قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

منذ يومين

تأسيسات نظرية لفقه العرفان

«السَّير إلى الله» للعلّامة الفيلسوف الشيخ حسن زاده آملي

تأسيسات نظرية لفقه العرفان

ــــــــــــــــــــــــــ قراءة: محمود ابراهيم ــــــــــــــــــــــــــ

 

الكتاب: السَّير إلى الله

المؤلّف: آية الله الشيخ حسن زاده آملي

مراجعة وضبط: السيّد حسين نجيب محمّد

الناشر: «دار المحجّة البيضاء»، بيروت 2001م

 

 

ربّما ينبغي أن يُنظر إلى كتاب آية الله الشيخ حسن زاده آملي «السّير إلى الله» بما هو نصّ تأسيسي لِما يُمكن اعتباره تنظيراً في فقه العرفان. وما ذاك إلّا لأنّ مؤلّفه أراد له خصيصة الفرادة الكتابية في مبناها ومحتواها. أمّا ميزة هذه الكتابة فهي أنّها تُنتج نصّاً يوحّد بين عدّة معارف في الآن نفسه. فلسوف يجد القارئ في كتاب الشيخ حسن زاده آملي إلى علوم القرآن والعرفان والبرهان، علمَ أصول الدين والحديث والتفسير والأخلاق. ولذا بدا أنّ كتاب «السّير إلى الله» هو عمل يخصّ فلسفة الأخلاق، بقدر ما يعني فقه العرفان والرسالات المتخصّصة بآداب السير والسلوك.

وإلى هذه الخصائص التي ينطوي عليها الكتاب، ثمّة أهمية أصلية تعود إلى شخصية المؤلّف نفسه، الذي يُعدّ من القلائل في عصرنا ممّن اعتنوا بالحكمة الإلهية بمعارفها المتعددة والمتنوعة، وفي مقدّمها فلسفة الأخلاق والمباحث المعنوية والعرفانية. وهذا الكتاب يشكّل بحقّ أحد أبرز حصائده العلمية في ميدان فلسفة الأخلاق، وآداب السير إلى الله تعالى.

في معنى لقاء الله

في معرض تمهيده لعمله، يوضح العلّامة بعض الالتباسات المتعلقة بمصطلح «السير إلى الله»، و«اللقاء بالله». يقول في فهم معنى لقاء الله تعالى «أنّ غير واحدٍ من المفسّرين ذهبوا في تفسير لقاء الله إلى لقاء العبد ثواب أعماله أو عقابها ونحوهما، وهذا الرأي كأنّما نشأ – كما يلاحظ المؤلّف - من توهّم القوم معنى اللقاء بأنّه الرؤية بالأبصار، و﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ الأنعام:103، فلمّا فهموا من اللقاء هذا المعنى احتاجوا الثواب أو العقاب، أو حمْل اللقاء على معنى آخر يناسب ما توهّموه، ولكن ما مالوا إليه وهْم، وليس اللقاء إلّا الرؤية القلبية كما قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، في جواب حَبرٍ قال له: (يا أمير المؤمنين هل رأيتَ ربَّك حين عَبدتَه؟

فقال عليه السلام: وَيلَكَ ما كُنتُ أَعبُدُ رَبّاً لمْ أَرَه،

قال: وكيف رأيتَه؟

قال: وَيْلَكَ، لَا تُدْرِكُه العُيونُ فِي مُشاهَدَةِ الأَبصَارِ، ولكِنْ رَأتْه القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ)».

في تفسيره هذا الحديث يبيِّن المؤلّف أنّ ما يتبادر إلى الأذهان من معنى الرؤية ونحوها، هو الرؤية بالعين، وذلك بسببٍ من الإلفة بالمحسوسات. وأمّا السير إلى باطن هذه النشأة والسفر إليه، وإدراك ما في كلام الله المتعال من الدقائق واللطائف، فلا يتيسّر إلّا لواحدٍ بعد واحد.

والشيخ العلّامة في معرض الكلام عن الرؤية والمشاهدة، هو كمثل سواه من الحكماء والفقهاء العرفاء، فلا يقصد من اللقاء الرؤية بكُنهه تعالى؛ فإنّ معرفته بالاكتناه لا يتيسّر لما سواه، وذلك لأنّ المعلول لا يرى علّته إلّا بمقدار سعةِ وجوده، والمعلول ظِلُّ علّته وعكسها، ولذا قيل: «إنّ العلم بالعلّة من العلم بالمعلول، علمٌ بها من وجه، ذلك يعني أنّه علمٌ ناقصٌ بالعلّة بقدر ظرف المعلول سعةً وضيقاً، ﴿..وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ..﴾ طه:111».

ولقد أفاد الشيخ البهائي في شرح الحديث الثاني من كتابه (الأربعين) بهذا المقصد لمّا قال: «المراد بمعرفة الله تعالى الاطّلاع على نُعوته وصفاته الجلالية والجمالية بقدر الطاقة البشرية، وأمّا الاطّلاع على حقيقة الذات المقدّسة فممّا لا مطمع فيه للملائكة المقرّبين، والأنبياء المرسلين، فضلاً عن غيرهم، وكفى في ذلك قول سيّد البشر صلّى الله عليه وآله: (ما عَرفناكَ حَقَّ مَعرِفَتِك)، وفي الحديث: (إنَّ اللهَ احْتَجَبَ عَن العُقولِ كمَا احْتَجَبَ عنِ الأَبصارِ، وإِنَّ المَلَأَ الأَعلَى يَطلُبُونَهُ كما تَطلُبُونَهُ أنتُم)».

وفي كلام الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام، إحاطة بالمراد من معاني اللقاء في قوله عليه السلام: «كُلّ مَا مَيَّزتُمُوه بِأوهامِكِم، فِي أَدَقِّ معانِيهِ، مَخلُوقٌ مَصنوعٌ مثلكُم، مَردُودٌ إليكُم».

ولذا فإنّ العارف - كما يبيّن أهل الحقّ - هو مَن أشهده الله تعالى صفاته وأسماءه وأفعاله. فالمعرفة حالٌ تحدث عن شهود، والعالِم مَن أطلعه الله على ذلك، لا عن شهودٍ بل عن يقين. ومَن ذاق هذه الحلاوة والتذّ بتلك اللذة وتنعَّم بتلك النعمة فقد فاز فوزاً عظيماً، وهذا الوجدان الشهوديّ الحضوريّ الحاصل لأهله يُدرَك ولا يُوصَف، وهو طورٌ وراء طورِ العقل، يُتوصَّلُ إليه بالمجاهدات الكشفية من دون المناظرات العقلية. ولو يعلمُ النّاسُ ما في فضل معرفة الله تعالى ما مدّوا أعينهم الى ما مُتّع به الناسُ من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم أقلَّ عندهم مما يَطؤونه بأرجُلهم، ولَنُعِّموا بمعرفة الله تعالى، وتلذّذوا بها تلذُّذ مَن لم يزل في روضات الجنان.

خصائص التبويب

إذا كان لنا أن نذكر الخصائص الإضافية التي تسِمُ الكتاب، فلا بدّ من الإشارة الى أنّ كتاب «السّير إلى الله» وما يليه، تتآزر فيه تشكيلة معرفية وإبداعية جمعتْ بين الفلسفة والعرفان والشعر. لذا سنرى كيف يحوي هذا الكتاب أربعة أبواب، جاءت على الوجه التالي:

الأول: السير الى الله.

الثاني: رسالة في لقاء الله.

الثالث: مناجاة عرفانية.

الرابع: قصيدة في ينبوع الحياة.

الأبواب الأربعة متّصلة في ما بينها ضمن وحدة قولية ومعنوية متكاملة. ولم يكن التقسيم الذي أجراه المصنّف سوى ترتيب منهجي لمراتب معرفية وذوقية يفترضها تصنيف النصوص إلى فلسفي وعرفاني وأخلاقي وأدبي.

يتضمّن الكتاب، إذاً، موضوعات متنوّعة جاءت عناوينها بحسب الفهرسة بعد المقدمة – كما يلي:

آيات اللقاء - معنى لقاء الله تعالى – التوحيد ووحدة الوجود – تفسير سورة التوحيد - أدعية وأذكار – أدب اللقاء - معرفة النفس – العوالم الوجودية – قوى النفس – مكاشفات – طُرق السير الى الله تعالى - القرآن الكريم - المحافظة على الطهارة - الجوع - قلّة الكلام - محاسبة النفس - المراقبة - الأدب مع الله تعالى - العِزلة عن الناس - التهجّد - التفكّر - ذكر الله تعالى - الرياضة النفسية - وصايا عامة - العبودية - التوبة.

هذا الى فصلين يحتويان على المناجاة العرفانية وقصيدة ينبوع الحياة.

مع كتاب «السير إلى الله» نكون أمام مقروء عظيم الأثر في التربية المعنوية والأخلاقية، ناهيك عن الأثر المعرفي الكبير في الحقل الفلسفي والحكمة الإلهية.

 

 

 

 

 

 

من سيرته الذاتية والعلمية

* ولد العلّامة الموسوعي آية الله الشيخ حسن زاده في مدينة «آمل» شمال إيران عام 1346 للهجرة.

* درس المقدِّمات ودرّسها في مسقط رأسه، وظهر اهتمامه بالأدب الفارسي وخاصة الشعر، كما اهتمّ بالشعر العربي.

* واصل دراسته في طهران منذ عام 1369 للهجرة في مدرسة المرحوم الحاج أبي الفتح، فيما درس السطوح والحكمة، والتفسير، والرياضيات، والتجويد، والفقه، والهيئة، والعرفان عند أساتذة كبار أمثال آية الله الشيخ محمد تقي الآملي، وآية الله الميرزا مهدي القمشئي، وآية الله الميرزا أبي الحسن الشعراني، وآية الله السيّد أبي الحسن الرفيعي القزويني، وآية الله الفاضل التوني.

* وفي سنة 1381 للهجرة انتقل إلى قمّ المقدّسة فدرس الحكمة والتفسير وعِلمَي الأعداد والحروف عند كبار العلماء كالسيّد محمّد حسين الطباطبائي رحمه الله، وأخيه السيّد محمّد حسن الإلهي، والسيّد علي القاضي (ابن أخ القاضي الكبير)، والسيّد مهدي القاضي، ثمّ بدأ بتدريس هذه العلوم.

* يُعدّ حالياً من أبرز أساتذة الحكمة المتعالية والعرفان، ومن كبار المؤلّفين في المجالات العلمية العديدة، وفي الحقيقة فإنّ شخصية الأستاذ الآملي العلمية خير خلَف لخير سلَف، وقد طُبع له عشرات الكُتب بالفارسية، أمّا كُتبه بالعربية، فمنها:

1-               عيون مسائل النفس.

2-               تصحيح أصول الكافي للكليني، وإعرابه.

3-               تصحيح كشف المراد للعلامة الحلّي، والتعليق عليه.

4-               شرح نهج البلاغة، وهو تكملة لشرح المحقّق الميرزا حبيب الله الخوئي (منهاج البراعة).

5-               فصل الخطاب في عدم تحريف كتاب ربّ الأرباب.

6-               اضبَط المقال في ضَبْط أسماء الرجال.

7-               تصحيح طبيعيات الشفاء لابن سينا.

8-               رسالة في التوبة.

9-               تعليقات على منظومة السبزواري.

10-          السير إلى الله، وهو هذا الكتاب موضوع القراءة.


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات