مراقبات

مراقبات

27/10/2016

مراقبات شهر صفر

 

.. أعمالكم تُعرَضُ عليَّ كلّ يوم

مراقبات شهر صفر

ـــــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــــــــ

شهرُ صفر، شهرُ الفجيعةِ الأعظم لِفَقْدِ خير الخلق وسيّد الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وهو أيضاً شهرُ أحزان الرّسول وأهل البيت عليهم السلام والمؤمنين عبر الأجيال:

- بشهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.

- وسَبْي بقيّة السيف من أهل البيت عليهم السلام إلى دمشق، ورجوعهم إلى المدينة، ولسان الحال: «ومَنْ بَقِيَ لنا في المدينة؟!».

- وذكرى زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام.

 

وفاة الرّسول الأعظَم صلّى الله عليه وآله (28 صفر/ 11 للهجرة)

  في الثامن والعشرين من شهر صفر سنة إحدى عشرة للهجرة، توفّي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، في المدينة المنوّرة، وعمره الشريف ثلاثة وستّون عاماً.

قال الشيخ الطوسيّ في (تهذيب الأحكام): «وقُبض صلّى الله عليه وآله وسلّم بالمدينة مسموماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة [إحدى] عشرة من الهجرة وهو ابن ثلاث وستّين سنة». وفي (المقنعة) للشيخ المفيد، وفي (تحرير الأحكام) للعلّامة الحلّي مثله.

وفي الجزء السابع من (صحيح البخاري): «قالت عائشة: لَدَدْناهُ في مرضِه فجعلَ يُشير إلينا أَنْ لاَ تَلُدُّونِي، فقلنا: كراهية المريض للدواء! فلمّا أفاق قال: أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي؟ قلنا: كراهية المريض للدواء!..».

واللّدُود: وضع الدواء في الفم بالقوة!

وفي (الخرائج والجرائح) للقطب الراونديّ، و(المناقب) لابن شهرآشوب، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، أنّ الحسن عليه السلام، قال لأهل بيته: «إِنّي أَموتُ بِالسّمِّ، كَما ماتَ رَسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. فقالوا: ومن يفعل ذلك؟ قال: امْرَأَتي..».

وفي (تفسير العياشيّ) عن الإمام الصادق عليه السلام: «تَدرونَ ماتَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَوْ قُتِلَ؟ إِنَّ اللهَ يَقولُ: ﴿..أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ..﴾، فَسُمَّ قَبْلَ المَوْتِ..». (آل عمران:144)

وفي (مسند أحمد) عن الصحابيّ عبد الله بن مسعود، قال: «لَأنْ أحلفَ تسعاً أنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، قُتل قتلاً أحبّ إليّ من أن أحلف واحدةً أنّه لم يُقتل..».

وفي (تهذيب التهذيب) لابن حجر العسقلانيّ، قال: «عن عائشة، قالت: مات رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم من ذات الجنب».

ثمّ علّق ابن حجر على كلام عائشة، فقال: «وهذا ممّا يُقطع ببطلانه لِما ثبت في الصحيح أنّه قال لمّا لدّوه: لمَ فَعَلْتُمْ هَذا؟ قالوا: خشينا أن يكون بك ذات الجنب، فقال: ما كانَ اللهُ لِيُسَلِّطها عَليّ».

وذات الجنب داءٌ يصيب الرئتين.

***

موسمُ المصائب الجليلة: يقول الشيخ الملكيّ التبريزيّ في (المراقبات) أنّه يتوجب على المؤمن الموالي أن يجعل هذا الشهر «من مواسم المصائب الجليلة»، وأن يستحضر ما ترتّب على فقده صلّى الله عليه وآله، من افتتان الأمّة وطغيان الظالمين وكيد المعاندين، ويستحضر أيضاً أمّهات المصائب الواردة على بضعته وحبيبته، ونفسه وخليفته، وعترته وذريّته.

ويؤكّد رضوان الله عليه، وجوبَ أن يُظهر المؤمنون العزاء في يوم وفاته صلّى الله عليه وآله، بما يتناسب مع عظم المصاب، وأن يعتريهم الخجل ممّا يبلغ النبيّ صلّى الله عليه وآله، من معاصيهم وقبائح أفعالهم، لمكان الخبر المرويّ عنه صلّى الله عليه وآله: «حَياتي خَيْرٌ لكُم، ومَماتي خَيْرٌ لكُم.

قالوا: يا رسول الله، وكيف ذلك؟

قال: أَمّا حَياتي فَإِنَّ اللهَ تَعالى يَقولُ: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ..﴾. وَأَمّا مُفارَقَتي إِيّاكُمْ، فَإِنَّ أَعْمالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ؛ فَمَا كانَ مِن حَسَنٍ اسْتَزَدْتُ اللهَ لَكُمْ، وَما كانَ مِنْ قَبيحٍ، استَغْفَرْتُ اللهُ لَكُمْ». (الأنفال:33)

***

زيارةُ النبيّ صلّى الله عليه وآله، في هذا اليوم: قال المحدّث الشّيخ عبّاس القمّيّ في (مفاتيح الجنان): «إذا أردتَ زيارة النّبيّ صلّى الله عليه وآله في ما عدا المدينة الطيّبة من البلاد، فاغتسل ومثّل بين يديك شِبهَ القبر، واكتب عليه اسمَه الشريف، ثمّ قِف وتوجّه بقلبك إليه، وقل:

أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّهُ سَيِّدُ الأوَّلِينَ وَالآخِرينَ، وَأَنَّهُ سَيِّدُ الأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ الأَئِمَّةِ الطيِّبِين.

ثمّ قُلْ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا خَلِيلَ الله..» [انظر: مفاتيح الجنان، الباب الثّالث: زيارة النّبيّ من البُعد]

 

شهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام (28 صفر/50 للهجرة)

 

في الثامن والعشرين من شهر صفر سنة خمسين للهجرة، استُشهد الإمام الحسن السبط الزكيّ عليه السلام في المدينة المنورة، وله صلوات الله عليه سبعٌ وأربعون سنة. وقيل إنّ شهادته في السابع من صفر، لكنّ الرأي الأوّل هو معتمد الشيخ المفيد والشيخ الطوسي.

وفي (كفاية الأثر) للخزّاز القمّيّ، بسنده عن جنادة بن أبي أُمَيّة، قال: «دخلتُ على الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، في مرضه الذي توفّي فيه، وبين يديه طستٌ يقذف عليه الدم، ويخرج كبده قطعةً قطعةً من السمّ الذي أسقاه معاوية لعنه الله.

فقلت: يا مولاي، ما لك لا تعالجُ نفسَك؟

فقال: يا عَبْدَ اللهِ، بِماذا أُعالِجُ المَوْتَ؟

قلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون،

ثمّ التفت إليّ، فقال: وَاللهِ، لَقَدْ عَهِدَ إِلَيْنا رَسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ هَذا الأَمْرَ يَمْلِكُهُ اثْنا عَشَرَ إِمَاماً مِنْ وُلْدِ عَليٍّ وَفاطِمَةَ عَلَيْهِما السَّلامُ، ما مِنّا إلَّا مَسْمومٌ أَوْ مَقْتولٌ..».

ورُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، أنّه قال للإمام الحسن عليه السلام، من ضمن حديث: «..ومَنْ أَتاكَ زائِراً بَعْدَ مَوْتِكَ فَلَهُ الجَنَّةُ».

 

وفي (المزار) للشّيخ المفيد، قال: «..كان محمّد بن عليّ بن الحنفيّة يأتي قبر الحسن بن عليّ عليهما السَّلام، فيقول:

السَّلامُ عَلَيْكَ يا بَقِيَّةَ المُؤْمِنينَ وَابْنَ أَوَّلِ المُسْلِمينَ، وَكَيْفَ لا تَكونُ كَذَلِكَ وَأَنْتَ سَليلُ الهُدى، وَحَليفُ التَّقْوى، وَخامِسُ أهْلِ الكِساءِ. غَذَّتْكَ يَدُ الرَّحْمَةِ، وَرُبّيتَ في حِجْرِ الإسْلامِ، وَرَضَعْتَ مِنْ ثَدْيِ الإيمانِ، فَطِبْتَ حَيّاً وَطِبْتَ مَيِّتاً، غَيْرَ أَنَّ الأَنْفُسَ غَيْرُ طَيِّبَةٍ بِفِراقِكَ وَلا شاكَّةٍ في حَياتِكَ، يَرْحَمُكَ اللهُ.

ثمّ يلتفت إلى الحسين عليه السَّلام، فيقول: السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدَ اللهِ الحُسَيْن، وَعَلى أَبي مُحَمَّدٍ الحَسَن».

 زيارة الأربعين (20 صفر)

لا ريب في أن «زيارة الأربعين» من آكد المستحبّات وأعظم القُربات، فقد حكم العلماء باستحبابها وصرّحوا بذلك في غير موضعٍ من مصنّفاتهم، مستندين بذلك إلى النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام، وفي مقدّمها رواية صفوان بن مهران الصحيحة عن الإمام الصادق عليه السلام، وهي المتضمّنة لنصّ زيارة الأربعين.

وكذلك رواية أبي هاشم الجعفريّ، عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام في «عَلامات المُؤْمِنِ الخَمْس»، حيث عدّ صلوات الله عليه «زيارة الأربعين» منها.

وممّن صرّح باستحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم أربعينه؛ الشيخ المفيد في (المزار) وفي (مسارّ الشيعة)، والشيخ الطوسيّ في (مصباح المتهجّد) وفي (تهذيب الأحكام)، حيث أورد نصّ الزيارة المروية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، وأوّلها: «..عن صفوان بن مهران الجمّال قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين: تَزورُ عِنْدَ ارْتِفاعِ النَّهارِ وَتَقولُ: (السَّلامُ عَلى وَلِيِّ اللهِ وَحَبيبِهِ، السَّلامُ عَلى خَليلِ اللهِ وَنَجيبِه، السَّلامُ عَلى صَفِيِّ اللهِ وَابْنِ صَفِيِّهِ، السَّلامُ عَلى الحُسَيْنِ المَظْلومِ الشَّهيدِ..)».

وفي آخر الزيارة: «..وَتُصَلّي رَكَعْتَيْنِ وَتَدْعو بِما أَحْبَبْتَ وَتَنْصَرِفُ».

وكذلك قال باستحباب الزيارة أو روى نصّها؛ الشهيد الأوّل في (المزار)، والسيّد ابن طاوس في (إقبال الأعمال)، والشيخ الكفعميّ في (البلد الأمين)، والشيخ البهائيّ العامليّ في (توضيح المقاصد)، وفي غيرها من مؤلّفاتهم رضوان الله عليهم.

وأوّل من زار الإمام الحسين عليه السلام في يوم أربعينه الأول (20 صفر سنة 61 للهجرة)، هو الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاريّ، الذي حمّله رسول الله صلّى الله عليه وآله «سلاماً» إلى ولده الباقر عليه السلام. وترجّح طائفة من العلماء أنّ مجيء جابر إلى كربلاء لم يكن بدافع من الودّ والولاء فحسب، وإنما كان امتثالاً لأمرٍ نبويّ، لا سيّما وأنّه زار سيّد الشهداء عليه السلام بألفاظٍ خاصّة: «السَّلامُ عَلَيكُمْ يا آلَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا صَفْوَةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا خِيَرَةَ الله مِنْ خَلْقِهِ..»، وهي عين «زيارة الغفيلة» التي ذكرها الشهيد الأوّل في (مزاره) للنصف من رجب.

وأورد السيّد ابن طاوس في (الإقبال) وداعاً يختصّ بهذه الزيارة، يُقرأ عقب ركعتَي الزيارة، ثمّ قال: «وأمّا زيارة العبّاس بن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وزيارة الشهداء مع مولانا الحسين، فتزورهم في هذا اليوم بما قدّمناه من زيارتهم في يوم عاشوراء، وإنْ شاء بغيرها من زياراتهم المنقولة عن الأصفياء».

وقال الكفعميّ في (البلد الأمين): «ثمّ – أي بعد الفراغ من ركعتَي الزيارة - زُر عليّ بن الحسين عليه السلام، والشهداء والعبّاس، بما سنذكره في زيارة عرفة إن شاء الله تعالى، وهكذا تفعل في كلّ زيارة للحسين عليه السلام».

واحتمل الشيخ الملكي التبريزي في (المراقبات) أن يكون يوم الأربعين هو يوم دفن الرأس الشريف، مؤكّداً أنّه يجب على الموالي «أن يجعل يوم الأربعين يوم حزنه، ويسعى أن يزور سيّد الشهداء  صلوات الله عليه عند قبره ولو مرّة في عمره، لمكان الخبر الشريف الوارد في علامات المؤمن الخمس...».

وأورد المحدّث الشيخ عبّاس القمّيّ في (مفاتيح الجنان) متن الزيارة المرويّة عن الصادق عليه السلام، وكذلك نصّ زيارة جابر الأنصاريّ يوم وروده إلى كربلاء ولقائه بالإمام السّجّاد وآل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله، في طريق عودتهم من الشام إلى المدينة المنوّرة.

 

اليوم السابع، واليوم الأخير

في اليوم السابع من صفر سنة 128 للهجرة، وُلد الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في «الأبواء»، وهو منزلٌ بين مكّة والمدينة.

وفي اليوم الأخير من صفر سنة 203 للهجرة (على رواية) استُشهد الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام، في طوس من بلاد خراسان.

ويُزار كلُّ واحدٍ من الأئمّة عليهم السلام بإحدى الزيارات الجامعة، وأشهرها الزيارة الثانية التي أوردها المحدّث القمّيّ في (مفاتيح الجنان)، وكذلك بزيارة «أمين الله»، فضلاً عن الزيارات الخاصّة بكلّ معصوم، لمَن حضر مشاهدهم المشرّفة.

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

28/10/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات