بسملة

بسملة

منذ 0 ساعات

الحجّ إلى البيتِ وأهل البيت


الحجّ إلى البيتِ وأهل البيت

بقلم: الشيخ حسين كَوْراني

مَن هم أهل البيت؟

إنْ أريدَ بالبيت «البيت العتيق»، فإنّ الأصل في معنى مصطلح «أهل البيت» هو النبيّ وآله عليهم الصلاة والسلام.

وآية التطهير دليلٌ قاطعٌ على استعمال مصطلح «أهل البيت» بهذا المعنى، الذي يعمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، وآله عليهم السلام.

وإنْ أريدَ بالبيت بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله، فإنّ الأصل في دلالة المصطلح هو أهل بيت النبيّ، أي آله وعترته عليهم السلام.

النبيّ وآله، أَولى الناس بإبراهيم عليهم السلام

﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾. (آل عمران:68)

قال السيد الطباطبائي (الميزان: 3/166): «المراد بآل إبراهيم الطاهرون من ذريّته من طريق إسماعيل والآية ليست في مقام الحصر».

وعليه، فإنّ أَولى الناس بإبراهيم عليه السلام، هم النبيّ وآله صلّى الله عليهم.

***

﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾

قال تعالى:

* ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ...﴾. (آل عمران:96: 97)

* ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾. (البقرة:125)

المقام المراد هنا مادّيّ، وسببه المقام المعنويّ -خلافاً لظاهر كثيرٍ من المفسّرين في ترجيح تظهير دلالة الآية على المقام المادّيّ.

بهذا اللّحاظ يُمكن التوسّع في دلالة الآية على تعظيم المقام المعنويّ، وعلى صلاة ركعتَي الطواف خلف المقام المادّيّ، كما يمكن فهم مراد السيد الطباطبائي قدّس سرّه من ترجيح دلالة الآية على المقام المعنويّ بلحاظ تعبير ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ﴾ وعدم استعمال تعبير مثل: «صلّوا خلف مقام إبراهيم».

والجدير جداً بالتدبّر في هذه الآيات الكريمة هو:

1) ليس مقام إبراهيم من الكعبة، فما معنى: ﴿فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾؟

2) ما هي دلالة الصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام؟

3) ما هي أبرز آفاق المقام المعنويّ لإبراهيم الخليل عليه السلام، الذي فُرضت بسببه الصلاة خلف المقام المادّيّ؟ وما هي علاقة الآيات -بكلّ مفاصلها المركزيّة- بأهل البيت عليهم السلام الذين هم ﴿أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ﴾؟

***

﴿فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ

إنْ كان المراد بالبيت الكعبة، فالمقام ليس فيه، بل المقام في البيت الحرام الذي فيه الكعبة، فما معنى: ﴿فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ...﴾؟

والجواب: يُطلق لفظ البيت على البناء وفِنائه، فمن دخل فِناء بيت شخص يَصدق عليه أنه جاء إلى بيت فلان.

وفي الروايات الوفيرة حول صلاة الطواف توكيد أنّ المراد بالبيت الذي هو مرجع ضمير «فيه» هو هذا المعنى.

* ومن خصائص المقام المادّيّ بنصّ القرآن الكريم أنه من الآيات البيّنات، وفي الروايات تفاصيل كثيرة حول أنه حجرٌ من الجنّة، أو ياقوتة، وحول تَليين الله تعالى إيّاه تحت قدمَي النبيّ إبراهيم عليه السلام، وحول أنه كان كالمصعد الكهربائيّ المتحرّك علوّاً وهبوطاً، ويَمنةً ويَسرة، بحسب الحاجة عند بناء البيت، بالإضافة إلى ارتفاعه أعلى من «أبي قُبيس» ليؤذّن نبيّ الله تعالى إبراهيم عليه السلام في الناس بالحجّ.

مَردّ خصائص المقام المادّيّ هذه، هو الخصائص والآفاق المعنوية للنبيّ إبراهيم وآل إبراهيم، أي أهل البيت عليهم السلام.

***

الصلاة خلف المقام

يربط بعض كبار الفقهاء بين ركنيّة صلاة الطواف خلف مقام إبراهيم عليه السلام، وبين إرادة الله تعالى أن تدخل الصلاة في صميم الحجّ.

من الدروس في هَدْي ذلك أن عمود الدين مرتبط بذريّة إبراهيم الذين سمّاهم مسلمين ودعا لهم وبشَّر بهم، وهم محمّدٌ وآل محمّدٍ صلّى الله عليهم أجمعين.

استحضر –يا قلب- إجماع الأمّة على وجوب الصلاة على النبيّ وآله في الصلاة لتُدرك شديد ارتباط صلاة الطواف خلف مقام إبراهيم المادّيّ بمقامه المعنويّ عليه السلام، ومحوريّة الإئتمام بالنبيّ المصطفى وآله صلّى الله عليه وآله، في تحقُّق الحجّ الإبراهيميّ، وسلامة القصد في مدارج فقه القلب وحركة الحياة استعداداً لحُسن لقاء الله تعالى يوم العرض الأكبر.

المقام المعنويّ

والحديث عن المقام المعنويّ للنبيّ إبراهيم عليه السلام، حديثٌ عن:

1) إبراهيم الأمّة.

2) وعن الحنيفية: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾.  (الحج:78)

3) وعن أَولى الناس بإبراهيم عليه السلام.

4) وعن اكتمال إمامته بإمامة ذريّته.

5) وعن الكلمات التي ابتلاه الله تعالى بها، وأَتمَّهنّ.

الحديث عن المقام المعنويّ الإبراهيميّ حديثٌ عن محمّدٍ وآل محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وعلى إبراهيم وجميع الأنبياء عليهم السلام.

الحديث عن المقام المعنويّ الإبراهيميّ حديثُ الإسلام الواحد.

حديثُ المقارنة بين حجّ إبراهيم عليه السلام من البيت إلى عرَفة فالمشعر الحرام فمِنى والرَّجْم والتّضحية بالدنيا وما فيها لحفظ الدين والقِيَم، أي التوحيد الخالص.

حديثُ المقارنة –والترابط- بين أمر الله تعالى إبراهيمَ عليه السلام بذبح ابنه عليه السلام، وبين أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله عترته عليهم السلام ببذل الأرواح والمهَج لحفظ التوحيد.

هل كان فداء الله تعالى لإسماعيل بذِبحٍ عظيم إلا بسبب آل إبراهيم الذين هم أهل البيت، محمّد وآله عليهم الصلاة السلام؟

وهل كان خروج الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء في نفس يوم التروية، يوم بدء الحجّ الإبراهيميّ إلا في صميم هذه الخطّة الإلهية التي رسم الحجّ الإبراهيميّ نواة مشجّرها والخارطة، التي تشير-النّواة- إلى تظهيرها المحمّديّ الأتمّ الأكمل في حجّة الوداع عبر تجديد تحديد المناسك، وتوكيد ولاية عليٍّ عليه السلام في يوم الغدير.

الحديث عن المقام المعنويّ الإبراهيميّ، هو بعدُ حديث المقارنة بين تقديم النبيّ إبراهيم ابنه للذبح، وبين ذبح عبد الله الرضيع.

بين قول إسماعيل عليه السلام: ﴿..سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الصافات:102) وبين:

1) «كان الحسين عليه السلام وبعض مَن معه من خصائصه –كلّما اشتدّ الأمر يوم عاشوراء- تشرق ألوانهم وتهدأ جوارحهم، وتسكن نفوسهم..»! (أنظر: الشيخ الصدوق، معاني الأخبار: ص 288)

2) وبين قول أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسول الله صلّى الله عليه وآله، عليّ بن الحسين الأكبر عليهما السلام: «لا نُبالي أَوَقَعْنا على الموت أم وقع الموت علينا»!

 3) وبين قول الصدّيقة الصغرى زينب الكبرى عليها السلام: «ما رأيتُ إلا جميلاً»!!

الحديث عن الحجّ الإبراهيميّ حديثُ محمّدٍ وآل محمّدٍ صلّى الله عليهم وعلى أبيهم إبراهيم عليه السلام.

***

لا حجّ إلى البيت إلّا مع أهل البيت عليهم السلام

في هَدْي ما تقدّم، وغيرُه من الأدلّة القطعية لا يكاد يحصر، أجمع فقهاء الأمّة الإسلامية على مضمون قوله صلّى الله عليه وآله: «لا يؤمنُ عبدٌ حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه وأهلي أحبّ إليه من أهله وعترتي أحبّ إليه من عترته..». (الهيثمي، مجمع الزوائد: ج1\88)

يتوجّه الحاجّ إلى الديار المقدّسة وفؤاده يهوي إلى من عَمر القلب هواه واستقرّ في الشغاف.

طالما التاع الشوق وتوثّب الحبّ وهذا الحاجّ يقرأ قول إبراهيم عليه السلام كما قرّره تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾. (إبراهيم:37)

المفارقة الكارثة أنّ الحجيج يجدون سدَنة الكعبة وسرّاقها «بني شيبة» يصدّون عن الحنين إلى البيت وأهل البيت، ويكفّرون كلّ مَن يعبّر عن حبّه لأهل البيت محمّدٍ وآله صلّى الله عليه وآله.

متى يحرّر المسلمون مكّة والمدينة من بني أميّة، يهود الحجاز، آل سعود؟

متى يعود الحجّ إلى سيرته الأولى، إلى البيت وأهل البيت؟

تحريرُ أُولى القبلتين، هو الطريق الحصريّ إلى تحرير ثاني القبلتين.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 0 ساعات

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

منذ 0 ساعات

إصدارات أجنبية

نفحات