قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

25/05/2017

القول الفصل في تدوين الكلام الإلهي

«القرآن الكريم وروايات المدرستين» للسيد مرتضى العسكري

القول الفصل في تدوين الكلام الإلهي

____ قراءة: محمود إبراهيم ____

الكتاب: «القرآن الكريم وروايات المدرستين» (ثلاثة مجلدات)

المؤلّف: السيّد مرتضى العسكري

الناشر: «المجمع العالمي لأهل البيت»، طهران 2016

 

يعدّ المسعى الجليل الذي قدّمه المحقّق الكبير السيد مرتضى العسكري تحت عنوان: «القرآن الكريم وروايات المدرستين»، من أبرز المنجزات المعرفية في ميدان مواجهة التحريف الذي تعرّض له تدوين القرآن الكريم خلال الحقبتين الأمويّة والعبّاسية. ففي هاتين الحقبتين سيشهد الفضاء الإسلامي موجات من الغزو الثقافي طاولت بشكل رئيسي الكتاب الإلهي، وتمثلت بسيلٍ هائلٍ من الافتراءات والاستدخالات وحَبْك الأباطيل.

ولعلّ الوجه الأخطر في هذه الموجات أنّها توغّلت في متون الأدبيّات الإسلامية، وغالباً ما جرت تحت سمع وبصر السلطة الأموية، وفي كثير من الأحيان بتشجيع منها بغية توظيف الآيات في خدمة هذه السلطة وأغراضها. فلقد وُجدت روايات لا حصر لها وُسِمت بالصحّة، وأخذ بها الخواصّ والعوامّ، في حين كانت مصدراً وذريعة للافتراء على الله تعالى وكتابه ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام. وقد تسبّبت هذه المفتريات كما يقول المؤلّف -  بنشوء قناعات لدى الجمهور بنسخ بعض الآيات أو إنسائها، ما أدّى بالتالي الى اختلاف آلاف القراءات، وشيوع المختلقات حول القرآن الكريم.

المنهج العلمي في التحقيق المقارن

          اعتمد المؤلّف في المجلدات الثلاثة التي تَوزّع عليها عمله منهج المقارنة والبحث المعمّق حول مصادر الروايات والأحاديث ليبيِّن بالتحليل العقلي والمنطقي حجمَ الافتراءات وسَعتها وأثرها على عقيدة المسلمين وإيمانهم وثقافتهم الدينية.

وعلى وجه الإجمال فقد تركّزت هذه المنهجية على الخطوط التالية:

أ‌-               دراسة خصائص المجتمعات التي تتحدّث الروايات عن شأن من شؤون القرآن فيها، بدءاً بالمجتمع الجاهلي الذي نزل القرآن فيه وانتهاءً بالمجتمع الإسلامي في أوّل عهد العباسيّين.

ب‌-          التحقيق في ما وصل ودُوِّن من تاريخ القرآن في كلّ عصر تتحدّث الروايات المفتَريات عن شأن من شؤون القرآن فيه.

ج – درسُ وتحقيق سيرة الكثيرين ممّن رُوي عنه أمرٌ من شؤون القرآن في تلك العصور وتلك المجتمعات.

في تأصيل المؤلّف لعمله

      في تمهيده لكتابه الموسوعي يبيِّن السيد العسكري الأسباب التي حملته على إنجاز هذا العمل الكبير فيقول: «كنتُ لا أرى في ما مضى أيّ ضرورة لهذا النوع من البحث القرآني، لما كنتُ أعلم أنّ المسلمين عامّة متّفقون اليوم على أنّ القرآن الّذي يتداولونه هو كلام الله الّذي أوحاه إلى خاتم أنبيائه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّهم توارثوه عن نبيّهم جيلاً بعد جيل حتّى اليوم، وأنّ الخلاف بينهم ناشئ عن تأويله وتفسيره، وأنّه إن شذَّ منهم شاذّ يوماً ما بقولٍ ما، فهو من شأن الطبيعة البشرية ومجتمعاتها الّتي لم تخلُ ولن تخلوَ من شذوذ الشواذّ في يوم من الأيّام. وبناء على هذه الرؤية لم أكن أرى حاجة للخوض في هذا النوع من البحث. هكذا كنت أرى».

يضيف: «ولمّا قامت الجمهورية الاسلامية في إيران اقتضت الدوافع السياسيّة لدى بعض الدول، التحرّش عليها، فانتشرت في طول البلاد الإسلامية‌ وعرضها كتب ورسائل ومقالات ضدَّها وضدَّ خطِّ أهل البيت عليهم السلام السائد فيها. وكان أهمّ ما رفعوه في هذه الحرب السياسيّة القرآن الكريم، فألجأتني‌الضرورة إلى أن أُبيّن الواقع التاريخي في هذا الشأن. وكتبتُ موجزاً من البحث في أوّل المجلّد الثاني من (معالم المدرستين)، ظنّاً منّي أنّه كافٍ لرفع الشبهات التي أُثيرت في هذا الصدد. غير أنّ ما تلقّيتُ من الأسئلة حولها من شتّى البلاد وما أنبئتُ أنّ بعض الدول الإسلامية قد دفعت وساعدت على نشر ما يقارب من مائتي كتاب ورسالة بهذا الصدد في بلاد الهند وحدها، أثبتت لي أنّ الشّبهات الّتي أُثيرت حول مدرسة أهل البيت عليهم السلام في شأن القرآن خاصّة، أخطر وأوسع ممّا كنت أرى، أضف إليه ما كنت أراه منذ عشرات السنين من ضرورة القيام بردّ شبهات المستشرقين في ثبوت النصّ القرآني؛ لهذا وذاك اتّسعت بحوث الكتاب وتسلسلت حتّى بلغت ثلاثة مجلدات..».

قواعد الترتيب المنهجي

لقد بذل المؤلف جهداً استثنائياً لدراسة خصائص المجتمع الّذي نزل فيه القرآن وانتشر منه، وذلك لأجل إجراء مقارنة بين تلك الروايات والوقائع التاريخي الّذي يناقض تلك الروايات. وأما الروايات الّتي تناولها فهي:

أ ـ روايات جمع القرآن.

ب ـ روايات الزيادة والنقصان في القرآن!!

ج ـ روايات اختلاف المصاحف.

د ـ روايات النسخ والإنساء.

ه‍‍ ـ روايات اختلاف القراءات أو القراءات المختلفة.

و ـ روايات «أُنزل القرآن على سبعة أوجه» وما الى ذلك مما يتصل بالتأويل.

ز ـ تقويم الروايات السابقة.

وكنتيجة منطقية لمثل هذا العمل الاستقرائي للروايات يتوصّل المؤلّف الى الحصيلة التالية:

أوّلاً: إنّ «الروايات الإسرائيلية» وروايات الغلاة والزنادقة إنّما هي روايات موضوعة ومفتراة على الله ورسوله وكتابه، وفيها ما افتري بها على الصحابة وأئمّة أهل البيت.

ثانياً: في تلكم الروايات روايات صحيحة، غير أنّ فيها مصطلحات قرآنية تغيّرت معانيها، وتبدّلت بعد عصر الصحابة متدرّجاً. حتّى أصبح لها اليوم معانٍ غير الّتي قصد منها في القرآن وحديث الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وأحاديث الصحابة.

والذين حملوا هذه الروايات المفتراة على مثل هذه المحامل كانوا على وعي في سوادهم الأعظم لما يفعلون. وذلك إمّا عن قناعة واعتقاداً وإمّا لخوف من إرهاب السلطات الجائرة. لذلك فقد سوَّغوا أعمالهم انطلاقاً ممّا يلي:

أوّلاً: أنّهم اعتقدوا بأنّ في القرآن الكريم آيات منسوخة التلاوة مع  بقاء حكمها، وأخرى منسوخة الحكم مع بقاء قراءتها، وآيات أخرى منسوخة التلاوة والحكم جميعاً، وعلى أثر ذلك تسابقوا في استخراج الآيات الناسخة والمنسوخة لفظاً أو حكماً أو هما جميعاً في تلكم الروايات، وسجّلوا نتائج ما توصّلوا إليه في عشرات المؤلّفات بعنوان «علم الناسخ والمنسوخ» من علوم القرآن، في حين أنّ الله عزّ وجلّ ما نسخ آية ممّا أنزل على رسوله في القرآن الكريم لا لفظاً ولا معنىً ولا كليهما معاً، ونعوذ بالله من هذا الافتراء الشنيع على الله الحكيم وكتابه الكريم.

ثانياً: إنّ جملة ممّن سُمّوا بالقرّاء الكبار أجازوا لأنفسهم أن يبدّلوا كلمات القرآن الّتي نزلت بلغة قريش وهوازن وقضاعة وتميم وطي‌ء وغيرهم من قبائل العرب، وبلغ بهم الأمر أن يتسابقوا في البحث والتقصّي عن شواذّ اللهجات في قبائل العرب وإن كان جرى ذلك على لسان بدويّ جاهل غير فصيح، ويجعلوا ذلك التلفظ الشاذّ الغلط قراءة لتلك الكلمة في القرآن الكريم، حتى بلغ عدد القراءات في كلمة واحدة من كلمات القرآن الكريم عشر قراءات إحداها لغة قريش، مثل ما جرى لكلمة (عليهم) في قوله تعالى في سورة الحمد ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾.

ثالثاً: إنّ تلكم الروايات المفترى بها على الله ورسوله وكتابه وأصحاب رسوله أدّت إلى:

أ ـ عدم فهم معاني المصطلحات القرآنية في أحاديث أخرى  صحيحة.

ب ـ اعتقاد العلماء بوجود الناسخ والمنسوخ في آيات القرآن الكريم.

ج ـ تجوّز القرّاء في تحريف كلمات القرآن واختلاقهم تلك القراءات الباطلة لها.

د ـ شوّشت على بعض المحدّثين أمثال الشيخ النوري الرؤية  الصحيحة لأمر القرآن الكريم وكتبوا في شأن القرآن الكريم.

رابعاً: استند المستشرقون وخصوم الإسلام إليها، ورووا وكتبوا أنّ مصاحف الصحابة كانت تختلف بعضها مع بعض، مثل مصاحف عمر وأُبيّ وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير، وعائشة وحفصة، وكذلك عدّوا أحد عشر مصحفاً من مصاحف التابعين كانت تختلف بعضها مع بعض، وأنّ الحجّاج غيّر من مصحف عثمان عشرة أماكن، مثل ﴿يسيّركم في البر والبحر﴾ في سورة يونس الآية 22، والّتي كانت (هو الّذي ينشركم في البر والبحر)، فنُسي ما كان في مصحف عثمان وبقي يقرأ في القرآن ما غيره الحجّاج.

ولما كان الاستدلال على بعض العلوم النظرية يتوقف على تذكار بعض البديهيات، وكنّا في هذه البحوث نخاطب عامّة الناس، المتخصّص منهم بهذه العلوم وغير المتخصّص، والمسلم منهم وغير المسلم، فقد اضطررنا أحياناً إلى شرح بعض المصطلحات الّتي يُبحث عنها في بدايات العلوم، التي هي من البديهيات عند المشاركين في العلوم الإسلامية، وأحياناً عند عامّة المسلمين، كما إنّنا اضطررنا أحياناً إلى تكرار بعض المفاهيم الّتي سبق شرحها، لمّا كان الاستدلال عليها في البحث الجديد يتوقّف على التذكير بتلك المفاهيم وخاصّة الجديدة منها على المجتمع.

لا شكّ بأن هذا الكتاب ينطوي على أهمّية علمية خاصّة في عالمنا اليوم، حيث بلغت النتائج المترتّبة على الروايات المنتحَلة والتحريفات التي تعرّض لها القرآن الكريم الى استشراء الأمويّة الجديدة عبر الوهّابية التكفيرية، لتملأ أرض الإسلام والمسلمين بالفِتن والتكفير والحروب المستدامة.


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

25/05/2017

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات