فكر ونظر

فكر ونظر

منذ يوم

بواعث الفكر الديني الإسلامي

بواعث الفكر الديني الإسلامي

______ العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله ______

«يُطلق مصطلح (الفكر الديني) على عملية التحقيق والبحث في موضوع من المواضيع الدينية للحصول على نتيجة معينة. كما أنّ المراد من الفكر الرياضي مثلاً، هو الفكر الذي يعطي النتيجة لنظرية رياضية محدّدة، أو يحلّ مسألة رياضية بعينها».

في هذه المقالة للعلّامة والحكيم الإلهي السيّد محمّد حسين الطباطبائي، من كتاب (الشيعة في الإسلام)، تأصيلٌ للمصطلح وبيان للمصادر والمرتكزات التي ينبني عليها الفكر الديني للإسلام.

«شعائر»

 

من الطبيعي أن يعتمد الفكر الديني كسائر الأفكار، على مصادر كي يستلهم منها مواده وأسُسه، كما هو الحال في الفكر الرياضي لحلّ مسألة ما، فإنّه لا بدّ من الاستعانة بمجموعة من النظريات والفرضيات، لينتهي، بالنتيجة، إلى المعلومات الخاصة به.

والمصدر الوحيد الذي يعتمد عليه الإسلام - من جهة ارتباطه بالوحي السماوي - هو القرآن الكريم، إذ إنّه المصدر الرئيسي للنبوّة الشاملة للنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله.

لكنّ القرآن، مع ذلك، لا ينفي المصادر الأخرى للفكر الصحيح، ولا الحُجج الواضحة، وهذا ما سنعرض له.

طُرق استيعاب المعارف الإلهيّة

يضع القرآن الكريم ثلاثة طرق أمام متّبعيه للوصول إلى المفاهيم الدينية والمعارف الإسلامية، وهي: الظواهر الدينية، والحجج العقلية، والإدراك المعنوي الذي لا يتأتّى إلّا من الإخلاص في العبادة.

1) الظواهر الدينية: يخاطب الله سبحانه وتعالى الناس عامّة في القرآن، ويعرض أموراً من دون إقامة حجّة أو دليل، انطلاقاً من قدرة هيمنته كخالق، ويطالب بقبول الأصول والأسس الاعتقادية؛ كالتوحيد والنبوّة والمعاد، والأحكام العملية؛ كالصلاة والصوم وغيرها، كما يأمر بالنهي والامتناع أحياناً، وإذا لم تكن الآيات لتعطي الحُجّية، لم يكن ليطالب الناس بقبولها واتّباعها.

إذاً لا بدّ من القول بأنّ هذه الآيات الواضحة الدلالة طريقٌ لفهم المفاهيم الدينية والمعارف الإسلامية وإدراكها، ونسمّي هذا البيان اللفظي بالظواهر الدينية، مثل:

* ﴿..آَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ..﴾ النساء:136.

* ﴿..أَقِيمُوا الصَّلَاةَ..﴾ الأنعام:72.

ثمّ إنّ ظواهر الآيات جعلت أقوال النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، في المرحلة الثانية بعد القرآن، وتُعتبر حجّة كالآيات القرآنية، ويؤيده قوله تعالى:

* ﴿..وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ..﴾ النحل:44.

* وقوله جلّ شأنه: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..﴾ الجمعة:2.

* وقوله أيضاً: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ..﴾ الأحزاب:21.

فإذا لم تكن أقوال النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، وأفعاله، وحتى صمته وإقراره، حجّة كالقرآن الكريم، لم نجد مفهوماً صحيحاً للآيات المذكورة، لذا فإنّ أقواله، صلّى الله عليه وآله، حجّة لازمة الاتّباع للذين قد سمعوه صلّى الله عليه وآله، أو قد نُقل إليهم عن طريق رواة ثقات.

وكذلك يُنقل عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم، عن طرق متواترة قطعية أنّ أقوال الأئمّة من أهل بيته كأقواله، وبموجب هذا الحديث والأحاديث النبوية القطعية الأخرى، تصبح أقوال أهل البيت تاليةً لأقوال النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، وواجبة الاتّباع، فأهل البيت عليهم السلام لهم المرجعية العلمية في الإسلام، وأحاديثهم حجّة يُعتمد عليها سواء كانت مشافهة أو نقلاً.

يتّضح من هذا التفصيل أنّ الظواهر الدينية والتي تعتبر مصدراً في الفكر الإسلامي على قسمين: الكتاب والسنّة، والمراد بالكتاب، ظواهر الآيات القرآنية الكريمة، والمقصود بالسنّة، الأحاديث المروية عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، وأهل البيت عليهم السلام.

2) الحجّية العقلية: وذلك بدعوة الناس إلى التفكير والتدبّر في الآفاق والأنفس، وسلوك الاستدلال العقلي في استبيان الحقائق.

والقرآن الكريم هو الوحيد من بين الكتب السماوية الذي يعرّف للإنسان العلم والمعرفة بطريقة استدلالية. أي إنّه لا يطالب بتقبّل المعارف الإسلامية من دون نقاش. وبالتالي، فإنّ التصديق والإيمان يجب أن يحصل عليه بدليل أو حجّة، وليس المراد الإيمان مسبقاً، ثم إقامة الأدلة وفقاً له، فالفكر الفلسفي طريق يدعمه القرآن الكريم ويصادق عليه.

3) الإدراك المعنوي: يوضح القرآن الكريم أنّ جميع المعارف الحقيقية تنبع من التوحيد ومعرفة الله حقيقةً، وما كمال معرفته جلّ وعلا، إلّا لأولئك الذين جعلهم الله من خِيرة عباده، واختصّهم لنفسه، وهم الذين قطعوا علائقهم وارتباطهم بهذا العالم، ونسوا كلّ شيء، وإثْر الإخلاص والعبودية، وجّهوا قواهم إلى العالم العلويّ، ونوّروا قلوبهم بنور الله سبحانه، وعاينوا ببصيرتهم حقائق الأشياء، لأنّهم قد وصلوا إلى منزلة اليقين، إثر اخلاصهم وعبوديتهم، وعند بلوغهم هذه المنزلة، انكشف أمامهم ملكوت السماوات والأرض. ويتّضح ذلك من خلال الآيات القرآنية، ومنها قوله تعالى:

* ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ الحجر:99.

* ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ الأنعام:75.

* ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾ التكاثر:5-6.

إذاً، إحدى طرق استيعاب المعارف الإلهية وإدراكها هي تهذيب النفس والإخلاص في العبودية، ما يُفضي إلى انكشاف الحقائق، والمشاهدة الباطنية لها.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات