صاحب الأمر

صاحب الأمر

14/08/2018

لماذا الانتظار؟

 

لماذا الانتظار؟

إعدادٌ واستعدادٌ لليوم الموعود

_____ المرجع الديني الشيخ بشير النجفي _____

«الانتظار يشتمل على عمل للصالحين، وتحذير للظالمين، وبثّ روح التضحية والفداء للمخلصين، والدعوة إلى الحقّ للضالّين، والهداية للمنحرفين».

«لماذا الانتظار؟»، سؤالٌ طرحته مجلة «الانتظار» على المرجع الشيخ بشير النجفي، في عددها الأوّل، فأجاب بخمسة أمور توضح علّة الانتظار وما يشتمل عليه من إعدادٍ نفسيٍّ للمتوقّعين لظهور المنقذ الموعود، واضطراب وتخبّطٍ وقلق للمعسكر المعادي للحق.

«شعائر»


 

الانتظار من التنظّر، وهو توقّع الشيء. والانتظار المأمور به هو توقّع دولة الحقّ على يَدي الموعود والمؤمّل من لدن آدم وإلى زماننا هذا. والمستفاد من الروايات أنّ دولة الحقّ موعودة، وعد بها الله سبحانه عبادَه الصالحين، وأنّه يأتي يوم يحكم فيه الحقّ البسيطة كلّها تحت راية السلطان العادل؛ قال الله سبحانه: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ﴾ الأنبياء:105. والذي ينبغي أن يُلتفت إليه في هذا الشأن أمور، منها:

الأمر الأوّل: أنّ الانتظار واجب بحكم العقل والشرع؛ أمّا العقل فلما نعلم من طبيعة البشر أنّه ما يندفع إلى البغية يدفعه إلى العمل، فالتوقّع والانتظار لدولة الحقّ علـى يد الإمام المنتظر مقدّمة أساسيّة ومنطلق فكري وعملي نحو بذل الطاقة والجهد في سبيل الوصول إلى تلك البغية.

وأمّا الشرع، فقد ورد الأمر بالانتظار في كثير من الروايات فبلغ حدّ التواتر، بل في بعضها أنّ الانتظار مـن أفضل الأعمال في عصرٍ غاب عنه الحقّ، وأصبحت الأرض بيد الطغاة يلعبون بالصالحيــن وبمقدّراتهم، بل بمقدّرات الشعوب كلّها حسب ما تشتهي نفوسهم وتدفع إليه أهواؤهم؛ فعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «انتظارُ الفَرَج عبادة». وعن أمير المؤمنين سلام الله عليه، وقد سأله رجل عن أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه، قال: «انتظارُ الفَرَج»؛ وعن عليّ بن الحسين عليهما السلام: «إنّ أهلَ زمانِ غَيبَتِه (الإمام المنتظر) القائلونَ بإمامتِه، المُنتظِرون لِظهورِه أفضلُ أهلِ كلِّ زمان، لأنّ الله تعالى ذِكرُه أعطاهُم من العقولِ والأفهامِ والمعرفةِ ما صارت به الغَيبةُ عندهم بِمنزِلةِ المُشاهدةِ، وجَعلَهُم في ذلك الزمان بِمنزلةِ المجاهدينَ بين يَدي رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بِالسَّيف، أولئكَ المُخلصونَ حقّاً، وشِيعتُنا صدقاً، والدُّعاة إلى دِينِ الله سرّاً وجهراً». وعن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال: «مَن ماتَ على هذا الأمرِ مُنتظِراً له هو بِمنزلةِ مَن كان مع الإمام القائمِ في فِسطاطِه، ثمّ سكت هنيئة، ثمّ قال: هو كمَن كانَ مع رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم»، وغيرها من الروايات التي تدلّ على وجوب الانتظار.

الأمر الثاني: إنّ الانتظار لشيء مهمّ؛ كما يدفع الإنسان للتهيّؤ والإعداد والاستعداد لما يتوقّعه وينتظره، كذلك يقضّ مضجع العدوّ المعادي للحقّ، وقد سطّر التاريخ كيف كان الطغاة يخافون وجود الإمام المنتظر وولادته على غرار خوف فرعون من ولادة موسى، حتّى ذبح ما لا يُعلم عدده من الأطفال ليحول دون ولادة موسى، ولكنّ الله بالغ أمره. وقد سعى بنو العبّاس، ومن قبلهم بنو أميّة لقطع نسل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وذرّيّة عليٍّ عليه السلام، طمعاً في الدنيا وحذراً من مجيء دولة الحقّ، وكانت أيّام الغيبة الصغرى وما تلتها من الأيام موحشةً ومربكة لبني العبّاس، فكانوا يبحثون عن الإمام المنتظر وعن وكلائه وعمّن يدلّ عليه بحث الخِرْزة، وكانوا يقتلون كلّ من يسمعون منه كلمة تدلّ على إيمانه بالغائب، فبقاء العدو في قلق واضطراب وفقد الطمأنينة وتخبّطه، من الفوائد المهمّة المترتّبة على الانتظار.

الأمر الثالث: لا شكّ في أنّ إقامة دولة الحقّ على أنقاض نظم الفساد والجور وإقامة صَرح العدل على أنقاض قصور الجور والطغيان يتوقّف على الإعداد النفسي، فلو حصلت تلك الدولة من دون الإعداد النفسيّ الكامل وإصلاح العقول التي شُوّشت وانحرفت عن نهج التفكير السليم، وأصبحت ترى في كثير من الاحيان الباطل حقّاً، والحقّ باطلاً، وكذلك الأجسام التي تعوّدت على حبّ الدنيا، والعيون التي تأثّرت وتغوّشت بمباهج الحياة الدنية الخلاّبة، يكون مصير تلك الدولة مصير سلطة عليّ بن أبي طالب والإمام الحسن عليهما السلام، فإنّ الأسباب الطبيعية لم تكن مؤاتية، والنــــفوس لم تكن مستعدّة لدولة الحقّ، والظروف التي نعيشها تشبه تلك، فلا بدّ من إصلاح الأنفس بزرع حبّ الدين وحبّ العدل والانصاف، وبغض الظلم والفساد، إعداداً للنفوس لتقبّل الحقّ.

الأمر الرابع: يجب إعداد الظروف الخارجيّة بنشر الحقّ وإعداد الأنصار للدين، ونشر الوعي بين المسلمين أوّلاً، وبين غيرهم جلباً للنفوس الصالحة للهداية ثانياً، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمّ الواجبات الشرعية والعقلية والاجتماعية، فما لم يكن هناك أنصار بعدد وافٍ لنصرة الحقّ، وما لم يكن هناك وعي كافٍ لاحتواء الحقّ، وما لم يكن هناك ما ينبغي تهيئتُه لاستقبال دولة الحقّ، لم يكن وجه لبدء إقامة تلك الدولة، والاستعجال في مثل هذا الأمر بالتأكيد يأتي بنتائج وخيمة ويفوت من ذلك أعظم المقاصد.

الأمر الخامس: يجب إتمام الحجّة على كلّ مُناوئ للحقّ ومعاند له، لأنّ دولة الحقّ سوف تحاسبهم، فلا ينفع الانصياع للحقّ حين إقامة العدل ووقت المحاسبة وإنزال العقوبة على كلّ ظالم غاشم وغاصب ومفسد، وإلى هذا المعنى أُشير في عدّة آيات قرآنية؛ ففي سورة (الأنعام) الآية 185: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾.

وفي سورة (يونس) إشارة إلى استعجال أهل الباطل ما لا يؤمنون به سخرية واستهزاءً، أو تمرّداً واستخفافاً: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ الآية:20.

وفي سورة (هود): ﴿اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ الآية:121. وفيها تحذير واضح للمعاندين بما نالوا بالظلم من حقوق المظلومين، وبَعْثُ أمل في نفوس المحرومين بالبشارة لهم بالانتقام من الظالمين.

إذاً، الانتظار يشتمل على عمل للصالحين، وتحذير للظالمين، وبثّ روح التضحية والفداء للمخلصين، والدعوة إلى الحقّ للضالّين، والهداية للمنحرفين، وإلزام المخلصين بالإعداد والاستعداد لذلك اليوم العظيم، اليوم الذي يُظهر الله فيه الحقّ ويُزهق الباطل على يد الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات