كلمة سواء

كلمة سواء

منذ أسبوع

مفهوم الرهبانية في الإسلام

 

مفهوم الرهبانية في الإسلام

ـــــــــــــــــــــــ الشهيد السيد محمد الصدر قدّس سرّه ـــــــــــــــــــــــ

في حديث ابن مسعود عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه سأله: «.. هل تَدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانيّة؟

فقلت: الله ورسوله أعلم.

فقال: ظهرتْ عليهم الجبابرةُ بعد عيسى عليه السلام يعملونَ بمعاصي الله. فغضبَ أهلُ الإيمان فقاتلوهم؛ فهُزم أهل الإيمانِ ثلاثَ مرات. فلم يبقَ منهم إلَّا القليل. فقالوا: إنْ ظَهرنا لهؤلاء أفنونا، ولم يبقَ للدّين أحدٌ يدعو إليه. فتعالوا نتفرّقْ في الأرض إلى أن يبعثَ اللهُ النبيّ الذي وعدَنا به عيسى - يعنون محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم - فتفرّقوا في غيران الجبال، وأحدثوا رهبانيةً، فمنهم مَن تمسّك بدينِه ومنهم مَن كفر.

ثمّ تلا النبيّ صلّى الله عليه وآله هذه الآية: ﴿..وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ..﴾ (الحديد:27). ثم قال: .. أتدري ما رهبانية أُمّتي؟

قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: الهجرة، والجهاد، والصلاة، والصوم، والحجّ، والعُمرة».

أودّ أن أشير إلى الاستفادة من هذه الرواية ضمن أمرين رئيسين:

الأمر الأول: أنّ الرهبانية حاصلة للظروف التي نسمّيها الآن بظروف التقية؛ فإنّ مثل هذه الظروف تَحدُث عند الخوف من الأعداء والظالمين، وهم فعلاً، بنصّ الرواية قد خافوا من أعدائهم.

الأمر الثاني: حول دلالة الرواية على الرهبانية في الإسلام، حيث تقول: «..أتدري ما رهبانيّة أمّتي؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: الهجرة، والجهاد، والصلاة، والصوم، والحجّ، والعُمرة».

وكلّها - في الأغلب - تستدعي الاختلاط بالناس، والدخول في معمعة المجتمع وعدم الانعزال عنه.

إذاً، فالرهبانية هنا قد جُرّدت من مفهوم الانعزال والوحدة، وبقيت مقتصرة على فكرة الرهبة التي هي الخوف المتعاظم من الله عزّ وجلّ. ومن المعلوم أن المهمّ أمام الله عزّ وجلّ هو التكامل. وهذا التكامل له أحد أسلوبين:

الأسلوب الأول: الانفراد لذكر الله عزّ وجلّ وعبادته، وهذا الأسلوب قد يكون أقرب إلى النفس وأقرّ للقلب والعين.

الأسلوب الثاني: أداء الخدمات الإنسانية للآخرين في حدود طاعة الله عزّ وجلّ. وهذا الأسلوب - مع الإخلاص وحسن النية - يضمن التكامل للفرد أسرع بكثير ممّا يضمنه له الأسلوب الأول. لأنّ الفرد يكون فيه في امتحانات دائمة ومختلفة، تجاه مختلف الأفراد والجماعات ذوي الآراء المختلفة والتصرّفات المتباينة والمستويات المتعددة، الأمر الذي يجعله تحت المحكّ مباشرة. فيكون مثاله: كالذهب الذي لا ينقى إلا بالنار.

ومن المعلوم أنّ التكامل الذي يحدث نتيجة للتعب والامتحان أسرع وأعلى من التكامل الذي يحدث نتيجة للراحة والاستسلام الذي يوفّره للفرد الأسلوب الأول. وهذا هو الفرق بين الرهبة الحقيقية الصحيحة والرهبة التي يتّخذها المترهّبون والصوفيون. على أننا لا ننكر أن مسلك الانعزال مؤثّر فعلاً في التكامل أيضاً، ولا ينبغي الاعتراض على من يفضّله ويتخذه في حياته من هذه الزاوية، إذا كان مخلصاً في نيّته ومؤدّياً لتعاليم شريعته.

وأمّا الأمور التي قلنا إنّها تتوقف على اللقاء بالمجتمع: فيكون هذا الفرد قد أدّاها، أو يشعر بعدم تكليفه الشرعي بوجوب السير فيها أو تطبيقها. وهذا ما يختلف بين الأفراد، كما يختلف بين الأماكن والأزمان، كما يختلف من حيث مستويات التفكير والثقافة الدينية وغير الدينية. والمهم عند الله عزّ وجلّ هو الإخلاص له وطلب رضاه ونيل حسن العاقبة عنده. ومن هنا ورد: «إنّ اللهَ ينظرُ إلى قلوبِكم ولا ينظرُ إلى صوَركم».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(ما وراء الفقه: ج 2، ص 357 – 361، مختصر) 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 4 أيام

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ 4 أيام

إصدارات عربية

نفحات