مصطلحات

مصطلحات

14/06/2015

العبوديّة

العبوديّة

ــــــــــــــــــــــــــ المحقّق الشيخ حسن المصطفوي* ــــــــــــــــــــــــــ

 

الأصل الواحد في المادّة (عبد): هو غاية التذلَّل في قبال مولًى مع الإطاعة، وهذا المعنى يكون:

1) بالتكوين.

2) أو بالاختيار.

3) أو بالجَعْل.

* فالأوّل كما في:

- ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ مريم:93.

- ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً..﴾ الأنعام:61.

- ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات:56.

أي خلقتُهم على هذه الكيفيّة، وعلى أن يكونوا عباداً في جريان أمورهم وفي البقاء وإدامة الحياة، فقدّر فيهم استعداد كونهم متذلَّلين خاضعين مُطيعين طبقَ التكوين. وهذا كما في الآية:. ﴿.. إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾.

فإنّ العبوديّة التكوينيّة: هي التذلَّل على حسب التكوين وبمقتضاه، لا بحسب الاختيار الثانويّ وباقتضاء التعقّل والتفكَّر.

ويمكن أن يُراد في قوله تعالى ﴿لِيَعْبُدُونِ﴾: مطلق العبوديّة، أو الاختياريّ.

* والثاني كما في:

- ﴿.. قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ..﴾ الأعراف:65.

- ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾ نوح:3.

- ﴿.. ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ..﴾ آل عمران:79.

- ﴿.. يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ * لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ﴾ الكافرون:2.

فإنّ العبادة بالاختيار: هي التعبّد طوعاً، وبحسب التعقّل والتفكَّر.

* والثالث كما في:

- ﴿.. الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ..﴾ البقرة:178.

- ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ..﴾ النحل:75.

فالعبوديّة الحقيقية: هو تطابق التعبّد الاختياريّ التشريعيّ العبوديّةَ التكوينيّة، فإنّ التشريع لازمٌ أن يطابق التكوين، والَّا يلزم التضادّ فيما بينهما، ويفوت الغرض المقصود من التكوين والخلق.

وهذا كما قال تعالى:

- ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ..﴾ البقرة:21.

- ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ آل عمران:51.

فالصراطُ المستقيم هو الطريق الَّذي يوافق برنامج التكوين والخَلْق، ويكون مطابقَ ما خُلِقَ عليه من الكيفيّات، فإذا انطبق السلوك التشريعيّ على التكوين، يصدق الوصول إلى الحقّ الثابت. وهذا معنى قوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (الحجر:98-99)، بالوصول إلى ما هو الحقّ، وشهود ما هو الثابت والواقع القاطع، من العظَمة والجلال في اللَّه تعالى، والقدرة التامّة بما لا يتناهى، والحياة المطلَقة الأزليّة الأبديّة غير المحدودة فيه، ثمّ الفقر والاحتياج والمحدوديّة في الخلق: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ..﴾ فاطر:15.

وإدراك هذا المعنى على حقيقته الواقعة: يُطلَق عليه حقّ اليقين، وهو مقام الإيمان الكامل التامّ، وبه يوصَف أولياؤه الصالحون المنتخبون، وأنبياؤه المخلصون:

- ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ..﴾ ص:41.

- ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا..﴾ البقرة:23.

- ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ الحجر:40.

- ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا..﴾ الإسراء:1.

وأمّا إذا خالفت العبوديّة الاختيارية التكوين: فهو الانحراف والضلال، وعلى خلاف الحقّ والصراط المستقيم، كما في عبادة الأوثان، والأصنام، والكواكب، والأشجار، والأنعام، والأفراد من الإنسان والملائكة والأرواح والعقول، فإنّها، قاطبةً، خلْقُ اللَّه ومِن أمرِه، واليه مَبدؤها ومعادُها.

والصالحون المخلَصون المقرّبون منهم، مَن اختار العبوديّة للَّه عزّ وجلّ، وخضع بتمام الذّلَّة والخضوع في قبال جلاله وعظَمته، ووصل بالفناء ومحو الأنانيّة إلى رفيع مقام التوحيد المطلَق. فكيف يصحّ التعبّد في قبال مَن هو فانٍ في عظَمة اللَّه تعالى؟!

- ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا..﴾ المائدة:76.

- ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ الصافات:95.

- ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا..﴾ الزمر:17.

- ﴿.. أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ يس:60.

- ﴿.. ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ سبأ:40.

فإنّ الإطاعة والخضوع لازمٌ أن يكون في مقابل مَن له عظَمة وجلال، وهو المنعِم المحسِن، والمفضِل الرّحمن الكريم، الربّ الخالق، الحافظ النافع الَّذي بيده أَزِمّة الأمور، وهو على كلّ شيء قدير.

ولا يعقل العبوديّة لمَن عجز وافتقر وضعُف، وهو مخلوق محتاج في تكوّنه وبقائه ومعيشته، وليس له ثبات واقتدار وحياة ودوام: ﴿..إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا..﴾ العنكبوت:17.

فإنّ إدامة الحياة وبقاء المعيشة إنّما هو بالرزق، وهو إعطاء ما يكون بدلاً لما يتحلَّل من القوى، وتجديدها حتّى تدوم الحياة.

وأمّا العبوديّة بتقليد الآباء السابقين، أو بمحافظة الشعائر والرسوم المتداولة في أهل البلد أو القوم، أو اتّباعاً من غير تحقيق وتفكَّر ورَوِيّة، أو بتصوّرات واهية وتخيّلات وتوهّمات: فهي خارجة عن ميزان التعقّل، وعن ضوابط العلم والمعرفة والدقّة.

- ﴿.. أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا..﴾ الأعراف:70.

- ﴿.. مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ..﴾ هود:109.

 

الآثار المترتّبة على العبوديّة

وأمّا الآثار المترتّبة على العبوديّة: فهي، قاطبةً، أنواع الرحمة والفضل والخير والسعادة والفلاح، فإنّ تحقّق العبوديّة يقتضى تحقّقَ الاستعداد، وقابليّة المحلّ لأن يتعلَّق به الرحمة والخير من اللَّه الرحمن الكريم، ويتوجّه اليه الجود والفضل والإحسان، فانّه ذو فضلٍ كبير.

- ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ الشورى:19.

- ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ..﴾ الشورى:27.

- ﴿.. إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ فاطر:31.

- ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ الإسراء:65.

- ﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ الزخرف:68.

- ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ..﴾ الزمر:36.

وفي قبال العبوديّة: الاستكبار عن العبادة والكفر بها، فإنّه يوجب الانحراف عن مسير التكوين وبرنامج الخلق، وبذلك يحرَم عن إفاضة الخير وبسط الرحمة وشمول الفضل والإحسان: ﴿.. إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾ غافر:60.

وأمّا مفاهيم الغضب والقوّة والصلابة والأَنَفَة والحميّة: فمعانٍ مجازيّة ومن لوازم العبوديّة، فإنّ التعبّد القاطع لشيء، يلازم القوّة والتصلَّب والحميّة والتأنّف فيه..

 

 

 
 
 

* من كتابه (التحقيق في كلمات القرآن الكريم)

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

14/06/2015

دوريات

نفحات