الملف

الملف

منذ 4 أيام

الزيارة الجامعة الكبيرة

 

الزيارة الجامعة الكبيرة

القولُ البليغ الكامل في مقامات المعصومين

 

استهلال

أقرب الشفعاء إلى الله

«الزيارة الجامعة» دورة في معارف أصول الدين

إعداد: «شعائر»

الزيارة الجامعة عِدلُ دعاء الجوشن الكبير

المرجع الديني الشيخ جوادي الآملي

بين فرَضيّات الغُلوّ ومرديات التقصير

المحقّق السيد علي الميلاني

نَصٌّ معصوم في تبيان منزلة النبيّ وأهل البيت عليهم السلام

الشيخ علي كوراني

الكفر بالطواغيت هو المدخل إلى توحيد الله تعالى

الشيخ حسين كوراني

 

استهلال

أقربُ الشفعاء إلى الله

يا وَلِيَّ الله..

 إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الله عَزَّ وَجَلَّ ذُنُوباً لا يَأْتِي عَلَيْها إِلاّ رِضاكُمْ

فَبِحَقِّ مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلى سِرِّهِ، وَاسْتَرْعاكُمْ أمْرَ خَلْقِهِ، وَقَرَنَ طاعَتَكُمْ بِطاعَتِهِ،  لَمَّا اسْتَوْهَبْتُمْ ذُنُوبِي وَكُنْتُمْ شُفَعائِي، فَإِنِّي لَكُمْ مُطِيعٌ؛

مَنْ أَطاعَكُمْ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصاكُمْ فَقَدْ عَصى الله،  وَمَنْ أَحَبَّكُمْ فَقَدْ أَحَبَّ اللهَ، وَمَنْ أَبْغَضَكُمْ فَقَدْ أَبْغَضَ الله.

اللّهُمَّ إِنِّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ أَقْرَبَ إِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الأخْيارِ  الأَئِمَّةِ الأبْرارِ لَجَعَلْتَهُمْ شُفَعائِي..

(الزيارة الجامعة الكبيرة، الفقرة الأخيرة)

 

الزيارة الجامعة الكبيرة

دورة متكاملة في معارف أصول الدين، ومظاهر صفات ربّ العالمين

§        إعداد: «شعائر»

«الزيارة الجامعة الكبيرة واحدة من أهمّ وأكمل الزيارات الخاصة بالأئمّة المعصومين عليهم السلام، حيث يُزار جميعهم صلوات الله عليهم بهذه الزيارة مطلقاً، سواء حضر الزائر في مراقدهم الشريفة أم أراد زيارتهم عن بُعد.

والزيارة مروية عن الإمام عليّ بن محمّد الهادي عليهما السلام، استجابةً لطلب أحد الموالين في زمانه. وهي متوفّرة بمضامينها على معتقدات الشيعة في الإمامة، ووظائف الأمّة تجاه أهل بيت العصمة عليهم السلام. كذلك تتوفّر الزيارة على دورة متسامية من مباحث معرفة الإمام المعصوم بلغةٍ فصيحة».

سمّيت بـ«الزيارة الجامعة الكبيرة» لعدم اختصاصها بزيارة إمامٍ خاصّ من جهة، ولِما انطوت عليه من معارف جمّة ولتماميّتها وشموليّتها من جهةٍ أخرى. فقد نُظّمت الزيارة بنحوٍ يزار بها جميع أهل بيت النبيّ صلوات الله عليهم أجمعين، سواء كانوا مجتمعين أم منفردين، وعند مراقدهم المشرّفة أم عن بُعد عنها.

رواها الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا عليه السلام)، وفي (مَن لا يحضره الفقيه)، عن عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق، ومحمّد بن أحمد السنانيّ، وعليّ بن عبد الله الورّاق، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتِّب، قالوا: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي وأبو الحسين الأسديّ، قالوا: حدّثنا محمد بن إسماعيل البرمكيّ، عن موسى بن عبد الله النخعيّ، قال: قلت لعليّ [الهادي] بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام: علِّمني يا ابن رسول الله قولاً أقوله، بليغاً كاملاً إذا زرتُ واحداً منكم..».

ورواها الشيخ الطوسي في كتابه (تهذيب الأحكام).

ثمّ إنّ هذه الزيارة العظيمة لها صورة أخرى أطول، غير الطريق الذي رواه الصدوق والشيخ رحمهما الله، وقد روى تلك الصورة المطوّلة الشيخ إبراهيم الكفعمي في (البلد الأمين)، والمحدّث النوري الطبرسي في (مستدرك وسائل الشيعة) في أبواب الزيارات.

أقوال العلماء في سند الزيارة ومتنها

* قال المولى محمّد تقي المجلسيّ الأول في (روضة المتقين): «..والزيارات لأمير المؤمنين ولباقي الأئمّة عليهم السلام كثيرةٌ، أحسنها الزيارة الجامعة التي سنذكرها مشروحة».

* وفي (بحار الأنوار) للعلامة المجلسي، قال: «..إنها أصحّ الزيارات سنداً، وأعمّها مورداً، وأفصحها لفظاً، وأبلغها معنىً، وأعلاها شأناً».

* وفي شرحه على الزيارة، عدّ الشيخ أحمد الأحسائي من القرائن على صدور الرواية عن المعصوم عليه السلام: «تلّقي الفرقة المحقّة لها بالقبول، حتى لا تجد ولا تسمع مُنكِراً لها ولا متوقّفاً فيها، بل لو أراد البصير الناقد أن يدّعي الإجماع على صحّتها الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام، أمكنه ذلك، مع ما اشتملت عليه ألفاظها من البلاغة والفصاحة والمعاني والأسرار التي يقطع العارف بها أنّها كلام المعصوم، ولا يصدر مثلها عن غيره».

* وهذا ما ذهب إليه السيّد عبد الله شبّر في شرحه الموسوم بـ(الأنوار اللامعة)، حيث قال: «الزيارة الجامعة الكبيرة أعظم الزيارات شأناً، وأعلاها مكانةً ومكاناً، وإنّ فصاحة ألفاظها وفقراتها، وبلاغة مضامينها وعباراتها، تنادي بصدورها من عينٍ صافيةٍ نبعت عن ينابيع الوحي والإلهام... فإنّها فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق الملك العلّام، قد اشتملت على الإشارة إلى جملة من الأدلّة والبراهين المتعلّقة بمعارف أصول الدين، وأسرار الأئمّة الطاهرين، ومظاهر صفات ربّ العالمين».

أضاف رضوان الله عليه: «واعلم أنّ هذه الزيارة قد رواها جملة من أساطين الدين، وحمَلة علوم الأئمّة الطاهرين، وقد اشتهرت بين الشيعة الأبرار اشتهار الشمس في رابعة النهار، وجواهر مبانيها، وأنوار معانيها، دلائل حقٍّ، وشواهد صدقٍ على صدورها عن صدور حمَلة العلوم الربّانيّة، وأرباب الأسرار الفرقانيّة، المخلوقين من الأنوار الإلهيّة، فهي كسائر كلامهم الذي يغني فصاحة مضمونه، وبلاغة مشحونه عن ملاحظة سنده، كـ(نهج البلاغة) و(الصحيفة السجّاديّة)، وأكثر الدعوات والمناجاة».

* وفي كتاب (في رحاب الزيارة الجامعة الكبيرة) تقرير بحث للعلامة الشيخ محمّد السند، يُورد سماحته مجموعة من الأدلة على صحّة سند الزيارة، وتوثيق رواتها، لا سيّما الراوي الأول؛ موسى بن عمران بن عبد الله النخعيّ، واعتماد الأعلام على روايته، ثمّ يقول: «علوّ مضامين الزيارة من حيث جزالة المعنى وجزالة اللفظ والتراكيب، كلّها تدلّ على قوّة مضمون الزيارة، وأنّها في مصافّ أعالي متون الروايات الصادرة منهم عليهم السلام، كما أنّ مضامينها وبنودها كقواعد في معرفتهم، قد ورد بمضمونها الروايات المستفيضة في أبواب المعارف، وإن اختلف اللفظ في بعضها، لكنّ لُباب المعنى ومآله واحد».

استشهاد العلماء بمتون الزيارة

ما فتئ العلماء يعتمدون على الاستشهاد بالزيارة الجامعة، وهَهنا قسمٌ من استشهادات واستدلالات أكابر علمائنا في مختلف المسائل في كُتبهم في الفقه والتفسير والحديث وغيرها، ولولا ثبوت الزيارة الجامعة عندهم لمَا كانت هذه الكثرة من الاستدلالات والاستشهادات، حتى أنّ الواحد منهم قد استشهد مراراً في كتابه بتفسير الآيات أو في بيان الأحكام، ومن البعيد جدّاً أنْ لا يقول بصحّة سند الزيارة ويكرّر الاستدلال أو الاستشهاد بشيء منها.

* قال السيّد شرف الدين الحسيني (ت: 965 هـ) في (تأويل الآيات) مفسّراً الآيتين الأخيرتين من سورة الغاشية: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾: «قال (الإمام الكاظم عليه السلام): (إذا كان يومُ القيامة وجَمع اللهُ الأوّلينَ والآخرينَ، ولّانا حسابَ شيعتِنا، فما كان بينهُم وبين الله حَكَمنا... فيه، فأجازَ حكومَتَنا، وما كان بينهم وبين الناس استَوهبْناه فوَهَبوهُ لنا، وما كان بيننا وبينهم فنحن أحقّ مَن عَفا وصَفح). ويؤيّد ذلك ما جاء في الزيارة الجامعة المرويّة عن الهادي عليه السلام، وهو قوله: (وَإِيابُ الْخَلْقِ إِلَيْكُمْ، وَحِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ).

ومعنى هذا التأويل الظاهر: أنّ الضمير في (إلينا) و(علينا) راجعٌ إلى الله تعالى.

وأمّا الباطن: فإنّه راجعٌ إليهم عليهم السلام؛ وذلك لأنّهم ولاة أمره ونهيه في الدنيا والآخرة، والأمر كلّه لله، فلمَن شاء من خلقه جعله إليه، ولا شكّ أنّ رجوعَ الخلقِ يوم القيامة إليهم، وحسابهم عليهم، فيُدخِلون وليَّهم الجنّة، وعدوَّهم النار، كما ورد في كثير من الأخبار أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قسيم الجنّة والنّار».

* ويقول الفقيه المحدّث الشيخ الحرّ العاملي في (وسائل الشيعة) بعد خبرٍ رواه:«فيه دلالة على رجعة النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السّلام، وفي الزيارة الجامعة ما هو أوضح من ذلك..».

* ويروي الشيخ حسن بن سليمان الحلّي في كتاب (المحتضر)، عن الإمام الهادي عليه الصّلاة والسّلام: «آتاكُمُ اللهُ ما لَمْ يُؤتِ أحداً من العالَمين».

* والشيخ الوحيد البهبهاني رحمه الله أرسل في (الرسائل الفقهية) الزيارة الجامعة إرسال المسلّم.

* ويقول الميرزا القمّي في (غنائم الأيام):«وما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة يشملهم جميعاً».

* والفقيه الهمداني رحمه الله في (مصباح الفقيه) في مبحث الأغسال المسنونة، قال:«...أو وَردَ في خصوص زيارة؛ مثل الرواية المشهورة الواردة في زيارة الجامعة الّتي يزار بها كلّ إمام، الآمرة بالغُسل».

* وقال السيّد صدر الدين الطباطبائي (ت: 1154 ه‍) في (شرح دعاء الندبة): «وقال صلّى الله عليه و آله: (أنا وعليٌّ من شَجرةٍ واحدةٍ، وسائِرُ النّاسِ مِن شَجَرٍ شتّى). ولعلّ المعنى بالواحدة ليس المعنى الذي تفيده التاء بمعنى الوحدة الظاهريّة التي مناطها التشخيص الوحداني بحسب الوجود العيني، بل الواحدة الذاتيّة الواقعيّة المعنويّة، التي تشبه أن يكون مضمونه ما في الزيارة الجامعة عطفاً على ما عامله: (أَشهد أَنَّ أَرْواحَكُمْ وَنُورَكُمْ وَطِينَتَكُمْ واحِدَةٌ، طابَتْ وَطَهُرَتْ بَعْضُها مِنْ بَعْض)، وعلى هذا، قوله صلّى الله عليه وآله: (شتّى) وصف لشجرة باعتبار الكثرة المقابلة لهذه الوحدة، فلا يضادّه التاء».

* وفي (كتاب الطهارة) للشيخ الأنصاري، قال قدّس سرّه: «والكلام في الخوارج يظهر ممّا ذكرنا في الناصب فإنّهم أشدّ النواصب، مضافاً إلى إطلاق المشرك عليهم في بعض الأخبار، كما في قوله عليه السلام في خارجيّ دخل عليه: (إنّه مشركٌ واللهِ). وقوله عليه السلام في الزيارة الجامعة: (وَمَنْ حارَبَكُمْ مُشْرِكٌ)، مع أنّ نجاستهم إجماعيّة».

* وقال الملاّ هادي السبزواري في (شرح الأسماء الحسنى): «..والمراد بالأبرار: أصحاب اليمين، وبالأخيار: المقرّبون، لكنّهما كالظرف والمجرور، وكالفقير والمسكين، إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فمن موارد الاجتماع... ما في الزيارة الجامعة الكبيرة: (وَأَنْتُمْ نُورُ الأخيارِ، وَهُداةُ الأبْرارِ)..».

* وفي (اللمعة البيضاء) قال المولى محمّد التبريزي الأنصاري (ت: 1310 ه‍) في معنى تسمية الزهراء عليها السلام بالمشكاة، في تفسيره لآية النور: «..والمشكاة هي فاطمة الزهراء عليها السلام، وهذا المصباح يُوقد من شجرة الحقيقة المحمّديّة، وهي الزيتونة المباركة لبركة آثارها، وعدم تناهي أطوارها، وفي الزيارة الجامعة: (السَّلاَمُ عَلى محالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمَساكِنِ بَرَكَةِ اللهِ، وَمَعادِنِ حِكْمَةِ اللهِ..)، فهي مباركة لإفاضة جميع الفيوضات التشريعيّة والتكوينيّة منها، وهي الشجرة الكلّيّة النابتة في مقام (أو أدنى)، وبيداء الإبداع والاختراع، وصحراء المشيئة والإرادة، لتشعّب وجوه تعلّقاتها بذرّات الوجود التي لا تتناهى في مراتب الإمكان شعوباً وقبائل، وهي أصل البركة وفرعها: (إِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ أَوَّلَهُ وَأَصْلَهُ وَفَرْعَهُ...)».

* وقال الشيخ محمد حسين الأصفهاني (ت: 1360 ه‍) في حاشيته على المكاسب: «إنّ إطاعتهم عليهم السلام في أوامرهم الشرعيّة إطاعةٌ بالذات للآمر، وإطاعة بالعرَض لمن جرى على لسانه أمره تعالى، والإطاعة التي تكون إطاعة لهم بالذات وتكون إطاعة له تعالى بالعرض - من حيث إنّهم منسوبون إليه المدلول عليها بقوله عليه السلام: (مَنْ أَطاعَكُمْ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ)، هي إطاعتهم في أوامرهم الشخصيّة، فالنبوّة والإمامة حيثيّة تعليليّة لوجوب إطاعة أوامرهم الشخصيّة، وما ورد في باب إطاعتهم عليهم السلام أوْلى بالشمول لمثل هذه الإطاعة من إطاعة أوامرهم الشرعيّة، فإنّها إطاعة للأمر الإلهي بالحقيقة، ولزومها بديهيّ لا يحتاج إلى المبالغة في الإلزام بها، كما لا يخفى».

* وقال السيّد الخوئي قدّس سرّه في (مصباح الفقاهة): «.. ويدلّ عليه قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة: (وَمَنْ جَحَدَكُمْ كافِرٌ)، وقوله عليه السلام فيها أيضاً: (وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ)، فإنّه ينتج بعكس النقيض، أنّ من لم يقبل عنكم لم يوحّده، بل هو مشركٌ بالله العظيم».

* وقال السيّد الكلبايكاني في (كتاب الطهارة): «..وظاهرها كفرُهم مطلقاً، سواء كان من علم أو عن جهل مركّب، ومنها رواية الفضل، قال: دخل على أبي جعفر عليه السلام رجلٌ محصورٌ عظيمُ البطن، فجلس معه على سريره... فلمّا قام، قال: (هذا مِن الخوارج، كما هو).

قال: قلتُ: مشرك؟

فقال: (مشرك، واللهِ مشرك).

والمراد من المشرك هو الكافر، وقد مرّ ذلك الخبر في أوائل الكتاب، وفي الزيارة الجامعة: (وَمَنْ حارَبَكُمْ مُشْرِكٌ)..».

* وفي (الميزان في تفسير القرآن) للعلامة الطباطبائي، قال: «..وفي (الفقيه)، عن الهادي عليه السّلام في الزيارة الجامعة..».

الإمام صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف والزيارة الجامعة

نقل المحقّق الميرزا حسين النوري الطبرسي قدّس سرّه، قصّة تشرّف أحد الصلحاء بالإمام صاحب العصر عجّل الله فرجه، ووصيّته بقراءة هذه الزيارة.

قال رحمه الله في (النجم الثاقب) ما ملخّصه - وعنه نقل المحدّث الشيخ عباس القمّي في (مفاتيح الجنان):

«قدم النجف الأشرف منذ سبع عشرة سنة تقريباً التقيّ الصالح السيّد أحمد الرشتي أيّده الله، وهو من تجّار مدينة رشت، فزارني في بيتي بصحبة العالم الربّاني الشيخ الرشتي طاب ثراه، فلمّا نهضا للخروج نبّهني الشيخ إلى أنّ السيّد أحمد من الصلحاء المسدّدين، ولمّح إلى أنّ له قصّة غريبة..».

ثم أورد تفاصيل تشرّف السيّد أحمد الرشتي باللقاء، وقوله نقلاً عن الإمام صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف: «لماذا تتركون زيارة عاشوراء؟ عاشوراء، عاشوراء - كرّرها ثلاث مرّات.

ثمّ قال: لماذا لا تزورون بالزيارة الجامعة؟ الجامعة، الجامعة..».

وفي (روضة المتقين) ذكرُ مكاشفة للمولى محمّد تقي المجلسي في الروضة العلوية المقدّسة، حيث قرأ الزيارة الجامعة في محضر الإمام المهديّ عليه السلام، فقال صلوات الله عليه: «نِعْمَت الزّيارة».

 

 

ميثاق الإمامة

الزيارة الجامعة عِدلُ دعاء الجوشن الكبير

ـــــــــــــــــــــــــــــ المرجع الديني الشيخ عبد الله جوادي الآملي ـــــــــــــــــــــــــــــ

الزيارة الجامعة ميثاقٌ علنيّ راقٍ للإمامة والهداية، انحدرَ انحدارَ السّيلِ من جبل وجودِ هادي الأمّة، الإمام أبي الحسن الثالث عليّ بن محمّد النقيّ عليه السلام. هذا الميثاق العظيم، وإنْ جاء في لباس ذِكر فضائل وكمالات البشر الكاملين وخلفاء الله العِظام، وهم الأئمّة الأطهار من آل طه ويس عليهم السلام، لكنّ معارفه التوحيدية العميقة والرفيعة عبارةٌ عن سيلٍ هادر، يقتلعُ أساس الشِّرك وعبادة ما سوى الله تعالى، ومن ثمّ ينحو إلى مغارس وسهول الأمّة الإسلامية ليروى عطاشى الحقيقة، والمعرفة النبوية والولائيّة الأصيلة.

والزيارة الجامعة الكبيرة وِزان دعاء الجوشن الكبير، ذلك لأنّ في دعاء الجوشن الكبير ذُكرت الكثير من أسماء وصفات الله تعالى، وتجلّى الله سبحانه في هذا الدعاء بألف مظهرٍ وتَجَلٍّ، ليتعرّف عليه الداعي بألف عين، فتزداد معرفتُه وتتّصف ذاته بتلك الصفات، والإمام الهادي عليه السلام عرّف الأئمّة الأطهار عليهم السلام في هذه الزيارة بتجليّاتٍ متنوّعة، ليراهم الزائرُ عبر كوّات متنوّعة، ويتّخذهم قدوةً وأُسوةً له، وينشط في التعالي والتكامل بالتأسّي بهم.

وبعبارة أخرى: دعاء الجوشن الكبير مائدة تُقري ضيوفَها بألف لونٍ من الغذاء التوحيدي، والزيارة الجامعة هي أيضاً مائدة يُكرَم ضيوفُها بضروبٍ عديدةٍ من أطعمة معرفةِ الإمام.

من هنا، فإنّ دعاء الجوشن الكبير - في مجال الألوهيّة والربوبيّة - بصدد تفهيم الإنسان أنّ الذي يُدير نظام الوجود بكامله هو الأسماء الإلهيّة الحسنى، وأنه لا مكان خالٍ منها لكي يتكفّل بإدارته غير الله تعالى؛ فيجب صرفُ عينِ الطمع عن غير الله تعالى، ولا يرجون أحداً غيره سبحانه، والزيارة الجامعة أيضاً لا تُبقي مكاناً خالياً في مقام الإمامة وخلافة الله لكي يملأه الآخرون؛ فيجب قبضُ يد الرجاء عن الآخرين والرنوّ بعين الأمل إلى بيت أهل البيت عليهم السلام، كما يجب على الآخرين كفّ أيدي الطمع عن التسلّط على الخلافة وغَصْبها، لأنه مع وجود الأفضل لا يصلُ الدور للمفضول، ومع وجود المعصوم لا مجالَ لغير المعصوم.

ولا شكّ في أن كلّ أحدٍ له حدٌّ مقدَّرٌ من المعرفة، وعلى ضوئها يرى الله تعالى، فبعضٌ ينظر إليه تعالى من كُوّة الرحمة، وآخر من كوّة الغضب، وثالث من كوّة العفو والتغافل.. وهكذا... وعبادة الأفراد تتفاوت بتفاوت معرفتهم به تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ..﴾ (الحجّ:11)

إنّ الذات الإلهية المقدّسة ليست محدودةً أبداً بأيٍّ من هذه الصّفات، بل اسمُ «الله» يعني المستجمع لجميع الكمالات، وعلى هذا الأساس اختلف المعتقدون بالأئمّة في مسألة معرفة الإمام، فبعضُ الناس يراهم عليهم السلام واسطةً في الرّزق، وبعضٌ آخر يحسبُهم واسطةً في غفرانِ الذنوب، وفريقٌ ثالث يقول: «هم ذريّة رسول الله»، وفريقٌ رابع يعتقد أنّهم ورَثَةُ علم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم... وهكذا..

ولا ريب في أن كلّ صفةٍ من صفات الإمام هي سبيلٌ إلى نبعِ معرفة الإمام، ولا يُمكن إطلاقاً تحديدُ الإمام بهذه الصفات والكمالات، لأنّ الإمام إنسانٌ كاملٌ قائمٌ بخلافة الله في نظام الوجود، وفي هذا السياق، كتب سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة حينما أرسل إليهم مسلمَ بن عقيل: «فَلَعَمْري ما الإمامُ إلا الحاكمُ بالكتاب، القائمُ بالقِسط، الدّائنُ بدينِ الحقّ، الحابسُ نفسَه على ذاتِ الله».

وجاء «الحَبْسُ على ذاتِ الله» في كلمات الإمام الحسين عليه السلام ليدلّ على ضرورة جامعيّة الإمام، لأنه لو ذكرَ الحبسَ على صفةٍ من صفات الله، وقال: «الحابسُ نفسه على رحمة الله»، أو «الحابس نفسَه على غضب الله»، ونحو ذلك، لما دلّ على الجامعية، وصار الإمام ذا بُعدٍ واحد.

وكما أنّ الناظر لتجلّي الله يلتذّ بنَظره، ويتعلّم سبيل التخلُّق بأخلاق الله تعالى، كذلك الناظرُ لتجليّات الإنسان الكامل وخليفة الله؛ يلتذّ برؤية جماله وكماله، ويجد القدوة والأُسوة لتكامله.

بهذا يتّضح أنّ دعاء الجوشن الكبير دورةُ توحيدٍ ومعرفةٍ بالله، ألقى معارفَها أمينُ الوحي على الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم. والزيارة الجامعة أيضاً دورةٌ في معرفة الإمام، علّمها هادي آل محمّدٍ الإمامُ عليّ النقيّ عليه السلام لطلّاب مدرسة الإمامة، وسالكي طريق الولاية.

أقوى من الإسناد الصحيح

«يدلّ على اعتبار خبر الزيارة الجامعة علوّ متنه ودلالاته، وأنّ ما فيه كلّه مطابقٌ للأدلّة والبراهين القطعيّة من الكتاب الكريم والسنّة الشريفة والإجماع والعقل. ولقد أخذ الأصحاب بالخبر وعملوا به في مزاراتهم، كما أنّ مشايخنا في الفقه والحديث واظبوا على قراءتها، حتّى فيهم مَن واظب عليها في كلّ يوم؛ كشيخنا الأعظم الشيخ الأنصاري حيث كان يواظب يوميّاً، من حين بلوغه إلى آخر حياته، على قراءة جزءٍ من القرآن الكريم، وصلاة جعفر الطيّار، وزيارة عاشوراء، وزيارة الجامعة هذه. كما كان يزور بها الإمامُ الخميني، أيّامَ إقامته في النجف الأشرف كلَّ ليلة، أميرَ المؤمنين صلوات الله عليه عند ضريحه المقدّس. وأوصى سيّدنا الأستاذ السيّد المرعشي النجفي بها، وأنّها (ممّا يُنير القلب).

ونُقل عن بعض المؤمنين أنّ مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه، قال له – ثلاث مرّات: (عليك بالجامعة)، وتفصيل القصّة في (مفاتيح الجنان) وغيره.

 وقال العلّامة الشعراني في حواشيه على الوافي: (..الزيارة الجامعة مشتملة على معانٍ بعيدة كلّ البُعد أن يختلج ببال الرواة مثل نفس هذه الفقرات: "ذِكْرُكُم فِي الذّاكِرينَ". والظنّ الحاصل بصدور هذه الزيارة من أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أقوى ممّا يحصل من الإسناد الصحيح).

وقد عكف كثيرٌ من الأعلام على شرح هذه الزيارة العظيمة، فشرحوا بعض ما ورد فيها ممّا يُوجب الإيهام، وأوضحوا بعض ألفاظها ومعانيها المغلقة، وقد ذكر جملةً منهم شيخنا الحجّة الرازي في كتابه القيّم (الذريعة إلى تصانيف الشيعة)..».

 (السيّد عادل العلوي، في ظلال الزيارة الجامعة، مختصر)

 

... ولن تَبلغوا

بين فرضيّات الغُلوّ ومرديات التقصير

ـــــــــــــــــــــ المحقّق السيّد علي الحسيني الميلاني ـــــــــــــــــــــ

قد يُثار في بعض الأوساط عن جهل أنّ الزيارة الجامعة تحتوي على مضامين تغالي في شأن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام. ولذلك انبرى المحدّث الشيخ عباس القمّي في (مفاتيح الجنان) بإيراد قول الإمام الهادي عليه السلام بما يتوجّب على الزائر ذِكرُه قبل الشروع بقراءة هذه الزيارة: «..فإذا دخلتَ ورأيتَ القبرَ فقِفْ وقلْ: الله أكبر ثلاثين مرّة..، ثمّ قِفْ وكبّر اللهَ ثلاثين مرّة، ثم ادنُ من القبر وكبِّرِ اللهَ أربعين مرّة، تمام مائة تكبيرة».

ثم يعلّق المحدّث القمي على ذلك بقوله: «ولعلّ الوجه في الأمر بهذه التكبيرات هو الاحتراز عمّا قد تورثه أمثال هذه العبارات الواردة في الزيارة من الغلوّ والغفلة عن عظَمة الله سبحانه وتعالى، فالطباع مائلةٌ إلى الغلوّ، أو غير ذلك من الوجوه».

وهذا ما نشهده اليوم من بعض المتخرّصين من أنّ «الزيارة الجامعة» فيها غلوّ بشأن الأئمّة.والبعض الآخر راح يصنّف الشيعة إلى صنفين:

1) الشيعة المغالون.

2) الشيعة المعتدلون. وحسب تصنيف هؤلاء، فالذين لا يعتقدون بالزيارة الجامعة ومفاهيمها، شيعة وإن أنكروها، وأمّا مَن يعتقد بها ويقرأها فهم الغلاة. من هنا نجد أن الأمر يتطّلب الكلام عن الغلوّ.

ما هو الغلوّ؟

إن المسلَّم به - تاريخياً وعقائدياً - أنّ الأئمّة عليهم السّلام كانوا يطردون الغلاة ويكفّرونهم ويبرَؤون منهم، وكانوا يحذّرون شيعتهم - على الدّوام - من الاتصال بهم والاستماع إليهم. وإنك لَتجد في مصنّفات علمائنا الحديثيّة والكلامية أبواباً خاصّة في بحوث الإمامة تحت عنوان «نَفي الغلوّ في النبيّ والأئمّة عليهم السّلام».

ومن جملة المصنّفات التي أوردت روايات كثيرة وخطيرة في نفي الغلوّ في النبيّ والأئمّة عليهم السّلام كتاب (بحار الأنوار). ومن الأخبار المرويّة فيه:

* عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: «لا تَرفعوني فوقَ حقّي، فإنّ اللهَ تعالى اتّخَذَني عبداً قبل أنْ يتّخذني نبيّاً».

* وفي رواية عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام يقول فيها: «أللّهمّ إنّي بريءٌ من الغُلاة كبَراءة عيسى ابن مريمَ من النّصارى، أللّهمَ اخذُلهم أبداً ولا تَنْصُر منهم أحداً».

* وعنه عليه السلام أنه قال: «إيّاكم والغلوّ فينا، قولوا: إنّا عبيدٌ مَربوبون وقولوا في فضلِنا ما شئتُم...». وفي رواية: «لا تَتجاوزا بنا العبوديّة ثمّ قولوا ما شئتم، ولن تبلغوا..».

* وفي رواية أخرى عن الإمام الثاني عشر صاحب الزمان عليه السّلام، أنّه قال: «تَعالى اللهُ عزّ وجلّ عمّا يصفون، سبحانَه وبحمده، ليس نحن شركاؤه في عِلمه ولا في قدرتِه..».

* ويقول الإمام الرضا عليه السّلام في بيانٍ آخر: «فمَنِ ادّعى للأنبياء ربوبيّةً، أو ادّعى للأئمّة ربوبيّةً أو نبوّة، أو لغير الأئمّة إمامةً، فنحن بُرآءُ منه في الدنيا والآخرة...».

يتّضح لنا من خلال الروايات الآنفة الذكر وأمثالها مواقف الأئمّة عليهم السّلام المتشدّدة في مواجهة ضلال الغلاة وخطر الغلوّ.

ومن خلال ذلك أيضاً تَبيّن لنا معنى الغلوّ بما فيه من تأليه النبيّ والاعتقاد بنبوّة أو ألوهيّة الإمام، أي أنْ يتجاوز الإنسان الحدّ في منزلة النبيّ والإمام، بأن يعتقد أكثر ممّا هو للنبيّ أو الإمام، أو يقول بأنه شريكٌ لله تعالى.

كلام العلامة المجلسي في ضابطة الغلوّ

يقول العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) معرّفاً الغلوّ في المعصومين ومبيّناً حدوده: «اعلم أنّ الغلوّ في النبيّ والأئمّة عليهم السّلام إنّما يكون بالقول بألوهيّتهم أو بكونهم شركاء لله في العبوديّة أو في الخَلق والرزق، أو أنّ الله تعالى حلّ فيهم أو اتَّحد بهم و... القول بأنّهم كانوا أنبياء... أو القول بأنّ معرفتهم تُغني عن جميع الطاعات، ولا تكليف معها بترك المعاصي. والقول بكلٍّ منها إلحادٌ وكفرٌ وخروجٌ عن الدّين، كما دلّت عليه الأدلة العقليّة والآيات والأخبار السالفة وغيرها...».

ثمّ يضيف بعد تعريفه للغلوّ قائلاً: «ولكنْ أفرطَ بعض المتكلّمين والمحدّثين لقصورهم عن معرفة الأئمّة، وعجْزهم عن إدراك غرائب أحوالهم وعجائب شؤونهم، فقدحوا في كثيرٍ من الرواة الثّقات، لنقلهم بعض غرائب المعجزات..».

ثم يقول شيخنا المجلسي: «فلا بدّ للمؤمن المتديّن أن لا يبادرَ بردّ ما ورد عنهم من فضائلهم ومعجزاتهم ومعالي أُمورهم، إلاّ إذا ثبت خلافُه بضرورة الدين، أو بقواطع البراهين، أو بالآيات المحكمة، أو بالأخبار المتواترة...».

ومعنى كلامه رضوان الله عليه أنه إذا ما ورد عن رواتنا الثقات، وفي تضاعيف مصنفاتهم، أخبارٌ عن مراتب وفضائل ومعاجز وعظَمة شأن الأئمّة عليهم السّلام، فلا ينبغي للمؤمن المتديّن أن يردّ ذلك أو ينفيه حتى وإن لم يُدركه في عقله. وإنّما خصَصنا المؤمن المتديّن بالذكر، احترازاً عن غير المتديّن الذي لا يتقيّد بميزانٍ علميٍّ ولا بمعيارٍ عقليٍّ، وإنّما يطلق آراءه حسبما يُملي عليه هواه أو بمقدار عقليّته المحدودة، هذا إذا لم يكن هناك تأمّلٌ وشكٌّ في إيمانه. وهذا ما نجده في بعضهم من الذين يطلقون آراءهم بتكذيب أو إنكار مطالب لم تستوعبها عقولهم، أو لا تنسجم مع أمزجتهم، وهذا ما لا يتناسب مع الإيمان والتديّن والمعرفة التي تقتضيها رواياتنا.

وخلاصة الكلام: إنّه مع حفظ صفتَي العبودية والمخلوقية للأئمّة عليهم السّلام، لنا أن نقول فيهم ما نشاء.فنحن لسنا مغالين، بل نقول إنّ: «الأئمّة عبادُ الله، حازوا على مقامٍ عند الله، وبلغوا شأناً من الشأن لم ولن يبلغه أحدٌ من العالمين». أُنشدِكم بالله، هل في هذا غلوّ؟!

__________________________________________

مختصَر من كتاب (مع الأئمة الهداة في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة)

 

شروح الزيارة الجامعة

في (دائرة معارف علوم أهل البيت عليهم السلام) ثبتٌ بثلاثين مؤلّفاً باللغة العربية في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة، نعدّ منها:

1) (الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة): الشيخ جواد بن عباس الكربلائي (معاصر).

2) (الأنوار اللاّمعة): السيد عبد الله شبّر الحسيني.

3) (أنيس الطلاب): الشيخ محمد جعفر بن محمد علي بن الوحيد البهبهاني.

4) (تلويح الإشارة في تلخيص شرح الزيارة): السيّد محمّد حسين المرعشي الشهرستاني، وهو تلخيص لشرح الشيخ أحمد الأحسائي.

5) (شرح الزيارة الجامعة): الشيخ محمد تقي المجلسي، ضمن شرحه كتاب (مَن لا يحضره الفقيه).

6) (شرح الزيارة الجامعة): العلامة المجلسي، أورده في (بحار الأنوار).

7) (شرح الزيارة الجامعة): السيد نعمة الله الموسوي الجزائري، ضمن شرحه على (تهذيب الأحكام).

8) (شرح الزيارة الجامعة): السيد بهاء الدين محمّد الأعرجي النائيني الأصفهاني المعاصر للحرّ العاملي.

9) (شرح الزيارة الجامعة): الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي المتوفى سنة 1241 هـ .

 

فقرات الزيارة الجامعة

نَصٌّ معصوم في تبيان منزلة النبيّ وأهل بيته عليهم السلام

§        الشيخ علي كوراني

الزيارة الجامعة نَصٌّ مكتوب أملاه الإمام عليّ الهادي عليه السلام، على موسى بن عمران النّخعي، يتضمّن العديد من صفات الأئمّة من أهل البيت النبوّة الطاهرين عليهم السلام، ويزور بها الشيعة أئمتهم عليهم السلام فيتلونها في مشاهدهم، كما يتلونها في مساجدهم وحسينياتهم وبيوتهم. ولهذه الزيارة منذ القديم مكانة خاصّة عند علماء الشيعة ومتديّنيهم، لم تزدد مع العصور إلّا رسوخاً.

ويمكن تقسيم متن الزيارة الجامعة إلى سبعة فصول على النحو التالي:

الفصل الأول: مراسم الزيارة ومقدّماتها:

وهي الاغتسال للزيارة، والتشهّد عند الوصول إلى الباب، والتكبير (مائة مرّة) عند الدخول إلى مشهد المعصوم عليه السلام.

فأنت بإعلان الشهادتين عند الباب، تقول لمَن يتخيّل أنّك تعبد المعصوم: كلا.. فأنا مسلم وزيارتي وتعظيمي للمعصومين وتوسّلي بهم صلوات الله عليهم، هو من ضمن توحيدي المطلق لله تعالى، ومن ضمن توحيدي لنبيِّه بالنبوّة.. إنّ زيارتي عملٌ يؤكّدهما ولا ينافيهما..

والتكبير بهذه الطريقة المقصودة.. أول ما ترى القبر ثلاثين مرة، ثمّ تمشي قليلاً وتقف وتكبِّر ثلاثين، ثم إذا دنوت من القبر كبَّرت أربعين.. يقصد منه تلقين النفس وتفهيم الآخرين أن لا تهولهم عظمة المَزور وصفاته الفريدة، فما كلّ هذه العظمة إلّا عطاءٌ من الله الأعظم والأكبر على الإطلاق، تبارك وتعالى .

أمّا المشي بهدوءٍ واحترامٍ، فهو تعليم مدنيّ نلاحظه في أعمال الحجّ، وفي زيارة قبر النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم. وهو تعليمٌ على الأدب مع الإمام المعصوم، وعلى التفكير، وعلى مراسم الدخول على العظماء.. فنوعُ مشي الإنسان يُظهر أدبه واحترامه للمجلس الذي يدخل عليه، فلا يدخله عاميّاً متعجّلاً، غير مراعٍ لحُرمته. كما أنّ مشيه بهدوء وسكينة يفرض عليه التفكير في عمله وفي شخصية المزور .فمراسم الدخول أسلوب مدنيّ يركّز في نفسه قداسة عمله المحترم .

الفصل الثاني: التسليمات الخمس على أهل البيت عليهم السلام:

التسليم الأول: وفيه تسع عشرة صفة من صفات الأئمّة عليهم السلام تبدأ بقوله: «السلامُ عليكم يا أهلَ بيتِ النبوّة ومَوضِعَ الرسالة..»، إلى قوله: «وعِترة خِيَرة ربِّ العالمين».

التسليم الثاني: وفيه عشر صفات للأئمّة، تبدأ بقوله: «السلامُ على أئمّةِ الهُدى، ومَصابيحِ الدُّجى..»، إلى قوله: «وحُجَج الله على أهلِ الآخرةِ والأولى».

التسليم الثالث: وفيه سبع صفات للأئمّة عليهم السلام، تبدأ بقوله: «السلامُ على مَحالِّ مَعرفةِ الله..»، إلى قوله: «..وذُريّة رَسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم».

التسليم الرابع: وفيه سبع صفات للأئمّة عليهم السلام أيضاً، تبدأ بقوله: «السلامُ على الدُّعاةِ إلى الله..»، إلى قوله: «وهُم بِأمرِه يَعملون».

التسليم الخامس: وفيه أربع عشرة صفة للأئمّة عليهم السلام، تبدأ بقوله: «السلامُ على الأئمّةِ الدُّعاةِ والقادةِ الهُداةِ..»، إلى قوله: «وصِراطه ونوره وبرهانه».

الفصل الثالث: التشهّد والشهادة للأئمّة عليهم السلام:

وهو تشهّدٌ لله تعالى بالوحدانية، ولرسوله محمّدٍ صلّى الله عليه وآله بالنبوّة والرسالة، ثم شهادةٌ مفصّلة للأئمّة عليهم السلام بإمامتهم ومقاماتهم عند الله تعالى وسِيرتهم. وقد تضمّن أكثر من مائة صفة لهم عليهم السلام، وتتكوّن الشهادة لهم من ستّ فقرات:

الفقرة الأولى: الشهادة بما أعطاهم الله من نِعم: من قوله: «وأشهدُ أنّكم الأئمّة الراشِدون..»، إلى قوله: «وطهَّركُم تطهيراً».

الفقرة الثانية: وصف طاعتهم لله وعبوديتهم التي قابلوا بها نعمَه عليهم: من قوله: «فعظّمتُم جلاله وكبَّرتُم شأنَه..»، إلى: «وصدَّقتُم من رُسُلِهِ مَن مضى».

الفقرة الثالثة: في بيان أنّهم عليهم السلام ميزان الهدى والضلال والنجاة والهلاك: من قوله: «فالراغِبُ عنكُم مارِقٌ واللّازمُ لكم لاحقٌ..»، إلى قوله: «ومَن رَدَّ عليكُم فهو في أسفلِ دَرْكٍ من الجحيمِ».

الفقرة الرابعة: في بيان وحدة نور النبيّ والأئمّة عليهم السلام في عالم الخَلق والحجّة: من قوله: «أشهدُ أنَّ هذا سابقٌ لكم فيما مضى، وجارٍ لكُم فيما بقي..»، إلى قوله: «فكُنّا عندَه مُسَلِّمين (مُسلِمين) بِفضلِكُم، ومَعروفين بِتصديقِنا إيّاكم».

الفقرة الخامسة: الدعاء للأئمّة عليهم السلام أن يبلغ الله فيهم هدفه: من قوله: «فبَلَغَ اللهُ بكُم أشرف محلِّ المكرّمين..»، إلى قوله: «وخاصّتكُم لديه وقُرْبَ منزلتِكُم منه».

الفقرة السادسة: الشهادة لله بولايتهم والبراءة من أعدائهم ومخالفيهم: من قوله: «بأبي أنتُم وأمّي وأهلي ومالي وأُسرتي أُشهِدُ الله وأُشهِدُكم أنّي مؤمنٌ بكُم..»، إلى قوله: «ومِن الأئمّةِ الذينَ يَدعونَ إلى النّار» .

الفصل الرابع: أنّهم الطريق إلى الله تعالى دون غيرهم:

من قوله: «بأَبي أنتم وأمّي ونَفسِي وأهلِي ومَالي، مَن أرادَ اللهَ بدأ بكُم..»، إلى قوله: «وعَلى مَن جَحَدَ ولايتَكُم غَضَبُ الرّحمن».

الفصل الخامس: أنّ الله منَّ على البشر فجعل النبيّ وآله فيهم، وإلّا فهُم فوق البشر:

من قوله: «بأبي أنتُم وأمّي ونفسي وأهلي ومالي، ذِكرُكُم في الذاكرين..»، إلى قوله: «إنْ ذُكِرَ الخيرُ كنتُم أوّلَه وأصلَه وفَرعَه ومَعدِنَهُ ومأواهُ ومُنتهاه».

 الفصل السادس: نعمة النبيّ والأئمّة عليهم السلام على مواليهم:

من قوله: «بأبي أنتُم وأمّي ونفسِي وأهلي ومالِي كيفَ أَصِفُ حُسْنَ ثَنائِكُم..»، إلى قوله: «سُبحانَ ربِّنا إنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمفعولاً».

الفصل السابع: الاستشفاع والتوسّل بالنبيّ والأئمّة صلّى الله عليه وآله وسلّم:

من قوله: «يا وليَّ الله إنَّ بيني وبين اللهِ ذُنوباً..»، إلى قوله: «وفي زُمرَةِ المَرجُوِّينَ لِشفاعتِهم (المرحومين بشفاعتهم) إنّكَ أرحمُ الرّاحمينَ» .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مختصر عن مقال لسماحته بعنوان (كلمة حول الزيارة الجامعة)

 

«.. لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ أَقْرَبَ إِلَيْكَ... لَجَعَلْتَهُمْ شُفَعائِي»

الكفر بالطواغيت هو المدخل إلى توحيد الله تعالى

 

§        الشيخ حسين كوراني

هذه المقالة عبارة عن تقرير يختصر مضمون أحد دروس «شرح الزيارة الجامعة» لسماحة العلامة الشيخ حسين كوراني، وتحديداً شرح إحدى الفقرات الأخيرة من الزيارة، وهي قول الإمام الهادي عليه السلام: «اللّهُمَّ إِنِّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ أَقْرَبَ إِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الأخْيارِ الأَئِمَّةِ الأبْرارِ لَجَعَلْتَهُمْ شُفَعائِي...».

يُشار إلى أنّ الملفات الصوتية لهذه الدروس متوفّرة على موقع «السرائر» الإلكتروني، وهي عبارة عن 170 درساً ألقاها سماحته في مسجد الإمام الرضا عليه السلام (الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت) في الفترة الممتدة بين عامي 1991 – 2002م.

***

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿..وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ النساء:64.

وقد ورد في الزيارة الجامعة قوله عليه السلام: «اللّهُمَّ إِنِّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ أَقْرَبَ إِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الأخْيارِ الأَئِمَّةِ الأبْرارِ لَجَعَلْتَهُمْ شُفَعائِي...».

توحيدُنا لله تعالى يُوصلنا إلى طلب الشفاعة من رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ونحن لا نريد بهذه الشفاعة سوى رضى الله.

إذاً، المحور دائماً وأبداً هو توحيده عزّ وجلّ، ولا مبرّر أبداً لما يتوهّمه البعض من أنّ الشفاعة – والعياذ بالله - شِرك؛ لأنّ الإنسان الذي يطلبُ الشفاعة لا يغفلُ أبداً عن توحيد الله، وعندما يبحث عن الشّفيع، فإنّه يبحث بين مَن رضيَ الله عنهم واعتبرهم أقربَ الخَلق إليه، وفي طلبه للشفاعة من الشفيع فإنّه يطلبُ رِضى الله تعالى.

يقول صاحب (الشرح الكبير) في تفسير هذه الفقرة المتقدّمة من الزيارة الجامعة: «اللّهمّ إنّك خلقتني وابتدأتني بنِعمك، وأوّلُ نِعمك عليّ وأجلّها وأشرفها ما عرّفتني من نفسك ومن رسولك وأوليائك، ووفّقتني لطاعتك وطاعة رسولك وأوليائك، وعرّفتني مقامَهم منك حتّى جعلتهم ظاهرَك في عبادك، ومقاماتِك التي لا تعطيلَ لها في كلّ مكان، ومعانيَك وأركاناً لتوحيدك وآياتك وبيوتك وأبوابك وحُججَك على خلقك، وأخذتَ لهم الميثاق على مَن خلقتَ، وقرنتَ طاعتهم بطاعتك، ولم تقبل الأعمال إلّا بولايتهم ومحبّتهم وطاعتهم، فلمّا أوجَدتني كذلك وجدتُ بإيجادك إيّاي أنّه لا يكون شفعاءَ أقرب إليك من محمّدٍ وأهل بيته الأخيار الذين هم العاملون بالخيرات».

خلاصة الكلام المتقدّم: عندما يقول أحدنا: «اللّهُمَّ إِنِّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ أَقْرَبَ إِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الأخْيارِ الأَئِمَّةِ الأبْرارِ لَجَعَلْتَهُمْ شُفَعائِي..»، فإنّه يقول: إلهي خلقتني وعرّفتني نفسك وصرتُ موحّداً، وعرّفتني نبيّك صلّى الله عليه وآله، وعرّفتني أولياءك – أهلَ البيت عليهم السلام - وبحثتُ فوجدتُ أنّهم أقربُ الخلق إليك الذين جعلتهم ظاهرَك في عبادك.

ومن جملة معاني «ظاهرَك في عبادك» المفردات التي تقدّمت في نصّ الزيارة الجامعة، ومنها قوله عليه السلام: «بِكُمْ فَتَحَ اللهُ وَبِكُمْ يَخْتِمُ، وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الغَيْثَ، وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ أنْ تَقَعَ عَلى الاَرْضِ إِلاّ بِإذْنِهِ»، أي أنّ الله عزّ وجلّ ببركتهم خلق المخلوقات، وببركتهم تُشرق الشمس والحياةُ على وجه الأرض؛ يقول الله تعالى في الحديث القدسيّ مخاطباً النبيّ صلّى الله عليه وآله: «لولاكَ ما خلقتُ الأفلاك»، فكلّ ما يترتّب من الخيرات على الأرض مرتبطٌ بوجود النبيّ صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام.

اللهُ عزّ وجلّ، العليمُ بكلّ شيء عَلِم أنّ أفضل الخَلق هم أهل البيت عليهم السلام، فَلِأجلهم خلق الدنيا وأوجد الموجودات، لذا كلّ موجودٍ موجودٌ ببركتهم، حتّى الأنبياء جاؤوا إلى الدنيا وهم يعترفون بنبوّة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكانوا يتوسّلون برسول الله وأهل بيته عليهم السلام.

إذاً، يُصبح المعنى: إلهي خَلقتني وعرّفتني نفسك، وعرّفتني أقربَ الخلقِ إليك، وعندما تنبّهتُ لذلك وجدتُ أنّ عليّ أن أطلب الشفاعة منهم لأنّهم أقربُ الخَلق إليك. 

الأخيار الأئمّة الأبرار

* الأخيار: عندما يقال فلان خيِّر، فالمعنى واضح، أي أنّ فِعلَه الخير. والرسولُ الأكرم صلّى الله عليه وآله وأهلُ بيته عليهم السلام هم الذين يصدر عنهم الخير بدرجةٍ يعجز عن مثلها غيرُهم.

يقول صاحب (الشرح الكبير) في معنى الأخيار: «العاملون بالخيرات، وأفعالُهم وأقوالهم وأعمالهم وعلومُهم وفروعهم الخير... والأخيار ضدّ الأشرار، والأشرار جمع شرّير وهو فاعل الشرّ وهو البالغ في الشرّ.

فَهُم عليهم السلام الأخيار؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾. وأعداؤهم عليهم السلام الأشرار، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾..».

إذاً، ﴿خَيرُ البَرِيَّة﴾ هم الأخيار بأعلى الدرجات، لذلك عندما نقول: «اللّهُمَّ إِنِّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ أَقْرَبَ إِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الأخْيارِ» فإننّا نتوجّه إلى هذه المرتبة، الذين قال الله عزّ وجلّ أنّهم خير البريّة. ومقابل خير البريّة الذين هم الأخيار، هناك شرّ البريّة، وهم أعداء أهل البيت عليهم السلام.

وهنا ينبغي التوضيح أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام لا يوجد عندهم مشروع شخصي، وإنّما مشروعهم هو التوحيد. لذا فإنّ معاداتهم هي عداوة للتوحيد ولله عزّ وجلّ. لذا مَن يختلف مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، أو مع أهل بيته من المعصومين عليهم السلام، فهو على خلافٍ مع الحقّ، مع الله عزّ وجلّ.

وبالتالي، فإنّ أعداء رسول الله وأهل البيت هم أعداء الله، ولذلك يجب التبرّؤ منهم، لأنّهم أصبحوا طواغيت بتجاوزهم الحدَّ الذي رسمه الله تعالى لهم، وهذا هو الطغيان، ومنه قولهم: «طغى الماء». ومن مصاديق هؤلاء الطواغيت معاوية ويزيد وأضرابهما المقصودون بقوله تعالى: ﴿.. فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ..﴾، ﴿.. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. معنى ذلك، أنّ الإيمان لا يتحقّق إلا بالبراءة منهم. فالمدخل الطبيعي إلى توحيد الله هو الكفر بالطواغيت، ولا بدّ من تخلية القلب وتطهيره منهم، ومن ثمّ تحليته بتوحيد الله عزّ وجلّ. والدليل على ذلك نجده في فقرة اللّعن في زيارة عاشوراء: «اللّهمّ العَنْ أوّلَ ظالمٍ ظَلَمَ حَقَّ محمّدٍ وآل محمّد، وآخرَ تابعٍ له على ذلك»، وهذا اللّعن هو أفضل علاجٍ لتنقية القلب، ثمّ نُتبعه بالسلام على الإمام الحسين عليه السلام.

فإذاً، هناك قافلتان؛ قافلة النور، وقافلة الظلام، قافلة الخير، وقافلة الشرّ. سادة قافلة النور والخير والإيمان هم الرسول صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام. في المقابل، قادة قافلة الشرّ والظلام والشِّرك هم أعداء رسولِ الله وأهل بيته عليهم السلام. عندما نعصي نلتحق بقافلة شرّ البريّة، وعندما نستغفر ننضمّ لقافلة خير البريّة، وعلى هذا الأساس يجب التأمّل في أيّ فعلٍ نقوم به.

***

* الأئمّة: يتابع صاحب (الشرح الكبير): «والأئمّة جمع إمام، وهو مَن يُؤتَمّ به».

بحسب نصّ القرآن الكريم، قد يدعو الإمام إلى الله وإلى الهدى، وقد يكون إمامَ ضلالٍ يدعو إلى النار. فالإمام هو الذي يضعُه الناس أمامهم ليأتمّوا به، كإمام صلاة الجماعة الذي يتقدّم المصلّين.

والمعنى الآخر للإمام هو القدوة، أي يأتمّ الشخص به ويقتدي. وينبغي الحذر هنا من أنّ أحدنا قد يأتمّ بالكافرين من حيث لا يشعر. ومن ذلك، اعتبار أميركا – التي يصفُ الإمام الخميني قدّس سرّه قادتها بالوحوش والأنعام – قبلةَ الحضارة والتقدّم والمدنيّة، إلى حدّ التجرّؤ على محاربة «مشروع مقاطعة البضائع الأميركية» في السرّ والعلن، على الرغم من أنه الردّ الطبيعي والعفوي على مجازر الصهاينة في فلسطين المحتلة. والطامّة الكبرى هي أن أميركا أصبحت في بعض الأوساط هي القبلة والقدوة، وبعبارة: هي الإمام الذي يُؤتمّ به! فالتديّن وعي، وينبغي أن يلحظ الوعي النيّةَ والعمل؛ بمعنى تطهيرهما من الميل إلى كلّ ما يمتّ بِصلةٍ للكفّار.

***

* الأبرار: أمّا حول تعبير «الأبرار»، يقول صاحب (الشرح الكبير): «الأبرار جمع بَرّ بفتح الباء، أي: الصادق، والذي عادته الإحسان، والوليّ لله تعالى.

فالأبرار على (المعنى) الأوّل الصادقون مع الله تعالى في جميع المواطن، فإنّ الله سبحانه منذ خلقَ أنوارهم قبل الخلق بألفِ ألف دهرٍ إلى أن قبضَهم إليه مكرّمين، لم يَفقِدْهم حيثَ أمرَهم أو أحبّ أن يكونوا، ولم يَجِدْهم حيث نهاهم أو كَرِه أن يكونوا».

معنى كلام الشارح: أن الصادق هو الذي لا يصدر منه كذبٌ في نيّة ولا في فعل. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿.. اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ التوبة:119. الذين لم يكذبوا بنيّةٍ أو فعلٍ على الإطلاق هم الرسول وأهل بيته عليهم السلام، ولم يصدر منهم  - والعياذ بالله - ذنبٌ منذ خلقهم الله تعالى، فهم الصادقون. المذنِب يكذب بمقدار ذنبه، والصادق الحقيقي هو الذي لم يُذنب، ولذلك هم الصادقون وهم الأبرار.

ثمّ يشرح المعى الثاني من معاني الأبرار، فيقول: «وعلى الثاني: هم الذين استقرّت حقائقهم على وجهٍ واحدٍ، وهو وجهُ أفئدتِهم وقلوبهم، فلا اعتبارَ لهم في شيءٍ من أفعالهم إلّا لجهة أفئدتهم... فلمّا استقامتْ حقائقهم على هذه الأحوال المَرْضِيّة، وطبائعهم التي عادتها ومقتضاها الجميل والإحسان؛ ضَعُفَت الجهة المخالفة فيهم للأعمال المَرْضِيّة لعدم التفاتهم إليها بحال، واضمحلّت حتّى لم يبقَ منها إلّا ما يتحقّق به كونهم واختيارهم صلّى الله عليهم، فلذا كانت عادتُهم الإحسان، كما تقدّم في هذه الزيارة الشريفة».

من معاني الإحسان «أن تعبدَ اللهَ كأنّك تراه، فإنْ لم تَكُن تَراه فإنّه يَراك»، يعني مَن عادتُه الإحسان لا يصدر منه إلّا الخير، وقد مرّ في الزيارة الجامعة: «عادَتُكُمْ الإحْسانُ وَسَجِيَّتُكُمُ الكَرَمُ». أحياناً يصدر منّا الذنب مع اعتقاد القلب بوجود الله تعالى، أي يختلف القلب عن العمل، لكنّ أهل البيت عليهم السلام لا يوجد خلافٌ بين قلوبهم وعملهم.

وحول المعنى الثالث، أي الوليّ لله تعالى، يقول صاحب الشرح الكبير: «وعلى الثالث: هم الذين ذكرَهم سبحانه في مفهوم قوله: ﴿..وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ..﴾، أي لم يكن له عينٌ ناظرةٌ في عباده، وعضدٌ لخلقه، ولسانٌ يُخاطبهم به... وترجمانٌ يعبّر عن وحيه من عجزٍ... بل جعلَ لهم ذلك من عزٍّ وتكرُّم.. فهم أولياؤه على خلقِه تكرُّماً لذاته، ولُطفاً بضعفاء خَلْقِه».

 

من توجيهات الإمام الخامنئي حول آداب الزيارة

* إذا أردنا التحدّث (مع المعصوم عليه السلام) بلسانٍ بليغ ومضامين جيّدة، فلدينا زيارات؛ كزيارة الإمام الرضا الخاصّة، وزيارة أمين الله، أو الزيارة الجامعة.

* عندما تقرأون نصّ الزيارة، وإن لم تفهموا معناها، التفتوا إلى مَن تخاطبون، في حال تحقّق هذا الأمر تكون الزيارة قد تحقّقت.

* الزيارة الجامعة ستّ أو سبع صفحات، إقرأوها كلّها إذا سنحتْ لكم الفرصة، وإن لم يكن لديكم وقتٌ كافٍ فلتقرأوا صفحة منها أو نصف صفحة.

* تحدّثوا بلسان القلب. حاولوا أن تُفرّغوا قلوبكم من سائر المشاغل ولو لدقيقتين، ولو لخمس دقائق، واربطوه بالروحانيّة الموجودة (في المشاهد الشريفة) وقولوا ما تشاؤون.

* الشّرط الأول لكي يتمّ قبول الزّيارة هو أن «تلتقوا» بالإمام؛ أي أن لا يكون التردّد إلى الحرم مجرّد تردّد إلى مكان معيّن؛ بل يوجد هناك مخلوق وروح رفيعة؛ التفتوا إلى هذا الحضور.

* «الرّؤية بالعين» ليست شرطاً للقاء؛ هو حاضرٌ ويسمع كلامكم، يشاهد حضوركم، يرى شخصكم، تحدّثوا معه؛ هذه هي الزّيارة. الزّيارة تعني الملاقاة.

* عندما يذهب الإنسان لملاقاة أحدٍ ما، يسأله عن أحواله، يسلّم عليه؛ هذا ضروريٌّ أيضاً خلال اللقاء بأرواح الأئمّة الطاهرة عليهم السّلام والأولياء الإلهيّين؛ يجب الذهاب، وإلقاء التحيّة، والتعامل بأدب ووقار.

* الزيارة ممكنة بأيّ لغة تشاؤون؛ لو أنّنا تحدّثنا بلهجتنا المعتادة، فقد أدّينا آداب اللقاء والزّيارة.

* أقيموا الصّلاة داخل الحرم، أقضوا صلواتكم الفائتة، صلّوا الصّلاة الواجبة، صلّوا صلاة مستحبّة، صلّوا صلاةً للوالدين، ردّدوا ذكر «لا إله إلّا الله» والتسبيحات الأربعة، ولكن بشرط أن يكون قلبكم متّصلاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نقلاً عن الموقع الإلكتروني: Khamenei.ir

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات