صاحب الأمر

صاحب الأمر

14/06/2015

ليلـةُ صـاحب الأمـر

 
ليلـةُ صـاحب الأمـر*
_____ الشيخ حسين كوراني _____

 

الحقيقة الصّراح التي يجب عَقْدُ القلب عليها هي أنّ شهر رمضان هو شهر القرآن الكريم، وليلةَ القدر ليلةُ نزول القرآن، وليلة حاكميّة الرحمن، ولذلك فهي ليلة رسول الله صلّى الله عليه وآله، بما هو سيّد الرُّسل والمهيمن على كلّ ما جاؤوا به، وصاحبُ الأمر، ورائدُ مشروع هداية البشريّة إلى الحقّ، وإنقاذها من بَراثن الجهل والشِّرك، وبما هو صلّى الله عليه وآله مركز كلّ أمرٍ نزلَ من الله تعالى، وينزلُ من بدء الخلق إلى ما بعد الجنّة ونعيمها من رضوان الله تعالى، وبعد النّار وجحيمِها من عذاب الله تعالى للمستحقّين.

 وحيث إنّ المصطفى صلّى الله عليه وآله قطبُ رحى ذلك كلّه، فليلةُ القدر ليلتُه، وليلةُ وصيِّه الذي هو استمراره صلّى الله عليه وآله.

 ومن غرائب الغَفلة، أنّنا نعرفُ أنّ ليلة القدر: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ القدر:4، ونعرف أنّ إمام زماننا، بل إمام كلّ زمانٍ، يُطلَق عليه اسمُ «صاحب الأمر»، ولا نربط بين المعلومتَين اللّتَين هما وجهان لحقيقةٍ واحدة، فالأمر الذي ينزل هو نفسُه الأمر الذي يُعتبَر إمامُ الزّمان صاحبَه بإذن الله تعالى. والروايات المصرّحة بذلك كثيرة، منها:

 1) عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: «لَيْسَ شَيءٌ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَبْدَأ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، ثُمَّ بِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلام، ثُمَّ بِوَاحِدٍ وَاحِدٍ لِكَيْلَا يَكُونَ آَخِرُنَا أَعْلَمَ مَنْ أَوَّلِنَا».

 

2) [قال الراوي]: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقَ عَلَيهِ السَّلامُ فَقُلْتُ لَهُ: سَمِعْتُكَ وَأَنْتَ تَقُولُ غَيْرَ مَرَّةٍ: لَوْلَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا، فَقَالَ:

 أَمَّا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ بِكَمَالِهِ، وَمَا يُزَادُ الْإِمَامُ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ. قُلْتُ لَهُ: فَمَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ؟ فَقَالَ:

 فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ سِوَى الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.

 قُلْتُ: تَزْدَادُونَ شَيْئاً يَخْفَى عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ، وَلَا يَعْلَمُهُ؟ فَقَالَ:

 لَا، إِنَّمَا يَخْرُجُ الْعِلْمُ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَيَأْتِي بِهِ الْمَلَكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، رَبُّكَ يَأْمُرُكَ بِكَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَى عَلِيٍّ، فَيَأْتِي بِهِ عَلِيّاً عَلَيهِ السَّلامُ فَيَقُولُ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَى الْحَسَنِ، فَلَا يَزَالُ هَكَذَا يَنْطَلِقُ بِهِ إِلَى وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْنَا، وَمَحَالٌ أَنْ يَعْلَمَ الْإِمَامُ شَيْئاً لَمْ يَعْلَمْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَالْإِمَامُ مِنْ قِبَلِه‏».

 3) عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام: «..إنَّمَا يَأْتِي الأَمْرُ مِنَ اللهِ فِي لَيَالي القَدْرِ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وإلِى الأوْصِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلام: افْعَلْ كَذَا وَكَذَا».

 وقد عقّب السّيّد ابن طاوس في (الإقبال) على هذه الروايات بقوله: «واعلم أنّ إلقاءَ هذه الأسرار في السّنة إلى وليّ الأمر ما هو من الوحي، لأنّ الوحيَ انقطع بوفاة النّبيّ صلّى الله عليه وآله، إنّما هو بوجهٍ من وجوه التّعريف يعرفه مَن يُلقَى إليه صلوات الله عليه، وقد قال جلّ جلاله: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ..﴾ المائدة:111، وقال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى..﴾ القصص:7، وقال جلّ جلاله: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ..﴾ النحل:68، ولكلٍّ منها تأويلٌ غير الوحي النبويّ.

 وهكذا يتّضح أنّ ليلة القدر هي ليلةُ صاحب الأمر الذي نصَّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وإليه ينزل الأمر الذي قد قُضِيَ وأُمضي من الله تعالى.

 والروايات كذلك صريحة في الحثّ على إدراك هذه الحقيقة بالتفصيل، لذلك فهي لا تكتفي بالعموميّات المتقدّمة رغم وضوحها، بل تريدنا أن نعرف أنّ المحور في «سورة القدر»، و«ليلة القدر»، و«الأمر الحكيم»، و«الأمر الّذي ينزل» هو «صاحبُ الأمر».

 * عن داود بن فرقد، قال:

 «سألتُه [أي الإمام الصّادق عليه السّلام] عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾، قال: يَنْزِلُ فِيها مَا يَكُونُ مِنَ السَّنَةِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ مَوْلُودٍ.

 قلتُ له: إلى مَن؟ فقال: إلى مَنْ عَسَى أَنْ يَكُون: إِنَّ النَّاسَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي صَلاةٍ وَدُعَاءٍ وَمَسْأَلَةٍ، وَصَاحِبُ هَذَا الأمْرِ فِي شُغُلٍ، تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ إلَيْهِ بِأُمُورِ السَّنَةِ - مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلى طُلُوعِهَا - مِنْ كلّ أمر. سلامٌ هي لَهُ إلى أنْ يَطْلُعَ الفَجْرُ».

 * وعن أبي عبد الله الصّادق عليه السّلام، قال :

 «إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يُكْتَبُ مَا يَكُونُ مِنْهَا فِي السَّنَةِ إِلَى مِثْلِهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، أَوْ مَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ أَوْ مَطَرٍ. وَيُكْتَبُ فِيهَا وَفْدُ الْحَاجِّ، ثُمَّ يُفْضَى‏ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. فَقُلْتُ: إِلَى مَنْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: إِلَى مَنْ تَرَى».

 

علامات ليلة القدر

 

هل هناك علامة تعرَف بها ليلة القدر؟
ورد في الروايات ذِكرُ عدّة علاماتٍ، هي:
1) أن يطيبَ رِيحُها.
2) وتكون في البرد ليلةً دافئة، وفي الحرّ باردةً.
3) ليلة مُضيئة تُرى نجومُها بوضوح.
وهناك بعض العلامات عن غير طريق أهل البيت عليهم السّلام.
وقد تحدّث السيد ابن طاوس عن  العلامات، فقال:
«فصلٌ في ما نذكره من الرواية بعلامات ليلة القدر: اعلم أنّنا لمّا رأينا الروايات بذلك منقولة، وأنّ إمكان الظَّفر بليلة القدر من الأمور المعقولة، اقتضى ذلك ذِكرُ طرفٍ من الروايات ببعض علامات ليلة القدر، والتنبيه على وقت ما يُرجى لها من السعادات».
ثمّ أورد الروايات التالية:
1) «عَنْ أَحَدِهِمَا عليهما السّلام، قَالَ [محمّد بن مسلم]: سَأَلْتُهُ عَنْ عَلَامَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ: (عَلَامَتُهَا أَنْ تَطِيبَ رِيحُهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي بَرْدٍ دَفِئَتْ، وَإِنْ كَانَتْ فِي حَرٍّ بَرَدَتْ وَطَابَت). وقد رُوي هذا الحديث في كتاب (مَن لا يحضره الفقيه).
2) قال [الراوي]: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهَا لَا يَنْبَحُ فِيهَا كَلْبٌ، فَبِأَيِّ شَيْ‏ءٍ تُعْرَفُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَتْ فِي حَرٍّ كَانَتْ بَارِدَةً طَيِّبَةً، وَإِنْ كَانَتْ فِي شِتَاءٍ كَانَتْ دَفِيَّةً لَيِّنَة.
3) عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (.. فِي الشِّتَاءِ تَكُونُ دَفِيئَةً، وَفِي الصَّيْفِ تَكُونُ ريِّحَة طَيِّبَة).
4) عن إسماعيل بن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليهم السّلام، قال: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ بُلْجَةٌ، لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، نُجُومُهَا كَالشَّمْسِ الضَّاحِيَة).
أقول: ورأيتُ من غير طريق أهل البيت علاماتٍ أيضاً وأماراتٍ لليلة القدر: فمن ذلك ما عن ابن عبّاس، قال: (ليلةُ القدر ليلة طَلْقَة، لا حارّة ولا باردة، يصبح (تطلعُ) الشّمس من يومها حمراءَ ضعيفة)».
ثمّ ختم السيد بقوله: «فهذا ما أردنا الاقتصار عليه من علامات ليلة القدر، كما دلّت الرواية عليه، وهذه الإشارات إلى العلامات تدلّك على الإذن في تحصيل ليلة القدر وطلبها، وتقوّي عزم الرجاء في الظَّفَر بها».
_______________________________________________
* مختصر من كتاب (مناهل الرّجاء، أعمال شهر رمضان)

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

14/06/2015

دوريات

نفحات