قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

21/01/2015

مسند أبي حمزة، ثابت بن دينار الثُّماليّ


مسند أبي حمزة، ثابت بن دينار الثُّماليّ

الرّاوية الثّقة، وتلميذ الإمام السّجّاد عليه السّلام، وخليلُه

ـــــــــــــــــــــ محمود إبراهيم ـــــــــــــــــــــــ

الكتاب: (مُسنَد أبي حمزة، ثابت بن دينار الثُّماليّ)

جمعه ورتّبه وحقّقه: عبد الرّزّاق حرز الدّين

النّاشر: «انتشارات دليل»، قمّ المقدّسة 1420 للهجرة

يتبوَّأ اسم التابعيّ الجليل أبي حمزة، ثابت بن دينار الثُّمالي مقاماً مخصوصاً في الرِّفعة ضمن سلسلة الصحابة الخاصّين بأئمّة أهل بيت النبوّة عليهم السلام. فإلى توحيده وزهده وجهاده وولائه الصادق للمعصوم، نحا نحو الحكمة والموعظة الحسنة قاصداً بيان حقائق الوحي على هَدي ما تلقّاه من علوم الأئمة الأطهار، عليهم السلام، ومعارفهم الإلهية.

ومع أن من المحقّقين مَن لا يرى الثمالي في عداد الرواة والمحدِّثين بالمعنى الاصطلاحي، الذي نشأ وتبلور كعلم مستقلّ بعد وفاته، إلا أن ثمّة إجماعاً على سموّ منزلته العلمية، سواء لدى الإمامية أو عند المتقدّمين من علماء أهل السنّة والجماعة كالذّهبي والنسائي وابن معين وأحمد بن حنبل وسواهم.

لكن الكتاب الذي بين أيدينا، وإن لم يُدرَج ضمن المألوف من كتب الإسناد، أي تلك التي جُمِعَ فيها ما أسنده الصحابة ورَووه، فهو كتاب جامع لما رُوي عن أبي حمزة من أحاديث المعصومين. فقد كان الثمالي من رواة الأحاديث عن أربعة من الأئمة المعصومين، حيث روى عن الأمام زين العابدين، والإمام محمد الباقر، والإمام جعفر الصادق، عليهم السّلام، وشطراً من عصر الإمام موسى الكاظم عليه السلام. ومما يدلّ على شرف مقامه ما يُروى عن الأئمة الأطهار، عليهم السلام، في شأنه، خصوصاً ما روي عن الإمام عليّ بن موسى الرضا، عليه السلام قوله: «أَبو حَمْزَةَ الثّمالِيُّ كَلُقْمانَ في زَمانِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَدَمَ أَرْبَعَةً مِنّا، عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَبُرْهَةً مِنْ عَصْرِ موسى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيهِمُ السَّلامُ»... وقد نَصّ علماء الإمامية على وثاقة الثمالي وعدالته، فالشيخ عباس القمي - على سبيل المثال لا الحصر - يقول في كتابه الشهير (الكُنى والألقاب): «الثقة الجليل أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار، صاحب الدعاء المعروف في أسحار شهر رمضان، كان من زهّاد أهل الكوفة ومشايخها، وكان عربياً أزدياً».

مريد السجاد عليه السلام وتلميذه

قد تكون الميزة الكبرى في المكانة التي تبوّأها أبو حمزة في سيرة الأئمّة الأوائل، عليهم السلام، معايشته لحضراتهم المطهّرة، وأخذه من علومهم من دون واسطة. ولعلّ ما يشير إلى ذلك العمل بطريقتهم المثلى في تظهير عقيدة التوحيد، حيث تبيّن من خلال معاينة الروايات التي وردت عنه اعتناؤه بالبناء العقائدي والروحي أكثر من اهتمامه بالفروع وما يرتبط بالفرائض. وهذا عائد - كما يقول المحقّقون - إلى جملة من الأسباب:

أولاً: ملازمة أبي حمزة الإمام عليّ بن الحسين، عليه السلام، أكثر من سواه من الأئمة، حيث كان الإمام، وخصوصاً بعد فاجعة كربلاء وما نجم عنها، يؤثِر التركيز على حثّ المسلمين للتمسّك بعقيدتهم والرجوع إلى أئمة أهل البيت، عليهم السلام، في فهمها، ولا سيّما إثر طغيان الضلال الأموي على فضاء الأمة. فقد اتّخذ الإمام زين العابدين عليه السلام من الحكمة سبيلاً قويماً لإعادة الناس إلى الدين القيِّم، وهو نفسه السبيل الذي انتهجه أبو حمزة جرياً على السبيل نفسه وتأسِّياً بإمام زمانه عملاً ورواية.

ثانياً: ميل أبي حمزة إلى نهج الدعاء والحكمة والموعظة الحسنة، إنما هو ناجم من مطابقته خطَّ الإمام السجاد عليه السلام، رغم اقتداره على العلوم الأخرى كالفقه، والمناظرة، وعلم الكلام، والحديث، وسائر العلوم العقلية الأخرى. وهو ما كان فعله عدد من أصحاب الأئمة، كزرارة بن أعين في الرواية، وهشام بن الحكم في علم الكلام، وغيرهما ممّن مضى إلى مجادلة المخالفين وأهل البِدَع وسواهم.

ثالثاً: كون أبي حمزة من المخضرمين الذين عاشوا فترة ما قبل ظهور المذاهب الإسلامية، حيث برزت مدرسة الرأي والاجتهاد، وتولّدت الاختلافات في الفروع، وخاض الكلّ في أثنائها حمى الجدل. وهكذا فقد خَبِر أبو حمزة أحكام مذهب أهل البيت، عليهم السلام، ما جعله على دراية بمواطن الاتفاق مع المذاهب الناشئة، وعلى علم بأوجه الخلاف معها.

رابعاً: وفاة أبي حمزة قبل احتدام الخلاف بين الفِرق والمذاهب الإسلامية على النحو الذي شهدناه  ابتداء من القرن الثالث الهجري. وحسب المحقّقين أنه لو قدِّر لأبي حمزة إدراك هذا الاحتدام لكان انخرط فيه بعزيمة العارف المجاهد للدفاع عن المذهب الحقّ للإسلام المحمّدي الأصيل. ومع أنه عاصر أبا حنيفة (ت: 150للهجرة) ومالك بن أنس (ت: 179 للهجرة)، ولم يدرك الشافعي (ت: 204 للهجرة) وابن حنبل (ت: 240 للهجرة)، إلا أن المحقّقين لم يعثروا على أيّة رواية دار فيها جدل عقائدي بين أئمة المذاهب المختلفة، وكان أبو حمزة طرفاً فيه.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن القسم الأكبر من هذا الجدل كان دائراً حول الفروع دون الأصول. ولعلّ ما يؤكد هذا الجانب أن ابناء أبي حمزة (حمزة ومحمد وعليّ والحسين)، قد ركّزوا على أحاديث الفرائض من دون أن يخوضوا في المجادلات العقائدية، وذلك بسبب معاصرتهم النزاع الفقهي بين أتباع المذاهب في ذلك الوقت.

منهجية التحقيق العلمي للمسند

لعلّ الوجه الأهم في هذا «المجمع الروائي» أنه يشكّل القاعدة المعرفية لأكابر الرواة والمحدّثين الشيعة، وخصوصاً كتاب (الكافي) للكليني، و(بحار الأنوار) للمجلسي، و(وسائل الشيعة) للحرّ العاملي وغيرهم. ولذلك سنرى كيف أن محقّق هذا الكتاب يعتمد على الأصول في جمع أحاديث الشيعة الإمامية، ثمّ على الكتب الحديثية حسب تسلسلها التاريخي، كذلك عمد إلى مقابلة هذه الأحاديث مع ما نقله كلّ من العلامة المجلسي والحرّ العاملي من تلك المصادر. وكان من نتائج هذه المنهجية في التحقيق، توصُّل المحقّق إلى ما يلي:

أولاً: الحصول غالباً على عدّة طرق للخبر الواحد وقد اتّصلت بأبي حمزة.

ثانياً: العثور في (البحار) على أحاديث لم تصحّ نسبتها إلى ما اعتمده المحقِّق من مصادر مطبوعة، حيث لم يَجدها في مراجعها، وإنّما وجدها بإسناد إلى شخص آخر كالحسن بن عليّ بن أبي حمزة، أو ابن أبي حمزة البطائني، وليس إلى أبي حمزة نفسه، وقد يحدث العكس، فما نجده في البحار غير دقيق، حيث إنّ المصدر هو الصواب.

ثالثاً: الوقوف على نصّ الحديث سنداً ومتناً عند مصدره، أما (البحار) و(الوسائل) فكثيراً ما يذكر سند الحديث ثم يعقبه بقوله: «مثله»، أي مثل الحديث المتقدّم عليه المسند عن غير أبي حمزة، ولا يخفى أن المثليّة لا تعني المطابقة.

رابعاً: استقصاء جميع الأحاديث الواردة عن أبي حمزة وتقليل احتمال الغفلة عن بعض الأحاديث، فقد جرى إخراج أحاديث عن مصادر لم تتهيّأ للعلاّمة المجلسي أو ما اقتصر وجودها على (البحار).

خامساً: اتّباع طريقة الشيخ الكليني نفسها في تبويب كتابه (الكافي)، لما فيه - حسب المحقّق - من دقّة في نهجه، ولما اعتاد عليه الطلبة والعلماء والباحثون. وهكذا سنرى كيف جاء الكتاب مطابقاً مع بعض الإضافات لكتاب (الكافي). ولنا أن نذكر على سبيل المثال التسلسل المنهجي للموضوعات وتبعاً للفهرس، على الشكل التالي: كتاب فضل العلم، كتاب التوحيد، كتاب الحجّة، كتاب الإيمان والكفر، كتاب الدعاء، كتاب العِشرة، كتاب الطهارة، كتاب الجنائز، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة والخمس، إلى جانب الكُتب المتعلقة بسائر العبادات والأعمال.

على أيّ حال، فإنّ مسند أبي حمزة الثمالي يُعد من أبرز الكتب المرجعية في المَرويّ عن أهل بيت النبوّة الأطهار، خصوصاً وأن رواياته منقولة مباشرة عن الإمام المعصوم عليّ بن الحسين عليه السلام. نقول ذلك على الرغم ممّا بذله عدد من المحقّقين من الجهود لإثبات صحّة وروده، وكذلك ما لم تثبت روايته، وهو ما أشار إليه محقّق الكتاب في ملحق أخير أورد فيه أبواباً متعلّقة بمعرفة الأولياء، والدعاء للعِلَل والأمراض، وكتاب الأطعمة.

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

21/01/2015

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

  إصدارات عربيّة

إصدارات عربيّة

نفحات