المهمّة والدَّوْر

المهمّة والدَّوْر

03/05/2011

العهد المعهود، والنَّخب المخزون

إعداد: محمّد العبدالله

يرد في الروايات مصطلح «العهد» أو «عهد معهود» ويُراد به ما تحدّث به رسول الله صلّى الله عليه وآله لأهل البيت عليهم السلام، وعهد به إليهم- وحدّد لهم الموقف- حول أمور مستقبليّة تجري عليهم في إطار قيادتهم للأمّة من بعده.
من هذه «العهود المحمّديّة» ما رواه الإمام السجّاد عن عمّته السيّدة زينب عن أم أيمن عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد حدّثته به عليها السلام، على أبواب السبي من كربلاء إلى الكوفة، وهو يتضمّن ما أُوحي إلى رسول الله صلىّ الله عليه وآله حول عاشوراء وما بعدها، كما يتضمّن أنّ السيّدة زينب سألت أمير المؤمنين عليه السلام، عمّا سمعته من أم أيمن، فأكّده لها، وحدّثها عمّا يجري عليهم في رحلة السبي إلى الكوفة.
في ما يلي تقدّم «شعائر» إضاءات على هذا العهد-الوثيقة، مع إدراج كامل النص، بإضافة عناوين لفقراته.

كربلاء، مخطّط نبويّ إلهيّ، لحفظ الذكر وبقاءِ الإسلام. وبديهيٌّ أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وآله، قد حدَّث سيّد الشهداء والسيّدة زينب عليهما السلام، بما يجري في كربلاء وبعدها، وبديهيٌّ أيضاً أن يكون حديثه معهما أكثر ممّا وصل إلى الأجيال، فهما المعنيَّان أكثر من غيرهما بتنفيذ هذا المخطّط الإلهي، الذي كانت بعض أساليب التعبير عنه، ما اتّفق عليه المسلمون من قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: «حسينٌ مني وأنا من حسين».
في كربلاء قال الإمام الحسين عليه السلام لعمر بن سعد «عهدٌ معهود، فاصنع ما أنت صانع، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، وكأنّي برأسك على قصبة قد نُصب في الكوفة يتراماه الصبيان، ويتّخذونه غَرَضاً بينهم».
ويتكرّر في روايات أهل البيت عليهم السلام مصطلح «العهد» أو «عهد معهود» في ما يريدون عليهم السلام التأكيد للأمّة على أنّه صادرٌ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله.
 من هذه «العهود» ما رُوي بسند مُعتَبر عن الإمام السجّاد عليه السلام، عن عمّته السيدة زينب، عن أم أيمن ،عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، يتحدّث فيه النبيّ الأعظم عمّا يجري على أهل البيت من بعده، وصولاً إلى كربلاء، وما بعدها،  وستجد أنّ الإمام السجّاد عليه السلام، ينقل عن عمّته زينب عليها السلام، أنّها سألت أباها أمير المؤمنين عليه السلام، بعد إصابته في محراب مسجد الكوفة، فأضاف لها تفاصيل عمّا يجري في الكوفة بعد كربلاء، على بقيّة السيف من أهل البيت عليهم السلام.
 وهذا «العهد» نص طويل، بل وثيقة نبويّة وعلويّة، ستقرأ في ختامها:
قال زائدة [وهو الراوي]: ثمّ قال عليّ بن الحسين عليهما السلام بعد أن حدّثني بهذا الحديث: «.. خُذ إليك ما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولاً لكان قليلاًً». أي لو أنّك سافرت على الإبل، تبحث عن هذا الحديث سنة كاملة، لكان قليلاً، في مقابل الحصول عليه.

***


 نص العهد النبويّ، العلويّ

حول فضيلة زيارة الحسين عليه السلام

* عن قُدامة بن زائدة، عن أبيه، قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام:
«بلغني يا زائدة أنّك تزور قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام أحياناً، فقلت: إنّ ذلك لَكَما بلغك.
 فقال لي: فلماذا تفعل ذلك، ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداً على محبّتنا وتفضيلنا، وذِكرِ فضائلنا، والواجبِ على هذه الأمّة من حقّنا.
 فقلت: والله ما أريد بذلك إلّا الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروهٌ ينالني بسببه.
 فقال: والله إنّ ذلك لكذلك؟
 فقلت: والله إنّ ذلك لكذلك - يقولها ثلاثاً، وأقولها ثلاثاً.

 «العهد المخزون» .. على أبواب السبي

فقال: أبْشِر ثمّ أبشر، ثُمَّ فلأخبرنَّك بخبرٍ كان عندي في النخب المخزون.
فإنّه لمّا أصابنا بالطفِّ ما أصابنا وقُتل أبي عليه السلام، وقُتل مَن كان معه من وُلده وأخوته وسائر أهله، وحُملت حُرَمُه ونساؤه على الأقتاب يُراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يُواروا، فعظُم ذلك في صدري واشتدّ لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبيّنتْ ذلك منّي عمّتي زينب الكبري بنتُ عليٍّ عليه السلام، فقالت:
 ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدي وأبي وأخوتي؟
 فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيّدي وأخوتي وعمومتي ووُلد عمّي وأهلي مضرّجين بدمائهم، مُرمّلين بالعرى، مسلّبين، لا يُكفّنون ولا يُوارون، ولا يعرِّج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر.
 فقالت: لا يجزَعنّك ما ترى، فوالله إنّ ذلك لَعَهدٌ من رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق أُناسٍ من هذه الأمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمّة، وهم معروفون في أهل السماوات أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيُوارونها، وهذه الجسوم المضرّجة، وينصبون لهذا الطفِّ عَلَماً لقبر أبيك سيّد الشهداء، لا يدرسُ أثرُه ولا يعفو رسمُه على كرور اللّيالي والأيّام، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلّا ظهوراً، وأمره إلّا عُلوّاً.

 لكي يصل إلى الأجيال مسنداً

فقلت: وما هذا العهد وما هذا الخبر؟
فقالت: نعم، حدّثتني أمّ أيمن أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله زار منزل فاطمة عليها السلام في يوم من الأيّام، فعملت له حَرِيرَة [صنفُ طعام] وأتاه عليٌّ عليه السلام بطبق فيه تمر. ثمّ قالت أمّ أيمن: فأتيتُهم بعسٍّ فيه لبن وزِبْد، فأكل رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام من تلك الحريرة، وشرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وشربوا من ذلك اللّبن، ثمّ أكل وأكلوا من ذلك التمر والزِّبد، ثمّ غسل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يده، وعليٌّ يصبُّ عليه الماء.
 فلمّا فرغ من غسل يده مسح وجهه، ثمّ نظر إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا به السرور في وجهه.
ثمّ رمق بطرْفه نحو السماء مليّاً، ثمّ وجَّه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا، ثمّ خرَّ ساجداً وهو يَنْشِج، فأطال النُّشوج وعلا نحيبُه وجرت دموعُه، ثمّ رفع رأسه وأطرق الى الأرض ودموعه تقطُر كأنّها صَوْبُ المطر، فحزنت فاطمة وعليٌّ والحسن والحسين عليهم السلام وحزنت معهم لِما رأينا من رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهِبناه أن نسأله، حتى إذا طال ذلك قال له عليٌّ، وقالت له فاطمة:
ما يُبكيك يا رسول الله لا أبكى الله عينيك، فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك، فقال: يا أخي سُررتُ بكم -وجاء في رواية بدل يا أخي: يا حبيبي- إنّي سُررتُ بكم سروراً ما سُررتُ مثله قط، وإنّي لأنظر إليكم وأحمدُ الله على نعمته فيكم، إذ هبط عليَّ جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمّد، إنّ الله تبارك وتعالى اطَّلع على ما في نفسك، وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسِبطيك فأكمل لك النعمة وهنّأك العطيّة، بأنْ جعلهم وذُريّاتِهم ومُحبّيهم وشيعتَهم معك في الجنة، لا يفرِّق بينك وبينهم، يُحْبَوْن كما تُحْبَى، ويُعطون كما تُعطى، حتى ترضى وفوق الرضا، على بلوى كثيرةٍ تنالهم في الدنيا، ومكاره تصيبهم بأيدي أُناس ينتحلون مِلّتك، ويزعمون أنّهم من أمّتك، براءٌ من الله ومنك، خبطاً خبطاً وقتلاً قتلا، شتّى مصارعُهم، نائيةٌ قبورهم، خِيَرَةً من الله لهم ولك فيهم، فاحمد الله عزّ وجلّ على خِيَرَتِه وارضَ بقضائه، فحمدتُ الله ورضيتُ بقضائه بما اختاره لكم.

غربة عليّ وشهادته في الكوفة

 ثمّ قال لي جبرئيل: يا محمّد إنّ أخاك مضطّهد بعدَك، مغلوبٌ على أُمّتك، متعوب من أعدائك، ثمّ مقتولٌ بعدك، يقتله أشرُّ الخلق والخليقة، وأشقى البريّة، يكون نظيرَ عاقرِ الناقة، ببلدٍ تكون إليه هجرتُه، وهو مَغْرس شيعته، وشيعةِ وُلده، وفيه -على كلّ حال- يكثر بلواهم ويعظم مصابُهم.

 شهادة الحسين في كربلاء

وإنّ سبطك هذا -وأومى بيده إلى الحسين عليه السلام- مقتولٌ في عصابة من ذريّتك وأهل بيتك، وأخيارٍ من أمّتك بضفّة الفرات بأرضٍ يُقال لها: كربلاء، من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريّتك في اليوم الذي لا ينقضي كربُه، ولا تفنى حسرتُه، وهي أطيبُ بقاع الأرض وأعظمها حرمة، وإنّها من بطحاء الجنّة.

تزعزعت الأرض، وماجت السماوات

فإذا كان ذلك اليوم الذي يُقتل فيه سبطُك وأهله، وأحاطت به كتائب أهل الكفر واللّعنة، تزعزعت الأرض من أقطارها، ومادَتِ الجبال وكثر اضطرابُها، واصطفقت البحار بأمواجها، وماجت السماوات بأهلها غضباً لك يا محمّد ولذُريّتك، واستعظاماً لما يُنتَهك من حُرمتك، ولَشرّ ما تُكافى به في ذريّتك وعترتك، ولا يبقى شيء من ذلك إلّا استأذن الله عزّ وجلّ في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين، الذين هم حجّة الله على خلقه بعدك. فيوحي الله إلى السماوات والأرض والجبال والبحار ومن فيهن: إنّي أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب ولا يُعجزه ممتنع، وأنا أقدر فيه على الانتصار والانتقام. وعِزَّتي وجلالي، لَأُعَذِّبَنَّ مَنْ وَتَرَ رسولي وصَفِيّي، وانتهك حرمتَه وقتل عترتَه، ونبذ عهده وظَلَم أهل بيته، عذاباً لا أعذّبه أحداً من العالمين، فعند ذلك يضجّ كلُّ شيءٍ في السماوات والأرضين بِلَعن من ظلم عترتك، واستحلّ حرمتك.

استقبال أرواح الشهداء، ودفن الشهداء

فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها، تولّى الله عزّ وجلّ قبض أرواحها بيده، وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت والزمرّد مملوءة من ماء الحياة، وحُلَل من حُلَل الجنّة، وطِيب من طِيب الجنة، فغسلوا جثثهم بذلك الماء وألبسوها الحُلَل، وحنّطوها بذلك الطيب [و] صَلَّت الملائكة صفّاً صفّاً عليهم.
ثمّ يبعث الله قوماً من أمّتك لا يعرفهم الكفّار، لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نيّة، فيُوارون أجسامهم.

قبر سيد الشهداء عَلَمٌ لأهل الحقّ، وسبب الفوز

ويُقيمون رسماً لقبر سيّد الشهداء بتلك البطحاء، يكون عَلَماً لأهل الحقّ، وسَبَبَاً للمؤمنين إلى الفوز، وتَحُفُّهُ ملائكةٌ من كلِّ سماء؛ مائة ألف ملَك في كلّ يوم وليلة، ويصلُّون عليه، ويُسَبِّحون الله عنده، ويستغفرون الله لِمَن زاره، ويكتبون أسماء من يأتيه زائراً من أُمَّتك متقرّباً إلى الله تعالى وإليك بذلك، وأسماءَ آبائهم وعشائرهم وبلدانهم، ويُوسمون في وجوههم بمَيْسَمٍ نورِ عرش الله: هذا زائرُ قبر خير الشهداء، وابنِ خير الأنبياء. فإذا كان يوم القيامة، سطع في وجوههم من أثر ذلك المَيْسَم نورٌ تغشى منه الأبصار، يدلّ عليهم ويُعرفون به.

 زوّار الحسين في القيامة

وكأنّي بك يا محمّد بيني وبين ميكائيل، وعليٌّ أمامنا، ومعنا من ملائكة الله ما لا يُحصى عددهم، ونحن نلتقط مَن ذلك الميسم في وجهه مِن بين الخلائق، حتى يُنجِّيهم اللهُ من هول ذلك اليوم وشدائده، وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمّد، أو قبر أخيك، أو قبر سِبطيك، لا يريد به غير الله عزّ وجلّ، وسيجتهد أُناس ممّن حقّت عليهم اللعنة من الله والسخط، أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره، فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلاً.
* ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: فهذا أبكاني وأحزنني. 

 وكأنّي بك وبنساء أهلك سبايا

قالت زينب: فلمّا ضرب ابنُ ملجم -لعنه الله- أبي عليه السلام، ورأيتُ عليه أثر الموت منه، قلت له: يا أبه، حدّثتني أمّ أيمن بكذا وكذا وقد أَحببت أن أَسمعه منك.
 فقال: يا بنيّة، الحديث كما حدّثتك أمّ أيمن، وكأنّي بك وبنساء أهلك [و] ببنات أهلك، سبايا بهذا البلد أذلّاء خاشعين، تخافون أن يتخطّفكم الناس، فصبراً صبراً، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، ما لله على ظهر الأرض يومئذٍ وليٌّ غيرُكم وغيرُ محبّيكم وشيعتُكم.

 لا ينفع مع عداوتكم عملٌ صالح

ولقد قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وآله حين أخبرنا بهذا الخبر: إنّ إبليس لعنه الله في ذلك اليوم يطير فرحاً، فيجول الأرض كلّها بشياطينه وعفاريته، فيقول: يا معاشر الشياطين، قد أدركنا من ذريّة آدم الطَّلِبة، وبلغنا في هلاكهم الغاية، وأورثناهم النار إلّا من اعتصم بهذه العصابة، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم، وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وأوليائِهم، حتى تستحكم ضلالة الخلق وكفرُهم، ولا ينجو منهم ناجٍ، ولقد صدق عليهم إبليس وهو كذوب. إنّه لا ينفع مع عداوتكم عملٌ صالح، ولا يضرّ مع محبّتكم وموالاتكم ذنبٌ غير الكبائر.
قال زائدة: ثمّ قال عليُّ بن الحسين عليهما السلام بعد أن حدّثني بهذا الحديث: خذه إليك. أمَا لو ضربت في طلبه آباطَ الإبل حَوْلاً، لكان قليلاً».

وذكرتُ إذْ وَقَفَت

وذكرت إذ وقفت عقيلة حيدر      مذهولة تصغي لصوت أخيها
بأبي التي ورثت مصائب أمّها     فغدت تقابلها بصبر أبيها
لم تَلْهُ عن جمع العيال وحفظهم      بفراق إخوتها وفقد بنيها
تدعو فتحترق القلوب كأنّما      يرمي حشاها جمره من فيها
السيّد رضا الهندي رحمه الله


 

اخبار مرتبطة

  العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

04/05/2011

  خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

04/05/2011

نفحات