قراءة في كتاب :«نظرات حول الإعداد الروحي»

قراءة في كتاب :«نظرات حول الإعداد الروحي»

02/06/2011

للشيخ الشهيد حسين معن

قراءة: سلام ياسين


الكتاب: «نظرات حول الإعداد الروحي».
المؤلّف: الشهيد الشيخ حسين معن.
الناشر: «دار الهادي»، بيروت 2002.

 
 


الشيخ حسين معن رضوان الله تعالى عليه، من التّلامذة المُقرّبين إلى المرجع الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر قُدّس سرّه، إتّسم بالنبوغ في مجال الفكر والمناظرة، وكان عامِلاً نشطاً في سبيل إقامة دولة الإسلام في العراق. طارده النِّظام البعثي لسنوات ستّ، إلى أن اعتُقل ووُضع في سجن «أبو غريب»، ثمّ أُعدِم لانتمائه إلى الحركة الإسلاميّة في العراق بقيادة الشهيد الصدر. من آثاره كتاب (نظرات حول الإعداد الروحي) الذي كتب مقدّمته بعد استشهاد المؤلّف، سماحة الشيخ محمّد مهدي الآصفي، ونحن نقتطف منها ما يسع المقام، مُرفقاً بلمحة عمّا تضمّنته فصول الكتاب الخمسة.


تناول المؤلّف الشهيد الشيخ حسين معن في هذا الكتاب (نظرات حول الإعداد الروحي) موضوعاً شديد الحساسيّة، كبير الأهمّية في حياتنا الإسلاميّة، وهو الإعداد الرُّوحي والتربية الروحيّة. والبحث في هذا الموضوع يؤدّي كثيراً بالباحثين إلى تصوُّرات غير مُكتمِلة، تنزِع نحو الرهبانيّة واعتزال الحياة الدنيا، والحياة الإجتماعيّة. وقد نشأت في ظلّ هذا التصوُّر المُنحرِف للتنمية الروحيّة والتربية النفسيّة مذاهبُ مُنحرفة، قامت على أساس بُعد واحد فقط من أبعاد الإسلام الأصيلة، وتكوّن لهذا الإنحراف تاريخ، وثقافة، ومؤسّسات، وامتدادات، وعلماء، ومفكّرون. وكلّ ذلك حصل نتيجة الفهم التجزيئي غير الكامل لأصول وآفاق هذا الدين.
وفي قبال الإتِّجاه الإنحرافي الذي يَعزل مسألة الإعداد الروحيّ عن جوّ الحركة والجهاد، هناك سلوك وتوجّه آخر مُعاكِس لهذا التوجُّه في عزل العمل السياسي والحَرَكي والجهادي عن التربية الروحيّة والزُّهد، وتقليل قيمة التهذيب ودوره في الساحة الحركيّة والجهاديّة، وهذا اتّجاه سلوكي خطير لا يقلّ خطورة عن الإتّجاه الأوّل، وهو ليس اتّجاها فكريّاً كما كان الأمر في الإتّجاه الأوّل، وإنمّا هو غفلة لدى بعض الغافلين عن أهمّية البناء الروحي والتربية النفسيّة في ساحة العمل السياسي والجهادي، أو غرور يُصيب بعض الناس الذين يتحرّكون على الساحة السياسيّة الإسلاميّة أحياناً، فيتصوّرون أنّ العمل السياسي والجهادي والحَرَكي الاسلامي، يُغني عن البناء الروحي والتربية النفسيّة، والمداومة على ذكر الله تعالى والتنفُّل والتهجُّد، أو ليس هذا ولا ذاك، وإنّما تُلهيهم مسائل العمل ومشاغل الحركة والجهاد، عن الإنصراف إلى البناء الداخلي وما يتطلّب من جهد ومداومة على الرياضة النفسيّة، والتهذيب، والتزكية.
ومهما تكن أسباب هذه الظاهِرة، فهي ظاهِرة إنحرافيّة لا يقلّ خطرها عن الإنحراف الأوّل، فإنّ حاجة الإنسان الذي يتحرّك على ساحة العمل الإسلامي والدعوة إلى الله تعالى إلى البناء الداخلي والإعداد الروحي، تَفوق حاجة الآخرين الذين لا تتجاوز اهتماماتُهم شؤون معيشتهم الخاصّة مع الإلتزام بالحدّ الأدنى من التديُّن. لذلك نجد أنّ القرآن الكريم يؤكِّد على أهمّية البناء الروحي للعاملين بشكل خاصّ، ويربط بين هذين الجانبَين من شخصيّة الداعية ربطاً وثيقاً.

التوأمة بين الجهادَين

وفي تاريخنا الجهادي والحَرَكي نلتقي كثيراً بمشاهد رائعة من اقتران الجهاد البطولي في ساحات الوَغى والدعوة إلى الله، بالعبادة وتهذيب النفس، والابتهال، والتبتُّل، والتهجُّد، وقيام اللّيل. ومن أروع هذه المشاهد مشاهد التهجّد والتنفُّل على جبهة القتال لِجُند الإسلام، حيث يُرابطون على ثغور الدولة الإسلاميّة، يستقبلون شظايا القنابل ورصاص العدوّ بصدورهم. يَقف هؤلاء الأبطال في اللّيالي الظلماء خلف الدبّابات على خطّ النار بين يدَي ربّهم عزَّ وجلَّ، يُناجونه ويتضرّعون إليه، ويسجدون على تراب الجبهة، ويُطيلون السجود والبكاء حتّى تَبْتلّ أرض الجبهة بدموعهم. ولَئِن كان هؤلاء الأبطال لا يتركون صلاة الليل على خطّ النار وفي مواجهة العدوّ، فإنّهم يَقتفون في ذلك خُطى قائدهم الإمام الخميني قدّس سرّه. يقول الشيخ الأنصاري أحد المقرّبين إلى الإمام: «لم يترك الإمام صلاة اللَّيل منذ خمسين سنة». فالإمام يتهجَّد في كلّ ليلة، في المرض، وفي الصحّة، وفي السجن وخارج السجن، وفي حالة الإبعاد، وحتّى على سرير مستشفى القلب في اللّيلة التي أمر الأطبّاء بنقله من مدينة قم إلى مستشفى القلب في طهران، لم يترك الإمام صلاة اللّيل في تلك اللّيلة.

الكتاب حصيلة معاناة

إنّ قراءة سريعة وعابرة لهذا الكتاب، تكشف عن أنّ كاتبه لا يتحدّث فيه عن دروس ونظريّات وأفكار قرأها وسلّم بها، وإنّما يتحدّث عن معاناة، وهذه الأشواط التي يُصوّرها المؤلِّف في الكتاب، لِتَحرُّك الإنسان إلى الله تعالى، قد قطعها المؤلّف غالباً، فجاء الكتاب تعبيراً عن معاناة ومعايشة. وهذه الناحية من أهمّ خصائص المؤلّف الشهيد رحمه الله، حيث كان بِفضل الله تعالى يَضمّ إلى الذهنيّة الخصبة، والفِكر الوقّاد، والنُّبوغ المبكر، والرؤية النافذة، قلباً واعياً، وبصيرة نافذة، وصدراً شرَحه الله تعالى، ونوراً في القلب، وانقطاعاً إلى الله، وتبتّلاً وابتهالاً ويقيناً بالله. وإلى هذا وذاك، كان يضمّ رحمه الله معاناة الداعية، وخبرة وتجربة العاملين في سبيل الله، ولا يَملّ همّ الدعوة، ويسعى في تحقيق أهدافها بنفس صابرة مطمئنّة، لا يعرف التعب والكَلل، ولا يملّ من العمل، ولا يتسلّل إلى روحه الكبيرة اليأس، ولا يجزع من ساحة العمل في حال من الأحوال.

فصول الكتاب

يتألّف الكتاب من خمسة فصول، جاءت عناوينها كالتالي:

الفصل الأوّل: المقصود من الجانب الروحي: وفيه يستعرض المؤلّف إتّجاهات ثلاثة في فهم التديُّن هي: الإتِّجاه الصوفي، الإتِّجاه الفكري والسياسي، الإتِّجاه التربوي المتكامل. وقد بيّن العوامل التي أدّت إلى نشوء الإتِّجاهَين الأوّلَين، وما يترتّب على سلوكهما من سلبيَّات، في مقابل الإتِّجاه الأصيل الذي يَجمع بين البُعد العِبادي بالمعنى الخاصّ للعبادة، وبين الحضور في الميدان الإجتماعي، حيث يؤدّي المسلم تكاليفه الشرعيّة على أنواعها. يقول المؤلِّف في ما يقصده بالجانب الروحي في شخصيّة المسلم: «وإنّما نقصد بالجانب الروحي في شخصيّة المسلم -والذي يُعتبر جوهرَها ومضمونها- الصلة الداخليّة للمؤمن باللّه تعالى، وانشداده النفسي والعاطفي إليه تعالى، من حيث الإيمان والحبّ والإخلاص، وما يُرافق هذه المعاني الثلاثة الرئيسيّة من خوف، ورجاء، وتواضع».

الفصل الثاني: الإيمان: يتحدّث المؤلّف فيه عن الإيمان الواعي، الذي يتجاوز التصديق العقلي لِمُكوِّنات العقيدة، والذي لا ينفكّ عن إحساس المؤمن بما يَعتقد، مع تأكيده على أهميّة الذكر في تثبيت هذا الإيمان الواعي. يقول في باب بعنوان (الوعي الفكري والفهم): «هؤلاء الذين يؤمنون بالله تعالى كما يؤمنون بكرويّة الأرض، ودورانها حول الشمس، ولا يتعاملون شعوريّاً مع هذه الفكرة الخطيرة، لا يتمثّلون في ذلك الوعي الدِّيني والكَوْني، وإنّما هم فقط (يفهمونه) ويبقى الوعي لهذا الإنسان الذي يُفكّر في الأشياء، ويحسّها من خلال ارتباطها بالله، ويتذكَََََّر الله باستمرار».

الفصل الثالث: الوجدان: ويقصد به المؤلّف الوجدان الإسلامي بالمعنى الواسع، الذي يشمل العاطفة: كالحبّ، والبغض؛ والإنفعال: كالخوف، والرجاء، والغضب، والفرح. وإنّ أُولى عناصر العاطفة الإيمانيّة حبّ الله تعالى، الذي يتفرّع عليه حبّ المؤمنين بالله، والزُّهد في الدنيا، والرِّضا بالقضاء، وكلّ المعاني الإيجابيّة في حياة المؤمن الرِّسالي.

الفصل الرابع: العبوديّة: يتحدّث الشهيد الشيخ حسين معن في هذا الفصل عن الشخصيّة الإسلاميّة التي تُشكّل الإرادةُ الربّانيّة فيها المحورَ المركزي، في مقابل الشخصيّة المزدوجة التي تعمل حيناً لله وحيناً لنفسها. يقول: «الإزدواج في الشخصيّة من الناحية الدينيّة هو تَشتُّت قواها، واتِّجاه الدوافع المتقارِبة في القوَّة إلى العمل في اتِّجاهات متعاكسة، أو هو بكلمة، عدم تمكّن (الإرادة الربانيّة) من السيطرة الكاملة على الشخصيّة.. والتحكمّ الكامل في قواها، ودوافعها..».

الفصل الخامس
: وسائل التربية الروحيّة: يُبيِّن المؤلِّف في هذا الفصل الأخير حتميّة المعاناة في سبيل التربية الروحيّة، فيقول: «دور الإنسان المُسلِم إذن هو تبنِّي التربية الروحيّة التي حدّدها الإسلام من صلاة، وذكر، وصيام، و.. ولكن تبنّيها ليس دائماً أمراً سهلاً. صحيح أنّ الإسلام عندما يوضح أساليب التنمية الروحيّة يكون بذلك قد سهّل هذه العمليّة، ولكنَّ التسهيل أمرٌ نسبي. فعلى الإنسان أن يُعاني في سبيل البناء الروحي، ويُجاهد نفسه وأهواءه من أجل سلوك الطريق إلى الله، الذي يبدأ صعباً وينتهي سهلاً وسجيّة للسالكين»، بعد ذلك  يذكر المؤلّف أهمّ وسائل التربية، وهي: قيام اللّيل- الذِّكر الكثير- تلاوة القرآن- الأجواء الإيمانيّة- الثقافة الإيمانيّة- مُخالفة الهَوى- المحاسبة- الإعتكاف.



 

اخبار مرتبطة

  إصدارات : دوريات

إصدارات : دوريات

02/06/2011

  إصدارات : كتب أجنبية

إصدارات : كتب أجنبية

02/06/2011

  إصدارات : كتب عربية

إصدارات : كتب عربية

02/06/2011

نفحات