الملف

الملف

01/08/2016

شذرات من مناقب الإمام الجواد عليه السلام

شبيهُ الأنبياء

شذرات من مناقب الإمام الجواد عليه السلام

ـــــــــــــــــــــــــ الشيخ حسين كوراني ـــــــــــــــــــــــــ

 

* تحت هذا العنوان: «شبيهُ الأنبياء»، تناول سماحة العلامة الشيخ حسين كوراني واحدة من أعظم الصفات التي ميّزت مكانة الإمام محمّد الجواد عليه السلام في المسيرة النبويّة الإلهية لأئمّة أهل البيت عليهم السلام. عنينا بها وراثته الأصيلة لأنبياء الله صلوات الله عليهم أجمعين، ولا سيّما لجهة السّمة الإعجازية لشخصيّته النبويّة. وقد أشار سماحته في معرض كلامه إلى تصدّي الإمام الجواد عليه السلام لأعقد القضايا التي واجهتها الأمة، رغم حداثة سنّه ومشقّة الظروف التي عاشها أيّام حُكم بني العبّاس.

يُشار إلى أن هذه المقالة منتخبة من عدّة دروس ألقاها سماحته في «المركز الإسلامي».

«شعائر»

من بين أبرز المعجزات في تاريخ النُّبوّة والإمامة، سبعُ معاجز امتازت عن غيرها بأنّ المحوَر فيها نبيٌّ أو إمام صغير السِّنّ، يتصدّى في صغر سِنِّه لمهمّة «الحُجّة على الخَلْق»، بما يعنيه ذلك من عِلم يفوق كلّ ما أُوتيه حتّى أعلم العلماء، وبما يعنيه أيضاً من حكمة ودراية وقيادة سياسيّة في حمَّى الصّراع مع الطّواغيت، والمترَفين، والملأ.

المعجزات السبع هي نُبوّة الأنبياء سليمان وعيسى ويحيى عليهم السلام، وإمامة أمير المؤمنين والأئمّة الجواد والهادي والمهديّ عليهم السلام.

نحن في الحديث على أعتاب الإمام الجواد عليه السلام أمامَ الحديث عن معجزة فارقة هي معجزة الطفل الحجّة على الخلق، هي أن يكون شخصٌ صغير السنّ نبيّاً أو إماماً، وقد تكرّرت هذه الظاهرة في خطّ الأنبياء والأوصياء سبع مرّات؛ ثلاث منها في الأنبياء وأربع في الأوصياء.

الأنبياء: سليمان وعيسى ويحيى عليهم السلام.

والأوصياء: أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، والإمام الجواد، والإمام الهادي، والإمام المهديّ عليهم السلام.

سليمان في العاشرة من عمره  كان نبيّاً.

وعيسى في المهد قال: ﴿..إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾.

ويحيى قال عنه تعالى: ﴿..وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾.

أمّا أمير المؤمنين عليه السلام، فيكفي هذا النصّ من (نهج البلاغة) يتحدّث عمّا قاله له النبيّ الأعظم عندما كان في العاشرة من عمره، قال عليه السلام: «وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حينَ نزلَ الوحيُّ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما هَذِهِ الرَّنَّة؟

فقالَ هذا الشَّيْطانُ آيِسٌ مِنْ عِبادَتِه. إنَّكَ تَسْمَعُ ما أَسْمَعُ، وَتَرَى ما أَرَى، إلّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، وَلَكِنَّكَ وَزيرٌ، وَإِنَّك لَعَلى خَيْر».

ترابط هذه المعجزات

ينبغي التّنبُّه جيّداً إلى العلاقة الجذريّة بين معجزات هؤلاء الأنبياء، وبين معاجز الأئمّة عليهم جميعاً الصّلاة والسّلام، فالإعجاز في صغر السِّنّ في مجال النّبوّة، تأسيسٌ لأصلٍ عقائديّ، يُمكِّن من التّعاطي مع ما سيأتي في خطِّ الوصاية المحمّديّة بِيَقينٍ قرآنيّ.

كما ينبغي التّنبُّه إلى تمهيد ظاهرة إمامة الإمام الجواد عليه السلام في السّابعة من عمره الشّريف - أو حواليها - لإمامة الإمام المهديّ المنتظَر عليه السلام في حوالي الخامسة من عمره الشّريف.

إنَّ الفرق كبير جدّاً بين التّعامل مع هذه المعاجز منفصلة عن بعضها، أو فصل معاجز النّبّوة عن معاجز الإمامة، وبين التّعامل معها على قاعدة التّرابط والانتظام ضمن أصلٍ عقائديّ وقرآنيّ واحد، كما أنَّ الفرق كبيرٌ جدّاً بين التّفكير بمعجزة صِغر سنِّ الإمام الجواد دون الربط بينه وبين وصغر سنِّ الإمام المهديّ عليهما السلام حين تصدِّيهما لمهامّ الخلافة الإلهيّة، ووصاية رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبين التّفكير بمعجزتَي هذين الإمامَين عليهما السلام.

سيقودنا التّأمُّل في هذا التَّرابط – وتلقائيّاً - إلى التَّرابط بين نبوّة النّبيّ عيسى عليه السلام «في المهد»، وبين إمامة الإمام المهديّ المنتظر الذي أجمع المسلمون أنّه سينزل من حيث رفعه الله تعالى إليه، لِيَنصر المهديّ الذي يُحقِّق الله تعالى على يديه آمال النّبيّين والمُستضعفين.

المِشكاة واحدة، والله تعالى بكلِّ شيءٍ عليم، وقد تكفَّل، سبحانه، بألَّا يكون للنّاس عليه حُجَّة، وأنّ له سبحانه الحجَّة البالغة، فمن الطّبيعي أن تُبنى الأُسس العقائديّة لمسيرة النّبوّة والإمامة – الواحدة - على غاية القوّة والوضوح.

هكذا يمكننا أن ندرك أهمّيّة التّأسيس العقائدي لإمامة المهديّ المُنتظَر خاتم الولاية المحمّديّة، وندرك أيضاً مدى اللُّطف الإلهي للأجيال التي ستواجه ألوان التّشكيك بإمامة الإمام الجواد، ثمّ على امتدادِ دوراتٍ طويلةٍ من الزَّمن، تمتدّ قروناً بإمامة الإمام المهديّ المُنتظَر عليه السلام.

أصلُ مبدأ ﴿.. وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّاً﴾، لُطفٌ إلهيّ، من تجلِّياته تعزيز الإيمان بالغَيْب. وتثبيته في القرآن الكريم لُطفٌ آخر، وتكراره في الأنبياء لمزيد تثبيته كأصلٍ عقائديّ مُسلَّم، فيضُ لطفٍ خاصّ، وكذلك هو شأن تكرّره في أكثر من إمام.

وممّا ينبغي الوقوف عنده طويلاً في معجزة صِغر سنِّ الإمام الجواد، هو أنّه عليه السلام لم يُعمِّر طويلاً، فقد استُشهد في الخامسة والعشرين من عمره الشَّريف، وهذا يعني أنَّ كلّ فترة عمره كانت تحدّياً منه لخصومه، وتحدّياً من خصومه له... نستنتج أنَّ فرادة إعجاز إمامة الإمام الجواد عليه السلام، في المرتبة الأولى بين المعجزات الخاصّة جدّاً، وأنّها كانت في معرض التّحدّي والاختبار طيلة عمر الإمام عليه السلام.

النصّ على إمامته عليه السلام

لما وُلد أبو جعفر الجواد، قال الرضا عليه السلام لأصحابه: «قَدْ وُلِدَ لي شَبيهُ موسى بْنِ عِمْرانَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فالقِ البِحار، وشَبيهُ عيسى بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ».

الشّبه بالنبيّ عيسى عليه السلام واضح، وأمّا الشبه بالنبيّ موسى عليه السلام ودلالة تعبير «فالق البحار» هي أنَّ الإمام الجواد ضاهت مهمةَ النبيّ موسى مهمّتُه في تحدّي فراعنة عصره وفي معاجزه.

ومن النصوص على إمامته رغم صغر سنّه عليه السلام:

* في (عيون المعجزات) للشيخ حسين بن عبد الوهّاب: «عن صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا عليه السلام: قد كنّا نسألك عن الإمام بعدَك قبل أن يهبَ اللهُ لك أبا جعفر، وكنت تقول: يَهَبُ اللهُ لي غُلاماً، وقد وهب الله لك وأقرّ عيوننا. ولا أرانا الله يومك، فإن كانت الحادثة فإلى مَن نفزع؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائمٌ بين يديه.

فقلت: جعلت فداك، وهو ابن ثلاث سنين؟!

فقال: وما يَضرُّهُ ذلك؟ قد قامَ عيسى عَلَيْهِ السَّلامُ بالحُجَّةِ وهو ابْنُ سَنَتَيْنِ».

* وفي (الكافي) للكليني: «عن الخيراني قال: كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن عليه السلام  بخراسان، فقال له قائل: يا سيّدي إن كان كَوْنٌ فإلى مَنْ؟

قال: إلى أبي جَعْفَرٍ ابْني.

فكأن القائل استصغر سنّ أبي جعفر، فقال أبو الحسن عليه السلام: إنَّ اللهَ تباركَ وتَعالى بَعَثَ عيسى بْنَ مريمَ رَسولاً نَبِيّاً، صاحِبَ شريعَةٍ مُبْتَدَأةٍ، في أصْغَرِ مِنَ السِّنِّ الذي فيه أبو جَعْفَرٍ».

* وفيه أيضاً: «قال الرضا عليه السلام: هذا أبو جَعْفَرٍ قد أَجْلَسْتُهُ مَجْلِسي وَصَيَّرْتُهُ مَكاني».

* وقالَ: «إِنّا أَهْلُ بَيْتٍ يَتوارَثُ أَصاغِرُنا عَن أَكابِرِنا، القُذَّةَ بِالقُذَّةِ».

* «وعن يحيى بن حبيب الزيات قال: أخبرني مَن كان عند أبي الحسن الرضا عليه السلام جالساً، فلما نهضوا قال لهم: إِلْقَوْا أبا جَعْفَرٍ فَسَلِّموا عَلَيْهِ وَأَحْدِثوا بِه عَهْداً. فلمّا نهض القوم، التفت إليّ فقال: يَرْحَمُ اللهُ المُفَضَّلَ، إِنَّهُ كانَ ليَقْنَعُ بِدونِ هَذا».

* «وعن معمّر بن خلّاد قال: سمعتُ إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضاعليه السلام: إن ابني في لسانه ثقل، فأنا أبعث به إليك غداً تمسح على رأسه وتدعو له، فإنّه مولاك. فقال: هو مَوْلى أَبي جَعْفَرٍ، فابْعَثْ بهِ غَداً إِلَيْهِ».

* وفي (كمال الدين) للشيخ الصدوق: «عن عبد السلام بن صالح الهرويّ، قال: سمعتُ دعبل بن عليّ الخزاعي يقول: أنشدتُ مولاي الرضا عليّ بن موسى قصيدتي التي أوّلها:

مَدارسُ آياتٍ خَلَتْ من تلاوةٍ        ومَنْزِلُ وَحْيٍ مُقْفَرُ العَرصاتِ

فلما انتهيت إلى قولي:

خروجُ إمامٍ لا محالةَ خارجٌ          يَقومُ على اسْمِ اللهِ وَالبَركاتِ

يُمَيِّزُ فينا كُلَّ حَقٍّ وباطِل             ويَجْزي عَلى النَّعْماءِ والنَّقِماتِ

بكى الرضا عليه السلام بكاء شديداً، ثم رفع رأسه إليَّ فقال لي: يا خُزاعِيُّ، نَطَقَ روحُ القُدُسِ عَلى لِسانِكَ بِهَذَيْنِ البَيْتَيْنِ، فَهلْ تَدْري مَنْ هَذا الإمامُ وَمَتى يَقومُ؟

فقلت: لا يا مولاي، إلّا أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً كما مُلئت جوراً.

فقال: يا دِعْبِلُ، الإمامُ بَعْدي مُحَمّدٌ ابْني، وبَعْدَ مُحَمَّدٍ ابْنُهُ عَلِيٌّ، وَبَعْدَ عَلِيٍّ ابْنُهُ الحَسَنُ، وَبَعْدَ الحَسَنِ ابْنُهُ الحُجَّةُ القائِمُ المُنْتَظَرُ في غَيْبَتِهِ، المُطاعُ في ظُهورِهِ. لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيا إِلّا يَوْمٌ واحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، ذَلِكَ اليَوْمَ حَتّى يَخْرُجَ فَيَمْلَأَ الأَرْضَ عَدْلاً كَما مُلِئَتْ جَوْراً.

وأمّا متى، فإخْبارٌ عَنِ الوَقْتِ، فقدْ حَدَّثَني أَبي، عنْ أَبيهِ عَنْ آبائِهِ، عَلَيْهِمُ السَّلامُ، أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قيلَ له: يا رَسولَ اللهِ مَتى يَخْرُجُ القائِمُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ؟

فقال: مَثَلُهُ مَثَلُ السّاعَةِ الّتي: ﴿..لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً..﴾».

 

اخبار مرتبطة

  شعائر العدد الثامن و السبعون -شهر ذو القعدة 1437-أيلول

شعائر العدد الثامن و السبعون -شهر ذو القعدة 1437-أيلول

نفحات