أحسن الحديث

أحسن الحديث

14/08/2018

موجز في تفسير سورة «التكاثر»

 

«النّعيم» حبُّنا أهل البيت وموالاتُنا

موجز في تفسير سورة «التكاثر»

ـــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــ


* السورة الثانية بعد المائة في ترتيب سوَر المُصحف الشريف، نزلت بعد «الكوثر».

* سُمّيت بـ«التكاثر» لابتدائها بقوله تعالى بعد البسملة: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾.

* آياتها ثمان، وهي مكّية، وجاء في الحديث النبويّ الشريف أنّه من قرأها: «لم يحاسبْه اللهُ بالنعيم الذي أنعم عليه في دار الدنيا، وأُعطي من الأجر كأنّما قرأ ألفَ آية».

يعتقد كثير من المفسّرين أنّ هذه السورة نزلت في مكّة، وما فيها من ذكر للتفاخر والتكاثر إنّما يرتبط بقبائل قريش التي كانت تتباهى على بعضها بأمور وهميّة، فقد قيل إنّها نزلت في حَيّين من قريش: بني عبد مناف بن قصي، وبني سهم بن عمرو، وتكاثروا، وعدّوا أشرافهم، فكثرهم بنو عبد مناف. ثمّ قالوا: نَعُدّ موتانا، حتّى زاروا القبور فعدّوهم، وقالوا: هذا قبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم لأنّهم كانوا أكثر عدداً في الجاهلية.

محتوى السورة

«تفسير الميزان»: توبيخ شديد للناس على تلهّيهم بالتكاثر في الأموال والأولاد والأعضاء، وغفلتهم عمّا وراءه من تبعة الخسران والعذاب، وتهديد بأنّهم سوف يعلمون ويرون ذلك ويُسألون عن هذه النّعم التي أوتوها ليشكروا فتلهّوا بها وبدّلوا نعمة الله كفراً.

«تفسير الأمثل»: هذه السورة تتناول في مجموعها تفاخر الأفراد على بعضهم استناداً إلى مسائل موهومة، وتذمّ ذلك وتلوم عليه، ثمّ تحذّرهم من حساب المعاد وعذاب جهنّم وممّا سيُسألون يوم ذاك عن النّعم التي مَنّ الله بها عليهم.

فضيلة السورة

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «من قرأها لم يحاسبه الله بالنعيم الذي أنعم عليه في دار الدنيا، وأُعطي من الأجر كأنّما قرأ ألف آية».

وعنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «من قرأ ألهاكم التكاثر عند النوم وُقيَ فتنة القبر».

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «من قرأ سورة التكاثر في فريضة كتب الله له ثواب أجر مائة شهيد، ومن قرأها في نافلة كتب له ثواب خمسين شهيداً، وصلّى معه في فريضته أربعون صفّاً من الملائكة إن شاء الله».

تفسير آيات منها

قوله تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ الآية:1.

النبيّ صلّى الله عليه وآله: «التكاثر، الأموال جمعُها من غير حقّها، ومنعها من حقّها، وشدّها في الأوعية».

أمير المؤمنين عليه السلام: «..والتكاثر لهو، وشغل، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير».

عنه عليه السلام أنّه قال بعد تلاوته السورة: «يا له مَراماً ما أبعَده، وزوراً ما أغفَله، وخطراً ما أفظعه، لقد استخلوا منهم أيّ مدّكر، وتناوشوهم من مكان بعيد، أفبمصارع آبائهم يفخرون أم بعديد الهلكى يتكاثرون؟ يرتجعون منهم أجساداً خوَت، وحركات سكنت، ولأنْ يكونوا عِبَراً أحقّ من أن يكون مفتخَراً، ولأن يهبطوا بهم جناب ذلّة أحجى من أن يقوموا بهم مقام عزّة، لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة، وضربوا منهم في غمرة جهالة، ولو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية، والربوع الخالية، لقالت: ذهبوا في الأرض ضُلّالاً، وذهبتم في أعقابهم جهّالاً، تطؤون في هامهم، وتستنبتون في أجسادهم، وترتعون فيما لَفظوا وتسكنون فيما خرّبوا..».

قوله تعالى: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ الآية:5.

النبي صلّى الله عليه وآله: «..ذلك حين يؤتى بالصراط فيُنصب بين جسرَي جهنّم».

الإمام الصادق عليه السلام: «المعاينة».

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ الآية:8.

أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له: «..وألزمهم الحجّة بأن خاطبهم خطاباً يدلّ على انفراده وتوحيده، وبأنّ لهم أولياء تجري أفعالهم وأحكامهم مجرى فعله، فهم العباد المكرمون، وهم النعيم الذي يُسأل عنه، إنّ الله تبارك وتعالى أنعم بهم على من اتّبعهم من أوليائهم..».

سأل أبو حنيفة الإمام الصادق عليه السلام عن الآية، فقال له الإمام: «ما النعيم عندك يا نعمان؟ قال: القوت من الطعام، والماء البارد. فقال الإمام عليه السلام: لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتّى يسألك عن كلّ أكلة أكلتَها أو شربة شربتَها ليطولنّ وقوفُك بين يديه. قال: فما النعيم جُعلت فداك؟ قال عليه السلام: نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين، وبنا ألّف الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداءً، وبنا هداهم الله للإسلام وهو النّعمة التي لا تنقطع، والله سائلهم عن حقّ النعيم الذي أنعم به عليهم وهو النبيّ وعترته».

قال المفسرون

«تفسير الميزان»: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾: المعنى على ما يعطيه السياق شغَلكم التكاثر في متاع الدنيا وزينتها والتسابق في تكثير العدد والعدّة عمّا يهمّكم -وهو ذكر الله- حتّى لقيتم الموت فعمّتكم الغفلة مدى حياتكم.

﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾: ردعٌ عن اشتغالهم بما لا يهمّهم عمّا يعنيهم، وتخطئة لهم، وقوله: ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ تهديد، معناه على ما يفيده المقام «سوف تعلمون تبعة تلهّيكم هذا وتعرفونها إذا انقطعتم عن الحياة الدنيا».

﴿ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾: تأكيد للردع والتهديد السابقَين، وقيل: المراد بالأوّل علمُهم بها عند الموت، وبالثاني علمُهم بها عند البعث.

﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾: ردعٌ بعد ردع تأكيداً، واليقين: العلم الذي لا يداخله شكّ وريب. وقوله: ﴿لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ جواب «لو» محذوف، والتقدير: «لو تعلمون الأمر علم اليقين لشغلكم ما تعلمون عن التباهي والتفاخر بالكثرة». وقوله: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾ استئناف في الكلام، واللام للقسم، والمعنى: أقسم لترونّ الجحيم التي جزاء هذا التلهّي.

قالوا: ولا يجوز أن يكون قوله: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾ جواب «لو» الامتناعية، لأنّ الرؤية محقّقة الوقوع وجوابها لا يكون كذلك. وهذا مبنيّ على أن يكون المراد «رؤية الجحيم» يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى﴾ النازعات:36، وهو غير مُسَلَّم، بل الظاهر أنّ المراد رؤيتها قبل يوم القيامة رؤية البصيرة وهي رؤية القلب التي هي من آثار اليقين على ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ الأنعام:75، وهذه الرؤية القلبية قبل يوم القيامة غير محقّقة لهؤلاء المتلهّين، بل ممتنعة في حقّهم لامتناع اليقين عليهم.

﴿ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾: المراد بعين اليقين نفسُه، والمعنى: لترونّها محض اليقين، وهذه بمشاهدتها يوم القيامة، ومن الدليل عليه قوله بعد ذلك: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾، فالمراد بالرؤية الأولى رؤيتها قبل يوم القيامة، وبالثانية رؤيتها يوم القيامة.

﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾: ظاهر السياق أنّ هذا الخطاب وكذلك الخطابات المتقدّمة في السورة للنّاس -بما أنّ فيهم من اشتغل بنعمة ربّه عن ربّه فأنساه التكاثر فيها عن ذكر الله، وما في السورة من التوبيخ والتهديد- متوجّه إلى عامّة الناس ظاهراً، واقع على طائفة خاصّة منهم حقيقة، وهم الذين ألهاهم التكاثر.

وكذا ظاهر السياق أنّ المراد بالنعيم مطلقه، وهو كلّ ما يصدق عليه أنّه نعمة، فالإنسان مسؤول عن كلّ نعمة أنعم الله بها عليه. وذلك أنّ النعمة - وهي الأمر الذي يلائم المنعَم عليه، ويتضمّن له نوعاً من الخير والنفع - إنّما تكون نعمة بالنسبة إلى المنعَم عليه إذا استعملها بحيث يسعد بها فينتفع، وأمّا لو استعملها على خلاف ذلك كانت نقمة بالنسبة إليه وإن كانت نعمة بالنظر إلى نفسها.

وقد خلق الله تعالى الإنسان وجعل غاية خِلقته التي هي سعادته ومنتهى كماله التقرّب العبوديّ إليه، كما قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات:56، وهي الولاية الإلهيّة لعبده، وقد هيّأ الله سبحانه له كلّ ما يسعد وينتفع به في سلوكه نحو الغاية التي خُلق لها وهي النّعم، فأسبغ عليه نعمَه ظاهرةً وباطنة.

فاستعمال هذه النعم على نحو يرتضيه الله وينتهي بالإنسان إلى غايته المطلوبة هو الطريق إلى بلوغ الغاية وهو الطاعة، واستعمالها بالجمود عليها ونسيان ما وراءها غيٌّ وضلال، وانقطاع عن الغاية وهو المعصية، وقد قضى سبحانه قضاء لا يردّ ولا يبدّل أن يرجع الإنسان إليه فيسأله عن عمله فيحاسبه ويجزيه، وعمله هو استعماله للنعم الإلهية، قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ النجم:39- 42، فالسؤال عن عمل العبد سؤال عن النعيم كيف استعمله: أشكَرَ النعمةَ أم كفَر بها.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات