بصائر

بصائر

21/02/2015

«أوّلُ الدّينِ معرفتُه»


«أوّلُ الدّينِ معرفتُه»

المعرفة الواجبة على جميع النّاس

____ السيد محمّد تقي الحسيني النّقوي ____


«أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُه، وكَمَالُ مَعْرِفَتِه التَّصْدِيقُ بِه، وكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِه تَوْحِيدُه، وكَمَالُ تَوْحِيدِه الإِخْلَاصُ لَه، وكَمَالُ الإِخْلَاصِ لَه نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْه..»، كلامٌ لأمير المؤمنين عليه السّلام سائرٌ على الأَلسُن، وردَ في بداية الخطبة الأولى من (نهج البلاغة)، يذكر فيها ابتداءَ خلق السّماوات والأرض على ما عرفّها الشّريف الرّضيّ جامع (النّهج).

النّصّ الآتي إضاءة على العبارة الأولى من المقطع المشار إليه، اختصرناه عن كتاب (مفتاح السّعادة في شرح نهج البلاغة)، وهو في 7 مجلّدات لمؤلّفه المعاصر السّيّد محمّد تقي الحسيني النّقوي.

 

إنّما خُصِّت المعرفة بأوّل الدّين لأنّه لولا المعرفة لم يكن دينٌ حقيقة؛ إذ الدّين هو الالتزام بالأحكام الشّرعيّة والنّواميس الإلهيّة، ممتثلاً لأوامره تعالى، فإذا لم يعرف اللهَ، كيف يلتزم بدينه؟ مضافاً إلى أنّ الغاية القصوى من إيجاد الخلق المعرفة، كما أشار اليه سبحانه في كتابه: ﴿وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذّاريات:56، أي لِيَعرِفُون.

وإنّما قلنا: «أي ليَعرفون»، لإجماع المفسّرين على ذلك؛ كيف لا وهو أمرٌ يحكم به العقل وصريحُ الوجدان.

وحيث انجرّ الكلام إلى المعرفة والبحث عنها، فلا بأس بالإشارة إلى كيفيّتها، ولنقدّم فيه رواية وردت عن المعصوم عليه السّلام، ثمّ نعقّب عليها بما يليق في المقام، فنقول:

«..عن الفتح بن يزيد، عن أبي الحسن [الكاظم] عليه السّلام، قال: سألتُه عن أدنى المعرفة، فقال: الإِقْرَارُ بِأَنَّه لَا إِلَه غَيْرُه، ولَا شِبْهَ لَه ولَا نَظِيرَ، وأَنَّه قَدِيمٌ مُثْبَتٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ فَقِيدٍ، وأَنَّه لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ».

قال صدر الدّين الشّيرازيّ قدّس سرّه، في شرحه على أصول (الكافي)، عند شرح هذا الحديث: «...وقد أشرنا إلى أنّ للإيمان مراتب، والَّذي كُلِّف به من العقائد جميعُ المكلَّفين؛ قويّهم وضعيفهم - وعليه يتوقّف صحّةُ أعمالهم: كصَومهم، وصلاتهم، وزكاتهم... وبدونه لا ينتفعون بالطّاعات، ولا يُثابون بترك السّيّئات، ولا يقع لهم النّجاة من العذاب يوم الجزاء والحساب - هو أنْ يعتقدوا أنّ لهم إلهاً واحداً لا شريكَ له في مُلكه، وأنّه دائمٌ لا يزول، وأنّه قادرٌ على كلّ شيء، فعّالٌ لما يريد، عالِمٌ بالجُزئيّات، فيَسمع ويرى، ويُجيب الدّعوات ويقضي الحاجات، وأنّه أرفعُ وأجلّ من كلّ شيءٍ، فليسَ كمثله شيء، وهو السّميعُ البصير. فهذه عقائدُ يجب على كلّ بالغٍ عاقل أن يعتقدَها، إذ لا يصعبُ على أحدٍ منهم دَرْكُها ولا حاجةَ إلى تقرير الأدلّة الكلاميّة، بل الغرائزُ مجبولةٌ على الإذعان بها والقبول عند إلقاء المُلقي إيّاها عليهم وتلقينِهم بها، لولا بِدَعُ المبتدعين ووساوسُ المُضلّين، فيَقعُ الاحتياج عند ذلك إلى مَن يحرسُ هذه العقائد ويحفظها عن تحليل أهل البلاغ، ولو بمقدّماتٍ جدّيّة ومسلَّماتٍ عند الخصم».

ثمّ قال قدّس سرّه: «وأمّا معرفةُ هذه الأنوار من العلم بالله، وتوحيد ذاته وصفاته، وكيفيّة علمه وقدرته وسَمْعِه وبصره ومشيّته وإرادته، بنور البصيرة، ومشاهدة الباطن، فهي أمرٌ وراءَ اعتقاد العامّي وإيمان الكلاميّ، وليس ذلك ممّا يشير لكلّ أحدٍ ويقع في وسع كلّ مكلَّف، بل هو نورٌ من أنوار فضل الله يختصّ به مَن يشاء من عباده». انتهى.

أقول: ما ذكره قدّس سرّه في شرح الحديث حريٌّ بأن يُكتَب بالنّور على الأحداق، لا بالحبر على الأوراق، ولا غَرْوَ فإنّ هذه التّحقيقات وأمثالها ممّا يليق بجنابه، فظهر أنّ النّاس مأمورون بالمعرفة؛ كلّ واحد منهم بحسب ما يليقُ بحاله.

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

21/02/2015

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات