الملف

الملف

منذ أسبوع

السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم عليه السلام



كريمة أهل البيت عليهم السلام

السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم عليه السلام

 

 

اقرأ في الملف

استهلال

..اشفعي لي في الجنة

قرّةُ عينِ قمّ

إعداد: «شعائر»

قراءة في زيارة السيدة المعصومة عليها السلام

العلامة الشيخ محمد علي المعلم

الشهادة في الطريق إلى خراسان

السيد أبو الحسن هاشم

 

 

استهلال

..اشفعي لي في الجنّة

السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رَسُولِ الله، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ فاطِمَةَ وَخَدِيجَةَ،

السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ أَمِيرِ المُوْمِنِينَ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ،

السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ وَلِيِّ الله، السَّلامُ عَلَيْكِ يا أخْتَ وَلِيِّ الله، السَّلامُ عَلَيْكِ يا عَمَّةَ وَلِيِّ الله،

السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ مُوسى بنِ جَعفرٍ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.

السَّلامُ عَلَيْكِ عَرَّفَ الله بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ فِي الجَنَّةِ ".."

أَتَقَرَّبُ إِلى الله بِحُبِّكُمْ، وَالبَراءةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ،

وَالتَّسْلِيمِ إِلى الله راضِياً بِهِ غَيْرَ مُنْكِرٍ وَلا مُسْتَكْبِرٍ ".."

يا فاطمةُ اشْفَعِي لِي فِي الجَنَّةِ

فَإِنَّ لَكِ عِنْدَ الله شَأْنا مِنَ الشَّأْنِ.

(العلامة المجلسي، بحار الأنوار)

 

 

 

قرّة عين قمّ

السيدة المعصومة سلام الله عليها

§        إعداد: «شعائر»

* قال المحدّث القمّي أعلى الله مقامه في (منتهى الآمال): «ومزارها في قمّ المقدّسة ذو قبّة عالية وضريح وصحون متعدّدة وخدم وموقوفات كثيرة، وهي قرّة عين قمّ، وملاذ الناس ومعاذهم، بحيث تُشدّ إليها الرحال كلّ سنة من الأماكن البعيدة لاقتباس الفيض، واكتساب الأجر من زيارتها، عليها السلام».

هي السيّدة الجليلة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام. جاء في زيارتها: «السلامُ عليكِ يا بنتَ وليِّ الله، السلامُ عليكِ يا أختَ وليِّ الله، السلامُ عليكِ يا عمّةَ وليِّ الله..».

«شعائر»

 

وُلدت السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام في المدينة المنوّرة غرّة شهر ذي القعدة الحرام سنة 173 للهجرة، وكانت وفاتها في قمّ سنة 201 للهجرة، وذلك في العاشر من ربيع الثاني، وقيل: في الثاني عشر منه، وفيها دُفنت.

 

 

والدها سابع أئمّة المسلمين، الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام. وقد ورد في المصادر والنصوص الدينية أنّه لم يبلغ أحدٌ من أبناء الإمام الكاظم عليه السلام مع كثرتهم - باستثناء الإمام الرضا عليه السلام - ما بلَغته السيدة المعصومة عليها السلام، من منزلة ومكانة مرموقة. وقد صرّح الشيخ عباس القمّي بأنّ «أفضل بنات الإمام الكاظم عليه السلام، السيّدة الجليلة المعظّمة فاطمة، والشهيرة بالمعصومة».

وقد قيل في حقّها: «إنّها نشأت تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السلام، لأنّ أباها الإمام الكاظم عليه السلام سُجن بأمر هارون العباسي، لذلك تكفّل أخوها الرضا عليه السلام برعايتها ورعاية أخواتها ورعاية كلّ العوائل من العلويّين التي كان الإمام الكاظم سلام الله عليه، قائماً برعايتهم».

ويظهر من الروايات أنّ فاطمة المعصومة كانت عابدة مقدّسة مباركة، شبيهة جدّتها فاطمة الزهراء عليها السلام, وأنّها على صِغر سنّها كانت لها مكانة جليلة عند أهل البيت عليهم السلام، وعند كبار فقهاء الإمامية، لا سيّما فقهاء قمّ ورواتها، حيت قصدوها إلى ساوة وخرجوا في استقبالها، ثمّ أقاموا على قبرها بناءً بسيطاً، ثمّ بنوا عليه قبّة وجعلوه مزاراً، وأوصى العديد منهم أن يدفنوا في جوارها.

وفاطمة المعصومة عليها السلام، هي الأخت الشقيقة للإمام الرضا عليه السلام؛ فوالدتهما السيّدة تكتم (وقيل: نجمة وغير ذلك) المكنّاة بأمّ البنين، كانت من أفضل النساء في عقلها ودينها. تقول السيّدة حميدة المصفّاة لولدها الإمام الكاظم عليه السلام: «يا بنيّ، إنّ تكتم جارية ما رأيتُ جاريةً قطّ أفضل منها، ولست أشكّ أنّ الله تعالى سيطهّر نسلها... فاستوصِ بها خيراً». ولمّا وَلدت الإمام الرضا عليه السلام، سمّاها الإمام الكاظم عليه السلام بـ«الطاهرة»، وقد كانت من العابدات القانتات لربّها.

التسمية بفاطمة

اهتمّ الأئمّة عليهم السلام باسم فاطمة، لأنّه اسم جدّتهم الصدّيقة الكبرى سيّدة نساء العالمين صلوات الله عليها، ولذا نراهم سمّوا بناتهم بهذا الاسم وأوصوا بالتسمية به:

فعن سليمان الجعفريّ: قال: «سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا يدخل الفقرُ بيتاً فيه اسم محمّد، أو أحمد، أو عليّ، أو الحسن، أو الحسين، أو جعفر، أو طالب، أو عبد الله، أو فاطمة من النساء».

وعن السكونيّ قال: «دخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغمومٌ مكروبٌ، فقال لي: يا سكونيّ ممّ غمّك؟

قلت: وُلدت لي ابنة.

فقال: يا سكونيّ، على الأرض ثِقلُها وعلى الله رزقها، تعيشُ في غير أجَلِك وتأكلُ من غير رزقك.

فسرّى والله عنّي، فقال لي: ما سمّيتَها؟

قلت: فاطمة.

قال: آهِ آه، ثمّ وضع يده على جبهته..(إلى أن قال:) أمّا إذا سمّيتَها فاطمة فلا تسبَّها، ولا تلعنها، ولا تضربها».

ومن هنا كان للإمام الكاظم عليه السلام أربع بنات سمّاهنّ بفاطمة، كما في (تذكرة الخواصّ) لابن الجوزي.

فاطمة العابدة

من الطبيعيّ أن تكون هذه السيّدة الجليلة من العابدات القانتات، حيث تربّت في أجواء العبادة والطاعة بين أبيها الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام، وأمّها الطاهرة رضوان الله عليها.

وما يزال المحراب الذي كانت السيّدة فاطمة تصلّي فيه في دار موسى بن خزرج بقمّ ماثلاً إلى الآن، يقصده الناس لزيارته والصلاة فيه. وقد جُدّدت عمارته خلال السنوات الأخيرة، وشُيّدت إلى جانبه مدرسة لطلبة العلوم الدينيّة تعرف بـ «المدرسة الستّيّة»، أو «بيت النور». يقع المحراب في الشارع المجاور للصحن الشريف، ويُعرف بشارع «جَهار مَرْدان»، على يسار الذاهب من الروضة الفاطميّة، وهو مزدان بالقاشاني، وعلى مدخله أبيات بالفارسيّة، تعريبها:

«لقد شُيِّد هذا البناء المُنير إجلالاً لبنت موسى بن جعفر، حيث مَثُل فيه محراب فاطمة المعصومة، فزادت به "قم" شرفاً على شرف».

سبب شهرتها بـ«المعصومة»

اشتهرت هذه السيّدة الجليلة بلقب «المعصومة» حتّى باتت تُعرف به، وقد أرجع بعضهم ذلك لأحد سببين:

الأوّل: أنّه لمّا كان عمرها رضوان الله عليها قصيراً (28 عاماً)، أطلق عليها الإيرانيّون «معصومة فاطمة» أو «معصومة قمّ»، لأنّ «معصوم» بالفارسيّة بمعنى البريء، ويوصف بها الطفل البريء؛ فيكون ذلك للإشارة إلى طهارتها وصفاء روحها.

الثاني: أنّ ذلك يعود لطهارتها وعصمتها عن الذنوب، فإنّ العصمة على قسمَين، عصمة واجبة كالتي ثبتت للأئمّة المعصومين عليهم السلام، وعصمة جائزة تثبت لكبار أولياء الله تعالى، المقدّسين المطهّرين عن الذنوب. ولعلّ ما جاء في ثواب زيارتها ممّا ورد التعبير بمثله للأئمّة المعصومين عليهم السلام، يؤيّد هذا الوجه، كالتعبير بأنّ من زارها فله الجنّة أو وجبت له الجنّة ونحوها... وقد نُسب للإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: «مَن زارَ المعصومة بقمّ كَمَن زارني».

 

فاطمة الشفيعة

ولمنزلتها العظيمة ومقامها الرفيع عند الله تعالى، فقد أُعطيت الشفاعة. فعن القاضي نور الله التستريّ قدّس الله روحه، في كتاب (مجالس المؤمنين)، عن الصادق عليه السلام، أنّه قال: «إنّ للهِ حرَماً وهو مكّة، ألَا إنّ لِرسولِ الله حرَماً وهو المدينة، ألا وإنّ لِأميرِ المؤمنين حرَماً وهو الكوفة، ألَا وإنّ قمّ الكوفة الصغيرة، ألَا إنّ لِلجنّةِ ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قمّ، تُقبَض فيها امرأةٌ من ولدي اسمُها فاطمة بنت موسى، وتُدخل بشفاعتِها شيعتي الجنّة بأجمعِهم».

 

كريمة أهل البيت عليهم السلام

هذا لقبٌ اشتهرت به سلام الله عليها، وهناك قصّة منقولة عن السيّد محمود المرعشيّ، والد المرجع الديني السيّد شهاب الدّين المرعشيّ قدّس سرّهما، ورد فيها هذا اللقب، وحاصلها: أنّه كان يريد معرفة قبر الصدّيقة الزهراء عليها السلام, وقد توسّل إلى الله تعالى من أجل ذلك كثيراً، حتّى أنّه دأب على ذلك أربعين ليلة من ليالي الأربعاء من كلّ أسبوع في مسجد السهلة بالكوفة، وفي الليلة الأخيرة حظيَ بشرف لقاء الإمام المعصوم عليه السلام، فقال له الإمام عليه السلام: «عليكَ بكريمةِ أهل البيت». فظنّ السيّد محمود المرعشيّ أنّ المراد بكريمة أهل البيت عليها السلام، هي الصدّيقة الزهراء عليها السلام، فقال للإمام عليه السلام: «جُعلت فداك، إنّما توسّلتُ لهذا الغرض، لأعلم موضع قبرها، وأتشرّف بزيارتها».

فقال عليه السلام: «مُرادي من كريمةِ أهلِ البيت قبر السيّدة فاطمة المعصومة عليها السّلام في قمّ..». وعلى أثر ذلك، عزم السيّد محمود المرعشيّ على السفر من النجف الأشرف إلى قمّ لزيارة كريمة أهل البيت عليها السلام.

وقد ذُكرت لها ألقاب أخرى، من أشهرها: الطاهرة، والحميدة، والبرّة، والتقية، والنقية، والرضيّة، والمرضيّة، والسيّدة.

الراوية والمحدّثة

كانت السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليهما السلام عالمة محدِّثة راوية، حدّثت عن آبائها الطاهرين عليهم السلام، وحدّث عنها جماعة من أرباب العلم والحديث، وأثبت لها أصحاب السُّنن والآثار روايات ثابتة وصحيحة من الفريقين الخاصّة والعامّة، فذكروا أحاديثها في مرتبة الصحاح الجديرة بالقبول والاعتماد.

* روى الحافظ شمس الدّين محمّد بن محمّد الجزريّ الشافعيّ المتوفّى سنة 318 للهجرة‍، بسنده عن بكر بن أحمد القصريّ، عن فاطمة بنت عليّ بن موسى الرضا، عن فاطمة وزينب وأمّ كلثوم بنات موسى بن جعفر، قلن: «حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد الصادق، حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن عليّ، حدّثتني فاطمة بنت عليّ بن الحسين، حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن عليّ، عن أمّ كلثوم بنت فاطمة بنت النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، عن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ورضي عنها قالت: أَنَسيتُم قولَ رسولِ الله صلّى الله عليه وآلِه وسلّم يوم غدير خمّ: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى».

* وبسنده عن بكر بن أحنف، قال: «حدّثتنا فاطمة بنت عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، قالت: حدّثتني فاطمة وزينب وأمّ كلثوم بنات موسى بن جعفر عليهم السلام، قلنَ: حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد عليهما السلام، قالت: حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن عليّ عليهما السلام، قالت: حدّثتني فاطمة بنت عليّ بن الحسين عليهما السلام، قالت: حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن عليٍّ عليهما السلام، عن أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السلام، عن فاطمة بنت رسول الله، قالت: سمعتُ رسولَ الله يقول: لمّا أُسرِيَ بي إلى السّماءِ دخلتُ الجنّةَ فإذا أنا بِقصرٍ من درّةٍ بيضاء مُجوَّفة، وعليها بابٌ مُكلّلٌ بالدرِّ والياقوت، وعلى البابِ سِتر، فرفعتُ رأسي فإذا مكتوبٌ على الباب: لا إلهَ إلّا الله، محمّدٌ رسولُ الله، عليٌّ وليُّ الله، وإذا مكتوب على السّتر: بَخٍ بَخٍ، مَن مثلُ شيعةِ عليّ..» الحديث.

* وروى الصدوق في (الأمالي)، عن أحمد بن الحسين المعروف بأبي عليّ بن عبد ربّه، قال: «حدّثنا الحسن بن عليّ السكريّ، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهريّ، قال: حدّثنا العبّاس بن بكار، قال: حدّثني الحسن بن يزيد، عن فاطمة بنت موسى، عن عمر بن عليّ بن الحسين، عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام، عن أسماء بنت أبي بكر، عن صفيّة بنت عبد المطلب، قالت: لمّا سقطَ الحسينُ عليه السلام من بطن أمّه وكنت وليتُها، قال النبيّ: يا عمّة هلمّي إليّ ابني، فقلت: يا رسول الله، إنّما لم ننظِّفه بعد، فقال: يا عمّة أنت تنظّفيه؟! إنّ الله تبارك وتعالى قد نظّفَه وطهَّره».

هجرتها ووصولها الى مدينة قم

ورد في المصادر التاريخية  أنّ السيّدة المعصومة عليها السلام، خرجت سنة 201 هجرية من المدينة المنوّرة إلى «مَرو» بعد وصول الإمام الرضا عليه السلام إليها سنة 200 هجرية، في قضية ولاية العهد المعروفة.

ورُوي أنّها عليها السلام، استعدّت للسفر نحو خراسان بعد أن تلقّت كتاباً من أخيها الرضا عليه السلام، فخرجت ضمن قافلة تضمّ عدداً من إخوتها وأخواتها وأبناء إخوتها، وعندما وصلوا إلى مدينة ساوة الإيرانية تعرّضت القافلة لهجوم، فقُتل على إثره إخوتها وأبناء إخوتها، واعتلّت السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام نتيجة هذه الحادثة المأساوية، فأمَرت مَن معها بالتوجّه بها إلى مدينة قمّ.

وفي رواية أخرى أنّه لمّا وصل خبر قدومها إلى قمّ، استقبلها أشرافها (آل سعد)، يتقدّمهم موسى بن خزرج، فلمّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها، وقادها إلى منزله، فكانت في داره سبعة عشر يوماً أمضتها بالعبادة والابتهال إلى الله تعالى.

وهناك دلائل على أنّ الهجوم على القافلة كان بتدبير من المأمون العباسي.

وفاتها

لم تسجّل المصادر التاريخية القديمة تاريخ وفاة السيدة المعصومة عليها السلام، إلاّ أنّ المصادر المتأخّرة سجّلت ذلك في العاشر من ربيع الثاني من سنة 201 هجرية، عن عمرٍ ناهز الثامنة والعشرين.

ولمّا توفّيت فاطمة المعصومة عليها السلام، وغُسِّلت وكفِّنت، حملوها إلى مقبرة بابلان، والتي تعود ملكيّتها الى موسى بن خزرج، ووضعوها على سردابٍ حُفر لها، فاختلف آل سعد في مَن ينزلها إلى السرداب، ثمّ اتفقوا على خادمٍ لهم صالحٍ كبيرِ السنّ يُقال له «قادر»، فلمّا بعثوا إليه رأوا راكبَين مقبلَين من جانب الرملة وعليهما اللثام، فلمّا قربا من الجنازة نزلا، وصلّيا عليها، ثمّ نزلا السرداب، وأنزلا الجنازة، ودفناها فيه، ثمّ خرجا، ولم يكلّما أحداً، وركبا، وذهبا، ولم يدرِ أحدٌ مَن هما.

وبنى عليها موسى بن خزرج سقيفة من البواري، فلمّا كانت سنة 256 هجرية جاءت زينب بنت محمّد بن علي الجواد عليه السلام لزيارة قبر عمّتها، فبنت عليها قبّة.

ويرجع تاريخ القبّة الحاليّة على ضريح السيّدة المعصومة إلى سنة (529 هجريّة)، حيث بُنيت بأمر من المرحومة (شاه بيكم بنت عماد بيك). أمّا تذهيب القبّة وبعض الجواهر التي رُصّع بها القبر الشريف، فهي من آثار فتح علي شاه القاجاريّ. وفوق قبر السيّدة فاطمة صخرة عليها نقشٌ كهيئة المحراب، تحيط به آية الكرسيّ، وكُتب في وسطه «توفيّت فاطمة بنت موسى في سنة إحدى ومائتين».

 

«.. فإنّ لكِ عندَ الله شأناً من الشأن»

قراءة في زيارة السيدة المعصومة عليها السلام

§        العلّامة الشيخ محمّد علي المعلم رحمه الله *

* ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ..﴾ النور:36.

من أجلى مظاهر الودّ ومراعاة المودّة لدى الشيعة الإمامية تجاه أئمّتهم عليهم السلام، تعاهد مواطنهم ومواضع مراقدهم بالزيارة، وتجديد العهد بالولاء والمحبة. يستسهلون في الوصول إليهم كلّ عسير، ويستخفّون بكلّ خطير، فقد جعل الله تعالى تلك المواطن المطهّرة بيوتاً أذِن أن تُرفع ويذكَر فيها اسمُه.

ولمّا كانت السيّدة فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم عليه السلام، غصناً من تلك الشجرة الطيبة، وفرعاً من ذلك الأصل الزّاكي، ولها من الشأن والمقام ما لا يخفى، ورد الترغيب في زيارتها، والحثّ على قصد بُقعتها، قربةً لله تعالى ووفاءً لرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

«شعائر»

 

ورد في العديد من الروايات تأكيد زيارة السيدة المعصومة عليها السلام، وأنّ الله تعالى قد جعل الجنّة ثواباً لمَن زارها، ومن تلك الروايات ما نُقل عن عدّة من أهل الرّي أنّهم دخلوا على أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام وقالوا: «نحن من أهل الرّي.

فقال عليه السلام: مرحباً بإخواننا من أهل قمّ.

فقالوا: نحن من أهل الريّ، فأعاد الكلام، قالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل ما أجابهم به أولاً.

 

 

ثمّ قال عليه السلام: إنّ لله حرَماً وهو مكّة، وإنّ لِلرّسولِ حرَماً وهو المدينة، وإنّ لِأميرِ المؤمنين حرَماً وهو الكوفة، وإنّ لنا حرَماً وهو بلدة قمّ، وستُدفن فيها امرأةٌ من أولادي تُسمّى فاطمة، فمَن زارها وَجبَت له الجنّة.

قال الراوي: وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولَد الكاظم».

ومنها: ما رُوي عنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: «إنَّ زيارتَها تَعدلُ الجنّة».

ومنها: ما رواه الصدوق بسنده عن سعد بن سعد، قال: «سألتُ أبا الحسن الرضا عليه السلام، عن فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم السلام، فقال عليه السلام: مَن زارَها فلهُ الجنّة».

ومنها: ما روي عن سعد، عن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، قال: «يا سعد، عندكُم لنا قبرٌ.

قلت: جعلتُ فداك، قبر فاطمة بنت موسى عليهما السلام؟

ال: نعم، مَن زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة».

ومنها: ما رُوي عنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: «مَن زار المعصومة بِقُمّ كمَن زارني».

ومنها: ما رُوي عن أبي جعفر محمّد بن علي الجواد عليهما السلام، أنّه قال: «مَن زارَ قبرَ عمّتي بِقُمّ فله الجنّة».

وغيرها من الروايات الدالّة على فضل زيارتها، وما أعدّه الله تعالى ثواباً لزائرها وهو الجنّة، وقد ورد أنّ للجنة ثمانية أبواب، ثلاثة منها لأهل قمّ.

خصائص الزيارة وبعض مميّزاتها

تعدّ هذه الزيارة من الزيارات الجامعة، حيث اشتملت على السلام على أبي البشر آدم عليه السلام، وأُولي العزم من الرسل عليهم السلام، ثمّ السلام على المعصومين من أهل البيت عليهم السلام، وهم الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام، والأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام، وذِكرهم واحداً واحداً، ثمّ السلام على فاطمة المعصومة، ثمّ الإشارة إلى بعض مقامات أهل البيت عليهم السلام، ومنزلتهم عند الله تعالى، وما أعدّه لهم من المنزلة في الدار الآخرة، والشأن العظيم، ثمّ الإقرار لهم بالمحبة والولاية والبراءة من أعدائهم، والتسليم إلى الله تعالى، وإعلان الرضا بكلّ ما جاء به النبيّ صلّى الله عليه وآله، والاعتقاد اليقين به، ثمّ الابتهال إلى الله تعالى وطلب الثبات على ذلك.

وجميع هذه المضامين العالية واردة في روايات أهل البيت عليهم السلام، فهي في حدّ ذاتها - بغضّ النظر عن سندها - موافِقة لما ورد من أصول المعارف الحقّة عن أئمّة الهدى عليهم السلام.

ثمّ إنّ في هذه الزيارة أموراً تلفت النظر وتسترعي الانتباه، نشير إجمالاً إلى اثنين منها:

الأول: الالتفات في السلام من الغَيبة إلى الخطاب، فإنّ الزيارة تبدأ بالسلام على آدم في صورة الغَيبة، حتى إذا بلغ السلام إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله تحوّل إلى صورة المخاطبة.

الثاني: اشتمال الزيارة على أنّ للسيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام شأناً من الشأن، وبه تشفع في الجنة.

أمّا الأمر الأول: فلأنّ من الثابت بالكتاب والسنّة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام، شهداء على الخَلق، وأنّهم في جميع الحالات يسمعون الكلام ويردّون السلام، من دون اختصاص بمكانٍ دون مكان أو زمانٍ دون آخَر، ولذا فإنّ جميع ما ورد من الزيارات - إلّا القليل - كان في صورة الخطاب والحضور، حتى أنّ التسليم المستحبّ في آخر كلّ صلاة كذلك، وهو قول المصلّي: «السلامُ عليك أيّها النبيّ ورحمةُ الله وبركاته»...

ففي العدول من الغَيبة إلى الخطاب إشعارٌ بحضورهم عليهم السلام، في هذا المكان المقدّس، فإنّه حرَمُهم، وموطن شيعتهم، وورد في الروايات أنّهم عليهم السلام لا يغيبون عن شيعتهم.

وقد أصبح لبلدة قمّ ميزة أخرى تضاف إلى مميّزاتها، وهي أنّها مثوى السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام، الأمر الذي زاد في ارتباط الأئمّة عليهم السلام، بقمّ، وقد أخبر عنه الإمام الصادق عليه السلام قبل ولادتها، بل قبل ولادة أبيها عليه السلام، حيث قال: «وستُدفَنُ فيها امرأةٌ من أولادي تُسمّى فاطمة، فمَن زارَها وَجَبت له الجنّة».

وفي رواية أخرى: «تُقبَض فيها امرأةٌ هي من وُلدي، واسمُها فاطمة بنت موسى، تُدخِل بشفاعتِها شيعتَنا الجنّة بأجمعهم». وبه ينسجم العدول في السلام من الغَيبة إلى الخطاب؛ فإنّ الزّائر يخاطب النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام، وهم حاضرون.

وأمّا الأمر الثاني: فإنّ شأن السيّدة فاطمة المعصومة هو الشأن الشامخ، والمنزلة العالية عند الله تعالى على ما نطقت به الروايات، ومن ذلك أنّ لها شأنيّة الشفاعة لجميع الشيعة، كما قال عنها جدّها الإمام الصادق عليه السلام: «تُدخِل بشفاعتِها شيعتَنا الجنّة بأجمعهم».

والشفاعة من المسائل التي أكّدتها النصوص القرآنية وروايات أهل البيت عليهم السلام، وتكفّلت الكتب الكلامية ببيان تفاصيلها حكماً وموضوعاً.

والذي نودّ الإشارة إليه أنّ المستفاد من جملة: «يا فاطمةُ اشْفَعِي لِي فِي الجَنَّةِ فَإِنَّ لَكِ عِنْدَ الله شَأْنا مِنَ الشَّأْنِ»، أنّ هذا الشأن ليس هو شأن الشفاعة فقط، وإنّما الشفاعة هي أحد مصاديق ذلك الشأن.

ويؤيّد هذا المعنى ما ورد من الروايات الدالّة على أنّ الشفاعة ثابتة لجملة من الأفراد على اختلاف مراتبهم، منهم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، فإنّ له المقام المحمود، وهو أعلى مراتب الشفاعة على ما ورد في كثيرٍ من الروايات. ومنهم الأئمّة المعصومون عليهم السلام والصدّيقة الزّهراء عليها السلام، ومنهم الشهداء، ومنهم القرآن الكريم، فإنّه يشفع لقرّائه، ومنهم السِّقط فإنّه يشفع لأبويه، ومنهم المؤمن الشيعي، فإنّ الله تعالى قد جعل له الشفاعة يوم القيامة كما ورد في صحيحة ابن أبي نجران، قال: «سمعتُ أبا الحسن عليه السلام، يقول: مَن عادى شيعتَنا فقد عادانا، ومَن والاهُم فقد والانا، لأنّهم منّا، خُلِقوا من طينتِنا، مَن أحبَّهم فهو منّا، ومَن أبغضَهم فليسَ مِنّا..، والله إنّ أحدَهم لَيشفع في مثلِ ربيعة ومُضَر، فيشفّعه الله تعالى فيهم، لكرامته على الله عزّ وجلّ».

وغيرها من الروايات.


 

 

أقول: إنّ مقام الشفاعة، وإن كان شامخاً، إلّا أنّ للسيّدة فاطمة المعصومة مقاماً آخر عبِّر عنه بـ «الشأن». وممّا يدل على ذلك ما نقله لي صديقي العزيز المحقّق الشهير الفاضل السيّد مهدي الرجائي - ورأيته في أكثر من كتاب - عن السيّد محمود المرعشي، عن أبيه السيد شهاب الدين، عن جدّه السيد محمود المرعشي، أنّه كان يريد معرفة قبر الصّدّيقة الزهراء عليها السلام، وقد توسّل إلى الله تعالى من أجل ذلك كثيراً، حتى أنّه دأب على ذلك أربعين ليلة من ليالي الأربعاء من كل أسبوع في مسجد السهلة بالكوفة، وفي الليلة الأخيرة حظيَ بشرف لقاء الإمام المعصوم عليه السلام، فقال له الإمام عليه السلام: «عليكَ بِكريمة أهل البيت»، فظنّ السيّد محمود المرعشي أنّ المراد بكريمة أهل البيت عليها السلام، هي الصدّيقة الزهراء عليها السلام، فقال للإمام عليه السلام: «جُعلت فداك إنّما توسّلتُ لهذا الغرض، لأعلم بموضع قبرها، وأتشرّف بزيارتها»، فقال عليه السلام: «مُرادي مِن كريمةِ أهل البيت قبر السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام في قمّ».

ثمّ قال: «إنّ الله تعالى قد جعل قبر الصديقة الزهراء من الأسرار، وقد اقتضت الإرادة الإلهية تبعاً لبعض المصالح أن يكون قبرها مخفيّاً لا يطّلع على موضعه أحدٌ من الناس، فلا يمكن الإخبار عنه، ولكنْ جعل اللهُ قبرَ السيّدة فاطمة المعصومة موضعاً يتجلّى فيه قبر الصديقة الزهراء عليها السلام، وإن ما قُدّر لقبر الصديقة الزهراء عليها السلام من الجلال والعظمة والشأن - لو كان معلوماً ظاهراً - قد جعله الله تعالى لقبر السيّدة المعصومة».

 

 

وعلى إثر ذلك عزم السيّد محمود المرعشي على السفر من النجف الأشرف إلى قمّ لزيارة كريمة أهل البيت عليها السلام.

ونُقل عن المحدّث الشيخ عباس القمّي أنّه رأى الميرزا القمّي - صاحب (القوانين) - في عالم الرؤيا - وسأله: «هل أنّ شفاعة أهل قمّ بيد السيّدة فاطمة المعصومة؟ فنظر إليّ متعجّباً، وقال: شفاعة أهل قم بيدي، وأمّا فاطمة المعصومة فشفاعتها لأهل العالم».

فما يردّده بعض السذّج والمضلّلين من أنّ فاطمة المعصومة لا تعدو أن تكون امرأة، مثلها مثل سائر النساء، ولا شأن لها؛ إنْ هو إلّا دليل على الجهل واللامبالاة والتطاول على المقدّسات، ويكشف عن الحرمان وسلب التوفيق والتقصير في معرفة مقامات الأولياء والصالحين والصالحات من أهل البيت عليهم السلام، فإنّ كونها امرأة لا يقعد بها عن تسنّم أرفع الدرجات، وأنّها من فضليات البشر، ولا يدانيها في الفضل والمنزلة أكثر الرجال، وهي من التاليات للمعصومين من أهل البيت عليهم السلام، في الفضل والشأن والمنزلة عند الله تعالى وعند الأئمّة عليهم السلام، وحسبك ما تقدّم في الرواية الصحيحة السند عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، أنّه قال: «مَن زارها فلَهُ الجنّة».

 

 

هذا، وقد ذُكر أنّ للزيارة آداباً وسنناً تكفّلت كتب الفقه والزيارات ببيان تفاصيلها.

إيقاظ

وقبل أن نتجاوز هذا الموضع أودّ أن أشير إلى ضرورة الالتفات إلى أمرٍ له مساس بما ذكرناه، وهو أنّه ظهرت في الآونة الأخيرة فئة من الناس قد اكتفت من العلم بالقشور دون اللباب، وبالاسم دون المسمّى، وبالشّكل دون المحتوى - وهنا تكمن الخطورة - وسوّغت لنفسها القفز على ثوابت العقيدة، أو التشكيك في مسلّماتها، والجدال في بديهياتها - تحت شعارات التجديد والانفتاح ومقتضيات العصر - بل تعدّت الحدود لتقدح في أصول المذهب وركائزه بإلقاء الشّبه، أو إنكار الحقائق، فأحدثت بذلك الفوضى، والاضطراب في نفوس البسطاء من الناس، الذين بهرتهم تلك الشعارات الجوفاء، وانساقوا وراءها يردّدونها في سذاجة وغفلة، أو تغافل عمّا تنطوي عليه، وسيصحون يوماً ليجدوا أنفسهم مفلسين، إلّا أن يتداركوا أمرهم قبل فوات الأوان.

وبلغ الأمر إلى أنّه بدلاً من تصدّي المعنيين بشؤون العقيدة والدفاع عنها أمام خصومها الخارجين عنها، اضطروا للتصدّي لخصومها الداخلين فيها الذين هم أشدّ خطراً وأسوأ أثراً، لأنهم يشكّلون حجر العثرة في المسار ﴿..وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا الكهف:104.

وليعلم هؤلاء أنّ للبيت ربّاً يحميه، وأنّ للسفينة ربّاناً يجنّبها الأخطار. ومهما حاولوا في زعزعة العقيدة فلن تزداد عقيدة الناس إلا رسوخاً وصلابة، وأنّ محاولاتهم يائسة فاشلة ﴿..وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ.. فاطر:43.

وستبقى العقيدة المقدّسة التي غرس بذرتها النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله، وتَعاهَد شجرتها أئمّة الهدى عليهم السلام، وصان ثمرتها علماء الشيعة، سليمةً ونقيّة، وهي أعلى وأجلّ من أن يخدش فيها جاهل أو متجاهل أو مشكّك أو مشبوه.

 

نصّ الزيارة

مع كفاية حضور الزائر عند المزور والسلام عليه في تحقّق الزيارة، إلا أنّه قد ورد نصّ خاص عن الإمام الرضا عليه السلام، في كيفية زيارة السيدة المعصومة، كما ذكر ذلك العلامة المجلسي قدّس سرّه، في (البحار)، قال: «رأيتُ في بعض كُتب الزيارات: حدّث عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن سعد، عن عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام، قال: ... فإذا أتيتَ القبرَ فقُم عند رأسِها مستقبلَ القبلة، وكبّر أربعاً وثلاثين تكبيرة، وسبّح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمد اللهَ ثلاثاً وثلاثين تحميدة، ثمّ قُل:

السَّلامُ عَلَى آدَمَ صَفْوَةِ اللهِ، السَّلامُ عَلَى نُوحٍ نَبِيِّ الله، السَّلامُ عَلَى إِبْراهِيمَ خَلِيلِ الله، السَّلامُ عَلَى مُوسى كَلِيمِ الله، السَّلامُ عَلَى عِيسى رُوحِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا خَيْرَ خَلْقِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفِيَّ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الله خاتَمَ النَّبِيِّينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ وَصِيَّ رَسُولِ الله، السَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطِمَةُ سَيِّدَةَ نِساءِ العالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكُما يا سِبْطَي الرَّحْمَةِ وَسَيِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ سَيِّدَ العابِدِينَ وَقُرَّةَ عَيْنِ النَّاظِرِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ باقِرَ العِلْمِ بَعْدَ النَّبِيِّ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ البارَّ الأمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُوسى بْنَ جَعْفَرٍ الطَّاهِرَ الطُّهْر، السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَلِيَّ بْنَ مُوسى الرِّضا المُرْتَضى، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ التَّقِيَّ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ النَّقِيَّ النَّاصِحَ الأمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا حَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، السَّلامُ عَلى الوَصِيِّ مِنْ بَعْدِهِ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى نُورِكَ وَسِراجِكَ، وَوَلِيِّ وَلِيِّكَ، وَوَصِيِّ وَصِيِّكَ، وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ.

السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رَسُولِ الله، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ فاطِمَةَ وَخَدِيجَةَ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ أَمِيرِ المُوْمِنِينَ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ وَلِيِّ الله، السَّلامُ عَلَيْكِ يا أخْتَ وَلِيِّ الله، السَّلامُ عَلَيْكِ يا عَمَّةَ وَلِيِّ الله، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ مُوسى بنِ جعفرٍ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

السَّلامُ عَلَيْكِ عَرَّفَ الله بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ فِي الجَنَّةِ، وَحَشَرَنا فِي زُمْرَتِكُمْ، وَأَوْرَدَنا حَوْضَ نَبِيِّكُمْ، وَسَقانا بِكَأْسِ جَدِّكُمْ مِنْ يَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ، صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكُمْ، أَسْأَلُ الله أَنْ يُرِيَنا فِيكُمُ السُّرُورَ وَالفَرَجَ، وَأَنْ يَجْمَعَنا وَإِيَّاكُمْ فِي زُمْرَةِ جَدِّكُمْ مُحَمَّدٍ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم، وَأَنْ لا يَسْلُبَنا مَعْرِفَتَكُمْ إِنَّهُ وَلِيُّ قَدِيرٌ.

أَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ بِحُبِّكُمْ، وَالبَراءةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ، وَالتَّسْلِيمِ إِلى الله راضِياً بِهِ غَيْرَ مُنْكِرٍ وَلا مُسْتَكْبِرٍ، وَعَلى يَقِينِ ما أَتى بِهِ مُحَمَّدٌ وَبِهِ راضٍ، نَطْلُبُ بِذلِكَ وَجْهَكَ يا سَيِّدِي، اللّهُمَّ وَرِضاكَ وَالدَّارَ الآخِرةَ. يا فاطمةُ اشْفَعِي لِي فِي الجَنَّةِ فَإِنَّ لَكِ عِنْدَ اللهِ شَأْناً مِنَ الشَّأْنِ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَخْتِمَ لِي بِالسَّعادَةِ، فَلا تَسْلُبْ مِنِّي مَا أنا فِيهِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، اللّهُمَّ اسْتَجِبْ لَنا وَتَقَبَّلْهُ بِكَرَمِكَ وَعِزَّتِكَ، وَبِرَحْمَتِكَ وَعافِيَتِكَ، وَصَلّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً، يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ».

 

_________________

* عالم دين راحل من الحجاز

 

كم بينَنا وبين قمّ؟

خروج السيّدة المعصومة إلى خراسان

§        السيد أبو الحسن هاشم

بعد مدّةٍ من وصول الإمام الرضا عليه السلام، إلى مرو بخراسان، أرسل كتاباً إلى أخته السيّدة المعصومة يأمرها باللّحاق به، فقد كانت أثيرةً عنده، وعزيزةً عليه، ولمّا انتهى الكتاب إليها تجهّزت للسفر إليه.

وفي الوقت نفسه خرج بعضٌ آخر من إخوتها في ركبٍ ثانٍ باتجاه خراسان.. ركبان عظيمان يتّجهان نحو اللقاء بإمامهم عليه السلام: أحدهما يتّجه إليها عن طريق الريّ وساوة، والآخر يتّجه إليها عن طريق شيراز. والإمام الرضا عليه السلام، قد أخبر المأمون مسبقاً بقدومهم عليه.

«شعائر»

 

كان إخوة الإمام الرضا عليه السلام: أحمد، ومحمّد، وحسين، على رأس الركب الأول الذي ضمّ عدداً كبيراً من بني أعمامهم وأولادهم وأقاربهم ومواليهم، ووصل عددهم إلى ثلاثة آلاف.

وفي الطريق انضمّ إليهم جمعٌ كثير من موالي ومحبّي أهل البيت عليهم السلام، فصار عددهم ما يقرب من خمس عشرة ألف نسمة رجالاً ونساءً، يتّجهون إلى خراسان عن طريق شيراز.

 

 

ولمّا وصل خبر القافلة وهذا التجمع الكبير إلى المأمون، خشي على مُلكه وسلطانه من التزلزل إذا ما وصلت هذه القافلة العظيمة إلى خراسان، فأمر ولاته بمنع زحف هذا الركب، وإرجاعهم إلى المدينة.

فجهّز حاكم شيراز - آنذاك - جيشاً جراراً من أربعين ألف جندي وتوجّه إلى الركب، فالتقى بهم في «خان زينان» على ثمانية فراسخ  من شيراز. فتوقّفت قافلة بني هاشم تستطلع الأمر .

قال الحاكم لهم: «إنّ الخليفة يأمر بإرجاعكم من حيث أتيتم».

فقال أمير الركب أحمد بن موسى : «إنّنا لا نريد سوى زيارة أخينا الإمام الرضا. وما قصدناه إلا بعد استئذان وإجازة المأمون نفسه» .

قال الحاكم: «قد يكون ما ذكرتَ، ولكنّه أصدر الأمر إلينا بمنعكم من إكمال سيركم» .

فتشاور الإخوة فيما بينهم، واتّفقوا على إكمال مسيرتهم، واحتاطوا لذلك بجعل النساء في آخر القافلة، ولكنّ حاكم شيراز وجنده الأربعين ألفاً قطعوا الطريق عليهم.

فبدأت معركة دامية، أبدى فيها إخوة الإمام وسائر أفراد القافلة شجاعة فائقة، ولا عجب في ذلك فهم من بني هاشم أصل الشجاعة ومنبت البطولة، وعلى أثر ذلك انكسر جيش الأعداء، وتفرّقوا فلجأوا حينئذٍ إلى المكر والخديعة.

فنادى رجلٌ منهم: «إن كان تريدون الوصول إلى الرضا فقد مات!».

فسَرَت هذه الشائعة بين أفراد القافلة كالبرق، وهدّت أركانهم، وكيف لا؟ إنهم يسمعون خبر وفاة إمامهم عليه السلام. وكان ذلك سبباً لتفرّق أفراد القافلة عن الإخوة الكرام .

فتوجّه الإخوة الثلاثة إلى شيراز ليلاً وسرّاً، وتفرّقوا فيها وتفرّغوا للعبادة، ولبثوا مدّةً من دون أن يعرفهم أو يتوصّل إليهم أحد. ولكن على أثر انتشار الجواسيس توصّلوا إلى مكان أحمد بن موسى. فأرسل الحاكم جيشاً كبيراً لاعتقاله. وكان أحمد بن موسى قد اختفى في دار أحد الموالين لهم، فخرج من الدار يقاتلهم قتالاً مستميتاً دفاعاً عن نفسه.

فماذا يا ترى يفعل فرد واحد أمام بلدة مخالفة وجيش كبير؟! إنّه أظهر شجاعة عظيمة، وكان بين فترة وأخرى يدخل الدار فيستريح. وعندما لم يتمكّنوا منه لجأوا إلى الجيران، وأحدثوا فجوة إلى تلك الدار عبر دار الجيران وغافلوه وقتلوه في الموضع الذي نراه الآن والمعروف بـ«شاه جراغ».

كما أنّهم قتلوا أخاه حسيناً بالقرب من بستان، وله مزارٌ أيضاً في شيراز ويُعرف بالسيد «علاء الدين حسين».

وأمّا السيّد محمّد فلم يتمكّنوا منه، وعُرف بكثرة العبادة، وهو الذي كان يلقّب بـ«محمد العابد»، وتوفّي ودُفن في بقعته الشريفة من شيراز.

ركْبُ السيّدة المعصومة يحاصَر في «ساوة»

كانت هذه القافلة تضم إثنين وعشرين علوياً، وعلى رأسها السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام  وإخوتها: هارون، وفضل، وجعفر، وقاسم، وبعض من أولاد إخوتها، وبعض الخدم.

فأرسل المأمون شرطته إلى هذه القافلة أيضاً، فقتل وشرّد كلّ مَن فيها، وجرحوا هارون المذكور، ثم هجموا عليه وهو يتناول الطعام فقتلوه.

 

 

وكان ذلك نهاية أليمة ومفجعة لهذا الركب من بني هاشم، فقدت فيها السيدة المعصومة عليها السلام سائر إخوتها، فشابهت مصيبتُها بفقدهم مصيبةَ عمّتها زينب عليه السلام في كربلاء، وخارت قواها وضعفت. فسألت من حولها: كم بيننا وبين قم؟

 قالوا: عشرة فراسخ.

 فقالت: احملوني إليها.

عندما وصلت عليها السلام إلى «ساوة»، ومرضت فيها بعد فقد إخوتها، كان خبرها قد وصل إلى «قمّ»، فخرج أشرافها لاستقبالها، يتقدّمهم موسى بن خزرج الأشعري، فلمّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله، تحفّ بها إماؤها وجواريها.

وبقيت السيّدة المعصومة عليها السلام في دار موسى الأشعري سبعة عشر يوماً، فما لبثت إلا هذه الأيام القليلة وتوفيت. ولا يبعد أن يكون سبب وفاتها أنّها قد دُسّ السمّ إليها في «ساوة».

المأمون يعترف!

 ذكرنا احتمال أن يكون وفاة السيّدة المعصومة عليه السلام، بسبب سمٍّ دسّ إليها في «ساوة»، وكان المأمون العباسي من قبلُ قد قتل إخوتها في «ساوة» و«شيراز» ، ثمّ قتل الإمام الرضا عليه السلام، فيما بعد .

وللمأمون إعترافٌ بجناياته وظلمه لأهل البيت عليهم السلام، وأولادهم ومواليهم، نسجله للتأريخ والأجيال بياناً لحقيقة المأمون.

 

 

يقول المأمون في كتاب له في الجواب عن بني هاشم، أورده العلامة المجلسي في (بحار الأنوار)، نقلاً عن صاحب (الطرائف) عن ابن مسكويه:

«..حتى قضى الله تعالى بالأمر إلينا، فأَخَفْناهم، وضيّقنا عليهم، وقَتلناهم أكثرَ من قتل بني أميّة إيّاهم.

وَيْحَكُم! إنّ بني أميّة إنّما قتلوا منهم مَن سلّ سيفاً، وإنّا معشرُ بني العباس قتلناهم جُمَلاً.

فلتسألنّ أعظُم الهاشمية بأيّ ذنبٍ قُتلت؟

ولتسألنّ نفوسٌ أُلقيت في دجلة والفرات .

ونفوسٌ دُفنت ببغداد والكوفة أحياء ...».


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

دوريات

  أجنبية

أجنبية

منذ 6 أيام

أجنبية

نفحات