فكر و نظر

فكر و نظر

29/12/2016

ابن تيميّة وشُبهة التجسيم


ابن تيميّة وشُبهة التجسيم

حُكمٌ بنفي النقيضَين!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ أبو الحسن الشعراني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتضمّن هذا المقال تعليق العلامة الشيخ أبو الحسن الشعراني على شرح المولى المازندراني للرواية الأولى من «باب الحركة والانتقال» من «كتاب التوحيد» التي رواها ثقة الإسلام الكلينيّ في (الأصول من الكافي) بسنده عن الإمام الكاظم عليه السلام.

وقد ورد تعليق الشيخ الشعراني – ومداره إثبات اعتقاد ابن تيميّة الحرانيّ بالتجسيم - في هامش  الجزء الرابع (ص 69 – 70) من (شرح أصول الكافي) للمولى محمّد صالح المازندراني.

 

* روى الشيخ الكليني في (الكافي) بسنده عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، قال «.. ذُكر عنده قوم يزعمون أنّ الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا، فقال عليه السلام: إِنَّ الله لَا يَنْزِلُ ولَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَنْزِلَ. إِنَّمَا مَنْظَرُه فِي الْقُرْبِ والْبُعْدِ سَوَاءٌ، لَمْ يَبْعُدْ مِنْه قَرِيبٌ، ولَمْ يَقْرُبْ مِنْه بَعِيدٌ...». الحديث.

* شرح المازندراني:

«قولُ الراوي: ذُكر عنده قوم يزعمون أنّ الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا: يعني يزعمون أنّ له تعالى مكاناً أعلى الأمكنة؛ وهو العرش. وقد ينزل منه إلى هذه السماء طلباً لقُربه من أهل الأرض وندائهم بما أراد.

نقل الآبي في كتاب (إكمال الإكمال) عن بعض غُلاة المجسّمة أنّه نزل عند الوعظ من أدراج المنبر، وقال: هكذا ينزل - تمثيلاً لنزوله تعالى - تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً...».

 

* تعليق الشعراني:

قول المولى المازندراني: «عن بعض غلاة المجسّمة»: نُقل مثل ذلك عن ابن تيميّة، وكأنّ الآبي أراده، وقد يتكلّف المتأخّرون في نفي القول بالتجسيم عنه مع تصريحه بالنزول، وأنّه على المعنى الحقيقيّ، وأنّ تأويله ضلال وخروج عن طريقة السلف.

والحقّ أنّ مَن يُثبت اللوازم البيّنة للجسميّة فهو مجسّم سواء صرّح بالجسم أم لا، وظاهرٌ أنّ مَن يعترف بأنّه تعالى فوق العرش حقيقةً، وأنّه ينزل إلى السماء الدنيا حقيقةً، ولكن يحرّم استعمال لفظ «الجسم» لأنّه لم يرد في الشرع إطلاق «الجسم» عليه، وأسماء الله توقيفيّة، فهو معتقد بأنّه جسمٌ حقيقةً، وإن لم يُجِز إطلاق الجسم عليه تعبّداً.

قال القاسميّ في تفسيره المسمّى بـ (محاسن التأويل) - وهو متعصّب لابن تيميّة - عن الحافظ بن عبد البرّ: «إنّ حديث (ينزل ربّنا كلّ ليلة) إلى آخره، ثابت من جهة النقل صحيح الإسناد لا يختلف أهل الحديث في صحّته، وفيه دليلٌ على أنّ الله في السماء على العرش من فوق سبع سماوات، كما قالت الجماعة، وهو حجّتهم على المعتزلة والجهميّة في قولهم إنّ الله في كلّ مكانٍ وليس على العرش، والدليل في صحّة ما قال أهل الحقّ قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾». (طه:5)

قال: «ومن الحجّة أيضاً في أنّه، عزّ وجلّ، على العرش فوق السماوات السبع، أنّ الموحّدين أجمعين من العرب والعجم إذا كرَبهم أمر أو نزل بهم شدّة، رفعوا وجوههم إلى السماء ونصبوا أيديهم رافعين مشيرين بها إلى السماء..».

وفي التفسير المذكور: «.. هو - يعني ابن تيميّة - على مذهب السلف قائلٌ بأنّ الله فوق العرش حقيقةً مع نفي اللوازم».

وأقول: إثبات الملزوم مع نفي اللازم لا يصدر من العقلاء.

وقال: نقلاً عن الشهاب الآلوسيّ المُفسّر: «حاشا الله أن يكون - يعني ابن تيميّة - من المجسّمة، بل هو أبرأ الناس منهم، نعم يقول بالفوقيّة وذلك مذهب السلف، وهو بمعزل عن التجسيم».

وأقول: الفوقيّة الحقيقيّة هو التجسيم بعينه، سواء أقرّ به القائل أم لا، وأمّا الفوقيّة المجازيّة أعنى كونه قاهراً على عباده فهو ممّا يتبرّأ منه ابن تيميّة واتباعه أشدّ التبرّي، وذلك لأن كونه تعالى قاهراً  فوق عباده ممّا اتّفق عليه أهل الإسلام وغيرهم، ولا معنى لمخالفة ابن تيميّة معهم إلاّ في المعنى الحقيقي.

وقال، نقلاً عن عبد القادر الجيلاني في معنى الاستواء على العرش: «إنّه استواء الذات على العرش لا على معنى القعود والمماسّة، كما قالت المجسّمة والكراميّة، ولا على معنى العلوّ والرفعة كما قالت الأشعريّة، ولا على الاستيلاء والغلبة كما قالت المعتزلة؛ لأنّ الشرع لم يرد بذلك، ولا نُقل عن أحد من الصحابة والتابعين من السَّلف الصالح من أصحاب الحديث ذلك، بل المنقول عنهم حملُه على الإطلاق».

أقول: وهذا غير معقول لأنّ الفوقيّة إمّا حقيقيّ وإمّا مجازي ، وقد نفى كليهما، إلاّ أن يريد وجوب السكوت، وقد جاء في الدين أمورٌ يجب السكوت عنها وإيكال الأمر إلى أهله، لكن لا يمكن الحكم بنفي النقيضين؛ لأنّ الحكم بنفي النقيضين ليس سكوتاً، بل تكلّمٌ بما فيه حماقة.

* ثم يضيف الشيخ الشعراني رحمه الله:

* وقوله عليه السلام: «إِنَّمَا مَنْظَرُه فِي الْقُرْبِ والْبُعْدِ سَوَاءٌ»، فاعلم أنّ أصل شبهة المجسّمة والمشبّهة أنّهم لا يتعقّلون وجودَ موجودٍ مجرّدٍ غيرِ متحيّز، نِسبته إلى جميع الأمكنة نسبة واحدة. وأما أحاديث أهل البيت عليهم السلام، فمبنيّة على كون الوجود المجرّد أقوى في تأصّل الوجود وأكمل في الصفات، ولم يكن في عصرهم عليهم السلام، بعدُ، عُقِد اصطلاحُ التجرّد في هذا المعنى، لكنّهم عليهم السلام، ذكروا من خواصّ التجرّد وصفات المجرَّد ما فهم منه أصحابهم معناه، مثل قوله عليه السلام في هذا الحديث: «لَمْ يَبْعُدْ مِنْه قَرِيبٌ، ولَمْ يَقْرُبْ مِنْه بَعِيدٌ»، وغير ذلك...

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

29/12/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات