مصطلحات

مصطلحات

منذ يومين

الشّعائر، والمشاعر


الشَّعائر، والمَشاعر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ المحقق الشيخ حسن المصطفوي* ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال الفيّومي في (المصباح المنير) في باب (شعر):

«الشّعائر: الحجُّ وأفعالُه، الواحدة شَعيرة أو شِعارَة. [أو شَعارة بفتح الشّين]

والمَشاعر: مواضعُ المناسك.

والمَشعر الحرام: جبلٌ بآخِر مُزْدَلِفَة، واسمه قُزَح، وميمُه بعضهم يكسرها على التشبيه باسم الآلة (مِشعر).

وأشعرتُ البُدْنَةَ إشعاراً: حززتُ سَنامها».

والأصل الواحد في مادّة «شعر» هو ما دقّ أو رقّ في محيطٍ لشيء، متحصّلاً منه أو متعلّقاً به. كالشَّعر المتحصّل - في السّطح - الخارج من جلد الحيوان، والأشجارِ الدقيقة في الأراضي المستعدّة، والحبوبِ اللطيفة الخارجة عن ساق الشّعير، والثوب اللطيف يُلبَس تحت الثياب ملصقاً بالبدن، والعلامات المعيّنةِ تُجعَلُ لقومٍ من المحاربين مستَسرِّة مخصوصة، وأعمال وخصوصيّات دقيقة لموضوع، وإحساسات دقيقة للنّفْس، وذوقيّات لطيفة لها، وهكذا..

فالشعور إنّما هو بمعنى الإدراك الدقيق، وبهذه المناسبة يُطلَق المَشاعر على الحواسّ؛ وبالنظر إلى هذا الأصل قد استُعملت في القرآن الكريم: ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾ البقرة:12، ﴿..وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ﴾ آل عمران:69، ﴿..وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ﴾ الأنعام:123. يراد بأنّهم ما يُدركون بالإحساس الدقيق إفسادَهم وإضلالهم ومكرهم.

والشاعر: هو الَّذي له إحساسٌ لطيفٌ وإدراكٌ دقيق، وهذا المعنى في نفسه مطلوبٌ وممدوح، وطلبٌ للحقّ وسلوكٌ في سبيل الحقيقة. وأمّا إذا استُعمل قبالَ المقامات الروحانيّة العالية الشهوديّة،  فيكون مذموماً وغير مطلوب، فإنّ الدقّة في الإحساس من نفسه والاتّكاء على هذا المعنى يدلّ على فقدان الوحي والإلهام والارتباط والشهود والحقّ والنبوّة. قال تعالى: ﴿وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ﴾ الحاقة:41.

وأمّا الشعائر لله: فالشَّعيرة فَعيلة؛ بمعنى ما يُدرَك باللّطف والدقّة حولَ عظَمته وجلاله وسلطانه، وما يرتبط بظهور أمره. قال عزّ من قائل: ﴿إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ..﴾ البقرة:158. وقال: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ..﴾ الحجّ:36. وقال جلّ ذكره: ﴿ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحجّ:32.

فموضوعات البُدن والصّفا والمَروة وما يتعلَّق بها ممّا يدرَك دقيقاً حول عظَمة الله تعالى، ومن لطائف جلاله المحسوسة المتجلّية الظاهرة، ولازمٌ أن تُعظَّمَ شعائره، ويُهتمَّ في حفظها ويُتوجّه إلى تحقّقها بأحسن أنحائه. وهذا المعنى إنّما يتحقّق إذا تحقّق حقُّ التقوى في القلب، حتّى يتحصّل حقُّ التوجّه والخلوص. وكلَّما ازداد التوجّه والخلوص يزداد التوجّه والعلاقة إلى تنظيم شعائره تعالى.

فيصحّ لنا أن نفسّر الشعائر: بأنّها علائمُ لطيفة، وآياتٌ دقيقة، وشواهدُ رقيقة، تُدرَكُ حولَ مقاماته وكبريائه وعظَمته عزّ وجلّ.

وأمّا المَشاعر: فهو جمع مِشعر، أكان مصدراً أو اسماً لمكان أو زمان كالمناسك، فهو أعمُّ من الشّعائر، فيدلّ على أمكنة وموارد فيها تَرِد وتظهر الشعائرُ أيضاً، ومنها المَشعر الحرام. قال تعالى: ﴿..فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ..﴾ البقرة:198.

فكلمة «مَشعر» اسمٌ باعتبار كون المكان محلّاً لإدراكٍ دقيقٍ من آياتٍ إلهيّة، ومنزلاً لمشاهدة الشعائر لله تعالى، فهي تنطبقُ على مجموع الأراضي التي تقعُ فيها هذه الشعائر، بأيّ اسمٍ كان، وهذا لطفُ التعبير بها.

 
 
 

* مختصر من (التحقيق في كلمات القرآن الكريم)

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات