الملف

الملف

منذ 4 أيام

الحجّ عرفــة


الحجّ عرفــة

جوهره حُسنُ الظنّ بالله تعالى

 

عرفة وعرفات اسمان لمكان واحد، وقد ورد الثاني في القرآن الكريم، وورد الأول في الروايات،كما يأتي.

وحيث إن السائد الآن هو التوجه إلى عرفة ليلة التاسع مع أنّ المستحبّ هو التوجّه إلى منى والمبيت فيها ثمّ التوجه منها في اليوم التالي - التاسع - إلى عرفة.

ومن الحجّاج من يبقى في مكّة إلى ضحى اليوم التاسع ويحرص على الواجب فيصل إلى عرفة قبل الزوال، فمن المناسب الإشارة هنا إلى ما يرتبط بالتوجه إلى عرفة.

من المستحبّات التي يجدر الحرص عليها، أن يكون البدء في الانطلاقة من مكة إلى عرفة من داخل الحرم.

أورد الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق، قوله عليه السلام: «إن تهيّأ لك أن تصلي صلواتك كلّها الفرائض وغيرها عند الحطيم فافعل، فإنّه أفضل بقعة على وجه الأرض».

أضاف: «والحطيم ما بين باب البيت والحجر الأسود وهو الموضع الذي فيه تاب الله عزّ وجلّ على آدم عليه السلام، وبعده الصلاة في الحِجر أفضل، وبعد الحِجر ما بين الركن العراقي وباب البيت وهو الموضع الذي كان فيه المقام، وبعده خلف المقام حيث هو الساعة، وما قرُب من البيت فهو أفضل».

كما ينبغي التنبّه إلى أهمية التلبية للمحرم عموماً، وبالخصوص أن يلبّي سبعين مرة، فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام، قوله: «ومن لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا واحتسابا أشهد الله له ألف ملك ببراءة من النار، وبراءة من النفاق».

فمن استطاع أن يعقد إحرام الحج عند مقام إبراهيم أو في حجر إسماعيل كما روي وأفتى به الفقهاء، ويصلي عند الحطيم، حيث لا يكون الحرم مزدحماً في هذا اليوم، فليفعل. ثمّ يتوجه إلى عرفة.

وينبغي أن يؤدّي الحاج ذلك بحيث لا يؤثّر على نشاطه في وقت أعمال عرفة.

وليلاحظ هنا أن فترة ما قبل الظهر من يوم عرفة، لا تحمل أعمالاً خاصة بها، وكأنها فترة حرة، يتم الاستعداد فيها للعمل الجاد الذي يبدأ مع الزوال وحلول وقت صلاة الظهر.

ومن الجدير جداً بكل اهتمام أنه ينبغي للحاج بشكل خاص، أن يعيش قلبه مع وصيّ رسول الله صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف.

يحضر عليه السلام الموسم، كما ورد في الروايات، ويرى الناس وهو يعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه.

وهذه رُبى عرفات أصغر منطقة جعرافياً يجزم المؤمن بوجوده فيها مع إمام زمانه؛ باب الاتصال برسول الله وبالله تعالى.

تصرح بعض المنقولات المعتبرة نقلاً عنه عليه صلوات الرحمن بأنه يزور خيم الحجاج، وأنّ للعزاء في عرفة موقعاً خاصاً لديه سلام الله تعالى عليه.

موقف الاعتراف بالذنب

قال الشيخ الصدوق: «وسمّيت عرفة لأن جبرئيل عليه السلام قال لإبراهيم عليه السلام، بعرفات: اعترف بذنبك واعرف مناسكك، فلذلك سميت عرفة».

أهمّ ما ينبغي أن يشغل القلب في هذه الربى وعلى هذه الأعتاب، هو التفكير الجاد والجذري في حال النفس ومدى مصداقيتها.

هل أريد حقاً أن أكون مؤمناً؟

ما هو مدى الجد في خشيتي لله تعالى.

ويستعرض كل شريط حياته بوضوح، مركّزاً على العقيدة أولاً، والأخلاق ثانياً والسلوك ثالثاً، دون أدنى انطلاق في ذلك من الرضا عن النفس؛ فهو يحاسبها الآن محاسبة الشريك شريكه، ويترك التقييم النهائي إلى حيث يحين وقته.

باب العلاقة بالناس شديد الحساسية. قال تعالى: ﴿..وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ طه:111.

