التطوير الفقهي في فكر الشهيد الصدر

التطوير الفقهي في فكر الشهيد الصدر

26/08/2011

التطوير الفقهي في فكر الشهيد الصدر

التطوير الفقهي في فكر الشهيد الصدر
تحديد المشكلة الإقتصاديّة


 الفقيه الشيخ عبدالهادي الفضلي

الملكيّة المزدوجة، الحريّة الإقتصاديّة في نطاق محدود، والعدالة الإجتماعيّة؛ هي المبادىء الأساسيّة الثلاثة التي تُؤلّف النظريّة الإقتصاديّة الإسلاميّة من منظور آية الله الشهيد السيّد محمد باقر الصدر قدّس سرّه.
يتناول هذا البحث لآية الله الشيخ عبدالهادي الفضلي هذ المبادىء الثلاثة، وهو يأتي استكمالاً لما نُشر في هذا الباب من العدد الخامس عشر من «شعائر».


يُلخّص [الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر قدّس سرّه] النظريّة الإسلاميّة الإقتصاديّة: في أنّ المذهب الاقتصادي الإسلامي يقوم على ثلاثة مبادئ أساسيّة، تتكامل في ما بينها لتؤلّف النظريّة الإقتصاديّة الإسلاميّة، وهي:

الأوّل: مبدأ المُلكيّة المزدوجة.
الثاني: مبدأ الحريّة الإقتصاديّة في نطاق محدود.
الثالث: مبدأ العدالة الإجتماعيّة.
   
   
***


الأوّل: مبدأ الملكيّة المزدوجة التي تتألّف من:
أ- الملكيّة الخاصّة أو الملكيّة الفرديّة.
ب- الملكيّة العامّة أو ملكيّة الأمّة.
ت- ملكيّة الدولة.
هذه الملكيّات الثلاث تؤلّف مجتمعة مبدأ الملكيّة في الإقتصاد الإسلامي.

الثاني: مبدأ الحريّة الإقتصاديّة في نطاقٍ محدود:
والحريّة -هنا- تعني السَّماح للأفراد بممارسة العمل الإقتصادي، ولكن في حدود القِيَم المعنويّة والأخلاقيّة التي يؤمن بها الإسلام.
وتُحدَّد هذه الحريّة من جانبين، هما:
أ‌- التحديد الذاتي الذي ينبع من أعماق النفس، ويستمدّ قوّته ورصيده من المحتوى الروحي والفكري للشخصيّة الإسلاميّة. ويتأتّى هذا عن طريق التربية الخاصّة.
ب‌- التحديد الموضوعي الذي يعبّر عن قوّة خارج الذات والنفس، تقوم بضبط وتحديد السلوك الإجتماعي، وتلك القوّة هي القانون في تشريعاته الخاصّة، كَمَنْع الرِّبا والإحتكار والتلاعب بالأسواق، وفي تشريعاته العامّة بما يعطيه لوليّ الأمر أو الدولة من صلاحيّة التدخُّل في ضبط حركة المال، من خلال التوازن بين المصالح المشتركة للأفراد والأُمّة والدولة.

الثالث: مبدأ العدالة الإجتماعيّة:
ويتمثّل هذا المبدأ في نظام توزيع الثروة الماليّة الذي يقوم على مبدأَيْن، هما:
أ‌- مبدأ التكافل العام.
ب‌-  مبدأ التوازن الإجتماعي.
ثمّ لا بدّ من أن تلتزم النظريّة الإقتصاديّة الإسلاميّة أو قُلْ: المذهب الإقتصادي الإسلامي، التحرّك في عالم الواقع، وفي هدي الأخلاقيّات الإسلاميّة.
هذه هي خلاصة النظريّة الإقتصاديّة الإسلاميّة التي استخلصها الشهيد الصدر من واقع وطبيعة الفقه الإسلامي.
أمّا تفصيلاتها وتفريعاتها وأدِلَّتها الشرعيّة ومقارنتها مع الإشتراكيّة والرأسماليّة، فذلك ما اشتمل عليه كتابه القيّم (إقتصادنا).
والذي نفيده عمليّاً وفي مجال تطبيق الإسلام في واقعنا كمسلمين، هو إقامة النظام الإقتصادي الإسلامي بمواده الشرعيّة المُقنَّنة على أساسٍ من هذه النظريّة، وذلك بأن تكون هذه النظريّة المُنطَلَق الشرعي، والمَقصد الشرعي في وضع النظام الإقتصادي الإسلامي.
هذه هي النظريّة الإقتصاديّة الإسلاميّة في مفهومها الشرعي، ومُجمل أبعادها وسِماتها.
أمّا المشكلة الإقتصاديّة في رأي أستاذنا الإمام الصدر فتَتمثَّل في بُعدَين يعيشان حياة المسلمين الراهنة:
1- سوء توزيع الثروة الموجودة في الوطن الإسلامي.
2- إهمال المسلمين لاستثمار الموارد الماليّة في الطبيعة.
قام بعض الباحثين بإعداد كشف بالثروة المعدنيّة المتوفّرة في البلدان الإسلاميّة (عدا النفط)، يُبيِّن بكل وضوح أنّ عالمنا الإسلامي يَحتضن في باطن أرضه أنواعاً متعدِّدة من المعادن، على الرغم من محدوديّة الدراسات المتوفّرة حاليّاً، إذ لا زالت مساحات شاسعة من أراضي البلدان الإسلاميّة لم تَصِلها عمليّة المسح الجيولوجي الشامل والدَّقيق، ولم يُعرف بشكل جيّد ما يُخبّئه جَوْف هذه الأراضي من معادن، عدا بعض المناطق التي يُحتمَل وجود النفط فيها.
وتشير نتائج الدراسات التي أُجريت لحدّ الآن كلّها تشير إلى أنّ المتاح من هذه الثروة في عالمنا الإسلامي يبشّر بِخَيْر عميم ونعمة وفيرة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، إنّ البلاد العربيّة تستأثر على 70% من الإحتياطي العالمي للفوسفات، و14% للكبريت.
أمّا بشأن الإستغلال الفعلي لهذه الثروة، فلا زال دون مستوى الطُّموح، إذ أنّ المستخرَج لبعض المعادن بمستوى محدود، بالإضافة إلى بقاء العديد منها بعيداً عن دائرة النشاط الإستخراجي. فمثلاً، إنّ العالم الإسلامي ينتج من الحديد ما يعادل 15% من الإنتاج العالمي، و24% من إنتاج المنغنيز، و56% من إنتاج القصدير، و23% من إنتاج الألمنيوم، و25% من إنتاج الفوسفات، و4% من إنتاج النحاس.
إنّ حالة القصور في إستغلال هذه الثروة، إذا كانت تمثّل خسارة ماديّة لعالمنا الإسلامي، على أساس تعطيل مصدر الدخل القومي، فهي من الناحية الشرعيّة تجسّد حالة بارزة من حالات سوء التصرّف والإستغلال للموارد الإقتصاديّة لبَني الإنسان، وتعكس الإبتعاد عن أحكام الشريعة الإسلاميّة السَّمحة في هذا المجال.
يقول الشهيد السعيد آية الله الصدر في تعرّضه لهذا الجانب من الإستثمار الإقتصادي:
«إعتبر الإسلام فكرة التعطيل أو إهمال بعض مصادر الطبيعة أو ثرواتها، لوناً من الجُحود وكفراناً بالنعمة التي أَنعم الله تعالى بها على عباده».
وفي القرآن الحكيم حثٌّ واضح وتأكيد بَيِّن على وجوب الإهتمام بهذه الخيرات والنِّعَم، بقوله تعالى: ﴿قُل مًن حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصّل آيات لقومٍ يعلمون﴾ الأعراف:32.
وفيما يتعلّق بِمَآل المعادن المُستخرَجة، وهل تساهم بدور فاعل ومباشر في عمليّة التنمية، وبالتحديد في مجالات التطوير الصناعي لبلدان العالم الإسلامي، فالواقع الحالي لاستخدام هذا النَّوع من الموارد الإقتصاديّة في غالبيّة البلدان الإسلاميّة لا يُقدّم أيّ مظهر إيجابي، أو ممارسة جادّة للإستفادة من الخدمات المُستخرَجة حاليّاً في مجال الصناعة الوطنيّة، وإنّ جُلَّها لا زال يُصَدَّر على هيئة مواد نهائيّة قابلة للإستهلاك أو الإستعمال، ومن ثمّ يعيد تصديرها إلى البلدان الإسلاميّة والمستضعفة ليحقّق بذلك أرقاماً خياليّة من الأرباح، مسخِّراً هذه النِّعَم والخيرات لصالحه وصالح إحتكاراته العالميّة.
فمع الأسف الشديد، إنّ معظم الإنتاج المعدني في العالم الإسلامي يوجَّه إلى التصدير والتجارة الدوليّة. وكمثال على هذا الوضع، فإنّ 90% من إنتاج المنغنيز يُضَخّ إلى الأسواق العالميّة، ويتّجه إنتاج القصدير كلّه إلى التجارة الدوليّة، وكذلك الحال بالنسبة إلى إنتاج الحديد والرصاص. وفي هذا السياق أيضاً، تشير دراسة مفصّلة أعدّها «الإتّحاد العام لِغُرَف التجارة والصناعة والزراعة العربيّة» أنّ 25% فقط من المعادن المُنتَجة في البلاد العربيّة يخضع لعمليّات صناعيّة محدودة، ويصدّر الباقي إلى الأسواق العالميّة.
هذا، وإذا أُضيف إليه أنّ الكميّة المهدورة من الغاز الطبيعي في البلاد الإسلاميّة قُدِّرت لعام 1980م بحوالي عشرة مليارات دولار.
ألا يدلّ هذا على أنّ هنا -من جانبنا نحن المسلمين- إهمالاً، وأنّ هناك من جانب الدول الإمبرياليّة إستغلالاً.
ألا يضع هذا الأمّةَ الإسلاميّة أمام مسؤوليّتها عن هذا الإهمال وجهاً لوجه؟
هذا في الثروة المعدنيّة غير النفطيّة.
أمّا في الثروة النفطيّة أو البتروليّة، فقد ذُكر أنّ الإحتياطي للبترول في العالم الإسلامي يُقدَّر بحوالي 63% من مجموع الإحتياطي العالمي للنفط الخام.
وقَدَّر الخُبراء العالميّون الإحتياطي العالمي في السبعينات بحدود 715 مليار برميل وما هو موجود في الأراضي الإسلاميّة يقارب 450 مليار برميل، وقُدِّرت الإحتياطات الجديدة لبترول المملكة العربيّة السعوديّة مؤخّراً بـ 170 مليار برميل.
إنّ هذه الأرقام العالية تفرض علينا التساؤلات التالية:
كيف يتمّ إستثمار هذه الموارد؟ وأين تُصرَف؟
وأخيراً: كيف تُوزَّع على المسلمين وفي مصالحهم؟
إنّ هذا يفرض على المسلمين أن يقوموا بدور المراقبة، ثمّ المحاسبة، وبالطرق المتعارف عليها الآن، من إقامة المجالس النيابيّة التي تمثّل الشعوب عن طريق انتخاب أعضائها منهم ومِن قِبَلِهم.
كما أنّ عليهم أن يرفضوا كلّ أشكال المجالس الإستشاريّة التي تُعيَّن أعضاؤها من قِبَل الحكومات بدعوى ممثليّتهم للشعب.
وبعد:
فإنّ استكشاف النظريّة الإقتصاديّة الإسلاميّة، وتحديد المشكلة الإقتصاديّة في المجتمع الإسلامي الرَّاهن من قبل الإمام الصدر، يَكشف لنا وبوضوح عن مدى ارتفاع السيّد الصدر إلى مستوى مسؤوليّته كفقيه قائد، حمل هموم الأمّة وتَحسَّس آلامها، وشاركها في آمالها وتطلُّعاتها إلى المستقبل الأفضل.
وإنّ كتابه (إقتصادنا) كان النقلة الموفَّقة في تطوير التأليف الفقهي الإسلامي، من الإقتصار على الفقه العامّ إلى تناول الموضوعات الأخرى التي تُعَدّ من قضايا الساعة، التي تضع المسلمين بين أن يكونوا أو لا يكونوا.


 

اخبار مرتبطة

  الصورة الملكوتيّة

الصورة الملكوتيّة

  دوريات

دوريات

27/08/2011

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات