أحسن الحديث

أحسن الحديث

28/11/2016

مفهوم ضِيق الصَّدر في القرآن الكريم

 

.. ما قستِ القلوب إلا لكَثرة الذّنوب

مفهوم ضِيق الصَّدر في القرآن الكريم

ــــــــــــــــــــــــــــــــ المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الناس ليسوا على وتيرةٍ واحدةٍ من حيث قبول الحقّ وإدراك الأمور، فالبعض يتمكّن من إدراك الحقيقة بمجرّد إشارة، ويكفي تذكيرٌ واحد لإيقاظهم، وموعظة واحدة قادرة على إحداث صيحات في أرواحهم، في حين أنّ البعض الآخر لا يتأثّر بأبلغ الكلمات وأوضح الأدلة وأقوى العبارات. ولكلّ ذلك أسباب تضيء عليها هذه المقالة المستقاة من «تفسير الأمثل» للمرجع الديني الشيخ مكارم الشيرازي حفظه الله.

 

كم هي جميلة التعابير القرآنية عندما تَصِفُ البعض بأنّهم ذوو صدور منشرحة وأرواح واسعة، وتصف البعض الآخر بأنّهم ذوو صدور ضيقة، كما ورد في الآية 125 من سورة الأنعام: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ..﴾.

هذا الموضوع يتّضح بصورة كاملة في حالة دراسة أوضاع وأحوال الأشخاص، فالبعض لهم صدور منشرحة رحبة تتّسع لاستيعاب أيّ مقدار من الحقائق، في حين أنّ البعض الآخر على العكس، إذ إنّ صدورهم ضيّقة وأفكارهم محدودة لا يمكنها أحياناً استيعاب أيّ حقيقة، وكأنّ عقولهم محاطة بجدران فولاذية لا يمكن اختراقها. وبالطبع لكلّ واحد منهما أسبابه.

فالدراسة الدائمة والمستمرّة، والاتصال بالعلماء والحكماء الصالحين، وبناء الذات، وتهذيب النفس، واجتناب الذنوب وخاصّة أكل الطعام الحرام، وذكرُ الله دائماً، كلّها أسباب وعوامل لانشراح الصدر. وعلى العكس، فإنّ الجهل، والذنب، والعناد، والجدل، والرياء، ومجالسة أصحاب السوء والفجّار والمجرمين، وعبيد الدنيا والشهوات، كلّها تؤدّي إلى ضيق الصدر وقساوة القلب.

فعندما يقول القرآن الكريم: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا..﴾ فهذه الإرادة وعدم الإرادة ليست اعتباطية وبدون دليل، بل هي نابعة من أعماقنا وذواتنا في البداية.

وقد ورد حديث عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه: «أوحى الله عزَّ وجلَّ إلى موسى: يا موسى، لا تفرَح بكثرةِ المال، ولا تدَعْ ذِكري على كلِّ حالٍ، فإنّ كَثرةَ المال تُنسي الذنوب، وإنّ تركَ ذكري يقسّي القلوب».

وفي حديثٍ آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام، جاء فيه: «ما جَفّتِ الدّموعُ إلا لِقسوةِ القلوب، وما قَسَتِ القلوبُ إلا لكثرةِ الذّنوب».

كما ورد في حديثٍ ثالث أنّ من جملة كلام الله سبحانه وتعالى مع موسى عليه السلام: «يا موسى، لا تطوّل في الدنيا أمَلَك فيَقسو قلبُكَ، والقاسي القلبِ منّي بعيدٌ».

وأخيراً، ورد حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، جاء فيه: «لَمّتان: لمّة من الشيطان ولمّة من المَلَك، فلمّةُ الملَكِ الرقّة والفَهم، ولَمّةُ الشيطان السّهوُ والقسوةُ». (اللَّمّة: الخَطرة تقع في القلب)

على أيّ حال، فإنّ مَن يريد انشراح صدره وإزالة القساوة من قلبه، عليه أن يتوجّه نحو الباري عزّ وجلّ، كي يبعث الأنوار الإلهية في قلبه كما وعد بذلك الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعليه أن يصقل مرآة قلبه من درَن الذنوب، ويطهّر روحه من أوساخ هوى النفس والوساوس الشيطانية، استعداداً لاستقبال المعشوق، وأن يسكب الدموع خوفاً من الله وحبّاً له، فإنّ في ذلك تأثيراً عجيباً لا نظير له على رقّة القلب ولِينه ورحابة الروح، وفي المقابل فإنّ جمود العين هو إحدى علامات القلب المتحجّر.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

28/11/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات