وصايا

وصايا

14/05/2018

التدرّج في إصلاح النّفْس علاجُ التسويف

 

التدرّج في إصلاح النّفْس علاجُ التسويف

من توجيهات الفقيه العارف الشيخ محمّد بهاري همداني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب (تذكرة المتّقين)، يتضمّن كلمات أربعة من الفقهاء والعرفاء التوحيديّين؛ هم: الشيخ محمّد بيد آبادي، والشيخ حسين قُلي همداني، والشيخ محمّد بهاري همداني، ، والسيد أحمد كربلائي رضوان الله عليهم؛ أعدّه وجمع نصوصه العالم والأديب الراحل الشيخ إسماعيل تبريزي، وقدّم له وترجمه إلى العربية العلامة الشيخ حسين كوراني.

الوصية المدرجة في هذا الباب، هي مقطع من رسالة تربوية وجّهها الشيخ بهاري همداني إلى أحد تلامذته، وقد ورد نصّها كاملاً في أحد فصول الكتاب.

«شعائر»

 

(يجب على كلّ مؤمنٍ) أن يتأمل تأملاً سليماُ ليرى هل هو عبدٌ أم حرّ؟

إذا رأى أنه حرّ؛ فهو مُخَيَّر في أن يفعل أيَّ شيءٍ أراد.

وإذا رأى أنه عبدٌ وله مولى، وليس مسموحاً له أن يفعل ما يحلو له، حتّى إذا كان حركةَ يد؛ فإنه سيُسأل عن سبب ذلك ومبرّره، ويجب أن يقدّم جواباً صحيحاً.

إذا كان كذلك، فيجب أن يكون سعيه في مجال تحصيل رضى مولاه..حتى إذا لم يكن الآخرون راضين عن هذا الفعل أبداً. ولا مجال لتحصيل رضى المولى الحقيقيّ جلّ شأنه إلا بتحصيل التقوى. وتحصيلُ التقوى يحتاج إلى عدّة أمور لا مناص منها.

أحدها: اجتناب المعاصي.

* فإذا (قلتَ): أنا لا أستطيع ترك المعصية كلّياً، ولا بدّ أن أقع في بعضها.

* الجواب: لكنك تستطيع بعد المعصية أن تتوب، فمَن تاب من الذنب كمَن لم يُذنب. إذاً، لا ينبغي اليأس، حتى إذا كان الشخص قد قطع رأس مولاه، فهو (تعالى) قادرٌ أن يُرضي خصماءَه من معدن جوده، جلّت قدرتُه.

الثاني: أن يهتم بترك المكروهات مهما أمكن، وينصرف إلى المستحبّات. لا يحقّرنّ شيئاً مكروهاً ما أمكنه ذلك. لا يقولنّ: «كلُّ مكروهٍ جائز». فكثيراً ما يكون تركُ مكروه، أو الإتيان بمستحبٍّ صغير، مقرّباً من المولى أكثر من أيّ شيءٍ آخر.

الثالث: تركُ المباحات في غير مقدار اللزوم والضرورة.

الرابع: أن يترك ما سوى الله، أي لا يفسح مجالاً في قلبه لغيره تعالى.

* (فإذا قلتَ): كيف يُمكن للإنسان مع هذا الابتلاء بالمعاش، والزوجة والأولاد، والصاحب والرفيق، أن يترك ما سوى الله، ولا يكون في قلبه شيءٌ غير ذكره تبارك وتعالى؟

* نقول: المقدار الذي يجب أن تتركه أنت، هو أن كلّ شخصٍ يحولُ بينك وبين ذِكر الله عزّ وجلّ، فلا تُعاشره إلا بمقدار الضرورة والواجب، وليس أكثر.

وأما أيّ شخص يذكّرك بالله، فتركُ مجالسته ليس صحيحاً.

الحاصل: إذا كان طالبُ الله صادقاً، فيجب أن يقطع أُنسه - تدريجياً وشيئاً فشيئاً - من كلّ شيء، ويكون دائماً ذاكراً له سبحانه، إلا الأشخاص الذين تمسّ الحاجة إليهم لتحقيق هذا الهدف. وينبغي أن يكون ذلك بمقدار الحاجة لهذا العمل، وعندها لا تكون معاشرتهم منافيةً لذكر الله تعالى. ومحبّة هؤلاء الأشخاص من فروع المحبّة الإلهية جلّ شأنه، ولا تُنافي المحبة الإلهية.

* (فإذا قلتَ): هذا حقّ، ولكنْ لا يمكنني الالتزام به؛ لأنّ شياطين الإنس والجنّ محيطة بنا، وهي توسوس باستمرار، وتشكّل مانعاً.

* فنُجيب: لو كانت هذه الأمور المطلوبة أموراً آنيّة، أي يجب على الإنسان أن يحقّقها دفعةً واحدة وفي آنٍ واحد، فالأمرُ كما تقول، بل هي أكبر من ذلك، تبدو لأول وهلة كالجبل، وليست صغيرة. إلا أن الإشكال في أننا لم نكلَّف تكليفاً شاقّاً، فهذه الأمور تدريجية، وعندما تكون كذلك – تدريجية - فبالإمكان تحقّقها.

إذاً، ملخّص الكلام: أنك في أيّ مرتبةٍ كنتَ... نصفَ الرَّمَقِ هذا الذي فيك... استَثْمِره! المقدار من العمل الذي يُمكنك الإتيان به بسهولة، إذا لم تتساهل به وأتيتَ به، سيُضاف إلى قوّتك مثلُه بل أكثر، لأنه تعالى قال (في الحديث القدسيّ): «مَن تقرّب إليَّ شِبراً تقرّبتُ منه ذراعاً..». أما إذا تساهلتَ، فإن ذلك المقدار من قوّتك أيضاً في معرض الزوال.

مثلاً: إذا نمتَ إلى الصباح، وكنت ناوياً الاستيقاظَ وقتَ السحَر؛ فلم تستيقظ... فالآن... أول الصبح... بمجرّد أن التَفَتَّ... قُمْ... فإن اليقظةَ بين الطلوعين هي أيضاً فيضٌ مستقلّ، وتوفيقٌ من الله جلّ جلاله، فلا تُفوِّته على نفسك بالتساهل..لا تُصْغِ للشيطان يقول لك: «لديك متّسع كبير لصلاة الصبح، نم قليلاً»! فهدفُه واضح.

وهكذا، جلستَ في مجلس، تكلّمتَ كثيراً لَغواً وعَبَثاً... إسودّ قلبُك... إلا أنك تستطيع أن تنهض قبل نصف ساعة أخرى، وتترك هذا المجلس بالإخراج المناسب، فلا تفوّت نصف الساعة هذه، انهض واخرج، ولا تقل: «ما الفائدة، أنا منذ الصباح مشغول بالتخريب؟!». فما زال باستطاعتك أن تستثمر هذا الوقت الجزئيّ للحصول على كثيرٍ من النتائج، إن شاء الله تعالى..

برنامج عملي

يجبُ (على كلِّ مؤمنٍ) أن يخصّص وقتاً للعبادة، فلا يشتغل فيه بأيّ عملٍ آخر، ويخصّص وقتاً للكسب وتحصيل المعاش، ووقتاً للاهتمام بشؤون أهله وعياله، ووقتاً للأكل والنوم، ولا يغيّر ترتيب ذلك حتى لا تضيع جميعُ أوقاته.

1) مهما أمكن، لِيَكُن وقت نومه أولَ الليل، لا يَسْهَر بلا داعٍ فيَفوته آخر الليل.

2) وَلْيَغلبه النوم متذكّراً، وَلْيَنم على طهارة، وَلْيَقرأ الأدعية المأثورة، لا سيّما تسبيح الصديقة الطاهرة سلام الله عليها، وَلْيَستيقظ قبل الفجر، وإذا كان لا يستيقظ تلقائياً فليُهيّئ أسباب الاستيقاظ.

الحاصل: يخصّص إلى أول طلوع الشمس للعبادة، فلا يأتي بأيّ شغلٍ آخر، ولا يؤجّل شيئاً من الأعمال الأخرى إلى ذلك الوقت، وَلْيَشتغل في هذا الوقت كلّه بالأذكار والأوراد المشروعة.

3) وَلْيُراعِ الأوقات الخاصّة بالصلوات.

4) وَلْيَكُن، مهما أمكن، غالباً على طهارة.

5) بعد صلاة الصبح:

- الاستغفار مائة مرة.

- مائة مرة قراءة كلمة التوحيد «لا إلهَ إلا الله».

- إحدى عشر مرة سورة التوحيد.

- مائة مرة «اللّهُمّ صَلِّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ وعجِّل فَرَجَهم».

6) وَلْيَقرأ الاستغفارات الخاصّة بعد صلاة العصر ،مع سورة القدر عشراً.

7) وفي كلّ وقتٍ أمكنه، فجيّدٌ أن يسجد سجدة طويلة بحيث يَتعب الجسد، وَلْيَجعل ذِكرها أيضاً الذّكر المبارك «سُبْحانَ رَبِّيَ الأَعْلَى وَبِحَمْدِه».

ومهما أمكن، فيَجب أن يكون كلّ ما يقرأه بقلبٍ حاضر، فلا تكون حواسّه في مكانٍ آخر، وَلْيُداوم أيضاً لِيُصبح ذلك ملكته وعادتَه حتّى لا يُترك.

***

«خيرُ الأمور أوسطها»... تجري في كلّ شيء. الإفراط والتفريط كلاهما ليس صحيحاً في أيّ شيء. من هنا قالوا: «عليكَ بالحَسَنة بين السيّئتَين...»؛ أي التوازن، الذي هو بين الإفراط والتفريط.

 


 

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

14/05/2018

دوريات

   إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات