بسملة

بسملة

14/07/2018

نهاية الهيمنة الأميركيّة، وسقوط القطب الأوحد!


نهاية الهيمنة الأميركيّة، وسقوط القطب الأوحد!

بقلم: الشيخ حسين كوراني


السائد في الدراسات التاريخيّة، تصنيف العصور: إلى عصور وسطى، وعصور انحدار، أو انهيار، أو انحطاط، وعصور ازدهار ورقيّ وحضارة.

واللافت أن كلّ هذه التصنيفات لا تُبنى على أصلٍ "إنسانيّ" بل على أصلٍ خدَميّ وآليّ.

يقود البحث العلميّ بأناة إلى تصحيح خطأين مركزيّين:

الأول: أنّ سلامة الإنسانيّة وحُسن الأخلاق، حقيقة واحدة، هي ﴿.. فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا..﴾. لا مقياس إطلاقاً، للرُّقيّ والانحدار، والازدهار، والانهيار، والسموّ والانحطاط، بمعزلٍ عن قيمة الأخلاق الفاضلة، التي تُثبت مدى سلامة إنسانيّة الإنسان أو التنكّر لها.

الثاني: إعادة النظر في جميع هذه التصنيفات السائدة وتجريدها من الإطلاقات العشوائيّة واللاإنسانيّة التي اكتنفتها وألقتْ بظلالها -عبرها- على ثقافة الأجيال اللاحقة.

المراد بالإطلاقات أنّ من الموضوعيّة أن نتحدّث عن بدائيّةٍ في تأمين الحاجات، أو انحطاطٍ في وسائل خدمة الإنسان في كافّة المجالات في عصر معيّن أو عصور مختلفة، إلا أنه ليس من الموضوعيّة بشيء أن نعمّم ونطلق فنصف أهل ذلك العصر وناسه بالبدائيّة القيميّة، أو الانحطاط بما يشمل الأخلاق التي هي المتبادَر الأوّل من لفظه، بل، إن علينا -حتى عندما نجد انحطاطاً أخلاقياً في عصرٍ من العصور- أن لا نعمّم ذلك على جميع الناس في ذلك العصر، أو على الشعب أو الشعوب التي نتحدّث عنها، بل يجب أن نحدّد السبب الرئيس في هذا الانحطاط ونتحدّث عن دوائر انتشاره.

***

إذا انطلق البحث في تصنيف العصور، من المنطلق المنهجيّ السليم، الذي يعتبر التّحلّي بالأخلاق الفاضلة، ثمرة سلامة إنسانيّة الإنسان، ودليلَ التزام الإنسان حكم العقل، والتحرّرِ من سطوة الغرائز والميول والأهواء، فسنجد أنفسنا أمام المدخل الحصريّ لإعادة النظر في معرفة جميع العصور وتصنيفاتها المتداولة.

أولى النتائج العمليّة -في ضوء هذا المنهج- أن نُجيد تصنيف عصر الهيمنة الأميركيّة، منذ بدايات (كاوبوي) الإدارة الأميركيّة و"توحّشها"، يوم قامت على أنقاض الهنود الحُمر، مروراً بمحرقتي "هيروشيما" و"ناكازاكي"،وكلّ المجازر التي ارتكبتها في السرّ والعلن بحقّ شعوب المعمورة، وخصوصاً بحقّ شعوبنا في هذه المنطقة الحسّاسة من العالم، عبر تبنّي الكيان الصّهيو - إنجليزيّ اللّقيط، وتبنّي حاضنته من بقايا يهود بني القينقاع -على ذمّة جون فيلبي- : آل سعود، والوهّابيّة، وصولاً إلى "داعشيّتها" الراهنة، و"إدارة التوحّش" -عبر نفس الأداتين: "إسرائيل، و"آل سعود"- في الشام والعراق، ولبنان، وفلسطين، والبحرين، واليمن، وسيناء، وليبيا، وسائر بقاع المعمورة، ثم -وصولاً- بعد ذلك إلى"عولمة" الإدارة الأميركيّة في عهد "ترامب" الحرب الاقتصاديّة "المتوحّشة" ضدّ جميع دول العالم بما فيها حلفاؤها الأوروبيّون، ودُماها، الذين لم يفكّروا يوماً بالخروج من طاعة السيد الأميركيّ!!

***

ما أنا بصدده الآن -بمناسبة الحديث عن نهاية عصر الانحطاط الأميركيّ- هو هذا الانكشاف المدوّي لحقيقة السياسات الأميركيّة أمام شعوب العالم وحكوماته، الذي توفّرت فيه العناصر التالية:

1-   زاد في غرابته الأُحْجِيَة، أنّه بدأ بالظهور بعد مرحلة رفع الإدارة الأميركيّة -في عهد بوش الإبن- شعار "العولمة" و"بناء النظام الدوليّ الجديد"، وسائر المعزوفة الأميركيّة المعروفة على إيقاعات وأوتار الحضارة وحقوق الإنسان.

2-  ولأسباب، تأتي الإشارة إليها، ويأتي بيان السبب الجوهريّ الذي ينظّمها وتقع في مَدياته، اضطُرّت الإدارة الأميركيّة أن تكشف كلّ سَوءاتها، فتنتقل من الخطاب الحضاريّ إلى انحدارٍ حادٍّ وسحيقٍ في مستوى الخطاب السياسيّ، ليبلغ إلى مستوى التباهي بنيّة بناء السور مع المكسيك، والتبجّح بالاستحواذ على مليارات "البقرة الحلوب" وإلى مستوى جنون إعلان "صفقة القرن" وما لابسها وما يزال من فضائح صلعاء، وإلى مستوى إعلان الحرب الاقتصاديّة على إيران لتصفير صادراتها من النفط، ثم المسارعة إلى إعلان الحرب الاقتصاديّة على "أوروبا" بالخصوص.

لقد اتّضح على أوسع نطاق غير مسبوقٍ أبداً، أن هذه اللاأخلاقيّة البالغة الانحطاط هي حقيقة السياسة الأميركيّة منذ نشأتها، وأن كلّ ما كانت تموّه به أميركا على الشعوب لم يكن إلا من باب "تلبيس إبليس"!

3-  تزامن هذا الانكشاف الأخلاقيّ الأميركيّ مع تعاظم وعي الأمم وشعوبها نتيجة "ثورة المعلومات" التي عطّلت -في خطٍّ بيانيٍّ سريع التصاعد- سلاحين من أسلحة الطواغيت الأمضى، وهما الترهيب وكمّ الأفواه، والتعتيم والتجهيل. والآتي أعظم.

4-   وارتفعت وتيرة الانكشاف مع تتالي الهزائم النكراء التي مُنيت بها الإدارة الأميركيّة في غزّة، والعراق، وسوريا، والتي أسّس لها انتصار المقاومة الإسلاميّة في حرب تمّوز.

***

لدى البحث في أسباب تهافت الخطاب السياسيّ الأميركيّ إلى الحدود التي كشفت أسوأ مظاهر الانحطاط الخُلقيّ للإدارات الأميركيّة وخصوصاً الإدارة الراهنة، لابدّ من التدبّر في المحاور التالية:

1-  من التسطيح المبتذل، اللجوء في تفسير سبب انكشاف الحقيقة الأميركيّة بالغباء السياسيّ. لابدّ من البحث عن الأسباب التي جعلت كبار دهاقنة الشيطنة والسياسة العالميّة السائدة، ماضين قُدماً في التعرّي الأخلاقيّ أمام العالمين.

2-  يجانب الموضوعيّة مَن لا يفرّق بين اضطرار أميركا لهذا الانكشاف الفضيحة، في منطقتنا "غرب آسيا"، وبين اضطرارها لذلك في سياساتها الأوربيّة، وغيرها، وإن كانت أسباب الأول حاضرة في الثاني بقوّة.

***

مصبّ الحديث هنا هو التحوّل الكبير، والمفاجأة العظمى التي استجدّت فقلبت كلّ موازين أميركا رأساً على عقب، وأجبرتها مرغمة صاغرة على الهروب إلى الأمام وحرق كلّ أوراق براقع التحضّر والتمدّن وحقوق الإنسان.

سنُفاجأ -مثل أميركا- حين نكتشف أننا نعرف مفردات هذه المفاجأة العظمى، ونعرف نكير ضرباتها البليغة التي أثخنت جسد "الرأسماليّة الجشعة المتوحّشة" بالجراح المميتة، إلا أننا -كأميركا بالضبط- لم نكن نربط بين هذه المفردات، ولا بين تراكم انتصاراتها ولا بين مآلات تراكم هزائم أميركا عند تحقّق هذه الانتصارات.

***

كانت أميركا تعتقد بأنها في مواجهتها لإيران، تواجه دولة "مارقة"، على غرار ما واجهته في العديد من دول العالم، وقد أضاف انتصار حرب تمّوز الاعتقاد بخطورة "القواعد!" التي تمكّنت إيران من إقامتها في لبنان وغزّة. أثناء حرب "تمّوز"، صرّح " شمعون بيريز" بأنّ إيران أقامت قاعدة لها على بعد خمسين كيلو متراً من "تل أبيب".

وعندما قرّرت أميركا إسقاط النظام في سوريا، كانت -بزعمها- تهدف إلى نسف جسر التواصل بين الدولة "المارقة" وبين "قاعدتَيها" -بزعم أميركا أيضاً- في لبنان وغزّة.

 وعندما تصاعدات موجات التظاهر والممانعة في البحرين لم تجد أميركاً تفسيراً لذلك إلا في الأيدي الإيرانيّة الخفيّة.

وعندما قررت أميركا ابتلاع العراق عبر برقع "داعش" كانت تعتقد بأنها ستحاصر "الدولة المارقة" تمهيداً للانقضاض عليها. لم يدُر في خَلَد "أميركا" أن الشعب العراقيّ سينفجر حشدُه ليضيّق الخناق على الدواعش ومدوعشيهم.

وعندما تصاعد المدّ الثوريّ الجماهيريّ الكاسح في اليمن، لم تجد أميركا تفسيراً لذلك إلا في المخطّط الإيرانيّ والصواريخ الإيرانيّة!

***

لم يخطر يوماً ببال الإدارات الأميركيّة المتعاقبة أنها تواجه ولأوّل مرّة في تاريخها مشروعاً عالمياً نقيضاً لمشروعها الذي تلاعبت على أساسه بمقدّرات الكرة الأرضيّة ومصائر شعوبها. إنه مشروع عالميّة الإسلام. مشروع المستقبل. المشروع الحضاريّ الممهّد للعولمة الحقّ. عالميّة الأسرة الواحدة في ظلّ العدل الذي سيملأ أربع رياح الأرض التي عاثتْ فيها أميركا فساداً.

إنه المشروع الإنسانيّ الذي تحمل إيران رايته، والذي تفجّرت شلالاته الهادرة في إيران الإسلام بقيادة فقيهٍ كان منذ بداية نهضته يخاطب جميع الشعوب العربيّة والإسلاميّة، والشعوب المسيحيّة، وجميع المستضعفين في العالم.

من الهدير الخمينيّ: على الشرق أن يصحو! القرن الخامس عشر الهجريّ قرن تحطيم الأصنام الكبيرة!

وقبل أن يرحل الإمام الخمينيّ إلى مقرّه الأبديّ، قلّد أعباء قيادة الأمّة ومواصلةِ الإرقال برايتها من نصرٍ إلى نصر إلى وليّ الأمر الفقيه الإمام الخامنئيّ الذي كتب الله تعالى على يديه فتح صفحة جديدة في تاريخ الأمّة والعالم.

***

لقد أخفقتْ أميركا في فهم حقيقة الثورة الإسلاميّة في إيران، ولذلك أخفقت في فهم حقيقة إيران التي تتحدّث باسم الإسلام والمسلمين وتخاطب به العالمين.

ليست إيران مجرّد دولة من دول العالم. ليست شعوب المنطقة امتداداتٍ إيرانيّة. ليست حركات الجهاد والمقاومة قواعد إيرانيّة. ليست الانتصارات التي تحقّقت نتيجة التدخّل الإيرانيّ.

***

ترفع إيران راية الشعوب المستضعفة، وتحمل همومها، وتشاطرها العقيدة والثقافة والدم الفوّار في سوح الجهاد.

لم تواجه أميركا إيران وحدها. واجهت الأمّة الإسلاميّة كلّها والمستضعفين. لم تفقه أميركا -إلا بعد فوات الأوان- أن المقاومة الإسلاميّة، وحزب الله، والفصائل الفلسطينيّة المجاهدة، والحشد الشعبيّ، وأنصار الله نبض الأمّة الواحدة، وخفقة القلب، وبعض سلاح الجسد الواحد.

 وعندما أدركت "أميركا" بعض ذلك، وجدت أنها فقدت هيمنتها على منطقة "غرب آسيا" وأنّ عليها أن تُلملم فلولها إلى غير رجعة، وقد كسر ذلك هيبتها على مستوى العالم.

عندها فقدت أميركا صوابها واختلّ توازنها، وهاج "الكاوبوي" وماج. فاكتملت معالمُ الانكشاف الأميركيّ الفضيحة.

يوم أمسِ، قال "ترامب" للألمان: نحن نحميكم وأنتم تُقيمون علاقات مع روسيا!!

الخطاب الأميركيّ الفضيحة، غاية انكشاف الانحطاط الخُلقيّ الذي قامت عليه الإدارات الأميركيّة المتعاقبة، وهو بداية انهيار أميركا ودفنِ هيمنتها على العالم، وسقوط "القطب الأوحد".

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

14/07/2018

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات