قراءة في كتاب : (مناهل الرجاء - أعمال شهر رمضان)

قراءة في كتاب : (مناهل الرجاء - أعمال شهر رمضان)

28/07/2011

رسالة عمليّة لموسم الضيافة الإلهيّة
«مناهل الرجاء - أعمال شهر رمضان»


قراءة: سلام ياسين

 الكتاب: (مناهل الرجاء - أعمال شهر رمضان)
المؤلف: الشيخ حسين كوراني.
الناشر: دار الهادي - بيروت.
الطبعة: الثانية 1425هـ - 2005م

 


هذا الكتاب هو الجزء الثالث من سلسلة «مناهل الرجاء»، حيث سبقه إصدار الجزء الأوّل في أعمال شهر رجب، والجزء الثاني في أعمال شهر شعبان.


محتويات هذه الأجزاء الثلاثة عبارة عن أحاديث للمؤلِّف قُدِّمت عبر «إذاعة النور» في لبنان عام 1412 هجريّة، أُعيد النظر فيها ليُصار إلى طبعها كمؤلَّف أُثبتت فيه الآيات والأحاديث واقتباسات العلماء من مصادرها، مع إضافات من النصوص لم يكن يحتملها برنامجٌ مسموع ذو مجال ضيّق ومدّة محدودة.

الهدف من الكتاب

يقول المؤلِّف في مقدّمته على الكتاب إنّ الهدف من هذه الأحاديث هو نشر ثقافة المستحبَّات باعتبارها ركناً رئيساً في ثقافة النصّ المعصوم، ثقافة الحكم الشرعي التي تأتي في سياق معرفة الإسلام كما هو، مُشيراً إلى ظاهرة مترامية الأطراف تحوّلت إلى إشكاليّة كبيرة، وهي ظاهرة تغييب المستحبّ والمكروه عن عمليّة التربية الإسلاميّة.
ومما جاء في المقدِّمة: «الخطرُ الأبرزُ الذي يواجِه الثقافة الإسلاميّة، هو هذا الفِصام الثقافي الذي يحمل على الإيمان ببعض الكتاب والكفر العمليّ بالبعض الآخر، والذي تجسّد في تغييب المُستحبّ والمكروه عن عملية التربية الإسلاميّة، وأدّى بالتالي إلى إضعافِ حضورِ الواجب والحرام، وعدمِ رعاية حدودِ المباح، الأمرِ الذي جعل الكثير ممّا يُقدَّم باسم الثّقافة والفكر الإسلاميّين مُتفلِّتاً من الضوابط الشّرعية».

منهج الكتاب

لأنّ الأصل في الكتاب هو أحاديث يوميّة أُذيعت خلال شهر رمضان، لذلك كانت فصوله ثلاثين فصلاً بعدد أيّام الشهر، يُستَهلُّ كلُّ حديثٍ منها بمُعالجة عنوانٍ من العناوين الملائمة، إمّا من خطبة الرسول صلّى الله عليه وآله في استقبال الشهر الشريف، أو من خلال دعاء الإمام السجّاد عليه السلام في استقبال الشهر أيضاً، وإمّا من عناوين تفرض نفسها للمناسبة، كعنوان الضيافة الإلهيّة وما ينبثق عنها من مفهوم الحبّ الإلهي للعباد، وما يتوجّب عليهم من أدب التعامل مع هذا الحبّ، وفي الأيام التي توافق مناسبة من مناسبات الشهر الكريم على تعدادها وتنوُّعها، يكون للحديث وقفةٌ وافيةٌ معها.
وفي القسم الثاني لكلّ حديث وقفةٌ موجزةٌ مع دعاء اليوم من أيّام شهر رمضان، ولم يعتمد المؤلّف في شرح هذه الأدعية الأسلوب المتعارَف، بأن يُبيّن المعنى اللُّغوي للمفردات ثم يوسِّع المفهوم بشواهد من النّصوص الأخرى، بل صاغ مضمون الدعاء الأساس بلُغة وجدانيّة، ودعاءٍ شارحٍ له بِلُغة المؤلّف، كاشفاً عن ترابُطٍ بين مضامين فقراته.
وَكَنموذج لذلك شرحُه لدعاء اليوم الخامس: «أللّهمّ اجْعَلنِي فيه من المُستغفِرين، واجعْلنِي فيه من عبادِك الصّالحِين القانتِين، واجعْلنِي من أوليائك المُقرَّبين، بِرَأْفَتِك يا أرحمَ الرّاحمِين»، حيث يصوغه المؤلّف: «أنا العاصي الغارقُ في المآثم يسمحُ لي ربّي -بحبِّه لي، برأفته بي- أن أدعوه وكأنّي لا ذنبَ لي، ويسمح لي -بل يحبُّ لي- أن اطلبَ منه الدرجاتِ العُلى ".." إلهي أُدركُ خطورةَ ذنبي فأحاولُ أن أستغفرَ وأتوب، وأطلبُ منك الصَّفح والمغفرةَ فيُزيِّن لي الشيطانُ حبَّ المعاصي، فإذا باستغفاري شكلٌ بلا محتوى، وقِشرٌ بلا لبّ».
القسم الثالث من كلّ حديث خصَّصه المؤلِّف لبيان حصّة كلِّ ليلة من صلاة الألف ركعة المؤكّدِ استحبابُها في الشهر الكريم، واضعاً في الدرجة الثانية والثالثة خيارَين آخرَين من الصّلوات المرويّة لأعمال اللّيالي.

مصادر الكتاب

اعتمد المؤلِّف في أحاديثه كتاب (إقبال الأعمال) للسيّد علي بن موسى الحسني المعروف بابن طاوس، وهو من أجِلَّة علماء الشيعة المتوفّى سنة 664 هجريّة، وحرص على إيراد آراء كبار العلماء في ما يرتبط بالشُّروح وترجيح الأقوال في موارد الإختلاف، مع تركيز خاصٍّ على آراء الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان المتوفّى سنة 413 هجريّة. كما إنّه استحضر في حالات متعدّدة أقوال آية الله الشيخ التبريزي صاحب كتاب (المراقبات في أعمال السنة).


الحديث الأوّل

يُعتبر الحديث الأوّل في الكتاب مؤسِّساً للتعامل مع الشهر الكريم ابتداءً من ليلته الأولى، وما كان ذكَره المؤلّف في أعمال آخر يوم من شعبان عن اللّيلة الأولى من شهر رمضان، وأثبتَه في كتاب (مناهل الرجاء-أعمال شهر شعبان)، أوردَه بتمامِه في هذا الكتاب، فبعد حديثِه عن الضّيافة وعن معنى غَلِّ الشياطين، يشرعُ المؤلّفُ بِذِكر أعمال اللّيلة وآدابها ابتداءً من الإهتمام بالإستهلال فيها، إلى سائر الأعمال التي حرصَ على إيراد النّصوص المتعلّقة بها لا سيّما الأدعية، ومنها أدعية استقبال شهر رمضان، وتلك التي يُدعى بها في سائر اللّيالي والأيّام وبعد الفرائض، ومنها دعاء «مُفتتح السنة» الذي أورده المؤلِّف بِتَمامِه نقلاً عن السيّد إبن طاوس، أمّا لماذا هو دعاء افتتاح السنة، فلأنّ السنة العبادية تبدأ من أوّل ليلة من شهر رمضان المبارك.

   من أحاديث الكتاب

تميّزت لغةُ الكتاب بالوجدانيّة والحميميّة، فقد صبَّ فيها المؤلِّف فيضَ حبِّه للنّاس وحرصِه على تبيان المنهج الذي سعى لإبرازِه والدفاعِ عنه، يظهر ذلك أيضاً من خلال العناوين التي طرحَها في أحاديثه تلك.
* ففي بيانه لأهميّة مراعاة آداب الافطار يقول: «فهي حركة قلب وإرهاف حسٍّ ونُبلُ مشاعر، تماماً كما هو حالُ مَن دخل إلى ضيافةٍ عامرةٍ وقد نُصبِت المائدة، كم يستغرقُ من الوقت أن ينشرَ على الضيوف بسمةً ويؤدّي التحية بِلَباقة ولياقة، ويخصُّ صاحب الضِّيافة بردِّ التحيّة بأدبٍ جمٍّ وكلماتِ قلبٍ مُفْعمةٍ بالشُّكر لِما بدَر منه في حقِّه من تكريمٍ لا علاقة له بالطعام، فهو لَمّا يتذوّقه بعد؟ وكم هو الفارق بين هذا وبين من دخل إلى مثل هذه الضيافة وكأنّه لا يرى إلّا الطَّعام؟..».
* وتحت عنوان «لِنَخْتَبِرْ ما نحنُ عليه» يقول: «في ضيافة الله عزّ وجلّ ينبغي أن نحرص على الوصول الى أفضل المستويات التي يُمكن الوصول إليها في شهر الله سبحانه وتعالى ".." لِنتصوّر أنفسنا وكأنّنا أصبحنا في آخر يوم من شهر رمضان المبارك، وهذه ليلة العيد على الأبواب ومنادي ربِّنا عزَّ وجلَّ ينادي: هَلُمُّوا إلى جوائزكم، وَلْنُفَكِّر من الآن ما هي الجوائز التي نستحقُّها آنذاك؟ ".." هل آتي في الرَّعيل الأوّل؟ هل آتي في المُبادرين؟ أم في الدرجة الثالثة أو الرابعة؟».
* وفي سياق تفضيل حالة حبِّ العبد لله تعالى على حالة الخوف منه عزَّ وجلَّ يقول المؤلّف: «عندما تكون علاقتنا بالله عزَّ وجلَّ علاقة خوفٍ فقط، تصبح التكاليف الشرعية أثقالاً نشعر وكأنّنا لا طاقة لنا بها على الإطلاق، أمّا عندما تكون علاقتنا بالله عزَّ وجلَّ قائمةً على أساس الحبّ، فإنّ حبّ الله تعالى يُترجَمُ إلى حبٍّ لأوامرِه..».
* وفي حديثه عن ليلة القدر وعلاقتها بالولاية لله تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وآله ولأمير المؤمنين عليه السلام يقول في الحديث الثامن عشر: «وفي توجُّهنا إلى ليلة القدر نجد أنّنا -منذ الليلة التاسعة عشرة وإلى الليلة الثالثة والعشرين- أمام الإلحاح على القلب لِيُدرك محمّديّة عليٍّ وعلويّةَ محمّدٍ صلّى الله عليهما وآلهما، بل إنّ الأمّة كلّها مدعوّة على لسان المصطفى الحبيب بكلّ مكوّنات العقل والوحي والقلب والعاطفة، لِتَعِي آذانُ القلوب حقيقةَ أنّ شهر رمضان يجب أن يكون شهر الوصول إلى الله تعالى من خلال محمّدية عليٍّ صلّى الله عليهما وآلهما، فتشاطر الأمّةُ طيلةَ الشهر المبارك نبيَّها الأعظم حزنَه وبكاءَه لِما علم أنّه سيجري في هذا الشهر على أمير المؤمنين عليه السلام».
(مناهل الرَّجاء – أعمال شهر رمضان) كتابٌ يحتاجه الصائم والقائم في شهر الله تعالى، فَفِيه المراقبات لأحوال النَّفْس في تعاطيها مع موسم الضيافة الأعظم، وفيه الأعمال التي قد لا تجتمع في كتابٍ واحدٍ يَسهُل تناولُه، إنّه كتابٌ مُرشِدٌ للمُبلِّغين في حركتهم في خير المواسم يغترفون منه طِيبَ الكلام.
إشارة إلى أنّ هذه الأحاديث موجودة بصوت المؤلّف على موقعه الإلكتروني: «موقع السرائر» الذي تجدون عنوانه على غلاف المجلّة.



اخبار مرتبطة

  الوثيقة الحَسَنيَّة الخالدة

الوثيقة الحَسَنيَّة الخالدة

  دوريات

دوريات

28/07/2011

نفحات