فمن كان يحتطب على ظهره عقوداً من ظلم أهله، ومن حوله أو هم وغيرهم، فهو ظالم.

والقاسم المشترك بينه وبين الحكام الطواغيت والظلمة خطير، وربما لو أتيح له أن يحكم لكان صدّاماً بحسبه، أو فرعوناً آخر بما يناسبه.

وباب حمل هم المسلمين في صلب تزكية النفس، فلا تسجّلنّ الملائكة على هذا القلب أو ذاك أنه ليس مسلماً، فإنّهم إن سجّلوا ذلك لم ينفعه عمل عرفة ولا غيرها.

أليس مَن لم يحمل هم المسلمين خارجاً عن دائرتهم؟؟

ألم يقل المصطفى الحبيب سيّد الرسل صلى الله عليه وآله:

«من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»؟

ولا ينفصل حمل همّ المسلمين إطلاقاً عن خفقة القلب مع مظلومية كلّ مظلوم مستضغف ولو لم يكن مسلماً، فالوقوف مع العدل وضد الظلم لا يتجزّأ.

سيجد القلب بلا أدنى ارتياب أنّه يقترب رويداً رويداً من خيمة المولى وصيّ رسول الله الإمام المهدي المنتظر، وإن لم يعرفها، بل ربّما وجد القلب أنّ الإمام بكرمه المحمّدي الإلهي قد بسط عليه غامر حنانه واللطف، وخاطب قلبه، وربما وفق المؤمن للمزيد، فالله تعالى وأولياؤه عادتهم الإحسان إلى المسيئين.

منه تعالى ما يليق بكرمه ومنّي ومنك ما يليق بضعفنا والطين والحمإ المسنون.

لزوم الصدق في الطلب

أيها العزيز، هذه عرفة، والحجّ عرفة، والقلب الضعيف لا يقوى على نور مصابيح كاشفة، فكيف يقوى على كلّ هذا التوهّج الفريد، وفيض النور الإلهي الأبهى، النور المحمّدي والكوكب الدري، والعظمة الزاهرة التي اشتقّت من نور عظمة الله تعالى.

ها هي الزيتونة المباركة التي يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور.

وها هو القلب المربد طخية الديجور.

ولا كلام لي ولك أيها العزيز، ولا بنت شفة. بل العجز المفرط ذاتي، فهل تلازمه مصداقية الإعتراف القلبي بهذا العجز؟

أمرَنا ربُّنا الرؤوف الرحيم إذا ظلمنا أنفسنا أن نقف بباب من جعله الله تعالى الرؤوف الرحيم.

وهذا باب رسول الله صلّى الله عليه وآله وصيّه المهدي في عرفات!

فهل يهتدي القلب من بين مشتبك الغرائز، وتلاطم أمواج الأهواء، وكلّ هذا الضجيج، أن يجيد الوقوف بهذا الباب؟

ولك كل الحقّ أن تقول: إن كان الوصول مطلوباً منّا، فمن ذا يمكنه الوصول؟

ولكن أيها العزيز: أليس الصدق في الطلب مطلوباً منّا؟

فهل يصدق الطلب؟ هل يصدق القلب في التضرّع مقراً بالعجز عن الوصول؟

ليس موحّداً مَن كان يظن أنه هو الذي يصل، فالأنا البغيضة تحجب التوحيد.

وليس موحّداً مَن استبدّ به اليأس وأقعده الإحباط.

إنّما الموحّد الذي أقرّ بالعجز عن الوصول، يئس من نفسه يقيناً، فإذا معقد الأمال لديه، ومعاكف الهمم، ومحط الرحال جود الله تعالى وكرمه، ولطفه عزّ وجلّ والحنان الغامر الرحيم، ليستشعر هذا القلب، أوالخرقة الباليةلا فرق- بصدق، ولو مرة واحدة، هذه الحال:

«اإلـهي اِنْ لَمْ تَبْتَدِئنِي الرَّحْمَةُ مِنْكَ بِحُسْنِ التَّوْفيقِ، فَمَنِ السّالِكُ بي إلَيْكَ في واضِحِ الطَّريقِ، وَإنْ أسْلَمَتْني أناتُكَ لِقائِدِ الأَمَلِ وَالْمُنى فَمَنِ الْمُقيلُ عَثَراتي مِنْ كَبَواتِ الْهَوى، وَإنْ خَذَلَني نَصْرُكَ عِنْدَ مُحارَبَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطانِ، فَقَدْ وَكَلَني خِذْلانُكَ إلى حَيْثُ النَّصَبُ وَالْحِرْمانُ.

إلـهي أتَراني ما أتَيْتُكَ إلاّ مِنْ حَيْثُ الآمالِ، أمْ عَلِقْتُ بِأطْرافِ حِبالِكَ إلاّ حينَ باعَدَتْني ذُنُوبي عَنْ دارِ الْوِصالِ، فَبِئْسَ الْمَطِيَّةُ الَّتي امْتَطَتْ نَفْسي مِنْ هَواهـا، فَواهاً لَها لِما سَوَّلَتْ لَها ظُنُونُها وَ مُناها، وَ تَبّاً لَها لِجُرْأتِها عَلى سَيِّدِها وَ مَوْلاها.

إلـهي قَرَعْتُ بابَ رَحْمَتِكَ بِيَدِ رَجائي، وَ هَرَبْتُ إلَيْكَ لاجِئاً مِنْ فَرْطِ أهْوائي، وَعَلَّقْتُ بِأطْرافِ حِبالِكَ أنامِلَ وَلائي، فَاْصْفَحِ اللّـهُمَّ عَمّا كُنْتُ أجْرَمْتُهُ مِنْ زَلَلي وَخَطائي، وَأقِلْني مِنْ صَرْعَةِ رِدائي، فَإِنَّكَ سَيِّدي وَمَوْلاي وَمُعْتَمَدي وَرَجائي، وَأنْتَ غايَةُ مَطْلُوبي وَمُناي في مُنْقَلَبي وَمَثْواي». [من دعاء الصباح المروي عن أمير المؤمنين عليّ عليه صلوات الرحمن]

أيّها العزيز، والعمل الأول والأخير الذي هو في الحقيقة جوهر كلّ عمل في يوم عرفة، هو حسن الظن بالله تعالى، وطرد اليأس وسوء الظنّ به عزّ وجلّ. ففي الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «وإذا وقفت بعرفات إلى غروب الشمس فلو كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج وزبد البحر لغفَرَها اللهُ لك».

وعن الإمام الباقر عليه السلام: «ما يقف أحدٌ على تلك الجبال برٌّ ولا فاجرٌّ إلّا استجاب الله له، فأمّا البرّ فيُستجاب له في آخرته ودنياه، وأمّا الفاجر فيُستجاب له في دنياه».

ولا يقتصر الأمر في شمول الرحمة على الحاضرين، بل يمتد منهم إلى غيرهم:

قال الصادق عليه السلام: «ما من رجلٍ من أهل كورة وقف بعرفة من المؤمنين، إلّا غفر الله لأهل تلك الكورة من المؤمنين، وما من رجلٍ وقف بعرفة من أهل بيت من المؤمنين إلّا غفر الله لأهل ذلك البيت من المؤمنين».

لذلك كان أشدّ الناس جرماً مَن يقنط من رحمة الله تعالى في يوم عرفة:

وأعظم الناس جرماً من أهل عرفات الذي ينصرف من عرفات وهو يظنّ أنه لم يغفر له، يعني الذي يقنط من رحمة الله عزّ وجلّ.

وأختم هنا ببشارة لمن تكرّر حجّه ثمّ لم يوفق في بعض الأعوام للحجّ:

*قال الصادق عليه السلام: «إذا كان عشيّة عرفة بعثَ الله عزّ وجلّ ملكَين يتصفحّان وجوه الناس، فإذا فقدا رجلاً قد عوَّد نفسَه الحج، قال أحدهما لصاحبه: يا فلان ما فعل فلان؟

قال: فيقول: الله أعلم، فيقول أحدهما: اللّهمّ إن كان حبَسَه عن الحجّ فقرٌ فأغنه، وإن كان حبَسَه دَينٌ فاقضِ عنه دَينه، وإن كان حبَسَه مرضٌ فاشفِه، وإنْ كان حبَسَه موتٌ فاغفر له وارحمه».

ولا بد من التذكير بأن أعمال يوم عرفة تستغرق الوقت كله من الظهر إلى الليل، فليحرص المؤمن عليها، وليهيّئ الأدعية المتعددة لهذا اليوم، بالإضافة إلى الدعاء المركزي دعاء الإمام الحسين عليه السلام، ولا ينس دعاء عرفة للإمام السجاد عليه السلام.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ 4 أيام

إصدارات عربية

نفحات