كلمة سواء

كلمة سواء

منذ يومين

التّوسّل: نقاشٌ في المصداق لا في المفهوم


إنكارُه فصلٌ بين شهادتَي الإسلام

التّوسّل: نقاشٌ في المصداق لا في المفهوم

ــــــــــــــــــــــــ محمّد أبو المجد* ــــــــــــــــــــــــ

إنّ توسّل العبد إلى ربّه وتشفّعه بالوسائط التي نصبَها الله، عزّ وجلّ، لعباده هو التّوحيد الحقيقيّ التّامّ المرضيّ عنده سبحانه، كما أنّ نفيَ الوسائل والوسائط الإلهيّة والإعراض عنها هو الشّركُ بعينِه، عرف صاحبه أم لم يعرف. ذلك أنّ نصْبَ المخلوق لواسطة وباب إلى الله تعالى تصرّفٌ في سلطانه، عزّ وجلّ، وتحكيمٌ لإرادة العبد على إرادة ربّه، وهو شركٌ ونِدّيّة لله تعالى. أمّا التّوسّل بالوسائط المَجعولة من قِبله، عزّ وجلّ، واللّجوء إليها، والاستغاثة بها فهو توحيدٌ تامّ.

إنّ السّبب والسّرّ في شرك المشركين ووثنيّتهم ليس أصلُ قولهم بمبدأ الوسائط والشّفعاء والوسائل، بل في جعْلهم شفعاءَ من دون الله تعالى. فهدف الإسلام ليس إبطالَ مبدأ الوسائط، بل نبْذ الصّنميّة والموالاة للأشخاص الذين لم ينصبهم الله عزّ وجلّ.

فقد تعدّدت الآيات القرآنية التي تردّ على المشركين إنكار الوسائط الإلهيّة وتمسّكهم بوسائطهم المقترحة:

- منها ما يستنكر الأسماءَ المقترحة من قبل العباد، كقوله تعالى على لسان نبيّه هود عليه السّلام: ﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ..﴾ الأعراف:71.

- ومنها آيات حكَمت بالشّرك على متّخذي الوسائط بغير سلطانٍ من الله، كقوله تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا...﴾ آل عمران:151.

- ومنها الآيات التي جعلت التّوسّل بوسائط بغير سلطانٍ من الله عبادةً لهم. قال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا..﴾ الحج:71.

أمّا من نصبهم المولى، تبارك وتعالى، أبواباً للتّوجّه إليه، فيجب التّوجّه بهم.. لأنّ ذلك، في الحقيقة، توجّهٌ إليه عزّ وجلّ، فتَعظيم الآية والعلامة تعظيمٌ لصاحب الآية، والتّقرّب بهم تقرّبٌ إليه. ولهذا نصب الله، عزّ وجلّ، وجهاء وأبواباً يتوجّه الخلْق بهم إليه تأدّباً معه سبحانه.

وفي القرآن عدّة آيات في بيان ذلك، منها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ...﴾ المائدة:35. فقد أمر الباري بابتغاء الوسيلة، أي البحث عنها للتّوسّل بها إليه تعالى، وهي تشمل التّوسّل بالأعمال الصّالحة، والأولياء الصّالحين ..

ومن آيات التّوسّل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ النساء:64.

والمجيء إلى الرّسول في الآية مطلقٌ، يشمل المَجيء إليه في حياته، والمجيء إلى قبره الشّريف، وهكذا فهم المسلمون الآية وطبّقوها، لكنّ ابن تيميّة خالف المسلمين، فحصر ذلك بحياته فقط، وزعم أنّه بعد موته لا ينفع، وأنّ التّوسّل به شركٌ أكبر..

من نتائج إنكار التّوسُّل

إنّ إصرار المعاندين على رفض التّوسّل يُشبه محاولة فصل الشّهادة لرسول الله صلّى الله عليه وآله عن الشّهادة لله تعالى، ولا شكّ أنّ هذا نوعٌ من الخروج عن دائرة التّوحيد الصّحيح الذي جاء به الإسلام، ولولا ذلك لما كان فرقٌ بين حجّ المسلمين وحجّ المشركين، فالمشركون يأتون في حجّهم بالمناسك من طواف، وسعي.. لكن من دون الخضوع والتّسليم لوليّ الله خاتَم النّبيّين، فلم يقبل منهم تعالى، وقال فيهم: ﴿..إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا..﴾ التوبة:28.

_______________________________

* باحث من العراق، والمقال مختصر عن كتابه (الوهّابيّة ومشركو قريش). 

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات