الملف

الملف

13/04/2018

حقائق الولاية


حقائق الولاية

من الكلام الإلهيّ إلى فلسفة التاريخ*

§      محمود حيدر**

* في ما يلي محاولة بحثية تعالج واحدة من أبرز المسائل العقائدية في الفكر الإسلامي - عنينا بها عقيدة الولاية - استناداً إلى الآيات البيّنات في القرآن الكريم، وكذلك إلى فلسفة التاريخ.

يسعى هذا البحث إلى تأصيل مفهوم الولاية عبر تنظير معرفيّ يقاربه من وجهين متلازمين:

الأول: تبيين مكانة الوليّ في القرآن الكريم.

الثاني: الكشف عن حضور الوليّ الإحيائي في فلسفة التاريخ.

«شعائر»

 

الفرضيّة التي ابتنينا عليها هذا المسعى تقوم على مبدأ الثبوت والإثبات في مقاربة مفهوم الولاية، وذلك بمقتضى أصلٍ عقَديّ قوامه: «لا بدّ من وجود حجّةٍ لله تعالى في كلّ زمان».

تبعاً لهذه القاعدة نجدنا أمام رُكنين أساسيّين: ركن الحضور في الغَيب، وركن الحضور في التاريخ. هذان الركنان يتكاملان ويتمِّم أحدهما نظيره، وإن كان لكلٍّ منهما سبيله ومنهجه المخصوص في البيان والتبيين. أما الأصل في تكاملهما فيعود إلى امتداد الوحي في التاريخ، تبعاً لسيْرِيَّة جوهرية مبدأها واحد وختامها واحد. وما ذاك إلا لكون الاعتناء الإلهيّ بدنيا الإنسان لا يدَعُ مجالاً للفراغ والمصادفة.

يترتّب على هذا التأصيل طائفة من المسائل العقدية والمعرفية تدخل دخولاً بيِّناً في التنظير المعاصر لمفهوم الولاية. ولكي يستوي الإجراء التنظيري على نصاب منهجي نقترح العمل على الخطوط التالية:

أولاً: التعرُّف إلى فلسفة الغَيبة والانتظار والظهور، والتعريف بها.

ثانياً: فهم ضرورة الامتحان الإلهيّ للبشرية، والغاية منه.

ثالثاً: استقراء سرّ مكان هبوط الوحي، حيث شاء الله أن تكون جغرافية التنزيل أرض الأمة الوسط. وهي الأرض التي شهدت ظهور النبوّات والرسالات منذ آدم إلى الرسالة الخاتمة. كما في قوله تعالى:

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا..﴾. (البقرة:143)

رابعاً: تبصُّر الغاية الإلهية من الخلق. حيث إن شأن الدنيا مثابة جسر عبور من عالم الخلق إلى عالم الحق، ومن عالم الكثرة والتشظّي إلى عالم الوحدة والانسجام. وهنا تتجدّد وظيفة الوليّ، وتالياً المهمات التي يتولاها الأولياء الممهّدون عبر التاريخ.

خامساً: استشعار التواصل المستتر بين الوليّ المنتظَر والأولياء الممهّدين، بما يعني وجود ترابط وطيد بين إمام الزمان أو الوليّ الخاتَم وأئمّة الأوان (الممهّدون)، بغية إنجاز المطلوب الإلهيّ.

تلازم التوحيد مع الولاية

تقرّر فلسفة الولاية أن حقيقة الإيمان بالتوحيد يعادل الإقرار بالولاية، وأن التوحيد والولاية أمران لا ينفصلان، وأن الولاية هي الدليل على تجلّي الأسماء والصفات والأفعال الإلهية في كلّ طورٍ من أطوار التوحيد. بهذا تكون الولاية عنصراً ذاتياً من عناصر خَتم النبوّة. فالوليّ هو خليفة النبيّ، ومبيّن الشريعة من بعده، وهو الذي يتولّى صيرورة الدّين الخاتم إلى غاياته ومقاصده. بل إنه يؤكّد من خلال تولِّيه لأحكام الدين، استمرار الصِّلة بعالَم الغيب بعد انقضاء عهد النبوّة. ولأجل ذلك تحظى الوراثة النبوية بدور حلقة الوصل والعروة الوثقى بين الحقّ والخلق. 

والتأسيس الإلهيّ للوليّ المعصوم بصفة مخصوصة، وللأولياء الممهّدين بعامة، حاضرٌ بالمجمل في الخطاب الإلهي: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(المائدة:55)، وفي التفسير أن الولاية هي لله بالأصالة في عالمَيْ الأمر والخلق. وللرّسول بالأصالة في عالم الخلق، ثم للوليّ المعصوم من بعد الختم النبويّ، ثم للخاصّة من المؤمنين إلى نهاية التاريخ. ولا يخفى على المتأمل أن المآل واحد.

حاصل المقصد الإلهيّ من آية الولاية المذكورة، أن منازل الولاية تقوم على ثلاث مراتب وجودية هي: ولاية الله – ولاية النبيّ – ولاية الوليّ.

المرتبة الأولى -  ولاية الله: وهي الولاية الحقيقية المطلقة، وتكون بالأصالة للوليّ الواحد الأحد على العالمين. وفي القرآن المجيد من الآيات البيّنات ما يشير إلى الأصالة الإلهية لولاية الله. وما سمّى الله تعالى ذاته المقدسة بالوليّ إلا لأنه المهيمن بأسمائه وصفاته على كلّ شيء: ﴿..مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا. (الكهف:26)

المرتبة الثانية - ولاية النبيّ: وهي من الله بالجَعل عن طريق الوحي. أي أنها امتدادٌ لولايته تعالى ومن أمره. ولأن ولايته تعالى محيطة بكلّ شيء، ومدبّرة لنظام الخلق، وبسُنَنِها تنتظم هندسة الكون، فولاية النبيّ الخاتَم صلّى الله عليه وآله وسلّم، المستمدة من الرحمانية هي - بهذه الصفة الاستمدادية - ولاية للعالمين. ولكونها كذلك، فهي ظهورٌ لمشيئة الله وإرادته في عالم الإنسان: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. (الأنبياء:107)

المرتبة الثالثة - ولاية الوليّ: وهي متّصلة بالولايتين الأولى والثانية، بها تتجلّى الحقيقة المحمّدية في عالمَيْ الغيب والواقع، ومن خلالها يكشف الحقّ عن عنايته بشؤون الخلق. فإن أولياءه هم المكلَّفون بالمعاينة والمتابعة وحفظ الكتاب. وولاية الوليّ مصرَّحٌ عنها في القرآن الكريم بوجود شاهدٍ على المسلمين يتلو رسول الله: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ.. (هود:17). ومعنى «يتلوه» أي يخلُفه، ومعنى خلافته له هو قيامه مقامه في كلّ شيء ما خلا النبوّة التي خُتمت به صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ولقد عيّن الله سبحانه هذا «الشاهد» بالإشارة والوصف، فوصفه تارةً بأنه من رسول الله كما في الآية. ووصفه تارة أخرى، بأنّ «عندَه عِلم الكتاب» كما في قوله سبحانه: ﴿..قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (الرعد:43).

وبهذا التقدير الإلهيّ سنجد كيف يحدّد القرآن الكريم الإطار المعرفيّ لحركة الإنسان في الزمان التاريخي. وهو ما تُظهره الآية: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾. (النساء:26)

 

 

الوليّ بوصفه مدبِّراً للأمر الإلهيّ

للوليّ في حكمة التدبير الإلهيّ للبشرية مهمّتان رئيستان: مهمّة الحضور في حضرة الله حيث يتجلَّى الله من خلاله في عالم الناس.. ومهمّة الحضور في حضرة الناس الذين يرون فيه بشراً وآيةً إلهيّةً في الوقت نفسه. فأنْ تكون في حضرة الوليّ يعني أن تحضر أمام الله عبر هذا الوصيّ، الذي هو في الوقت عينه، الشاهد على التاريخ البشريّ أمام الله.

لعلّ النقطة المحورية في «فلسفة الولاية» أن الغيب يظهر نتيجةً لفعل الحضور المزدوج هذا. فالوليّ المعصوم على الخصوص، هو صورة المعرفة بالله وجوهرها. لكن إنْ لم يُدرك هذا الجانب من مهمّة الامام، قد يقع الموحِّد في شرَكِ الشِّرك الخفيّ الذي لا يفرّق بين الشاهد الشهيد وهو الإمام، وبين الله الباطن الذي يشهد على وجوده، والذي لا يُدرك إلا بهذه الشهادة. وبذلك، يكون الإمام هو الصورة الحكمية، أي الوجه الذي منه يُؤتى فيض الغيب، والذي سوف تدركه الإنسانية كلّها في نهاية المطاف.

بفضل هذا الحضور المتبادل او المشترك يصبح الإمام حجّةً على العالمين، وهو الشهيد الظاهريّ والهادي الباطنيّ. ويتّضح هذا الحضور المشترك في ما ينقله الشيخ الصّدوق عن الأئمّة عليهم السلام: «من عَرفَنا فقد عرف الله». وبذلك يكون الحاصل أنّ مَن عَرَفَ نفسه عَرَف إمامه، ومن عرفَ إمامه عرف ربّه.

فالإمام الوليّ هو القطب الروحيّ الباطنيّ الذي لولاه لَساخت الأرض بأهلها. يعني هذا أن ارتباط حضور الإمام باستمرارية عالم الإنسان هو من قبيل الحفظ الإلهيّ للوطن البشريّ بواسطة الإمام. وبذلك يكون الإمام كمبعوثٍ إلهيّ في نهاية التاريخ أشبه بالسرّ المقدّس. ولذا، لا يخلو العالم من إنسانٍ هو مستودعُ الأسرار الإلهيّة، حتّى وإن لم يظهر للعوامّ من هذا المستودع شيءٌ على نحو المباشرة. فالولاية، وهي النبوّة الخفيّة، هي حركة جوهرية مستمرّة إلى آخر الزمان.. ما يعني أن الحاجة إلى الإمام هي حاجة وجودية للاجتماع البشريّ، تبعاً لرعاية الحقّ ولُطفه بعالم الخلق.

 

مملكة الإنسان الكامل.. إلهية

مرتبة الوليّ هي مرتبة الإنسان الكامل الذي هو ملك العالم التكوينيّ. لكنّ مملكته لا علاقة لها بالاعتبارات السياسية الظرفية والعارضة، ولا بالنصر السياسيّ الزائل، ولا بالفكرة التي تقول إن الأكثريات هي دوماً على حقّ بذريعة أنها هي التي تصنع التاريخ. ذلك بالطبع لا يضادّ حقيقة أن التدبيرات الجزئية هي من مهمّة أئمّة الأوان الذين انعقد بينهم وبين إمام الزمان ميثاقٌ باطنيّ يتلقّون من خلاله الترشيد والتوجيه والأمرة عند كلّ منعطف.

إمام الزمان هو الإنسان الكامل المعصوم، وبما أن هذا الإنسان المفرد هو سببُ وجود العالم الدنيويّ وغايته، فلا يُمكن أن يستمرّ وجود عالم الإنسان من دون إمام. وهذا بالتحديد هو معنى الوجود الغامض الذي يتميّز به الامام الثاني عشر الغائب عن الحواسّ الخمس، وإدراكات العقل الأداتيّ.

وعليه، فإنّ لفلسفة الولاية ركنين متلازمين لا انفصالَ في وحدتهما: ركن الاعتقاد بالغيب، وركن الأخذ بسببية حركة التاريخ. وهذا مبدأ إلهيّ كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: «أبى اللهُ أن يُجريَ الأشياء إلا بالأسباب. فجعل لكلّ شيءٍ سَبباً، وجعل لكلّ سببٍ شرحاً، وجعل لكلّ شرحٍ عِلماً، وجعل لكلّ عِلمٍ باباً ناطقاً، عَرَفه من عَرَفَه، وجهِلَه من جَهِلَه، ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ونحن».

وبمقتضى هذين الركنين نرانا بإزاء وصلٍ وطيدٍ بين حركة التاريخ والحقيقة الدينية، وبمعنى أعمق بين المخطّط الإلهيّ للتاريخ وإرادة الناس في درء انحرافات التاريخ وعيوبه. يجري ذلك ضمن جدلية التفاعل الخلاّق بين الفعل البشري المؤسَّس على الصّراط والوحي الذي يسدّده ويؤيّده فلا ينفكّ عنه طرفة عين. هنا، لا يعود عالم الشهادة منقطعاً عن عالم الغيب. كما لا يعود الحضور في التاريخ مفارقاً للغائب المنتظَر. فليس ثمّة انفصال بين الناس وإمام زمانهم. ذلك بأنّ انتظار المخلّص إنما هو انتظار حركة ومجاهدة لا انتظار سكونٍ واستسلام. وبقدر ما يختبر المؤمنون صِلتهم بإمامهم بالقول والعمل، بقدر ما تتحوّل عقيدة الانتظار إلى حضور فعّال في كلّ حقل من حقول النشاط والتضحية والمعرفة. لذا تنطوي منظومة الانتظار الخلاَّق على اتِّساق وانسجام مع سُنّة التاريخ وتطوره. فيها يصير الاعتقاد مطابقاً للواقع، ومن خلالها يُمسي الواقع عين العقيدة، ما دام المؤمنون بنظام السُّنن، وبالهندسة الإلهية للتاريخ، يأخذون بالأسباب التي وصَّاهم بها الحقّ تعالى ليفلحوا، ثم ليبلغوا بواسطتها صلاح أمرهم. وحيث يأخذ المؤمنون بالأسباب الممّهدة للخلاص، لا يعود الإمام الغائب منفصلاً عن الحضور الواقعيّ، بل هو لازمٌ للواقع في كلّ لحظة، يفيض عليه بالتسديد والتأييد والتقريب كلّما تحوّل إيمان المؤمنين بعقيدة الانتظار إلى حركة حيّة وفعّالة باتجاه المخلِّص المنتظَر. ولسوف تتمظهر تلك الحركة الإيجابية الجوهرية بوضوحٍ لا لَبْسَ فيه لدى الآخذين بهذين الركنين وهم يمهِّدون السبيل إلى الغاية القصوى. فإنهم بهذا يتّجهون شطر الالتزام بالولاء الخلاَّق للمكوّن الإيماني والمعرفي والأخلاقي الذي يربط الزمان الفيزيائي بالإمام الغائب. فالاحتدام الذي يُخاض تبعاً لهذين الركنين المتلازمين يفارق الاحتدامات المألوفة، ليتّخذ وضعية يحضر فيها الغائب حضوراً بيّناً في الزمن. وعليه تتحوّل فلسفة الانتظار الخلاّق إلى فقهٍ سياسيٍّ متعالٍ. ذلك بأنه فقهٌ متّصلٌ ومتواصلٌ مع الغَيب، ينمو ويتطوّر ويغتذي بعوامل الديمومة في ميادين المواجهة مع سلطان الظلم.


مثلث الولاية الخاتمة: وحيانية، عقلانية، واقعية

لعلّ ما يمنح فلسفة الولاية الخاتمة حيويّتها الواقعية، وعقلانيتها، أن الاعتقاد بالغائب المنتظَر كحقيقة تاريخية هو عين ما يُفضي إليه الفقه المؤسّس لها... حيث سيظهر حصاد العمل بمقتضاها عن طريق ربط كلّ ما يجري خلال أزمنة الغَيبة الكبرى، بلحظة الخلاص وظهور المنتظَر. مثل هذا التأصيل العقَدي التي تُجريه فلسفة الإمامة يطابق ولا يغاير ما ذهبتْ إليه فلسفة التاريخ. أي التفسير الواقعي العقلاني للأحداث. فلسفة التاريخ هي فلسفة لا تقبل الفراغ. أي أن التاريخ المبنيّ على وحدة الحضور والغياب، هو سَيْريّة (نعني بـ«السيْريّة» الحركة الجوهرية للتاريخ حيث يتجلّى فيها تواصل الغَيب ووحيه مع إيمان البشر وإرادتهم) ميثاقية تقوم على تكامل أركانها لا على انفصالها وتشظّيها. ولذا فإنّ هذه السَيْريّة التي تنتظم التواصل بين المنتظِر (بالكسر) والمنتظَر (بالفتح)، هي حركة مدركة وعاقلة وبنَّاءة تحيط البداية والنهاية برعايتها وتضبط أحقابها بعروة وثقى. وبقدر ما تتجلّى هذه الحركة في الإرادة والفعل الإنسانيين، بقدر ما يحفّزها منطقها الداخلي لتتحوّل إلى حركة جوهرية مؤيّدة بالعناية والتسديد واللطف. وفي هذا المقام سيكون على الآخذين بهذه الحقيقة، أن يمهِّدوا لظهورها في حركة الزمن من خلال التوفّر على أسبابها وشرائطها القريبة والبعيدة.

إن هندسة التاريخ هي كهندسة الطبيعة مستبطَنة بعناية الخالق. ولسوف يتبيّن تبعاً لفلسفة التاريخ أن العناية الإلهية تتدخّل عبر البشر أنفسهم في مسيرة الحضارات. فالله تعالى موجود في الطبيعة والتاريخ. والتاريخ البشريّ، وكذلك التاريخ الطبيعيّ، مظهران لوجوده. وأن عنايته تعالى مباطنة للتاريخ، ولكنها لا تسيّره إلا عبر الأسباب التي يتولاها الإنسان، ذلك بأن التاريخ خاضعٌ لقوانين حتميّة مَثَلُه في ذلك مثلَ العالم الطبيعي.

والوحي واضحٌ في دعوة الإنسان إلى الأخذ بالأسباب كشرطٍ لتحقق العناية وتلقّي التسديد، لأن قوانين التاريخ مباطنة في جوهرها للمخطّط الإلهيّ. فمَن يأخذ بها وفقاً لهذا المخطّط أفلح بالغاية، وأما من اتّخذ سبيل المغايرة والانزياح لهواه، فقد حَبِطَ مسعاه؛ أكان فرداً أم جماعة أم أمة. وهذا ما يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾. (العنكبوت:41)

أهمية موضوعٍ حيويّ كالذي سعينا إلى تظهيره أنه يستأنف مساءلات طفحَ بها سماءُ الجدل الكلاميّ على امتداد تاريخ الإسلام، إلا أنه يجيء هذه المرة ليلبّي حاجات معرفية راهنة تفترضها حاضرية الإسلام في العالم المعاصر، مع ما يترتّب على هذه الحاضرية من وجوب تظهير حضارة العدل الإلهيّ وتسييلها في الفضاء الثقافي العالمي...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* بحث مقدّم إلى المؤتمر الدولي الحادي عشر للبحوث القرآنية الذي تنظّمه «جامعة العلوم والمعارف القرآنية» في مدينة قمّ المقدّسة، يومَي 18 - 19 نيسان (أبريل) 2018

** مفكّر وأستاذ محاضر في الفلسفة وعلم الأديان/ رئيس مركز دلتا للأبحاث المعمّقة - لبنان

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

13/04/2018

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات