كلمة سواء

كلمة سواء

27/01/2017

وحدة الدِّين وتعدّد الشرائع


وحدة الدِّين وتعدّد الشرائع*

ــــــــــــــــــــــــ العلامة الشيخ صالح الكرباسي ــــــــــــــــــــــــ

استُعملت كلمة «الدِّين» في عدّة مواضع من القرآن الكريم، وفي الأحاديث الشريفة أيضاً، بمعنى «الجزاء»، منها:

* قولُ الله عزّ وجلّ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، أي مالك يوم الجزاء.

* والحديثُ عن الإمام الصادق عليه السلام: «ابْنَ آدَمَ، كُنْ كَيْفَ شِئْتَ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ»، أي كما تُجازي تُجازى.

كذلك استُعملت كلمة «الدِّين» في القرآن الكريم وفي الأحاديث الشريفة بمعنى «الطاعة»، منها:

* قولُ الله عزّ وجلّ: ﴿وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ﴾ النحل:52.

* وحديثُ أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «العِلْمُ دِينٌ يُدانُ بِهِ»، أي طاعة يُطاع الله بها.

وقد عَرَّف العلماءُ الدّينَ بتعاريف مختلفة، منها ما ذكره العلامة فخر الدين الطريحي في (مجمع البحرين) بأنّه: «وضعٌ إلهيٌّ لِأُولي الألباب، يتناولُ الأصولَ والفروع».

هذا ويجد المتتبّع أنّ للدّين في المفهوم القرآنيّ معنى دقيقاً جداً، يقول العلامة المحقّق الشيخ جعفر السبحاني في كتاب (مفاهيم القرآن): «إن الدِّين حسب اصطلاح القرآن، هو الطريقة الإلهيّة العامّة التي تشمل كلّ أبناء البشر في كلّ زمان ومكان، ولا تقبل أيّ تغيير وتحويل مع مرور الزمن وتطوّر الأجيال، ويجب على كلّ أبناء البشر اتّباعها، وهي تُعرض على البشرية في كلّ أدوار التاريخ بنحو واحد دونما تناقض وتبايُن، ولأجل ذلك نجد القرآن لا يستعمل لفظة (الدين) بصيغة الجمع مطلقاً، فلا يقول: (الأديان)، وإنّما يذكره بصيغة المفرد، كما في قوله سبحانه:

- ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ آل عمران:19.

- ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ آل عمران:85.  

في حين أنّ (الشريعة) تعني مجموعة التعاليم الأخلاقية والاجتماعية التي يُمكن أن ينالها التغيير مع مرور الزمن، وتطوّر المجتمعات، وتكامل الأمم، ولذلك لا يضير استعمال هذه اللفظة في صورة الجمع، فيقال (شرائع)، وقد صرّح القرآن الكريم بتعدّد الشريعة.

فهو رغم تصريحه بوحدة الدِّين - كما مرّ في الآية السابقة - يُخبر عن وجود شريعةٍ لكلّ أمّة، ويكشف بذلك عن تعدّد الشريعة إذ يقول: ﴿..لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا..﴾ المائدة:48.

وعلى هذا، فإنّ البشرية دُعيت في الحقيقة إلى دينٍ واحدٍ وهو الإسلام، الذي كان متّحدَ الأصول في كلّ الأدوار والأزمنة، وكانت الشرائع في كلّ زمن وظرف طريقاً للوصول إلى الدِّين الواحد، ولم تكن الشرائع إلّا طُرقاً للأمم والأقوام، لكلّ قومٍ حسبَ مقتضيات عصرهم ومدى احتياجهم.

وأمّا (المِلّة)، فهي بمعنى السُّنَن التي بها تقوم الحياة البشرية وتستقيم، تلك السُّنن التي أُودِع في مفهومها (الأخذ والاقتباس من الغير).

ولذلك يضيف القرآن الكريم هذه العبارة، لدى استعمالها، إلى الرُّسل والأقوام، إذ يقول مثلاً:

- ﴿.. قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ البقرة:135.

- ﴿.. إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ يوسف:37.

وعلى هذا تكون المِلّة والشريعة متحدّتَين معنىً ومفاداً، مع فارقٍ واحد؛ هو أنّ المِلّة تُضاف إلى غير الله تعالى، فيُقال مثلاً: (ملّة إبراهيم)، ولا تضاف إلى الله عزّ وجلّ، فلا يُقال: (ملّة الله)».

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نقلاً عن الموقع الإلكتروني لمركز الإشعاع الإسلامي

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

27/01/2017

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات