهلال                                       في الصّلاة على الإمام عليّ عليه السّلام

هذا الملفّ                                                                   «شعائر»

مؤلَّفاتُ أمير المؤمنين عليه السّلام                         إعداد: أسرة التّحرير                            

                     

 

استهلال

في الصّلاة على الإمام عليّ عليه السّلام

أللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى عَلِيٍّ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ

وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ العالَمِينَ

عَبْدِكَ وَوَلِيِّكَ

وَأَخِي رَسُولِكَ

وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ

وَآيَتِكَ الكُبْرى وَالنَّبَأ العَظِيمِ



هذا الملفّ


قالَ الإمامُ الصّادق عليه السّلام: «عَلَّمَ رَسولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَآلهِ، عَلِيّاً، عَلَيْهِ السَّلامُ، أَلْفَ بابٍ، يُفْتَحُ مِنْ كُلِّ بابٍ أَلْفُ بابٍ». (روضة المتّقين: ج 12/ ص 211)

أَوْدَعَ النّبيُّ صلّى الله عليه وآله الإمامَ عليّاً عليه السّلام هذه العلوم ومفاتيحها لتصلَ إلى الأجيالِ والأُمَم، فكيفَ وَصَلتْ؟

يُجيبُ على جانبٍ من هذا السّؤال معرفةُ الكُتبِ التي ألّفها أميرُ المؤمنين عليه السّلام، وورثَها عنه وَرَثتُه الأوصياءُ عليهم السّلام، وأداروا رَحى العلمِ على أساسِ مصادرَ إلهيّةٍ مُتَعدِّدة، أحدها هذه المؤلّفات العلويّة.

عن واحدٍ من هذه المؤلّفات قالَ الإمامُ الباقرُ عليه السّلام: «إِنَّ عِنْدَنا صَحيفَةً مِنْ كُتُبِ عَليٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ، طولُها سَبْعونَ ذِراعاً، فَنَحْنُ نَتْبَعُ ما فيها لا نَعْدوها ".." إِنَّ عَلِيّاً، عَلَيْهِ السَّلامُ، كَتَبَ العِلْمَ كُلَّهُ، القَضاءَ وَالفَرائِضَ، فَلَوْ ظَهَرَ أَمْرُنا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ إلّا فيهِ سُنَّةٌ نُمْضيها». (بحار الأنوار: ج 26/ ص 23).

وقد تتبّعَ الفقيهُ الرّاحل السّيّد محسن الأمين، رحمه الله، مُختلفَ الرّواياتِ حولَ هذه المؤلّفاتِ العَلويَّة، وكتبَ عنها شرْحاً وافياً في (أعيان الشّيعة: ج 1/ ص 90-98)، وأَعادها مُختصرةً في (ج 1/ ص 539).

مؤلّفات تلامذته، علويّة

كما ذكر السّيّد الأمين في (ج 1/ ص 140) فما بعدها، فَوائدَ مُهمّةً حول مؤلّفاتِ عددٍ من خواصّ الأميرِ عليه السّلام، أو من تلقّوا العلمَ منه عليهِ السّلام، وأَثبتَتْ سِيَرُهُم لاحقاً عدم استقامتِهم، كعُبيد الله بن الحرّ الجُعْفيّ «الشّاعر الفارس الفاتك». ذكرَه النّجاشيّ في الطّبقة الأولى من مؤلّفي الشّيعة، وقال: «له نسخةٌ يرويها عن أمير المؤمنين عليه السّلام». اهـ.

قال السّيّد الأمين: «أقول ولكنّه لم ينصر الحسين عليه السّلام حين استنصرَه، ثمّ طلبَ بثاره وماتَ أيّام المختار، حدود سنة 66 للهجرة». (الأعيان: ج 1/ ص 141)

وقد أورد السّيّد الأمين أسماءَ خواصّ الأمير عليه السّلام وغيرهم ممّن تلقّوا العلمَ عنه عليه السّلام، كما يلي:

1- أبو رافع. 2- عليّ بن أبي رافع. 3- عُبيد الله بن أبي رافع. 4- الأصبغ بن نُباتة. 5- الحارثُ الهمدانيّ. 6- ربيعةُ بن سُمَيْع. 7- يعلى بن مرّة. 8- عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ. 9- و«أبو صادق، سُليم بن قيس الهلاليّ».

ومن الواضح أنّ مصدر الثّابت من هذه الكُتب هو علمُ أمير المؤمنين عليه السّلام، فهذه المؤلّفات عَلويّة، لا سيّما ما كان منها لا يشتمل إلّا على ما سمعه المؤلّف من أمير المؤمنين عليه السّلام، مثل كتاب (السّنن والأحكام والقضايا) لأبي رافع.

نستنتج:

1- أنّ علمَ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله الذي علَّمه عليّاً عليه السّلام، قد وَصلَ إلى الأُمّةِ بأجيالِها، ويستمرُّ وصولُهِ عن طريقِ الأئمّةِ من أهلِ البيتِ عليهم السّلام، الذين كانت عندهم كُتبٌ ألّفها أميرُ المؤمنين عليه السّلام، فكانتْ مَصْدراً رئيساً من مصادرِ عُلومِهِم الإلهيّة.

2- كما وصلَ بعضُ تلك العُلومِ النّبويّة للإمامِ عليٍّ عليه السّلام، من طَريقِ الصَّحابةِ والتّابعينَ الذين ألّفوا كُتباً ثبتَ أنَّها أصولٌ مُعْتَمدَة، تَحدّثَ عنها «النَّجاشيّ» وغَيْرُهُ من العلماءِ المُخْتَصّين.

ولأهمّيةِ هذَين المِحْوَرَيْنِ، ولأنّ السّائدَ على نِطاقٍ واسعٍ جدّاً أنّه لا كُتُبَ لأميرِ المؤمنين عليه السّلام غير (نهج البلاغة)، فقد آثرتْ «شعائر» أن يكونَ موضوعُ كُتُبِ أميرِ المُؤْمنينَ عليه السّلام ملَفَّ هذا العدد.


مُؤلّفاتُ أميرِ المُؤمنينَ عليه السّلام

ــــ إعداد أسرة التّحرير ـــــ

عالجَ هذا الموضوعَ، بهذا العنوان، الفقيهُ الرّاحلُ السّيّد محسن الأمين، في عدّة مواضع من كتابه الشّهير (أعيان الشّيعة)، أبرزها ما جاء في (الجزء الأوّل، ص 90 – 98)، كما مرّ في التّقديم لهذا الملّف.

ما يلي عرضٌ لنصّ السّيّد الأمين بتصرّفٍ يسيرٍ في الإعداد والتّحرير، وأحياناً بالتّرقيم.

 

 1- جمْعُ القرآنِ الكريمِ وتَأْويلُهُ

كما ذكر( الاسم) المحقّقُ الكاظميّ، أو جمْعُه على ترتيب النّزول كما أخرجه «أبو داود»، وذكرَه غيرُه.

2- كتابٌ أملى فيه أميرُ المؤمنين عليه السّلام ستّينَ نوعاً من أنواعِ علومِ القُرآنِ

وذكرَ لكلّ نوعٍ مثالاً يَخصّه، وهو الأصلُ لكلّ مَنْ كتبَ في أنواع علوم القرآن.

وهذا الكتاب أَوْرَدَهُ المجلسيَ في (بحاره)، نقلاً عن أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النّعمانيّ في تفسيره للقرآن، ورواه النّعمانيّ عن الحافظ ابن عقدة بسنده المتّصل إلى الصّادق جعفر بن محمّد عليه السّلام، أنّه نَسبَهُ إلى أميرِ المؤمنين عليه السّلام. ويبلغُ ثلاثَ عشرة ورقةً إلّا ربع بالقطعِ الكامل، كلّ صفحة منها 27 سطراً، كلّ سطر 23 كلمة.

وأشارَ إلى هذا الكتابِ «الرّافعيّ» في كتابِهِ (إعجاز القرآن)، فقالَ : «وتزعمُ الشّيعةُ أنَّ عليّاً أملى ستّينَ نوعاً من أنواعِ علومِ القرآن، وذكر لكلِّ نوعٍ منها مِثالاً يخصُّهُ. وأنَّ ذلك في كتاب يَرْوونَهُ عنه من طرقٍ عدّة، وهو في أيديهم إلى اليوم. وذلك وإنْ كانَ قريباً في ما يُعطيه ظاهرُه، غير أنّه بالحيلةِ على تقريبهِ من الحقيقةِ صارَ أبعدَ منها وأمحضَ في الزّعم» اهـ.

ونخالُه يشيرُ بذلك إلى ما في كتاب (الشّيعة وفنون الإسلام) المذكور فيه هذه العبارة في مَوْضعَين، ولكنّ نفسَه لم تطاوعه على الاعترافِ بهذا الكتابِ والإذعانِ بأنّ عليّاً عليه السّلام أملى ستّين نوعاً من أنواعِ علومِ القرآنِ في كتابٍ ترويه الشّيعة بأسانيدها، وهو في أيديها إلى اليوم. وجعلَ ذلك حيلةً على تقريبِهِ من الحقيقة.

يا سبحانَ الله! كيف يُمكن أن يصدر مثلُ هذا الكتاب من أميرِ المؤمنين وسيّدِ العُلماءِ والمُوَحّدين، ووارثِ علومِ خيرِ النّبيّين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ ومَنْ قالَ في حقّه رسولُ الله صلّى الله عليه وآله: أنا مَدينَةُ العِلْمِ وَعَلِيٌّ بابُها؟

وكيف يُمكن أن يُصدّقَ به الرّافعيّ، ورواتُه من الشّيعة وهو بأيديهم؟ بل هو بالحيلة على تقريبه من الحقيقة صارَ أبعد منها!

لا يصدّق الرّافعيّ بهذا، ويقول في حاشية كتابه المذكور إنّ لبعضِ المحقّقين من مشايخ الصّوفيةِ دقائقَ في التّفسيرِ لا تتّفقُ لغيرهم لسُمُوّ أرواحِهم ونورِ بواطنِهِم، ومنهم كانَ الإمام السّلطانُ الحنفيّ، صاحبُ المقام المشهور في القاهرة، سمعه يوماً شيخُ الاسلامِ «البلقيني» يفسّرُ آيةً فقالَ: «لقد طالعتُ أربعينَ تفسيراً، فما وجدتُ فيها شيئاً من تلك الدّقائق». اهـ‍.

وحكى الرّافعيّ في حاشية كتابه المذكور عن بعضِ العلماءِ أنّه استخرجَ من القرآنِ الكريمِ أنّ قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾ الفرقان:45، إشارةٌ إلى التّصويرِ الشّمسيِّ، وأنّ قوله تعالى ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ..﴾ فصّلت:11، إشارةٌ إلى أنّ مادة الكون هي الأثير. وأنّ قوله تعالى في السّماوات والأرض: ﴿..كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا..﴾ الأنبياء:30 إشارةٌ إلى أنّ الأرضَ انفتقت من النّظامِ الشّمسيِّ. وأنّ قوله تعالى: ﴿..وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ..﴾ الأنبياء:30، إشارةٌ إلى أنّ للجماداتِ حياةً قائمةً بماء التّبَلْوُرِ. وأنَّ قوله: ﴿..فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ طه:53، دالٌّ على تَلاقحِ النّبات، إلى غير ذلك. وهذا ليس ببعيدٍ عمّا حواه القرآنُ من العلوم. وإنّ فيه تبيان كلّ شيء، ولكنّ مَن يصدّق بذلك، كيف يعْظمُ عليه أن يُصدّقَ بأنّ عليّاً أميرَ المؤمنين أملى ستّين نوعاً من علومِ القرآن؟!...

سندُ رواية هذا الكتاب في علوم القرآن

قال السّيّد الأمين رحمه الله تعالى: «وقد رأينا من المُناسبِ أن نذكرَ هنا سندنا إلى هذا الكتاب، الذي نرويه به إجازةً عن مشايخنا، المتّصل إلى أهل بيت النّبوّة عليهم السّلام، ونورد نبذاً منه، وإنْ طالَ الكلامُ وخالفَ ما نتوخّاهُ في هذه المقدّمة من الاختصار.

فنقول:

لنا عدّةُ طُرق إلى ابن عقدة راوي هذا الكتاب، بسنده إلى الإمامِ جعفرٍ الصّادقِ الذي أسنده إلى أميرِ المؤمنين عليهما السّلام، نذكر منها هنا طَريقاً واحداً لاتّصال السّندِ به. فإنّا نَروي إجازةً عن شيخِنا وأستاذِنا الفقيهِ المُحقّقِ المُدقّقِ الزّاهدِ العابدِ الشّيخِ محمّد طه بن الشّيخِ مهدي نجف النّجفيّ قدّس سرّه، عن شيخِهِ الفقيهِ الزّاهدِ العابدِ المُلّا عليّ بن ميرزا خليل الطّبيب الطّهرانيّ النّجفيّ، عن شيخِهِ الإمامِ الفقيهِ العلّامة الشّيخ محمّد حسن النّجفيّ (صاحب جواهر الكلام)، عن شيخِهِ الفقيهِ المُتبحّرِ العلّامةِ السّيّد محمّد الجوادِ بن محمّدٍ العامليّ النّجفيّ (صاحب مفتاح الكرامة)، عن شيخِهِ الإمامِ العَلّامةِ السّيّد محمّد مهدي الطّباطبائيّ النّجفيّ المعروف ببحر العلوم، عن شيخِهِ المُحقّق الوحيد محمّد باقر بن محمّد أكمل البَهبهانيّ الحائريّ، عن أبيه محمّد أكمل، عن العلّامة المجلسيّ، عن أبيه.

وعن بحر العلوم، عن المولى محمّد باقر الهزار جريبي، عن شيخه محمّد بن محمّد زمان، عن الأمير محمّد حسين بن الأمير محمّد صالح، عن العلّامة محمّد باقر المجلسيّ الثّاني، عن والده المولى محمّد تقي المجلسيّ الأوّل، عن الشّيخ بهاء الدّين محمّد العامليّ المعروف بالبهائيّ، عن والده الشّيخ حسين بن عبد الصّمد الحارثيّ الهمدانيّ العامليّ، عن شيخه الشّيخ زين الدّين بن عليّ العامليّ الجُبَعيّ المعروف بالشّهيد الثّاني، عن شيخه الفاضل نور الدّين علي بن عبد العالي المَيسيّ، عن الشّيخ شمس الدّين محمّد بن داوود الشّهير بابن المؤذّن العامليّ الجزّينيّ، عن الشّيخ ضياء الدّين عليّ ابن الشّيخ الجليل السّعيد الشّهيد شمس الملّة والدّين محمّد بن مكّي العامليّ الجزّينيّ، عن والده المذكور، عن الشّيخ فخر الدّين أبي طالب محمّد ابن الشّيخ جمال الدّين أبي منصور الحسن بن المطّهر الحلّيّ، عن والده المعروف بالعلّامة الحلّيّ، عن شيخه الإمام الجليل المحقّق نجم الدّين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد المعروف بالمحقّق الحلّيّ، عن السّيّد شمس الدّين فخار بن معد الموسويّ، عن الشّيخ أبي الفضل شاذان بن جبرائيل القمّيّ، عن الشّيخ أبي جعفر محمّد بن أبي القاسم العماد الطّبريّ، عن الشّيخ أبي علي الحسن ابن شيخ الطّائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطّوسيّ، عن أبيه، عن أبي الحسن أحمد بن محمّد بن موسى الأهوازيّ، عن أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد المعروف بابن عقدة بجميع رواياته وكُتبه، قال:

حَدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجُعْفيّ، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر، قال:

سمعتُ أبا عبد الله جعفرَ بن محمّدٍ الصّادقَ عليه السّلام يقول:

إنَّ اللهَ تبارك وتعالى بعثَ محمّداً صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ، فختمَ به الأنبياءَ، فلا نبيَّ بعدَه، وأنزل عليه كتاباً فختمَ به الكُتُبَ، فلا كتابَ بعده، أحلَّ فيه حلالاً وحرّمَ حراماً، فحلالُه حلالٌ إلى يوم القيامة، وحرامُه حرامٌ إلى يوم القيامة، فيه شرْعُكم، وخبرُ مَن قبلَكم وبعدَكم، وجعلَه النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ علماً باقياً في أوصيائه، فتركَهم النّاسُ وهم الشّهداءُ على أهلِ كلّ زمان ثمّ قتلوهم...

إلى أن قال، وهو يشير إلى من خالفوا أهل البيت عليهم السّلام:

وذلك أنّهم ضَربوا بعضَ القرآن ببعضٍ، واحتجّوا بالمَنسوخِ وهم يظنّون أنّه النّاسخ، واحتجّوا بالمُتَشابِهِ وهم يَرَوْنَهُ المُحْكَمَ، واحتجّوا بالخاصِّ وهم يقدِّرون أنّهُ العامّ، واحتجّوا بأوّلِ الآيةِ وتركوا السّببَ في تأويلِها، ولم ينظروا إلى ما يفتحُ الكلام وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا مواردَهُ ومصادرَه.

واعلموا، رحمكم الله، أنّ مَن لم يعرفْ من كتابِ الله عزّ وجلّ النّاسخَ مِنَ المَنسوخِ، والخاصَّ مِنَ العامّ، والمُحكمَ من المُتَشابِهِ، والرّخصَ مِنَ العزائمِ، والمكّيَّ والمدنيَّ، وأسبابَ التّنزيل، وما فيه من علمِ القضاءِ والقدرِ، والتّقديم والتّأخير، والابتداء والانتهاء، والسّؤال والجواب، والقطع والوصل، والمستثنى منه، فليس بعالِمٍ بالقرآن.

ولقد سألَ أميرَ المؤمنين صلوات الله عليه شيعتُه عن مثل هذا، فقال:

إنّ الله تبارك وتعالى أنزل القرآنَ على سبعةِ أقسام، كلٌّ منها شافٍ كافٍ، وهي: أمرٌ، وزجْرٌ، وترغيبٌ، وترهيبٌ، وجدلٌ، ومَثلٌ، وقصص.

وفي القرآن: ناسخٌ، ومنسوخٌ، ومحكمٌ، ومُتشابَهٌ، وخاصٌّ، وعامٌّ، وعزائمُ، ورُخَصٌ، وحلالٌ، وحرامٌ، وفرائضُ، وأحكامٌ، وحرفٌ مكانَ حرف.

ومنه ما لفظُهُ خاصّ، ومنه ما لفظُهُ عامٌّ محتمل العموم، ومنه ما لفظُهُ واحدٌ ومعناه جمعٌ، ومنه ما لفظُهُ جمعٌ ومعناه واحدٌ، ومنه ما لفظُهُ ماضٍ ومعناهُ مستقبلٌ، ومنه ما لفظُهُ على الخبرِ ومعناه حكايةٌ عن قوم آخرين، ومنه ما تأويلُه في تنزيله، ومنه ما تأويلُهُ قبل تنزيلِه، ومنه ما تأويلُه بعد تنزيلِه، ومنه آياتٌ بعضُها في سورة وإتمامُها في سورةٍ أخرى، ومنه آياتٌ نصفُها منسوخٌ ونصفُها متروكٌ على حاله، ومنه آياتٌ مختلفةُ اللّفظِ متّفقةُ المعنى، ومنه آياتٌ متّفقةُ اللّفظِ مختلفةُ المعنى، ومنه آياتٌ فيها رخصةٌ وإطلاقٌ بعد العزيمة، ومنه مخاطبةٌ لقومٍ والمعنى لآخرين، ومنه مخاطبةٌ للنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ ومعناه واقعٌ على أُمّته، ومنه لا يُعرَفُ تحريمُه إلّا بتحليلِه، ومنه ردٌّ مِنَ الله تعالى واحتجاجٌ على جميع الملحدين والزّنادقة، والدّهريّة والثَّنَوِيّة والقدريّة، والمجبِّرة وعبَدةِ الأوثان وعبَدةِ النّيران، ومنه احتجاجٌ على النّصارى في المسيحِ عليه السّلام، ومنه الرّدّ على اليهود، ومنه الرّدّ على من زعم أنّ الإيمانَ لا يزيدُ ولا ينقصُ، وأنّ الكفرَ كذلك، ومنه ردٌّ على من زعمَ أنْ ليس بعد الموتِ وقبلَ القيامة ثوابٌ وعِقاب، ومنه ردٌّ على مَن أنكر فضلَ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ على جميع الخلق، ومنه ردٌّ على من أنكر الإسراءَ به ليلةَ المعراج، ومنه ردٌّ على من أثبتَ الرّؤية، ومنه صفات الحقّ، وأبواب معاني الإيمان ووجوبه ووجوهه، ومنه ردٌّ على من وصفَ الله تعالى وحدَّه، ومنه ردٌّ على من أنكرَ الرّجعةَ ولم يعرفْ تأويلَها، ومنه ردٌّ على من زعمَ أنّ اللهَ عزّ وجلّ لا يعلمُ الشّيءَ حتّى يكون، ومنه ردٌّ على من لم يَعْلَمِ الفرقَ بين المشيئةِ والإرادةِ والقُدرةِ، ومنه ما بَيّنَ اللهُ فيه شرائعَ الإسلامِ، والسّببَ في بقاء الخلقِ، ومعايشَهُم ووجوه ذلك، ومنه أخبارُ الأنبياء وشرائعُهم وهلاكُ أُمَمهم، ومنه ما بيّن الله تعالى في مغازي النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وحروبه..

وغير ذلك إلى تمام ستّين نوعاً اختصرنا بعضها.

* فممّا سألوه عن النّاسخ والمنسوخ، فقال صلوات الله عليه:

إنّ اللهَ تبارك وتعالى بعث رسولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ بالرّأفة والرّحمة، فكان من رأفته ورحمته أنّه لم ينقل قومَه في أوّل نُبُوَّتِهِ عن عادتِهِمْ حتّى استحكمَ الإسلامُ في قلوبِهم، وحلّت الشّريعةُ في صدورهم.

فكان من شريعتهم في الجاهليّة أنّ المرأة إذا زنت حُبست في بيتٍ وأقيم بأوَدها حتّى يَأْتِيَها الموتُ، وإذا زنى الرّجلُ نَفَوْهُ عن مجالسهم، وشتموه وآذوه وعيّروه، ولم يكونوا يعرفوا غير هذا؛ قالَ اللهُ تعالى في أوّل الإسلام: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا * وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ النّساء:15-16، فلمّا كثر المسلمون وقوي الإسلامُ واستوحشوا أمورَ الجاهليّة أنزلَ الله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ..﴾ النّور:2، إلى آخر الآية، فنسخت هذه الآيةُ، آيةَ الحبسِ والأذى.

ومن ذلك: العدّة، كانت في الجاهليّة على المرأة سنةً كاملةً، وكان إذا مات الرّجل ألْقت المرأةُ خلفَ ظهرِها شيئاً بعْرةً وما جرى مَجْراها، ثمّ قالت: البعلُ أَهْوَنُ عليّ من هذه، فلا أكتحل ولا أمْتَشِطُ ولا أتطيّب ولا أتزوّج سَنَةً. فكانوا لا يُخرجونها من بيتها، بل يُجْرونَ عليها من تركةِ زوجِها سَنَةً، فأنزل الله تعالى في أوّل الإسلام: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاج..﴾ البقرة:240، فلمّا قوي الإسلام أنزل الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ..﴾ البقرة:234، إلى آخر الآية.

ومن ذلك: أنّ الله تبارك وتعالى لمّا بعثَ محمّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ أمَره في بدوّ أمره أن يدعوَ بالدّعوة فقط، وأنزل عليه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ الله فَضْلًا كَبِيرًا * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفَى بِالله وَكِيلًا﴾ الأحزاب:45-48.

فبعثَهُ اللهُ بالدّعوة فقط، وأمره أن لا يؤذيهم، فلمّا أرادوه بما همّوا به من تَبْييته، أمرَهُ اللهُ تعالى بالهجرة، وفرض عليه القتالَ، فقال سبحانه: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ الله عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ..﴾ الحج:39.

فلمّا أُمِرَ النّاسُ بالحربِ جزعوا وخافوا فأنزل الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ..﴾ النّساء:77-78. فنَسختْ آيةُ القتال آيةَ الكفّ، فلمّا كان يوم بدر وعرفَ اللهُ حَرَجَ المُسْلِمينَ، أنزلَ على نبيّه: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى الله..﴾ الأنفال:61، فلمّا قوي الإسلامُ وكثر المسلمون أنزل الله تعالى: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَالله مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ محمّد:35.

فنسختْ هذه الآيةُ، الآيةَ التي أذن لهم فيها أن يجنحوا للسّلم، ثمّ أنزلَ اللهُ سبحانه في آخرِ السّورة ﴿..فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ..﴾ التّوبة:5، إلى آخر الآية.

ومن ذلك: أنّ اللهَ تعالى فرضَ القتالَ على الأُمّة، فجعلَ على الرّجلِ الواحد أن يقاتلَ عشرةً من المشركين، فقال: ﴿..إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ..﴾ الأنفال:65، إلى آخر الآية، ثمّ نسخها سبحانه فقال: ﴿الْآَنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ..﴾ الأنفال:66، إلى آخر الآية، فنسخَ بهذه الآيةِ ما قبلها، فصارَ من فرضِ المُؤمنين في الحرب، إن كانت عدّة المشركين أكثر من رَجلين لرجلٍ، لم يكن فارّاً من الزّحف، وإن كانت العدّة رجلين لرجلٍ كان فارّاً من الزّحف.

ومن ذلك: نوعٌ آخر، وهو أنّ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ لمّا هاجرَ إلى المدينة آخى بين أصحابِهِ من المهاجرين والأنصار، وجعل المواريثَ على الإخوةِ في الدّين لا في ميراثِ الأرحام، وذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا..﴾ الأنفال:72. فأخرج الأرقاب [الأقارب] من الميراثِ، وأثبته لأهلِ الهجرة وأهلِ الدّين خاصّة، ثمّ عطف بالقول فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ الأنفال:73، فكان مَنْ ماتَ مِنَ المُسْلِمينَ يصيرُ ميراثُه وتركتُه لأخيه في الدّينِ دون القرابة والرَّحِم الوشيجة، فلمّا قَوِيَ أمْرُ الاسلام أنزل الله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾ الأحزاب:6، فهذا المعنى نسخ آية الميراث.

ثمّ ذكر آياتِ نسخِ القبلة وفسّرها، وآياتِ القصاص ونسْخَها لما في التّوراة، ونسْخ الأحكام الشّاقّة التي كانت على بني إسرائيل، ثمّ قال:

ومنه: أنّه تعالى لمّا فرض الصّيام، فرض أن لا ينكح الرّجل أهله في شهر رمضان [لا] باللّيل ولا بالنّهار، على معنى صوم بني إسرائيل في التّوراة، فكان ذلك محرّماً على هذه الأُمّة، وكان الرّجل إذا نامَ في أوّل اللّيل قبل أن يفطر فقد حرّم عليه الأكل بعد النّوم، أفطر أو لم يفطر، وكان رجلٌ من أصحابِ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ يُعرف بـ "مطعم بن جُبير"، شَيْخاً، فكان في الوقت الذي حُفِرَ فيه الخندقُ، حَفَرَ في جملة المُسْلِمينَ، وكان ذلك في شهر رمضان، فلمّا فرغ من الحفرِ وراح إلى أهله، صلّى المغرب، وأبطأت عليه زوجتُه بالطّعام، فغلب عليه النّوم، فلمّا أحضرت إليه الطّعام أنبهَته، فقال لها: "استعمليه أنتِ، فإنّي قد نمتُ وحَرُم عَلَيّ"، وطوى، وأصبحَ صائماً، فغدا إلى الخندقِ وجعلَ يحفرُ مع النّاس فغُشي عليه، فغدا عليه رسولُ الله صلّى الله عليه وآله، فسأله عن حاله، فأخبره، وكان في المُسْلِمينَ شبّانٌ ينكحون نساءَهم باللّيل سرّاً لقلّة صبرهم، فسألَ النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ اللهَ سبحانه في ذلك، فأنزل اللهُ عليه : ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ..﴾ البقرة:187، فنسختْ هذه الآيةُ ما تقدَّمَها.

ثمّ ذكر جملةً من الآيات المنسوخة، ثمّ قال:

وسُئلَ صلواتُ الله عليه عن أوّل ما أنزلَ عزّ وجلّ من القرآن، فقال:

أوّل ما أُنزل بمكّة سورة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ العلق:1، وأوّل ما أنزل بالمدينة سورة البقرة.

ثمّ ذكر المحكم ومثّله بآية الوضوء وآية ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ..﴾ المائدة:3، ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ..﴾ النّساء:23، و[ذكر] المُتَشابِهَ فقال: «وإنّما هلكَ النّاسُ في المُتَشابِهِ ولم يعرفوا حقيقَتَهُ، فوضعوا له تأويلاتٍ من عند أنفسهم»، ومثّله بالآيات التي فيها ذِكرُ الضّلال والإضلال وغيرها، ثمّ ذكر أنّهم سألوه عن لفظ الوحي، وعن مُتشابِهِ الخلق، وعن المُتَشابِهِ في تفسير الفتنة، وعن المُتُشابِهِ في القضاء، وعن أقسام النّور، وعن أقسام الأُمّة، فذكر أقسامَها واختلافَ مواردِ استعمالِها في القرآن الكريم.

ثمّ ذكر ما ظاهِرُهُ العموم ومعناه الخصوص. نذكرها باختصار، مثل:

* ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ البقرة:47

وإنّما فضّلهم على عالَمِ أزمانِهم بأشياءَ خَصّهم بها مثل المنّ والسّلوى والعيون التي فجّرها لهم من الحجر، وأشباه ذلك.

* ﴿إِنَّ الله اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ آل عمران:33

 أراد أنّه فضّلَهم على عالَمي زمانِهم.

* ﴿..وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ النّمل:23، وهي مع هذا لم تُؤتَ أشياءَ كثيرةً ممّا فضلَ اللهُ به الرّجالَ على النّساء.

* ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا..﴾ الأحقاف:25، وقد تركتْ أشياءَ كثيرةً لم تُدمّرْها.

* ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ..﴾ البقرة:199، وإنّما أرادَ اللهُ سبحانه بعضَ النّاس، وذلك أنّ قريشاً كانت في الجاهليّة تفيضُ من المشعر الحرام ولا يخرجون إلى عرفات كسائر العرب، فأمرَهم اللهُ سبحانه أن يفيضوا من حيث أفاضَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وأصحابه، وهم في هذا الموضع النّاس على الخصوص.

* ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا الله وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ..﴾ الأنفال:27. نزلت في أبي أُمامَةَ بن عبدِ المُنذر.

* ﴿وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا..﴾ التّوبة:102. نزلت في أبي لُبابةَ.

* ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّة..﴾ الممتحنة:1. نزلت في حاطبِ بن أبي بَلْتَعَةَ.

* ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ آل عمران:173. نزلتْ في نعيمِ بْنِ مسعودٍ الأشجعيّ، وذلك أنّ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ لمّا رجعَ من غزاة أُحد - وقد قُتل عمّه حمزة، وقُتل مِنَ المُسْلِمينَ مَن قُتل، وجُرح مَنْ جُرح، وانْهزَمَ مَنِ انْهزَمَ - أوحى الله تعالى إليه أَنِ اخْرُجْ في وقتك هذا لطلب قريش، ولا تُخرِج معك إلّا كلّ من كانت به جراحة، فخرجوا معه حتّى نزلوا منزلاً يقال له "حمراء الأسد"، وكانت قريشُ قد جدَّت السّير فَرَقاً، فلمّا بَلَغَهُمْ خروجُ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ في طلبِهم خافوا، فاستقبلَهم رجلٌ من "أشجع"، يُقال له "نعيم بن مسعود" يريد المدينة، فقال له أبو سفيان صخر بن حرب: يا نعيم، هل لك أن أضمن لك عشرَ قلائصَ وتجعل طريقك على "حمراء الأسد"، فتُخبر محمّداً أنه قد جاءَ مَدَدٌ كثيرٌ من حلفائنا من العرب؛ "كنانة" وعشيرتهم و"الأحابيش"، وتهوّل عليهم ما استطعت فلعلّهم يرجعون عنّا؟ فأجابه إلى ذلك وقصدَ "حمراء الأسد"، فأخبرَ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ بذلك، وإنّ قريشاً يصبحونكم بجمعهم الذي لا قوامَ لكم به، فاقبلوا نصيحتي وارجعوا، فقال أصحابُ رسول الله صلّى الله عليه وآله: ﴿..حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ اِعلم أنّا لا نُبالي بهم. فأنزلَ اللهُ سبحانه على رسوله: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ آل عمران:172-173. وإنّما كانَ القائلُ لهم نَعيمَ بنَ مسعودٍ، فسمّاه الله تعالى باسم جميع النّاس.

* ومثله قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ المائدة:55..

ثمّ ذكرَ ما لفظُه ماضٍ ومعناه مستقبلٌ، وذكر آياتِ العزائمِ والرّخَص والاحتجاج على الملحدين، والرّدّ على عبَدة الأصنام والثّنويّة والزّنادقة والدّهريّة، وغير ذلك ممّا فصّله».

3- مِنْ مُؤَلَّفاتِ أَميرِ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلامُ: (الجامِعَةُ).

 

قالَ السَّيِّدُ الأَمينُ رَحِمَهُ اللهُ تَعالى: فَظَهَرَ مِنْ مُلاحَظَةِ مَجْموعِ هَذِهِ الأَخْبارِ وَضَمِّ بَعْضِها إِلى بَعْضٍ أَنَّ (الجامِعَةَ)، وَ(كِتابَ عَلِيٍّ) عَلى الإِطْلاقِ، والذي «طولُهُ سَبْعونَ ذِراعاً» وَالكِتابَ الذي «بِإمْلاءِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَخَطِّ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ»، وَ«الصَّحيفَةَ الّتي طولُها سَبْعونَ ذِراعاً»، وَ«الجِلْدَ الذي هُوَ سَبْعون ذِراعاً»، وَ(الصَّحيفَةَ العَتيقَةَ)؛ كُلَّها يُرادُ بِها كِتابٌ واحِدٌ.

 وهي كِتابٌ طولُهُ سبعونَ ذِراعاً من إمْلاءِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وخَطِّ عَلِيٍّ عليه السّلام، مَكتوبٌ على الجِلْدِ المُسَمّى بِالرّقّ، وكان غالبُ الكتابةِ عليه في ذلك العصرِ لِقِلَّةِ الوَرَق، في عرض الجلد، جُمعت الجلودُ بعضُها إلى بعضٍ حتّى بلغَ طولُها سَبعين ذِراعاً بِذراع اليدِ الذي هو من المِرْفَقِ إلى رُؤوسِ الأصابع، وعَدَّها من مؤلّفاتِ عليٍّ عليه السّلام بلحاظ أنّه كتبها ورَتّبها من قولِ رسولِ الله عليه السّلام وإملائِه.

(الجامِعَةُ)

هِي كِتابٌ طولُهُ سَبْعونَ ذِراعاً مِنْ إِمْلاءِ

رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَخَطِّ عَلِيٍّ عليه السّلام،

مَكْتوبٌ عَلى الجِلْدِ المُسَمّى بِالرّقِّ.

 

وهي أوَّلُ كِتابٍ جُمِعَ فيه العِلْمُ على عَهْدِ رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله، وَتَكَرَّرَ ذِكْرُها في أخْبارِ الأَئِمَّةِ عُموماً وَأخْبارِ المَواريثِ خُصوصاً. وَكانَتْ عِنْدَ الإِمامِ أَبي جَعْفَرٍ مُحَمَّدٍ الباقِرِ وَابْنِهِ الإِمامِ أَبي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرٍ الصّادِقِ عليه السّلام، رَآها عِنْدَهُما ثِقاتُ أَصْحابِهِما وَتَوارَثَها الأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِمْ. وَالظّاهِرُ أَنَّها هِيَ المُعَبَّرُ عَنْها في جُمْلَةٍ مِنَ الأَخْبارِ الآتِيَةِ بِكِتابِ عَلِيٍّ عليه السّلام، وبِالكِتابِ الذي بإملاءِ النّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وخطِّ عليٍّ عليه السّلام، وَبِكِتابِ عَلِيٍّ عليه السّلام الذي هُوَ سَبْعونَ ذِراعاً، وَبِالصَّحيفةِ الّتي طولُها سَبْعونَ ذِراعاً، وَبِالصَّحيفَةِ الّتي فيها ما يُحْتاجُ إِلَيْهِ حَتّى أَرْشُ الخَدْشِ [دية الخدش]، وَبِالصَّحيفَةِ العَتيقَةِ مِنْ صُحُفِ عَلِيٍّ عليه السّلام، وشِبْهِ ذَلِكَ.

فَمِمَّنْ رَأَى الجامِعَةَ عِنْدَ الباقِرِ عليه السّلام سُوَيْدُ بْنُ أَيّوبَ، وَأَبو بَصيرٍ

* روى «محمّد بن الحسن الصّفّار» في كتاب (بصائر الدّرجات) عن عليّ بن إسماعيل، عن عليّ بن النُّعمان، عن سويد بن أيّوب، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «كنتُ عنده فدعا بالجامعةِ فنظرَ فيها أبو جعفر ".." الحديث».

وَمِمَّنْ رَأَى الجامِعَةَ عِنْدَ الصّادِقِ عليه السّلام أبو بَصيرٍ

* روى الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطّوسيّ، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر، عن يحيى الحلبيّ، عن أيّوب بن الحرّ، عن أبي بصير، قال: «كنتُ عند أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام فدعا بالجامعة فنظر فيها ".." الحديث».

الظّاهِرُ أَنَّ (الجامِعَةَ) هِيَ المُعَبَّرُ عَنْها في الرِّواياتِ، بِكِتابِ عَلِيٍّ عليه السّلام، وَبِالكِتابِ الذي بِإملاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَخَطِّ عَلِيٍّ عليه السّلام، وَبِكتابِ عَلِيٍّ عليه السّلام الذي هُوَ سَبْعونَ ذِراعاً، وَبِالصّحيفَةِ الّتي طولُها سَبْعونَ ذِراعاً، وَبِالصَّحيفَةِ الّتي فيها ما يُحْتاجُ إِلَيْهِ حَتّى أَرْشُ الخَدْشِ [دية الخدش]، وَبِالصَّحيفَةِ العَتيقَةِ مِنْ صُحُفِ عَلِيٍّ عليه السّلام، وَشِبْهِ ذَلِكَ.

 

* وروى محمّدُ بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ المعروف بالصَّدوق، بأسنادٍ، عن الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي عبدِ الله عليه السّلام، في الجدِّ مع الإخوةِ لِأُمٍّ، قال: «إنَّ في كِتابِ عَلِيٍّ عليه السّلام أَنَّ الإِخْوَةَ مِنَ الأُمِّ يَرِثونَ مَعَ الجدِّ الثُّلُثَ».

* أقول: المُرادُ بكتابِ عليٍّ عليه السّلام في هذه الأخبارِ هو (الجامعة)، ويحتملُ، على بُعد، أن يُرادَ به هنا صحيفة الفرائض الآتية.

 

رُؤْيَةُ كِتابِ عَلِيٍّ عِنْدَ الباقرِ عليهما السّلام مِثْلِ فَخِذِ الرَّجُلِ

(البصائر): «عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن الحسين بن أبي مُخلّد، عن عبد الملك، قال: دعا أبو جعفرٍ بكتابِ عليٍّ، فجاءَ به جعفرٌ مثل فَخِذِ الرَّجُلِ مُطْوِيّاً، إلى أنْ قالَ: فَقالَ أَبو جَعْفَرٍ: هَذا وَاللهِ خَطُّ عَلِيٍّ بِيَدِهِ، وَإِمْلاءُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ».

ما وَرَدَ عَنِ الصّادِقِ عليه السّلام في كتابِ عَلِيٍّ عليه السّلام أَنَّهُ سَبْعونَ ذِراعاً

(البصائر): «عن عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عن أبيهِ، عن مَرْوانَ، قال: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللهِ عليه السّلام يقولُ: عِنْدَنا كِتابُ عَلِيٍّ سَبْعونَ ذِراعاً ".."».

ما وَرَدَ عَنِ الصّادِقِ في الصَّحيفَةِ العَتيقَةِ مِنْ صُحُفِ عَلِيٍّ عليهما السّلام

 (البصائر): «عن مُحمّدِ بنِ عبدِ الحميدِ، عن يونُسَ بن يعقوبَ، عن مُعتّب، قال: أَخْرجَ إلينا أبو عَبْدِ الله عليه السّلام صحيفةً عتيقةً من صُحُفِ عليٍّ عليه السّلام، فإذا فيها ما نقولُ إذا جلسنا لنتشهّد».

ما وَرَدَ عَنِ الباقِرِ عليه السّلام في الصَّحيفَةِ الّتي طولُها سَبْعونَ ذِراعاً

(البصائر): «عن ابن يزيد، عن ابن أبي عُميرٍ، عن إبراهيم بن عبد الحميد وأبي المعزا [الحميد بن المثنّى، وفي بعض المصادر أنّ كنيته أبو المغراء، بالمعجمة]، عن حُمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه أشار إلى بيتٍ كبير، وقال: يا حُمْرانُ، إنَّ في هَذا البَيْتِ صَحيفَةً طولُها سَبْعونَ ذِراعاً، بِخِطِّ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلامُ، وَإِمْلاءِ رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ".." الحديث».

(البصائر): «عن أحمد بن محمّد، عن الأهوازيّ، عن فَضالَةَ، عن القاسمِ بن يزيدَ، عن محمّد بن مُسلم، قال: قال أبو جعفرٍ عليه السّلام: إِنَّ عِنْدَنا صَحيفَةً مِنْ كُتُبِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلامُ، طولُها سَبْعونَ ذِراعاً، فَنَحْنُ نَتَّبِعُ ما فيها لا نَعْدوها، إلى أنْ قال: إِنَّ عَلِيّاً، عَلَيْهِ السَّلامُ، كَتَبَ العِلْمَ كُلَّهُ: القَضاءَ وَالفرائِضَ وَالحَديثَ».

بَعْضُ ما وَرَدَ عَنِ الصّادِقِ عليه السّلام في الصَّحيفَةِ الّتي طولُها سَبْعونَ ذِراعاً

(البصائر): «عن محمّد بن عبد الحميد، عن يونس بن يعقوب، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال [ابنُ حازم]: قلتُ: إنّ النّاسَ يذكرون أنّ عندكم صحيفةً طولُها سبعون ذراعاً، فيها ما يحتاج إليه النّاس، وإنّ هذا لَهُو العلم، فقال أبو عبد الله عليه السّلام: إِنَّما هُوَ أَثَرٌ عَنِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ".." الحديث».

فظهرَ من مُلاحظة مجموع هذه الأخبار، وضمِّ بعضِها إلى بعض، أنَّ (الجامعةَ) و(كتابَ عليٍّ) على الإطلاق، والذي «طولُه سَبعونَ ذراعاً»، والكتابَ الذي «بإملاءِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وخَطِّ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ»، و«الصّحيفةَ التي طولُها سَبعون ذراعاً» و«الجِلْدَ الذي هو سبعون ذراعاً»، و(الصّحيفةَ العَتيقَة)؛ كلَّها يُرادُ بها كتابٌ واحدٌ.

رَأَى (الجامِعَةَ) عِنْدَ الأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ

 عَدَدٌ مِنْ خَواصِّهِمْ مِنَ الرُّواةِ

وَذَكَروا بَعْضَ ما رَأَوْهُ فيها.

 

4- مِنْ مُؤَلَّفاتِ أَميرِ المُؤْمِنينَ عليه السّلام: (الجَـفْـرُ)

  قالَ السَّيِّدُ الأَمينُ رَحِمَهُ اللهُ تَعالى: «في (القاموس): الجَفْرُ من أولاد الشّاء، ما عَظُمَ وَاسْتَكْرَشَ وَبَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. اهـ.

وفي (الصِّحاح): الجَفْرُ من أَوْلادِ المَعْزِ ما بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وجُفِرَ جَنْباهُ وَفُصِلَ عَنْ أُمِّهِ، وَالأُنْثى جَفْرَةٌ. اهـ.‍

فَالجَفْرُ في الحَديثِ، على حَذْفِ مُضافٍ، أيْ جِلْدُ الجَفْرِ، وَلَعَلَّهُ صارَ كَالعَلَمِ عَلى جِلْدٍ مَخْصوصٍ لِثَوْرٍ، أو شاةٍ، لِكَثْرَةِ الاسْتِعْمالِ.

وَالأَخْبارُ الوارِدَةُ في الجَفْرِ فيها بَعْضُ الاخْتِلافِ، وَنَحْنُ نُشيرُ إِلَيْها، وَإِلى الجَمْعِ بَيْنَها».

  * في (مجمع البحرين): «في الحديثَ: أملى رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ على أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام الجَفْرَ والجامعةَ، وفُسِّرا في الحديثِ بإهاب ماعزٍ، وإهاب كَبْش، فيهما جميعُ العلومِ حتّى أَرْشِ الخدْشة والجَلدة ونصف الجلدة، ونَقل عن المحقّق الشّريف في (شرح المواقف) أنّ الجَفْرَ والجامعةَ كتابان لِعَلِيٍّ عليه السّلام قد ذَكَرَ فيهما - على طريقةِ علمِ الحروفِ - الحوادثَ إلى انقراضِ العالم. وكان الأئمّةُ المعروفون من أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما». اهـ.

* وفي (القاموس): «الجَفْرُ من أَوْلادِ الشّاءِ ما عَظُمَ وَاسْتَكْرَشَ، وَبَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ». اهـ.

 * وفي (الصّحاح): «الجَفْرُ مِنْ أَوْلادِ المَعْزِ ما بَلغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَجُفِرَ جَنْباهُ وفُصِلَ عَنْ أُمِّهِ، وَالأُنْثى جَفْرَةٌ». اهـ.

فالجَفْرُ في الحديثِ على حذف مضاف، أي جلد الجَفْر، ولعلّه صار كالعَلَمِ على جلدٍ مخصوصٍ لثَوْرٍ أو شاةٍ لكَثْرَةِ الاسْتِعْمالِ.

والأخبار الواردة في الجَفْرِ فيها بعضُ الاختلاف، ونحن نشير إليها، وإلى الجمع بينها.

* فمنها: ما يدلّ عليه بوجه الإجمال مع احتماله لجلدِ البعير وجلدِ الشّاة. مثل ما رواه محمّد بن الحسن الصّفار في (بصائر الدّرجات) عن محمّد بن الحسين، عن البزنطيّ، عن حمّاد بن عثمان، عن عليّ بن سعيد، قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السّلام ".." إلى أن قال: فقال رجلٌ من أصحابنا: جُعلت فداك، إنّ عبد الله بن الحسن يقول: لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا. فقال أبو عبد الله عليه السّلام: إلى أن قال: «وَاللهِ - وأهوى بيده إلى صدره - إِنَّ عِنْدَنا سِلاحَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَسَيْفَهُ ودِرْعَهُ؛ ثمّ قال: وَالجَفْر، ما يَدْرونَ ما هُوَ، مَسْكُ شاةٍ أو مَسْكُ بَعيرٍ، الحديث». [المَسْكُ، بفتح الميم: الجِلد].

والضّمير في «وما يدرون» راجعٌ إلى بني الحسن، أو إلى النّاس، أي فكيف يدّعون العِلم؟

 

في (شَرْحِ المَواقِفِ): أَنَّ (الجَفْرَ) وَ(الجامِعَةَ)

كِتابانِ لِعَلِيٍّ عليه السّلام قَدْ ذَكَرَ فيهما، عَلَى طَريقَةِ

عِلْمِ الحُروفِ، الحوادِثَ إِلى انْقِراضِ العالَمِ.

وَكانَ الأَئِمَّةُ المَعْروفونَ مِنْ أَوْلادِهِ يَعْرِفونَهُما،

وَيَحْكُمونَ بِهِما.

  * وفي حَديثَيْنِ آخَرَيْنِ عن الصّادق عليه السّلام: «وَعِنْدَنا الجَفْرُ، أَيَدْري عَبْدُ اللهِ بْنُ الحَسَنِ ما الجَفْرُ؟ مَسْكُ بَعيرٍ أَمْ مَسْكُ شاةٍ ".."».

والمُراد: أنّه كُتبَ فيه العلمُ، فلا ينافي ما مرّ، أو جُعل وعاءً لكُتب العلم، أو كُتبَ فيه وجُعِلَ وعاءً، فيكون غير الأوّل "......".

فتلخّص من هذه الأخبار:

1-        أنّ بَعْضَها دالٌّ على أنّ الجَفْرَ أديمٌ عُكَاظِيٌّ، كُتبَ فيه العلمُ.

2-        وبعضها على أنّه جِلدُ ثَوْرٍ مَمْلوءٌ علماً.

3-   وبعضها على أنَّه جِلْدُ ثَوْرٍ مدبوغ كالجِراب، فيه كُتُبٌ، وعِلْمُ ما يحتاجُ إليه النّاس، بإملاء رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وخطّ عليٍّ عليه السّلام.

4-       وبعضها على أنّه جِلدُ شاةٍ فيه ما يحتاج إليه، بخطّ عليٍّ عليه السّلام وإملاءِ النّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ

5-        وبعضها على أنّه لا يدرى، أجلد شاة أو جلد بعير.

6-        وبعضها على أنّهما جَفْران: أبيضُ فيه الكُتُبُ وعِلْمُ ما يحتاج إليه، وأحمرُ فيه السِّلاحُ.

7-        وبعضها على أنّه وِعاءٌ أحمرُ، وأديمٌ أحمرُ فيه العِلْمُ.

8-        وبعضها على أنّه جِلدا ماعزٍ وضَأْنٍ، من إملاء النّبيّ وخطّ الوصيّ.

9-        وبعضها على أنّهما جِلدُ ماعزٍ وجِلدُ ضأنٍ مملوءان كُتباً.

10-  وبعضها على أنّه جِلدا ماعز وضأن، مطبقٌ أحدُهما بصاحبه فيه السّلاحُ والكتُب.

 والمُستفاد من المجموع أنّ الجَفْرَ منه ما كُتب فيه العلم، ومنه ما جُعل وعاءً للسّلاح، أوْ له وللكُتب، وأنّ منه جِلْدَ ماعزٍ، وجِلْدَ ضأنٍ، وجلدَ ثوْر، فهو ثلاثة، بل أربعة، والرّابع المُطْبَق من جلدَيْن الماعز والضّأن، أو الأوّلان عبارةٌ عن الرّابع، واللهُ أعلم.

مِنَ الكُتُبِ المُصَنَّفَةِ في عِلْمِ الجَفْرِ،

(الجَفْرُ الجامِعُ وَالنُّورُ اللّامِعُ)

للشَّيْخِ كَمالِ الدّينِ أَبي سالِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ النَّصيبِيِّ الشَّافِعِيِّ

المُتَوَفّى سَنَةَ 652 للهجرة. مُجَلَّدٌ صَغيرٌ

ذَكَرَ فيهِ أَنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ أَوْلادِ جَعْفَرٍ يَعْرِفونَ الجَفْرَ، فَاخْتارَ مِنْ أَسْرارِهِمْ فيهِ.

 

* وفي (كَشْفِ الظُّنون): «ادّعى طائفةٌ أنّ الإمامَ عليَّ بن أبي طالبٍ وضعَ الحروف الثّمانية والعشرين على طريق البَسط الأعظم، في جلد الجَفْر، يُستخرَج منها بطُرقٍ مخصوصةٍ وشرائطَ معيّنةٍ وألفاظٍ مخصوصةٍ، ما في لَوْحِ القضاء والقدَر، وهذا علمٌ توارثَه أهلُ البيت ومَن ينتمي إليهم، ويأخذ منهم من المشائخ الكاملين، وكانوا يكتمونه عن غيرهم كلّ الكتمان، وقيل لا يَفقه في هذا الكتاب حقيقةً إلّا المَهديُّ عليه السّلام المنتظَرُ خروجُه في آخر الزّمان. ووردَ هذا في كُتب الأنبياء عليهم السّلام السّالفة، كما نُقل عن عيسى بن مريم عليه السّلام: نَحْنُ، مَعاشِرَ الأَنْبياءِ، نَأْتيكُمْ بِالتَّنْزيلِ، وَأَمّا التَّأْويلُ فَسَيَأْتيكُمْ بِهِ "البارقليط" [الفارقليط] الذي سَيَأْتيكُمْ بَعْدي.

نُقل أنّ الخليفة المأمون لمّا عهد بالخلافة من بعده إلى عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام، وكتب إليه كتابَ عهدِه، كتب هو في آخر ذلك الكتاب: نَعَمْ، إِلّا أَنَّ الجَفْرَ وَالجامِعَةَ يَدُلّانِ عَلَى أَنَّ هَذا الأَمْرَ لا يَتِمُّ، وكان كما قال، لأنّ المأمون استشعر فتنةً من بني هاشم فَسَمَّهُ. كذا في (مفتاح السّعادة).

قال "ابنُ طَلْحَةَ": الجَفْرُ والجامعةُ كتابان جليلان، أَحَدُهُما ذكره الإمامُ عليُّ بن أبي طالبٍ وهو يخطبُ بالكوفة على المِنْبَر، والآخِرُ أَسَرَّهُ إليه رسولُ الله صلّى الله عليه وآله، وأمَرَهُ بِتَدْوينِهِ، فَكَتَبَهُ حُروفاً مُتفرّقةً على طريقِ سِفْرِ آدَمَ في جَفْرٍ، يَعْني في رَقٍّ قد صُنِعَ مِنْ جِلْدِ البَعيرِ، فَاشتهر بين النّاس به، لأنّه وُجد فيه ما جرى للأوّلين والآخرين، إلخ ما ذكره. ".." ثمّ قال: ومن الكُتب المُصنّفة فيه، أي في علم الجَفْر، (الجَفْرُ الجامعُ والنّورُ اللّامعُ) للشّيخ كمال الدّين أبي سالم، محمّد بن طلحة النّصيبيّ الشّافعيّ المتوفى سنة 652 للهجرة، مجلّدٌ صغيرٌ ذكر فيه أنّ الأئمّة من أولاد جعفر يعرفون الجَفْر، فاختار من أسرارهم فيه». اهـ. (انتهى ما أردنا نقله من "كشف الظُّنون")

* وقال «ابْنُ خَلْدُون» في (مُقَدِّمَتِهِ)، في «فصل ابتداء الدُّول والأُمَم»: «وقد يستندون في حَدَثانِ الدُّوَلِ، على الخُصوص، إلى كتاب الجَفْرِ، ويَزْعُمونَ أَنَّ فيه عِلْمَ ذلك كُلّهُ من طريقِ الآثارِ والنّجوم، لا يَزيدون على ذلك، ولا يَعرفونَ أصلَ ذلك ولا مستنده».

قال: «واعلمْ أنّ كتابَ الجَفْرِ كان أصلُه أنّ هارون بن سعيد العِجْليّ - وهو رأسُ الزّيديّة - كان له كتابٌ يَرويه عن جعفر الصّادق، وفيه عِلمُ ما سيقعُ لأهل البيت على العُموم، ولبعض الأشخاصِ منهم على الخُصوص، وقعَ ذلك لجعفرٍ ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذي يقعُ لمثلهم من الأولياء، وكان مكتوباً عند جعفر في جِلد ثوْرٍ صغيرٍ، فرواه عنه هارون العِجليّ، فكتبه وسمّاه الجَفْرَ باسم الجِلد الذي كُتب فيه، لأنّ الجَفْرَ في اللّغة هو الصّغير، وصار هذا الاسم عَلَماً على هذا الكتاب عندَهم، وكان فيه تفسيرُ القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني، مرويّة عن جعفر الصّادق، وهذا الكتاب لم تتّصل روايتُه، ولا عُرف عينُه، وإنّما يظهرُ منه شواذّ من الكلمات لا يصحبُها دليل، ولو صحّ السّندُ إلى جعفر الصّادق لكانَ فيه نِعم المستنَد من نفسه أو من رجال قومه، فهم أهلُ الكرامات، وقد صحّ عنه أنّه كان يحذِّر بعضَ قرابته بوقائع تكون لهم فتصحّ كما يقول، وقد حذَّر يحيى ابنَ عمّه زيد من مصرعِه وعصاه، فخرجَ وقُتل بالجَوزجان كما هو معروف، وإذا كانت الكرامةُ تقعُ لغيرهم، فما ظنّك بهم عِلْماً وديناً وآثاراً من النّبوّة، وعنايةً من الله بالأصل الكريم، تشهدُ لفروعه الطّيبة، وقد يُنقل بينَ أهلِ البيت كثيرٌ من هذا الكلام غير منسوبٍ إلى أحد، وفي أخبار دولة العبيديّين [أي الفاطميّين] كثيرٌ منه. وانظر ما حكاه ابن الرّقيق في لقاء أبي عبد الله الشّيعيّ لعُبَيْدِ الله المهديّ [مؤسّس دولة العلويّين في المغرب] مع ابنه مُحمّد الحبيب، وما حدّثاه به، وكيف بَعثاه إلى ابن حوشب داعيتِهم باليمن فأمرَه بالخروج إلى المغرب، وبثّ الدّعوة فيه على علمٍ لقّنه أنّ دعوتَه تتمّ هناك. وأنَّ عبيد الله لمّا بنى المهديّة بعد استفحال دولتهم بأفريقية، قال: "بنيتُها ليعتصمَ بها الفواطمُ ساعةً من نهار"، وأراهم موقفَ صاحب الحمار أبي يزيد بالمهديّة، وكان يسأل عن منتهى موقفه حتّى جاءَه الخبر ببلوغه إلى المكان الذي عيّنَه جدّه عبيد الله، فأيقن بالظّفَر، وبرز من البلد فهزمَه، وأتْبعه إلى ناحية الزّاب فظفر به وقتله، ومثل هذه الأخبار عندهم كثير». اهـ.

 * وقال قبل ذلك بقليل، في أوائل هذا الفصل، بعد ما ذكر أمر الأخبار عن الحوادث الآتية ما لفظه: «ووقع لجعفرٍ وأمثاله من أهل البيت كثيرٌ من ذلك، مستَندُهم فيه، والله أعلم، الكشفُ بما كانوا عليه من الولاية، وإذا كان مثله لا ينكَر من غيرهم من الأولياء في ذويهم وأعقابهم، وقد قال صلّى الله عليه وآله: إنَّ فيكُمْ مُحَدِّثينَ، فهم أَولى النّاس بهذه الرُّتَبِ الشّريفةِ والكراماتِ الموهوبة». اهـ‍. ".."

 

قال «ابنُ طَلْحَةَ الشّافِعِيُّ»: «(الجَفْرُ) وَ(الجامِعَةُ) كِتابانِ جَليلانِ،

أَحَدُهُما ذَكَرَهُ الإِمامُ عَلِيُّ بْنُ أَبي طالبٍ وَهُوَ يَخْطُبُ

بِالكوفَةِ عَلى المِنْبَرِ، وَالآخَرُ أَسَرَّهُ إِلَيْهِ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله،

وَأَمَرَهُ بِتَدْوينِهِ، فَكَتَبَهُ حُروفاً مُتَفَرِّقَةً عَلى طَريقِ سِفْرِ آدَمَ

في جَفْرٍ، يَعْني في رَقٍّ قَدْ صُنِعَ مِنْ جِلْدِ البَعيرِ،

فَاشْتَهَرَ بَيْنَ النّاسِ بِهِ لِأَنَّهُ وُجِدَ فيهِ ما جَرَى

لِلْأَوَّلينَ وَالآخِرينَ..».

 

5- صَحيفَةُ «الفَرائِضِ»، أَوْ صَحيفَةُ كِتابِ الفَرائِضِ، أَوْ فَرائِضِ عَلِيٍّ عليه السّلام

قالَ السَّيِّدُ الأَمينُ رَحِمَهُ اللهُ تَعالى: كانَتْ - هَذِهِ الصَّحيفَةُ - بَعْدَ الإِمامِ الباقِرِ عِنْدَ وَلَدِهِ الإِمامِ جَعْفَرٍ الصّادِقِ عليهما السّلام. رَوَى الشَّيْخُ أَبو جَعْفَرٍ الطّوسِيُّ بِأَسْنادِهِ عَنْ زُرارَةَ، قالَ: «أَراني أَبو عَبْدِ اللهِ عليه السّلام صَحيفَةَ الفَرائِضِ فَإِذا فيها...»، وَالظّاهِرُ أَنَّها هِيَ الصَّحيفَةُ الّتي كانَتْ عِنْدَ الباقِرِ عليه السّلام.

وقع التّعبيرُ بذلك كلّه - كما في العنوان - عنها في الأخبار، ويُحتمل أن تكون هي المُراد بكتاب عليٍّ الوارد في بعض الأخبار، ويُحتمل غيره، وهذه أيضاً كانت عند الأئمّة عليهم السّلام ورآها عندهم ثِقاتُ أصحابهم، ونُقل كثيرٌ من محتوياتها في كتب الشّيعة برواية الثِّقات عن الثِّقات إلى اليوم. فكانت عند الباقر عليه السّلام. روى الشّيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكُلينيّ في (الكافي)، عن مُحمّد بن يحيى، عن أحمد بن مُحمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج، عن زُرارة، قال: أمرَ أبو جعفر، أبا عبد الله، فأَقْرَأني صَحيفةَ الفرائِض، فرأيتُ جُلَّ ما فيها على أربعةِ أسهُم. ".."

6- كِتابُ في زَكاةِ النَّعَمِ [أي الإِبل والبَقَر والغَنَم]

 رواه عنه ربيعةُ بن سميع، ذكره النّجاشيّ في أوّل كتابه، فروى بسنده عن ربيعةَ هذا، عن أميرِ المُؤمنينَ عليه السّلام أنّه كتبَ له في صَدَقاتِ النَّعَم، وما يُؤخَذُ من ذلك، وذكرَ الكِتابَ.

7- كتابٌ في أَبْوابِ الفِقْهِ

رواه عنه عليّ بن أبي رافع "..".

8 - كتابٌ آخَرُ في الفِقْهِ

رواه عنه مُحمّد بن قيسٍ "..".

9- عَهْدُهُ للأشْتَرِ

جامِعٌ لأنواعِ السّياسةِ وكلّ ما يلزم الوالي، مذكورٌ في (نهج البلاغة)، رواه عنه أَصْبَغُ بْنُ نُباتَةَ "..".

10- وَصِيَّتُهُ لمُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ

رواها عنه أصبغ بن نُباتة ".." ورواها غيرُه أيضاً بأسانيدَ مُتعدّدةٍ ذُكرت في تضاعيفِ هذا الكتاب.

11- كتابُ عَجائِبِ أَحْكامِهِ

رواه عنه أصبغ بن نباتة ".." وجمعَ عُبيد اللهِ بن أبي رافعٍ قضاياه عليه السّلام في كتاب "..".

ومرّ في الكلام على صحيفةِ الفرائضِ احتمالُ أن يكونَ له كتابُ قضايا مُدَوَّنٌ، وكان موجوداً في عصر الصّادق عليه السّلام. وكتابُ عَجائبِ أحكامِهِ، وكتابُ قضاياه، وإن لم يكونا من تأليفه، لكنّهما بمنزلتِه، لروايتهما عنه.

وجاء في بعض رواياتِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام أنّ كُتُبَ عليٍّ عليه السّلام تَوارَثَها الأئمّةُ من وُلدِهِ وكانت عندَهم، روى ذلك الصَّفارُ في (بصائرِ الدَّرجاتِ) بِسَنَدِهِ عَنْهُمْ عليه السّلام.

 

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر 14

ملحق شعائر 14

  دوريّات

دوريّات

25/04/2014

دوريّات

نفحات