الملف

الملف

08/02/2016

فاطمة أُمّ أبيها

فاطمة أُمّ أبيها

الأبعاد الوحيانية للعبارة وخصوصياتها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ حسين كوراني ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

تتناول هذه المقالة لسماحة الشيخ حسين كوراني واحدة من أهم الصفات العظيمة للسيدة الزهراء عليها السلام: «أُمّ أبيها». وقد اجتهد العلماء والرواة في شرح وتبيان ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ وأسرار وأبعاد روحانية ومعنوية.

المقالة التالية هي مختصر عن أحد فصول كتاب (في محراب فاطمة عليها السلام)؛ وهو في الأصل سلسلة محاضرات أُلقيت في جوار مقام السيدة زينب عليها السلام.

«شعائر»

 

من أسباب سعادة المسلم المؤمن في يوم القيامة، أن يطول في الدنيا وقوفه على عتبة قرّة عين الرسول، صلّى الله عليه وآله، خصوصاً وأنَّ لمعرفتها، عليها السلام، موقعاً محورياً في معرفة أهل البيت عليهم صلوات الرحمن. (...)

ومَن ضعفت معرفته بالصِّديقة الكبرى فدينه ضعيف، ومَن قويت معرفته بالصِّديقة الكبرى فإنّ دينه قويّ.

المشكلة الأساس التي ينبغي أن ندرك ولو بعض مستوياتها، أنّه بالرغم من وجود روايات كثيرة في فضل الصدِّيقة الكبرى، فإنّ الذي يقال، عادةً، إنَّ الروايات حول الزهراء عليها السلام قليلة! (..)

ويرجع السبب في الاعتقاد بقلّة الروايات حول الصِّدّيقة الكبرى رغم كثرتها إلى أخطاءٍ ثلاثة في المنهج الفكري للقائلين بذلك:

الأول: أنّنا نشطب الروايات ذات الأبعاد الغيبية.

ثانياً: أنّنا نُسقط على الروايات أفهامنا المسبقة.

ثالثاً: أنّنا نتوهّم الغلوّ، فنشطب قسماً آخر من الروايات.

إذا لاحظنا هذه الأخطاء المنهجية، ننتقل بعدها إلى الوقوف حول حديثٍ طالما سمعناه ورددناه حيث ثبت أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، أطلق على الصِّديقة الكبرى كنية «أُمّ أَبيها»: «فَاطِمَةُ أُمُّ أَبِيهَا».

هذه الحقيقة المحمّدية، تسمية الصديقة الكبرى «أُمّ أَبيها»، هي من حيث اللفظ واضحة «فَاطِمَةُ أُمُّ أَبِيهَا».

لكن أسأل نفسي وأسألك هل عرفنا معنى هذا الحديث؟ (..) ما هو المعنى الذي وَعَيناه حول كنية فاطمة عليها السلام بأمّ أبيها؟

المعنى الذي اختزنه وَعْيُنا، ويتحدّث به الأكثرون، أنّ مولاتنا خديجة، رضوان الله تعالى عليها، توفّيت، فبقي رسول الله صلّى الله عليه وآله، وليس معه مَن يخفّف عنه أعباءه، ويشاطره أحزانه وآلامه، فكان بحاجة إلى عطف وحنان!

إنّه كلام لا ينطبق على شخصية المعصوم، وعظَمته، واستغراقه في الله تعالى. هو يمنح الدنيا عطفاً وحناناً ﴿..رَءُوفٌ رَحِيمٌالتوبة:128، ويصبح بحاجة إلى عطف وحنان! (..)

إنّ أيّ إنسانٍ في الدنيا، أو أي شخصٍ له بنت، وتُتوفّى زوجته، تكون هذه البنت عادةً بمنزلة أمّ أبيها بهذا اللحاظ. إذاً، هذه الكنية التي سنكتشف أنّها كنية عظيمة جدّاً، أفرغناها من محتواها وجعلناها مسألة عادية جداً لا قيمة لها.

إذا أردنا أن نستوضح بعض خصوصيّاتها فلنتدرّج من الأقلّ إلى الأكثر، ومن الأدنى إلى الأعلى. دعونا نتأمّل هذه الكلمات «فَاطِمَةُ أُمُّ أَبِيهَا»، بحسب المعطيات الظاهرية، دون الغوص في الأعماق.

في البداية لفظ «أُمّ» هنا مطلق، لم يُقيَّد بقيد. لم يقل رسول الله صلّى الله عليه وآله، فاطمة أمّ أبيها في الحنان والعطف، أو غير ذلك من القيود التي تجعل المعنى خاصّاً.

وأبوها الذي هي أمّه، من هو؟ إنّه سيّد الرسل، خير خَلق الله تعالى، وهي بناءً لهذه التكنية، أمّه.

ثمّ مَن هو القائل؟ مَن هو المُتحدّث الذي صدرت منه هذه الكنية؟

وهذا لحاظ آخر وإن بدا لأوّل وهلةٍ أنّه نفس ما سبقه (من هو أبوها؟) فقد يطلق هذه الكنية على الصِّديقة الكبرى غير المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، فلا تكون دلالاتها بنفس المستوى، لأنّ أي كلام يستمدّ أهمّيّته من مضمونه، وممّن صدر هذا الكلام عنه.

المتحدّث هو من قال الله تعالى فيه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ النجم:3-4. فكلامه، صلّى الله عليه وآله وسلّم، كالقرآن. ومَن كان كذلك، فحديث العطف والحنان لمجرد العطف والحنان بعيدٌ عن ساحته، لأنّه حديثُ هوى، وحبّ شخصي. أمّا العطف والحنان في مورديهما فهو أحقّ الخلق وأولاهم به: ﴿..رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَالأنبياء:107.

وما يؤدّي إلى تعظيم شخص ما في نظر المسلمين جميعاً، لا يمكن أن يكون منطلقاً عن ميلٍ نفسي، وهوًى وحبٍّ شخصيَّين، لمجرد أنّ هذا الشخص عطوف أو حنون.

 

من معاني الحديث

عندما نميل بجموح إلى تفسير «أمّ أبيها» بمجرّد العطف والحنان، فنحن نتحدّث عن حبٍّ شخصيّ. (..) إنه حديث عاطفة أبويّة، في مقابل عاطفة منحته إياها ابنته، حين كان في أَمسّ الحاجة إليها.

وهكذا نبعد الحديث عن آفاق قُدسيّة الصِّدِّيقة الكبرى، عليها صلوات الرحمن، في حين أنَّ حديث المصطفى صلّى الله عليه وآله، عن «أمِّ أبيها» لا يمكن إلاَّ أن يكون من منطلق آخر، هو منطلق ﴿..وَحْيٌ يُوحَى﴾ وليس منطلق الهوى، والعياذ بالله تعالى.

إذا لاحظنا هذه الخصوصيات:

1-    أنّ لفظة «أُمّ» ليست مقيدة بأي قيد.

2-   مَن هو الأب الذي هي أمّه.

3- المتحدّث هو مَن كلامه الشريف كالقرآن المجيد.

إذا لاحظنا ذلك:

* فالمعنى الأول: أنّ فاطمة، عليها السلام، أمُّ خير خلق الله تعالى، في جميع المجالات مطلقاً دون أيّ قيد، إلّا ما خرج بالدليل العقلي «اللّبي»، أو النقلي.

* والمعنى الثاني الذي يتولّد من هذا المعنى، ويتّضح في ضوئه، هو التالي: كما أنّ فعل الولد وتركه يجب أن يدورا مدار رضى أمّه وغضبها، ذلك حقّها الأبرز عليه، فإنّ فعل المصطفى الحبيب وتركه صلّى الله عليه وآله، يدوران مدار رضى الصدّيقة الكبرى وغضبها.

ومهلاً لا تعجل بالإنكار وإن استغربتَ. وبادر إلى رفع الاستغراب فوراً، بتذكّر حديث آخر لمَن لا ينطق عن الهوى، حيث يقول: «إنَّ اللهَ لَيَرْضَى لِرِضى فَاطِمَة وَيَغْضَب لِغَضَبِها». فأيّهما أشدّ غرابة، إن كان بقي من الاستغراب عينٌ أو أثَر.

معنى ذلك: أنّ حديثَيْ «فاطمة أمُّ أبيها» و «إنَّ اللهَ لَيَرْضَى لِرِضى فَاطِمَةَ» من مشكاة واحدة ومؤدّاهما بلحاظ هذا المعنى - الثاني - واحد.

ولا ينافي ذلك على الإطلاق أنه صلّى الله عليه وآله، أفضل منها، ومن جميع النبيّين، والأئمّة عليهم صلوات الرحمن. كما لا ينافي وجوب طاعتها له، لأنّ الله تعالى يرضى لرضاه صلّى الله عليه وآله، ويغضب لغضبه، ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ..﴾ النساء:80.

ولدى التأمّل في أبعاد هذا المعنى - الثاني - لمصطلح «أمّ أبيها»، سنكتشف أنّنا على ساحل بحرٍ نبويٍّ متلاطم. والعبرة التي يجب أن نخرج بها من ذلك وأمثاله، أن لا نتعاطى مع كلام المصطفى الحبيب، صلّى الله عليه وآله - والمعصومين عموماً - كما نتعاطى مع كلام الآخرين، باعتباره مبنياً على المحسِّنات البديعية كما نفهمها، مبالغة وجموحاً إلى الخطابة والإنشاء. (..) كلامُ المعصوم معصوم. (..)

تذكّر أيّها الحبيب ما قلته لك سابقاً: قبل أن نحكم بالغلوّ أو بعدمه، من واجبنا معرفة المعصومين أولاً، وعندها نكون قد امتلكنا مقياساً يمكننا على أساسه الحكم على هذا القول أو ذاك بأنّه غلوّ، أو ليس كذلك. أمّا قبل امتلاك المقياس - حقّ المعرفة - فإنّ الدليل لا يسمح لنا إلّا أن نقول: إنّ في هذا الكلام احتمالَ الغلوّ. والجزم حيث لا يسمح الدليل إلّا بالاحتمال ينافي المنهجية السليمة، والأمانة العلمية.

 

«أمّ أبيها»، و«أم المؤمنين»

* المعنى الثالث: الذي ينبغي أن ننتبّه إليه، كما يلي: نقف لنقارن بين كنيتَين: كنية «أمّ المؤمنين»، وكنية «أمّ أبيها»، أيّهما أعظم؟ مصطلح «أمّ المؤمنين» الثرى، و«أمّ أبيها» الثريّا، وأين «أمّ المؤمنين» من «أمّ أبيها»؟ (..)

أمّ المؤمنين كنية عظيمة. ﴿..وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾، إلّا أنّ هذه الكنية بنصّ القرآن الكريم، لا تنطبق على أحدٍ إلاَّ بشرط المحافظة على مقتضيات هذه الكنية: ﴿..إِنِ اتَّقَيْتُنَّ..﴾ الأحزاب:32.

(..)

يؤكّد أنّ هذا الوسام «أمّهات المؤمنين» مشروط وليس على إطلاقه، قولُه تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ التحريم:4-5.

ثمّ إنّ هذه الكنية العظيمة، هي بالتأكيد، دون عظَمة كُنية «أمّ أبيها». أين أمّ رسول الله، أمّ خير خلق الله، من أمّ المؤمنين؟

للأسف الشديد إنّنا عملنا على إفراغ هذه الكنية من قيمتها، وأصبحنا نعرضها على أساس أنّ المراد بها أنّ الزهراء كانت تهب أباها عطفاً وحناناً، وانتهت القصّة، يعني أصبحت أصغر من كنية أمّ المؤمنين، لماذا؟

عندما نفكّر بهذه المقارنة، تتّضح لنا حقائق كثيرة يشار إلى بعضها، وقد تنبَّهَ إلى هذه المقارنة متتبِّعٌ باحث هو العلّامة الشيخ الرحماني الهمداني في كتابه القيّم والموسوعي (فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى صلّى الله عليه وآله) يتحدّث في هذا المجال، فيشير إلى ما يلي:

يقول: «إنَّ الله، عزَّ وجل، لمّا شرّف، وكرّم أزواج النبيّ صلّى الله عليه وآله، صِرْن في معرض أن يخطر ببالهنَّ أنهنَّ أفضل النساء، ومن أجل أن لا يتصوّرن ذلك، بما يستتبعه من أنهنَّ، والعياذ بالله تعالى، أفضل من بضعة المصطفى الحبيب، فإنّه، صلّى الله عليه وآله، قال: (فاطِمَةُ أُمُّ أَبيها). إذا كنتنّ أمّهات المسلمين (المؤمنين)، ففاطمة أمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله».

ولا بدّ من التأكيد مجدّداً أنّي لست بصدد التقليل من عظمة مصطلح «أمّ المؤمنين»، عندما يطلق على مَن تستحقّه، إلاَّ أنّي بصدد أنّ مصطلح «أمُّ أبيها» أعظم منه بكثير، بل بما يفوق كلّ تصوّر.

فإذا استحضرنا أنّ تحوّل الحكم الإسلامي إلى مُلك عَضُوض - وهو ما حذَّر منه رسول الله صلّى الله عليه وآله، كما في الحديث المشهور عن بني العاص - قد بدأ (هذا التحوّل المشؤوم) وقطع شوطه الأوّل متستِّراً بشعار «أمّ المؤمنين» في حرب الجمل، أدركنا بُعداً من أبعاد السرّ الإلهي في إطلاق هذه التكنية «أمّ أبيها» على الصدّيقة الكبرى، عليها السلام، وأدركنا في الوقت ذاته أيّ جريمة نرتكب عندما نحصر تفسيرها بالعطف والحنان!

* المعنى الرابع: حول «فاطمة أمّ أبيها» وهو أعمق من المعاني المتقدّمة وأشمل. خلاصة هذا المعنى أنّ خصائص الولد تكون عادةً في الأمّ، بل إنّ جميع خصائص الولد موجودة في الأمّ. وعندما يصل الحديث إلى المعنى اللغوي للأمّ، سوف نجد ما يسلّط الضوء على ذلك. فالأمّ هي الأصل (...).

وبناءً على هذا، يكون المعنى أنّ جميع خصائص المصطفى الحبيب، صلّى الله عليه وآله، موجودة في الصِّديقة الكبرى، عليها صلوات الرحمن، بحيث لو أنّك تأمّلت جميع الناس لَما وجدت شخصاً يمكنه أن يكون بموقع الأمّ، التي هي الأصل لجميع خصائص رسول الله، غير الزهراء عليها السلام.

بعبارةٍ ثانية: إذا أردتَ أن تعرف أشبهَ الناس برسول الله صلّى الله عليه وآله، فإنّها فاطمة.

بل أدقّ من ذلك، إذا أردتَ أن تعرف أنّ الرسول، صلّى الله عليه وآله، هو أشبه بمَن مِن جميع الخلق، فهو أشبه بفاطمة: «فاطمة أمّ أبيها».

فاطمة عليها السلام عنصرُ الشجرة الطيّبة

* المعنى الخامس: وهذا المعنى ذكره أيضاً الشيخ الرحماني الذي ذكرت أنّه تنبّه للمعنى الثالث، وقد يبدو أنّه نفس المعنى الرابع، إلاَّ أنّه يختلف عنه، ويضرب بعيداً في عالم الغَيب. (..) والخلاصة أن سِرَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله هو الزهراء، أنّ مصدر رسول الله صلّى الله عليه وآله، نبع رسول الله صلّى الله عليه وآله، هو الزهراء عليها السلام.

كيف؟

يقول: «ويمكن أن يراد بهذه التسمية التكنية معنى أدقّ وأعمق، وهو أنّ أمَّ كلّ شيء أصله ومجتمعه (أي مكان تجمّعه)، كما صرَّح به أهل اللّغة كأمّ القوم، وأمّ الكتاب، وأمّ النجوم، وأمّ الطرق، وأمّ القرى وهي مكّة، وأمّ الرأس، وأمّ الدماغ، فعليه يمكن أن يُقال إنّه صلّى الله عليه وآله أراد (من هذه التكنية) أنَّ فاطمة عليها السلام، هي أصل شجرة الرسالة، وعنصر النبوّة، كما قال الباقر عليه السلام: الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله، وفرعها عليٌّ عليه السلام، وعنصرُ الشجرةِ فاطمةُ عليها السلام, وثمَرتُها أولادها، وأغصانُها وأوراقُها شيعتُها».

العنصر الأساس فاطمة عليها السلام.  دخلنا هنا في عوالم لها أهلها، إلاَّ أنّ الروايات واضحة في هذا المجال. (..)

ثمّ يضيف الشيخ الرحماني: «وكما أنّه لولا العنصر، يبست الشجرة وذهبت نضرتها، فكذلك لولا فاطمة عليها السلام، لَمَا اخضرّت شجرة الإسلام، فإنّ الشجرة تسمو وتنمو بتغذيها من أصلها».

وهذا المعنى الذي ذكره يحوم حول ما يصرّح به بعض من العلماء بقوله: «الصِّدِّيقة عليها السلام هي غَيب المصطفى صلّى الله عليه وآله؛ بمعنى أنّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله ظاهراً وباطناً، علَناً وسرّاً، والصِّديقة الكبرى هي باطن المصطفى الحبيب وسرُّه، وبما أنَّ باطن كلّ شخص وسرِّه هو أصله الذي تصدر أفعاله بالتناسب معه، ومقصده الذي يكشف عن مصبّ تصرّفاته، ومرجعه الذي ترجع أعماله في الحقيقة إليه، وجماعته التي ينشدُّ إليها ويألفها، ودينه الذي يوقن به حقيقةً، فإنّ باطنه أمّه، وهي عليها السلام تجسيد للخصائص التي تشكّل باطن المصطفى الحبيب وغيبه وسرّه، فهي أمّه، صلّى الله عليه وآله». (..)

* المعنى السادس: يستنتج بوضوح من كلامٍ للمحقّق الجليل الشيخ المصطفوي في كتابه الفريد (التحقيق في كلمات القرآن الكريم)، حيث يقول: «والذي يقوى في النفس أنّ الأصل الواحد في هذه المادة (أمّ) هو القصد المخصوص، أي القصد مع التوجّه».

ثمّ يقول في معنى كلمة الأمّ: «الأمّ ما يكون مورداً للقصد والتوجّه، فإنّ الأمّ يتوجّه إليها توجّهاً خاصّاً».

وبناءً على هذا يصبح معنى «فاطمة أمُّ أبيها»، فاطمة قِبْلةُ أبيها، فاطمة كعبة أبيها، فاطمة مقصد أبيها، الذي يتوجّه إليه، ويهتمّ به، ويعنى به عنايةً خاصة، واهتماماً خاصّاً، كما ينبغي أن يكون الاهتمام بالقِبلة والكعبة.

أيُّها الحبيب:

إنّها ثلاث كلمات «فاطمة أمّ أبيها»، وقد رأينا تعدّد المعاني التي يُمكن أن تحملها، وغزارتها وعمقها.

والسبب هو أنّنا تعاملنا مع هذا النصّ بشيءٍ من التعمّق، وهو مبدأ يجب أن لا نخرج عنه خصوصاً، في محاولة فهم النصّ المعصوم: نصّ القرآن الكريم، والثابت من الأحاديث القدسية، وسائر نصوص المعصومين، صلوات الله عليهم أجمعين، كما رأينا بأمّ عين القلب كيف أنّ التعاطي الأفقي السطحي مع هذه الكلمات، أفرغها من معانيها، وحصر معناها بيننا بما لا فضل فيه ولا منقبة، بل يمكنه أن يمسّ من قدسيّتها عليها السّلام، وقدسيّة المصطفى صلّى الله عليه وآله، حيث يصوّرهما كسائر البشر، ويجرّد شخصيتهما من الركون إلى الله تعالى والانقطاع إليه والاستغناء به، ما يجعلهما أكبر من الدنيا والآخرة.

بل إنّنا نُسيء إلى المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، وإلى الصِّديقة الكبرى عليها السلام، عندما نفسّر هذا الحديث الشريف بأنّها كانت كأيّ ابنة تتوفّى أمّها، فتهتمّ بأبيها وتمنحه العطف والحنان اللّذين هو في أَمَسّ الحاجة إليهما.

 

 

 

 

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

08/02/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات