الملف

الملف

26/04/2017

ما ورد حول الملاك فُطرس

 

المحور الخامس: ما ورد حول الملاك فُطرس

* في (أمالي الصدوق)، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«إنّ الحسين بن عليّ لمّا وُلد، أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ جبرئيلَ أنْ يَهبطَ في ألفٍ مِن الملائكةِ، فيُهنِّئ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، من الله عزَّ وجلَّ، ومن جبرئيل.

قال: فهَبَط جبرئيلُ، فمَرَّ على جزيرةٍ في البحرِ فيها مَلَكٌ يقال له: فُطْرُس، كان من الحمَلَة، بعثه اللهُ عزَّ وجلَّ في شيءٍ فأبطَأ عليه، فكَسَرَ جناحَهُ وألقاهُ في تلك الجزيرة، فعَبَدَ اللهَ تبارك وتعالى فيها سبعمائة عامٍ حتّى وُلِدَ الحسينُ بن عليّ عليهما السلام.

فقال الملَكُ لجبرئيل: يا جبرئيل، أينَ تُريد؟

قال: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أنعمَ على مُحمّدٍ بِنعمةٍ، فبُعِثْتُ أُهنِّئهُ من الله ومنّي.

فقال: يا جبرئيل، احمِلْني معكَ لعلَّ مُحمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم، يدعو لي.

قال: فحَمَلَه. قال: فلمّا دخل جبرئيل على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، هنّأَهُ من الله عزَّ وجلَّ، ومنه، وأخبَرَهُ بِحالِ فُطْرُس، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: قُل له: تَمَسَّحْ بِهذا المولود، وعُدْ إلى مكانِك.

قال فتمسَّح فُطْرُس بالحسين بن عليّ عليهما السلام، وارتفع، فقال: يا رسولَ الله، أما إنّ أُمّتَكَ ستقتلُه، وله عليَّ مكافاة، ألّا يزوره زائرٌ إلّا أبلغتُهُ عنه، ولا يُسلِّم عليه مُسلِّمٌ إلّا أبلغتُه سلامَه، ولا يصلّي عليه مُصَلٍّ إلّا أبلغتُه صلاتَه، ثمّ ارتفع».

* وفي (مناقب) ابن شهرآشوب، أنّ الله تعالى كان خيَّر فطرساً الملك بعد إبطائه بين عذاب الدنيا والآخرة، فاختار الأول. وأنّ فطرساً بعد شفائه ببركة الإمام الحسين عليه السلام، «عَرجَ إلى موضعه، وهو يقول: مَن مثلي وأنا عَتاقة [الطليق أو المحرَّر] الحسين بن عليّ وفاطمة وجدّه أحمد..».

* وفي (الأنوار البهية) للمحدث الشيخ عباس القمي، قال: «في بعض الروايات أنّ الملَك كان اسمه صلصائيل، فلمّا قصّوا على النبيّ صلّى الله عليه وآله قصّته، قام رسول الله صلّى الله عليه وآله، فدخل على فاطمة صلوات الله عليها، فقال: ناوِلِيني ابني الحُسين، فأخرجته إليه مقموطاً يناغي جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، فخَرج به إلى الملائكة، فحمَلَه على بطن كفِّه، فهلّلوا وكبّروا وحمدوا الله تعالى وأثنوا عليه، فتوجّه به إلى القبلة نحو السّماء، فقال:

اللّهمّ إنّي أسألُكَ بِحقِّ ابني الحُسين أنْ تَغفرَ لِصلصائيل خطيئتَه، وتَجبرَ كَسْرَ جناحِه، وتَرُدَّهُ إلى مقامِه مع الملائكةِ المُقرَّبين، فتقبَّل اللهُ تعالى من النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ما أَقسمَ به عليه، وغَفرَ لِصلصائيل خطيئتَه وجَبرَ كَسرَه، وردَّه إلى مقامِه مع الملائكةِ المُقرَّبين».

* وفي (بشارة المصطفى) لعماد الدين الطبري، من أعلام الإمامية في القرن السادس، عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: «كانَ ملكُ الكروبِيّين يُقال له: فُطْرُس، وكان مِن الله عزَّ وجلَّ بِمكانٍ، فأرسلَهُ بِرسالةٍ فأَبطأَ فَكَسرَ جناحَه، فألقاهُ بِجزيرةٍ مِن جزائرِ البَحر..».

ثمّ ساق الخبر إلى أنْ قال: «..فقام النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فَصلّى ركعتَين ودعا في آخرهنّ: اللّهمّ إنّي أسألُكَ بِحَقِّ كلِّ ذي حقٍّ عليكَ وبِحَقِّ محمّدٍ وأهلِ بَيتِه، أنْ تردَّ على فُطْرُس جناحَهُ وتَستَجيبَ لِنَبيِّكَ وتَجعلَهُ آيةً لِلعالمين.

فاستَجاب اللهُ تعالى لنبيِّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأَوحى إليه أنْ يأمُرَ "فُطْرُس" أنْ يُمرِّرَ جناحَهُ على الحُسين عليه السلام.. ففَعلَ فسبَّحَ فأصبحَ صحيحاً. فقال: الحمدُ للهِ الذي مَنَّ عليَّ بك يا رسولَ الله.

فقال النبيّ لِفُطرس: أينَ تُريد؟

فقال: إنَّ جبرئيلَ أخبَرني بِمصرَعِ هذا المولود، وإنّي سألتُ ربِّي أنْ يَجعلَني خليفةً هناك.

قال: فذلك الملَكُ موكلٌ بِقبرِ الحسين عليه السّلام، فإذا تَرحَّمَ عبدٌ على الحسين أو تولّى أباه أو نَصَرَه بِسيفِه ولسانِه، انطلق ذلك الملَكُ إلى قبرِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيقول: أيّتها النفسُ الزكيّة، فلانُ بنُ فلان بِبلادِ كذا وكذا يَتولّى الحسينَ ويَتولّى أباهُ، ونَصَرَهُ بِلسانِه وقلبِه وسَيفِه.

قال: فيُجيبُه ملكٌ مُوكلٌ بالصّلاةِ على النّبيّ أنْ بلِّغهُ عن مُحمّدٍ السّلام، وقُل له: إنْ متَّ على هذا فأنتَ رفيقُه في الجنّة».

* وفي (مجمع البحرين) للطريحي أنّ «الكروبيّين.. سادة الملائكة والمقرّبون منهم». وفي (ربيع) الزمخشري أنّ الكروب أبلغ من القُرب وأقصر مسافة.

وتحظى قصة الملك فطرس رغم غرابتها باهتمام كبار العلماء: كالشيخ الصدوق في (الأمالي)، والشيخ ابن قولويه في (كامل الزيارات)، وابن جرير الطبري الإمامي في (دلائل الإمامة)، وابن حمزة الطوسي في (الثاقب في المناقب)، والشيخ الطوسي في (اختيار معرفة الرجال)، و(المصباح)،  وابن شهراشوب في (مناقب آل أبي طالب)، والسيد ابن طاوس في (الإقبال) و(فلاح السائل)، وصاحب (السرائر) ابن إدريس، والراوندي في (الخرائج والجرائح)، والشيخ محمّد بن المشهدي في (المزار)، والمجلسي في (البحار) في عدّة موارد، والسيد بحر العلوم، والخاقاني، والسيد الخوئي وغيرهم في (رجالهم). وتورد الكتب الرجالية الخبر عادة في ترجمة محمّد بن سنان، الذي شُبِّه بفطرس لشفائه ببركة الإمام الجواد عليه السلام، وعندما دعا له الإمام الجواد قال له ابن سنان: «فطرسيّة»، ما يدلّ على انتشار خبر «فطرس» بين أصحاب أهل البيت عليهم السلام.

ويؤكّد العلامة الطباطبائي في (تفسير الميزان) - عقب إيراده رواية من «أخبار الطينة»، وقول رسول الله لجابر الأنصاري أنّ أول ما خلق الله «نور نبيّك يا جابر» - وجوبَ الحذر في التعامل مع الروايات الغيبية بعدم إنكارها من رأس، قال رحمه الله: «وإيّاك أن ترمي أمثال هذه الأحاديث الشريفة المأثورة عن معادن العلم ومنابع الحكمة، بأنّها من اختلاقات المتصوّفة وأوهامهم، فللخلقة أسرار، وها هم العلماء في أرجاء المعمورة لا يألون جهداً في البحث عن أسرار الطبيعة، منذ أخذ البشر في الانتشار، وكلّما لاح لهم معلومٌ واحدٌ بانَ لهم مجاهيل كثيرة، مع أنّ مجال بحثهم عالم الطبيعة، وهو أضيق العوالم وأقلّها مرتبة، فما ظنّك بما وراءها، وهي عوالم النور والسعة..».

ثمّ إنّ مثل هذه الغرابة في الحديث عن سيّد الشهداء أمرٌ طبيعيّ، فها هي المصادر المسلمين السنّة تتحدّث عن مثل هذه الغرائب: ففي (مسند أحمد) عن بعض أزواج النبيّ أنّه صلّى الله عليه وآله قال لها: «لقد دخلَ علَيّ البيتَ ملَكٌ لم يدخل علَيَّ قبلها، فقالَ لي إنَّ ابنَكَ هذا.. مقتولٌ، وإنْ شِئتَ أَرَيتُكَ من تُربةِ الأرضِ التي يُقتَل بها.. فأخرَجَ تُربةً حمراء».

وفي (مجمع الزوائد) للهيثمي مثله، وأنّ رجاله رجال الصحيح. وفي (المعجم الكبير) للطبراني أنّ «ملك القَطْر» دخل على رسول الله صلّى الله عليه وآله، في بيت أمّ سلَمة. إلى أن قال: «..فقبض قبضةً من المكان الذي يُقتل فيه، فأتاه بسهلة حمراء، فأخذتْها أمّ سلَمة فجعلَتْها في ثوبها.

قال ثابت [راوي الحديث عن أنَس بن مالك] كنّا نقول: إنّها كربلاء».

ومن المفيد في الختام الإشارة إلى جملة من التساؤلات تثيرها هذه القصة:

1) أنّ الحديث عن معصية ملَكٍ أمر مستغرب، والحديث عن تأديبه بكسر جناحه أكثر غرابة.

2) لو لم يكن مسموحاً لفُطرس بطلب التوجّه مع جبرئيل لَما طلب.

3) لو لم يكن مأذوناً لجبرئيل عليه السلام أن يصطحبه لَما فعل.

4) لو لم يكن شفاؤه وارتفاعه موكولاً بأمر الله تعالى إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، لَما أُذِن له.

وبناءً على ما تقدّم، فلا بدّ أن تكون ثمّة علاقة بين الإمام الحسين عليه السلام، وبين هذا الملك، كان هو عالماً بها، وكان ينتظر مولدَه عليه السلام، ليعود إلى سيرته الأولى، وكان جبرئيل عليه السلام يعلم بذلك، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله، أعلم منهما معاً بتفاصيل الأمر وحقيقته، وكانت الحلقة الأخيرة في القصة أن يأذن له المصطفى صلّى الله عليه وآله بالتبرّك بالإمام الحسين عليه السلام، بمَهدِه أو به على اختلافٍ في هذه النقطة في المصادر.

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

26/04/2017

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات