أبحاثٌ حسينيَّة مُغيَّبة

أبحاثٌ حسينيَّة مُغيَّبة

01/07/2011

قبل خَلْق الخَلْق، وفي سيرة النبيّين، وحديث الشهادة قبل الولادة

من دروس «المركز الإسلامي»

 رسول الله صلّى الله عليه وآله، سرُّ الخلق بإذن الله تعالى، والإمام الحسين عليه السلام من رسول الله ورسولُ الله منه، فالحسين عليه السلام سرُّ السرّ، وفي هذا السياق ينبغي أن نفهم حقيقة أنّ «الإسلام محمّديّ الحدوث، حُسينيّ البقاء». وفي هذا السياق أيضاً ينبغي البحث عن نقطة البداية في دراسة سيرة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله. والحديث شجون. ما يرتبط من ذلك بالحديث عن سيرة الإمام الحسين عليه السلام، قبل الولادة، ثلاثة مَحاوِر. الحسين قبل خلق آدم، ومع النبيّين، وحديث شهادته عليه السلام، قبل ولادته.
 

لدى البحث في سيرة الإمام الحسين عليه السلام، ينبغي الوقوف عند ثلاثة مَحاوِر مركزيّة:

الأوّل: الإمام الحسين عليه السلام قبل خلْق النبيّ آدم عليه السلام.
الثاني: الإمام الحسين عليه السلام في سيرة النبيِّين على نبيِّنا وآله وعليهم السلام.
الثالث: إخبار الله تعالى الأنبياء جميعاً، والنبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، قبل ولادة الحسين بشهادته عليه السلام.

وهذه المَحاوِر مُغيَّبة، ومهجورة، والسبب في هذا التغييب أمران:
*الأوّل: تأثير الغَزْو الثقافي المُعادي الذي بُنِيت على وهج ضرام أهوائه -المعزَّزة بالإعلام والإعلان وسَطْوة الفراعنة والقوارين- ثقافةٌ هَجينة، مُتغرِّبة حتّى الثمالة، تَحرص على أن «تَنسجم مع رُوح العصر» ولسان حال «مُثقَّفيها»: «إشهدوا لي عند الأمير».
*الثاني: أنَّ البحث في هذه المحاور تخصُّصِيٌّ بامتياز، وكلّما شفَّت الحقيقة وبَعُد منالها، كَثُر المُعرِضون عنها، حتّى إنْ لم يَحملهم على ذلك ما هو السائد المُسوَّق والمُبهرَج، فكيف إذا اجتمع العاملان: الأوّل والثاني؟
إنَّ البحث في عالَم ما قبل الخَلق أشدّ تخصُّصيّة من البحث في بداية عالم الخَلق، وأقلّ مراتب الأخير أشدُّ تخصُّصيّة من أدقِّ العلوم الطبيعيّة، كأبحاث الذّرّة مثلاً.
لقد أَلقت الثقافة الماديّة بظِلالها وضَلالها على حركة الفِكر «الإسلامي» لدى طَيْفٍ كبير من أبناء الأمّة، فإذا الذي يُظهَّر من التراث الفكري هو ما «يَنسجم مع روح العصر»! في حين يتمّ تغييب ما يَرتبط بالنشأة الأولى والنشأة الأُخرى- يومِ القيامة، بل وتغييبُ كلّ ما يَمتّ إلى الغيب بِصِلة، أو تُشَمُّ منه رائحة «الغَيْب» و«المُغيّبات»، فإذا وصل الأمر إلى مصطلحات من قبيل «عالم الذَّر»، أو «الأشباح»، أو «الأظِلَّة»، أو روايات «النُّور» و«الطِينة»، وحتىّ قبل أن يَصل الحديث إلى مثل مصطلح «اللّطخ»، رأيتَهم ﴿..يصُدُّون عنك صُدوداً﴾ بذريعة تنزيه الدِّين عن «الغُنوصيّة» و«الخرافات». والهدف حقٌّ لا ريب فيه، إلَّا أنَّ المنهج المعتمَد لتحقيقه منهج مادّي، وجسد بلا روح، وَقعْنا في وهدة هذه الموجة العاتية منه، يوم وَقع العالم الإسلامي في مَرمَى الغزو الثقافي المادّي، ثمّ الغزو العسكري الذي ما يزال يَتوالى فصولاً.
وعندما يصل الحديث في المفاهيم العقائديّة إلى المعصوم، تجد أنَّ حيارى هذا المنهج المادّي وضحاياه، يُجرِّدون المعصوم من كلِّ بُعدٍ غيبي، لِيُقدِّموه في ضوء ما تسمح به مقاييس «العالم المتحضِّر»! في ما يَزعمون، والذريعة هنا أن نقدِّم المعصوم إلى الناس بصورة «حضاريّة»، إلَّا أنَّ الهدف هو -ولو عن غير قصد- أن لا يَخرجوا من بيت الطاعة الثقافيّة الصهيو-أميركيّة، فيُتّهمون بالتخلُّف!
في مقابل ذلك، تَجِد العلماءَ المختصِّين يَعتمدون المنهج العلمي في مقاربة الأبحاث العقائديّة، ليُقدِّموا للأجيال أدقّ الإضاءات على هذه الحقول المعرفيّة التخصُّصيّة.
في هامش تحقيقه لكتاب (معاني الأخبار) للشيخ الصّدوق رضوان الله تعالى عليه، قال العالم الشهيد، الشيخ علي أكبر غفارّي رحمه الله: «إعلم أنَّه قد ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام أخبار كثيرة جداً، تربو على مئين، تُفيد على اختلاف مضامينها وتعبيراتها بأنَّ بين وجود الواجب، ووجود المُمكِنات مَرتبة من الوجود شريفة، منها تَرَشَّح وجودها، وفيها جرى الفَيْضُ من مبدأه عليها، وقد عُبّر في جُلِّها أنّه تعالى خَلق من نوره هذا النُّور -وقد تَقدّس نوره عن ظلمة المادّة وغواشيها- ثمّ خَلق من هذا النُّور أنواراً أُخَر، أو شَقَّه فأوْجَدها منه، ونحو هذا النهج من التعبير. وفي بعضها أنَّ القلم واللّوح خُلِقا من هذا النُّور.".." وقد أَنكر بعض مَن لم يُرزق بصيرةً في دينه تلك الروايات الجمّة، بل المتواترة، وردَّها ونَسَبها إلى جَعْل الجاعلين، وغُلُوِّ الغالين، وأوهام المتصوِّفين. ولو ردَّ عِلمَها إلى أهله، وسَكت عن القوْل فيها بالإثبات والإنكار، لكان أحسن وأحوط. فليس في وسع الباحث الحازِم، والمحقِّق المُنصِف أن يرسل عنان القلم واللّسان في هذا الميدان، بل عليه إعمالُ غاية التثبُّت، وبَذْلُ نهاية الجهد، وإن لم يَنَل بعدُ بُغيتَه، ولم يَظفر على ما يشفي عِلّته، ويروي غُلَّته، فلا يتركنَّ الإحتياط، ولا يدَعَنَّ الحزْم، وَلْيَأخذ بالأحوط الأحزم، فإنّه الطريق الأسلم، فللعالَم أسرار، ولظواهره حقائق، وللكلّ أهلٌ، وكلٌّ مُيسَّر لما خُلِق له ".." وقد تطابق العقل والنقل والبيان والبرهان، كما ادُّعي عليه الكشف والعَيان والشهود والوجدان، على أنَّ في باطن هذا العالَم عالَماً أشرف وأكمل، وكذا في باطنه حتّى ينتهي إلى الحقِّ الأوّل، وقد سُمّيت تلك العوالم في الروايات بـ «الغَيْب» و«النّور» و«الرُّوح» و«الذَّرّ»، وأشباهها. وقد عَبَّر عنها أصحاب الحكمة المتعالية بمراتب الوجود المشكِّكَة (المُتفاوِتة)، وكلّما أمعن (الفكر) في البطون وارتفع (وتسامى) سَنام الوجود، اشتدّ(ت) وحدته وبساطته، حتّى يصل إلى الواحد الأحد جلَّ شأنه. وعلى هذا، فما صَدَر عنه في طليعة المُمكنات موجودٌ واحدٌ شريفٌ، في غاية النوريّة والبهجة، وله ظهورٌ في كلِّ عالَمٍ بِحَسبه، ولا غروَ أن يكون مظهرُه في عالم الطبيعة جسمَ النبيّ صلّى الله عليه وآله ثمّ الوليّ الذي هو نفسه، وبِنته التي هي بضعةٌ منه، والأئمّة المعصومين المولودين بواسطتها عنه، وكلّهم نور واحد، فافْهَم ولعلّك بما ذُكِر تَقدر على حلِّ ما أَشْكَل عليك من تلك الأخبار الحاكية عن بعض ما في الوجود من الحقائق والأسرار، والله يَهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم».

**

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

03/07/2011

  كتب أجنبية

كتب أجنبية

03/07/2011

  كتب عربية

كتب عربية

03/07/2011

نفحات