مراقبات

مراقبات

منذ 4 أيام

مراقبات شهر رمضان المبارك


مراقبات شهر رمضان المبارك

واجباتُ المؤمن في شهر الله تعالى، كما يحدّدها الإمام زين العابدين عليه السّلام

ــــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــــ

 

* «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِه، وجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِه لِنَكُونَ لإِحْسَانِه مِنَ الشَّاكِرِينَ، ولِيَجْزِيَنَا عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَ الْمُحْسِنِينَ. والْحَمْدُ للهِ الَّذِي حَبَانَا بِدِينِه، واخْتَصَّنَا بِمِلَّتِه، وسَبَّلَنَا فِي سُبُلِ إِحْسَانِه لِنَسْلُكَهَا بِمَنِّه وَرِضْوَانِه، حَمْداً يَتَقَبَّلُه مِنَّا، ويَرْضَى بِه عَنَّا».

للإمام عليّ بن الحسين، زين العابدين، عليهما السّلام، عدّة أدعيةٍ حول شهر رمضان المبارك، اثنان منها مذكوران في الصّحيفة السّجاديّة، الأوّل منهما (رقم 44) في استقبال الشّهر، والثّاني (رقم 45) في وداعه، والفقرات الّتي تقدمت هي مفتتَح الدّعاء الأوّل.

* هذا المقال، شرح فقراتٍ من هذا الدّعاء الجليل، تظهيراً لأهمّ العناوين الواجب استحضارُها ونحن في ضيافة الرّحمن، اخترناها بتصرّفٍ بسيط من كتاب (مناهل الرّجاء – أعمال شهر رمضان المبارك) للشّيخ حسين كوراني.

* يلي الشّرح كلامٌ موجز حول أبرز أيّام شهر رمضان المبارك.

 

الحمدُ لله الذي بلَّغنا شهرَ الصّيام والقيام، ونسأله سبحانه أن لا يجعل حظّنا منه الجوعَ والعطش. ما هكذا الظّنُّ به ولا المعروفُ من فضله، وقد أُمرنا أن نُردّد في رجب «عَادَتُكَ الإحْسَانُ إِلَى المُسِيئينَ». وفي شعبان: «إِلَهي لَوْ أَرَدْتَ هَوَانِي لَمْ تَهْدِنِي».

أرادَنا اللهُ عزّ وجلّ أن نصلَ في شهر رمضان المبارك إلى حيث لا يُمكنُنا أن نصلَ بدون ضيافة الرّحمن، في شهر الرّحمن.

من حبِّه لنا عزّ وجلّ أنّه أقامَ هذه المحطّات الزّمنيّة المميّزة، وفي طليعتها شهرُ رمضان المبارك، وبسطَ سبحانَه موائدَ الرّحمة في هذا الشّهر الكريم، ودعانا إلى الاستزادة من الثّواب، وأن نجِدَّ السّيرَ في طريق الحصول على رضوانه تقدّست أسماؤه.

***

الدّعاء الرّابع والأربعون من أدعية الصّحيفة السّجّاديّة هو بمنزلة شرحٍ لخطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله في استقبال شهر رمضان المبارك.

بعد الفقرات المتقدّمة من الدّعاء، يُبيّن الإمام زين العابدين عليه السّلام أهمّيّة الشّهر المبارك، فيقول:

«والْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَه شَهْرَ رَمَضَانَ، شَهْرَ الصِّيَامِ، وشَهْرَ الإِسْلَامِ، وشَهْرَ الطَّهُورِ، وشَهْرَ التَّمْحِيصِ، وشَهْرَ الْقِيَامِ الَّذِي أُنْزِلَ فِيه الْقُرْآنُ، هُدىً لِلنَّاسِ، وبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى والْفُرْقان».

تُرى أين تكمن فضيلة شهر رمضان المبارك؟ هل السّبب في فضيلته وأهميّته الصّومُ فيه؟ أم أنّ عظَمته تنبع من شيء آخر، والصّيام فيه من أجل تلك الفضيلة؟ يقول عليه السّلام:

«فَأَبَانَ فَضِيلَتَه عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ بِمَا جَعَلَ لَه مِنَ الْحُرُمَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، والْفَضَائِلِ الْمَشْهُورَةِ، فَحَرَّمَ فِيه مَا أَحَلَّ فِي غَيْرِه إِعْظَاماً، وحَجَرَ فِيه الْمَطَاعِمَ والْمَشَارِبَ إِكْرَاماً».

فالصّيامُ ليس إذاً سببَ فضيلة هذا الشّهر المبارك، وإنّما كان الصّيامُ فيه لمكانته قبلَ الصّيام، وهذه المكانة سببُها نزولُ القرآن الكريم في هذا الشّهر كما صرّح بذلك بعض العلماء، وكما يُفهَم من قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.. البقرة:185.

وهكذا نفهم استطراداً - ولو في حدودنا - ما معنى أنّ شهر رمضان ربيعُ القرآن، ونفهم أهمّية الحثّ على تلاوته في هذا الشّهر، فإنّه شهر القرآن الكريم، وليس عَجَباً أن يكون ثواب الآية الواحدة فيه ثواب ختمةٍ من كتاب الله المجيد.

فما هي واجباتُنا في شهر الله تعالى كما يحدِّدها الإمام زين العابدين عليه السّلام في هذا الدّعاء؟

أوّلاً: معرفةُ حُرْمَةِ الشّهر

يحثُّنا الإمام زين العابدين عليه صلوات الرّحمن على أنْ نعرف حُرمة شهر رمضان المبارك، فيقول عليه السّلام:

«أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه، وأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِه، وإِجْلَالَ حُرْمَتِه، والتَّحَفُّظَ مِمَّا حَظَرْتَ فِيه».

إنّ مجرّد المعرفة لا يكفي، بل المطلوب أن تقود هذه المعرفة إلى العمل الّذي ينشأ بدوره من إجلال هذا الشّهر، ويتمثّل بالتّحفّظ فيه ممّا حَظَر اللهُ عزَّ وجلَّ علينا، ومَنَعنا منه.

ينبغي أن نشعر بوضوحٍ أنّ المعصية في هذا الشّهر أشدُّ خطورة من غيره من الشّهور، فلسنا في ضيافة الرّحمن تقدّست أسماؤه في وقتٍ كغيره، وليس الفارق بينه وبين غيره عاديّاً.

ثانياً: الصَّوم الحقيقيّ

يؤكِّد الإمام زين العابدين عليه السّلام على أن يكون صَومنا صوماً حقيقيّاً:

«وأَعِنَّا عَلَى صِيَامِه بِكَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيكَ، واسْتِعْمَالِهَا فِيه بِمَا يُرْضِيكَ».

الكفُّ عن المعاصي مطلوبٌ وهو شرطٌ لقبولِ الصّوم، إلّا أنّ ذلك ليس نهايةَ المطاف، بل المطلوب أيضاً أن ننتقل من الكفّ السّلبيّ إلى استعمال الجوارح إيجاباً بِما يُرضي الله تعالى.

من هنا لم يقتصر الإمام زين العابدين عليه السّلام على قوله: «وأَعِنَّا عَلَى صِيَامِه بِكَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيكَ»، وإنّما أضاف: «واسْتِعْمَالِهَا فِيه بِمَا يُرْضِيكَ».

كيف يتحقَّق ذلك؟

يُبيّن لنا عليه السّلام في الجواب على هذا السُّؤال ستّة واجباتٍ، ثمّ يحدّد لنا عنواناً عامّاً شاملاً لأبواب البِرّ.

أمّا الواجبات السّتّة فهي:

1- «حَتَّى لَا نُصْغِيَ بِأَسْمَاعِنَا إِلَى لَغْوٍ».

واللّغو كلّ ما فيه ضَرر أو ليس فيه نفع. لا بدَّ أن يصومَ السّمعُ في شهر الله تعالى، وصوم الأُذُن في عدم إصغائها للحرام، وأكثر من ذلك في عدم إصغائها للّهو.

2- «ولَا نُسْرِعَ بِأَبْصَارِنَا إِلَى لَهْوٍ».

والمُراد أن لا نَنظر إلى شيءٍ عَبَثِيٍّ، سواءً كان حراماً أو حلالاً، وصومُ العين في اهتمامها بما يُقرِّب من الله عزَّ وجلَّ، فضلاً عن الاهتمام بترك النَّظرة الحرام.

3- «وحَتَّى لَا نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إِلَى مَحْظُورٍ».

لليَدِ حصّتُها من الصَّوم، فينبغي أن لا تمتدّ بأذًى، ولا بسائر ما يُسخط اللهَ عزَّ وجلَّ.

4- «ولَا نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إِلَى مَحْجُورٍ».

القَدم أيضاً لها نصيبُها من الصّوم، فكيف يكون الشّخص صائماً ويمشي إلى مجلسِ حرام؟

5- «وحَتَّى لَا تَعِيَ بُطُونُنَا إِلَّا مَا أَحْلَلْتَ».

وهو تأكيدٌ على التّدقيق في المأكل والمشرب. فَفي طليعة أولويات الاهتمام بشهر رمضان، التّدقيق في المَكسب والدَّخل المالي عموماً، حذراً من أن يكتشف الصّائم متأخّراً أنّه كان في ضيافة الله تعالى كاللّصّ الذي يُشارك في ضيافة مَن سرق منه.

6- «ولَا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنَا إِلَّا بِمَا مَثَّلْتَ».

أي لا نقول إلّا الحقّ. ينبغي أن يكون الصّائم حذِراً فلا يحرّك لسانه في ما يُسخط اللهَ عزَّ وجلَّ، بل أكثر من ذلك ينبغي أن يكون حَذِراً فلا يحرّكه إلّا بما يُدنيه من الله تقدّست أسماؤه.

هكذا نجد أنفسنا أمام أمورٍ أساسيّة ينبغي أن يطولَ اهتمامُنا بها في شهر الله تعالى. لا يُمكن للصّائم أن يُطلقَ العنان لجوارحه، فإنّ ذلك ينافي نيّة الصُّوم، بل ينافي الهدفَ منه: ﴿لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ، والتّقوى وإنْ كان مَصبُّها القلب «تَقوى القُلوب»، إلّا أنّ الجوارحَ تعبِّر عمّا في القلب وتَحكيه بأفصح لغةٍ، فتُثبت صحّةَ النّيّة أو عدمها.

ثالثاً: العمل الصّالح بإخلاص

وأمّا العنوان العامّ الّذي يحدِّده لنا الإمام زين العابدين عليه السّلام، فهو ما عبّر عنه بقوله:

«ولَا نَتَكَلَّفَ إِلَّا مَا يُدْنِي مِنْ ثَوَابِكَ، ولَا نَتَعَاطَى إِلَّا الَّذِي يَقِي مِنْ عِقَابِكَ، ثُمَّ خَلِّصْ ذَلِكَ كُلَّه مِنْ رِئَاءِ الْمُرَائينَ، وسُمْعَةِ الْمُسْمِعِينَ، لَا نُشْرِكُ فِيه أَحَداً دُونَكَ، ولَا نَبْتَغِي فِيه مُرَاداً سِوَاكَ».

إنّه عليه صلوات الرّحمن يُنبّهنا إلى أن نحصر كلّ عملٍ نعمله في شهر رمضان بالعمل الصّالح الّذي يقرّبنا من الله تعالى، وحيث إنّ النّيّة السّيّئة تُفسد العمل الصّالح وتجعله عملاً سيئاً، فلا بدّ من التّنبّه إلى أنْ لا يغزو الرّياء قلوبَنا، فتفسد نوايانا ونقع في أسرِ حُبّ السُّمعة، ونخرج بذلك من عبادة الحقِّ تعالى إلى عبادة النّاس.

إنَّ العاقل المصدِّق بما أخبر به الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وآله، هو مَن يضع خطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله - وهذا الدّعاءُ من الصّحيفة السّجادية، هو كالشّرح لتلك الخطبة - أمام عينَي القلب، وفي واجهة الاهتمام، ويلتزم بها مَنهجاً عمليّاً فيُكثر من تلاوة كتاب الله تعالى، والصّلاة على النّبيّ وآله، والاستغفار، وطول السّجود، وإكرام اليتيم، وصِلة الأرحام، وغير ذلك ممّا ورد الحثُّ عليه في الخطبة النّبويّة، يبتغي بذلك ما يُطهّره من والآثام، ويُقرِّبه من الله تعالى.

رابعاً: آداب الصّلاة

وفي مجال كيفيّة الصّلاة، يُبيِّن عليه السّلام أن تكون:

«عَلَى مَا سَنَّه عَبْدُكَ ورَسُولُكَ، صَلَوَاتُكَ عَلَيْه وآلِه، فِي رُكُوعِهَا وسُجُودِهَا وجَمِيعِ فَوَاضِلِهَا عَلَى أَتَمِّ الطَّهُورِ وأَسْبَغِه، وأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وأَبْلَغِه».

ما المانع أن نجرّبَ الصّلاةَ أحياناً مع سائر المستحبّات، بدءاً من مستحبّات الوضوء وانتهاءً بالتّعقيبات بعد الصّلاة؟

أوَليسَ من الطّبيعيّ أن يكون شهرُ الله تعالى موسماً لصلاةٍ من نوعٍ آخَر؟ أوَيُعقَل أن ينقضيَ عن أحدِنا شهرُ رمضان وهو في دوّامة عملٍ مستمرّة، بل هو نفسه دوّامة لا يعرف كيف يبدأ بصلاته، ولا كيف ينتهي منها.

خامساً: صِلَةُ الرّحم

«أللّهُمّ وَفِّقْنَا فِيه لأَنْ: نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالْبِرِّ والصِّلَةِ..»:

صِلَةُ الرّحم أسمى بكثير من أن تدور مدار الظّاهر، ومنه التّزاورُ والمال، فقد يوجد ذلك كلّه، وتكون القطيعةُ قائمةً بأقبح مظاهرها الكريهة!

إنّ المحوَر هو الاعتراف بأنّ هذا الرّحِم إنسانٌ له كرامته، أراد الله تعالى حفْظَها وبذل الجهد في صَوْنها والدّفاع عنها، ولأجل ذلك شرّع سبحانه فقهَ كرامة الإنسان.

سادساً: الجيران

«... وأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالإِفْضَالِ والْعَطِيَّةِ..»:

حيث إنَّ الهدف من حُسن العلاقة بالجار ينبعُ من مشكاة العلائق الإنسانيّة نفسِها، كما أرادها الله تعالى، فإنّ المحوَر فيها أيضاً هو حالةُ القلب والمشاعر، وليس تقديمُ تَعاهُد الجار بالإفضال على تَعاهده بالعطيّة إلّا إلفاتاً إلى ذلك، كما أنَّ تعاهدَه بالعطيّة إنّما كان «قيمةً» لأنّه يكشفُ عن الحالة القائمة بين الطّرفَين.

سابعاً: تخليصُ المال من التّبعات

«...وأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوَالَنَا مِنَ التَّبِعَاتِ، وأَنْ نُطَهِّرَهَا بِإِخْرَاجِ الزَّكَوَاتِ»:

تحدّث السّيد على خان الشّيرازيّ صاحب (رياض السّالكين) حول هذه النّقطة، فبيَّن أنّ المُراد بالتّبعات كلُّ ما يَجب على الإنسان إنفاقُه من المال، وكلُّ ما يستحبّ إنفاقه، فلم يُنفقه، ولحقَه بسبب ذلك تبعةٌ وترتّبت عليه مسؤوليّة.

فالمُراد بالتّبعات: المسؤوليّات المترتّبة نتيجةَ تَرْك الإنفاق الواجب كالخُمس، والإنفاق المستحبّ كالصّدقة وما شابه، ثمّ أورد في (رياض السّالكين) عدّة رواياتٍ تبيّن أنّ على الإنسان أن ينفقَ من ماله غير الخمس والزّكاة.

ثامناً: تطهيرُ القلب من العداوات

يؤكّد الإمام زين العابدين عليه السّلام في الفقرة الآتية من الدّعاء على الحقائق التّالية:

1- «وأَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَا»:

أي أن يحرص الصّائم على مَدِّ جسور التّفاهم بينه وبين مَن بادر إلى هجرانه ومقاطعته، ليُثبت بذلك أنّه قد تفاعل مع ضيافة الرّحمن، وتخلّص من قسوة القلب الّتي تحملُه على تقبُّل هجران مسلمٍ له دون أن يحرِّك ساكناً. تصلُ رقّة قلب المسلم، ويصل تأثيرُ الصَّوم فيه إلى حدّ أنّه يبادر إلى إصلاح ذات البَين مع مَن بادر إلى قطيعته. ومن هنا نفهم واجبَنا تجاه من بادرْنا نحنُ إلى قطيعتهم.

2- «وأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا»:

مطلوبٌ أن يحرص كلٌّ منّا على العدْل حتّى مع مَن ظَلَمه، وأوّل ما يتطلّبه ذلك أن لا يُبقي جوّه النّفسيّ مشحوناً بالتّوتّر والتّشنُّج والغَيظ والحِقد، فإنّ ذلك أرضيّة خصبة لردّات الفعل غير المتوازنة، فيندفع إلى ظلمِ مَن ظَلَمه، بدل أن يكون حريصاً على إنصافه.

3- «وأَنْ نُسَالِمَ مَنْ عَادَانَا، حَاشَا مَنْ عُودِيَ فِيكَ ولَكَ، فَإِنَّه الْعَدُوُّ الَّذِي لَا نُوَالِيه، والْحِزْبُ الَّذِي لَا نُصَافِيه»:

قد يَهجر شخصٌ شخصاً دون أن يكون جوُّه النّفسيّ جوّ معاداةٍ، فهو لا يريد القطيعة النّهائيّة، فإذا راجعَه عادت اللُّحمة، ويبدو أنّه المراد بما تقدّم من قوله عليه السّلام: «وأَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَا».

وقد يَهجره معادياً لا تنفع معه المحاولات لمعاودة اللُّحمة، وهنا يأتي دور المُسالمة لهذا المعادي، أي أن لا نكون حرباً عليه، فلا نقول فيه إلّا خيراً ولا نغتابه، فضلاً عن العمل للإيقاع به.

نعم، يُستثنى من ذلك مَن هو مِن الكافرين والمنافقين، وكانت معاداته في الله تعالى وله سبحانه، ولذلك قال عليه السّلام: «حَاشَا مَنْ عُودِيَ فِيكَ ولَكَ، فَإِنَّه الْعَدُوُّ الَّذِي لَا نُوَالِيه، والْحِزْبُ الَّذِي لَا نُصَافِيه»، أي ما عدا مَن عاديناه في الله وللهِ تعالى، فهو العدوّ دائماً وأبداً، ما دام مُقيماً على الباطل.

 

تاسعاً: التّقرّب إلى الله تعالى بالأعمال الزّاكية

* «وأَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَيْكَ فِيه مِنَ الأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ بِمَا تُطَهِّرُنَا بِه مِنَ الذُّنُوبِ، وتَعْصِمُنَا فِيه مِمَّا نَسْتَأْنِفُ مِنَ الْعُيُوبِ»

يؤكّد الإمام زين العابدين عليه السّلام أن تَصل عبادتُنا في شهر رمضان حدّاً تُطهّرنا معه من ذنوبنا السّالفة، وأن تكون طاعاتنا في هذا الشّهر، بالإضافة إلى تطهيرنا ممّا سلف، عصمةً لنا بعد شهر رمضان المبارك.

* «وأَعِنَّا فِي نَهَارِه عَلَى صِيَامِه، وفِي لَيْلِه عَلَى الصَّلَاةِ والتَّضَرُّعِ إِلَيْكَ، والْخُشُوعِ لَكَ والذِّلَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ حَتَّى لَا يَشْهَدَ نَهَارُه عَلَيْنَا بِغَفْلَةٍ، ولَا لَيْلُه بِتَفْرِيطٍ. أللَّهُمَّ واجْعَلْنَا فِي سَائِرِ الشُّهُورِ والأَيَّامِ وَمَا نَسْتَأْنِفُ مِنَ السِّنِيْنَ وَالأَعْوَامِ، كَذلِكَ، أَبَدَاً مَا عَمَّرْتَنَا، فَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ..».

وأنت ترى بكلِّ جلاءٍ أنّ المحوَر في كلِّ فقرات هذا الدّعاء المبارك، أن لا نتعامل مع شهر رمضان كَغيره من الشّهور، بل نتفرّغ فيه للعبادة ونشحنَه بها، ولا شكّ أنّ إدراك هذه الحقيقة يحمل على التّخطيط المُسبق لِما يُمكِّن من ذلك، وسنكتشف لدى المحاولة الجادّة أنَّ باستطاعتنا التّحلُّل من الكثير من انشغالاتنا أو تأجيلها، كما سنكتشف أنّ المشكلة ليست في عدم توفُّر الوقت، بل في إعطاء الأولويّة لِما لا يستحقُّ ذلك.

 

ولادة الإمام الحَسن المجتبى عليه السّلام

واسطةُ العقد من شهر رمضان المبارك ذكرى ولادة الإمام الحسن صلواتُ الله وسلامُه عليه، في السّنة الثّانية من الهجرة. فإلى المولى صاحب العصر والزّمان أرواحنا فداه، نرفعُ آيات التّهاني. [انظر: باب «صاحب الأمر» من هذا العدد]

 

 

ليالي القدر

من غرائب الغفلة، أنّنا نعرف أنّ ليلة القدر ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر﴾ القدر:4، ونعرف أنّ إمام زماننا، بل إمام كلّ زمان يُطلَق عليه اسمُ «صاحب الأمر»، ولا نربط بين المعلومتين اللّتين هما وجهان لحقيقةٍ واحدة، فالأمرُ الذي ينزل هو نفسُه الأمر الذي يُعتبَر إمامُ الزمّان صاحبه بإذن الله تعالى. والرّوايات المصرّحة بذلك كثيرة، منها: عن أبي عبد الله الصّادق عليه السلّام: «لَيْسَ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِن عِنْدِ اللهِ عزّ وَجَلّ حَتّى يَبْدَأَ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه، ثُمَّ بِعَلِيٍّ عَلَيه السّلام، ثمّ بِوَاحِدٍ وَاحِدٍ، لِكَيلَا يَكُونَ آخِرُنَا أعلمَ مِن أوّلِنَا».

وفي طليعة ليالي القدر، ليلةُ الجُهَنيّ، وهي اللّيلة الثّالثة والعشرون، وقد حظِيَتْ من رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السّلام بعنايةٍ لم تحظَ بها أيّ ليلةٍ على الإطلاق، فقد رُويَ عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله «كَانَ ".." يُوقِظُ أَهْلَهُ لَيْلَةَ ثَلاث وَعِشْرين، وَكَانَ يَرُشُّ وُجُوهَ النّيامِ بِالمَاءِ فِي تِلكَ اللّيلَةِ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيها السَّلام، لَا تدَعُ أَحَداً مِن أَهْلِهَا يَنامُ تِلكَ اللّيلة، وَتُداويهِم بِقِلّةِ الطّعَامِ، وَتَتَأَهَّبُ لَهَا مِنَ النّهَارِ، وَتَقولُ: مَحْرُومٌ مَن حُرِمَ خَيْرَهَا».

شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام

بين التّاسع عشر والحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، يومان تتفطّر فيهما قلوب المؤمنين أسًى ولوعةً، لشهادة سيّد الوصيّين عليٍّ عليه السّلام.

مصابٌ طالما أبكى المصطفى صلّى الله عليه وآله. كيف أكون مقتدياً برسول الله إذا لم يُبكِني دماً؟ بل هل يُمكن لأحدٍ أن يدّعي الإسلام إذا لم يخفق قلبُه بحبّ أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام؟

وهل يُدرك أحدٌ ليلة القدر إذا لم يُدْمِ قلبَه مصابُ شهيدها؟ [انظر: باب «بصائر» من هذا العدد]

 

العشر الأواخر

للّيالي العشر الأخيرة من شهر رمضان شخصيّة مميّزة ينبغي تقديمُ احترامٍ خاصٍّ لها يتجلّى بالاهتمام بها بما يتناسب مع كونها غايةَ الغاية ونقطةَ النهاية من القمّة التي بدأ السّير نحوها من أوّل ليلة من شهر رجب، ويتناسب أيضاً مع كونها قاعدةَ الانطلاق النّموذجيّة نحو مدارج الكمال الإنسانيّ، والتّحليق في آفاق القُرب التي لا تقع الجنّة إلّا محطّةً في طريقها: ﴿..وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ التوبة:72.

وقد تناقلت الأجيالُ اهتمام رسول الله صلّى الله عليه وآله بأعمالٍ خاصّةٍ في هذه العَشر الخاتمة للشّهر، تكشف بمجموعها عن شخصيّتها المميّزة، كما أكّد الأئمّة من عترته الذين هم استمرارٌ له صلّى الله عليه وعليهم على أعمال خاصّة بها أيضاً،  منها: 1- مجاورة سيّد الشهداء عليه السّلام. 2- الغُسل وأدعية خاصّة في كلّ ليلة. 3- الاعتـكاف.

 

من أهمّ أعمال شهر رمضان

ما يلي، لائحة بأهمّ أعمال شهر رمضان المبارك كما وردت في خطبة الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله في استقبال شهر الرّحمن، وهذه الخطبة مرويّة عن أمير المؤمنين عليه السّلام.

.. فَاسْأَلُوا اللهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ:

1- أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ، وَتِلاوَةِ كِتَابِهِ. «مَنْ تَلا فِيهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ».

2- تَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ.

3- وَقِّرُوا كِبَارَكُمْ.

4- ارْحَمُوا صِغَارَكُمْ.

5- صِلُوا أَرْحَامَكُمْ. «وَمَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ».

6- احْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ.

7 و8- غُضُّوا عَمَّا لا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَعَمَّا لا يَحِلُّ الاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ.

9- تَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِكُمْ. «وَمَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يَتِيماً، أَكْرَمَهُ اللهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ».

10- تُوبُوا إِلَى الله مِنْ ذُنُوبِكُمْ.

11- ارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَكُمْ بِالدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ صَلاتِكُمْ.

12- إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ، فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ...

13- وَظُهُورَكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ، فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ.

14- مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِي هَذَا الشَّهْرِ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَمَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ.

15- مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ، كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ.

16- مَنْ خَفَّفَ فِي هَذَا الشَّهْرِ عَمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، خَفَّفَ اللهُ عَلَيْهِ حِسَابَهُ.

17- مَنْ كَفَّ فِيهِ شَرَّهُ، كَفَّ اللهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ.

18- مَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِصَلاةٍ كَتَبَ اللهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ.

19- مَنْ أَدَّى فِيهِ فَرْضاً كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ.

20- مَنْ أَكْثَرَ فِيهِ مِنَ الصَّلاةِ عَلَيَّ، ثَقَّلَ اللهُ مِيزَانَهُ يَوْمَ تَخِفُّ الْمَوَازِينُ....

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليُّ بن أبي طالب عليه السّلام: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! مَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ: الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريّات

دوريّات

منذ يوم

دوريّات

نفحات