صاحب الأمر

صاحب الأمر

10/09/2018

ثنائية المهديّ المنتظَر والمسيح عليهما السلام

 

كربلائية القدس الشريف*

ثنائية المهديّ المنتظَر والمسيحعليهما السلام

_____ الشيخ حسين كوراني _____

يرمز القدس الشريف في مسار المواجهة بين الحقّ والباطل، إلى موقع القداسة- الطهر، في مسار المواجهة بين العقل والجهل.

وتكفي نظرة متأنية في الثوابت المشتركة بين الديانات العالمية، وفي كليات حركة الممانعة ضد الظلم عبر القرون، لاستنتاج أنّ محورية القدس في تحقيق العدالة على هذه البسيطة، كمحورية الكعبة الشريفة في بسط الأرض ودحوها، وفي بسط العدل - القداسة - وعولمتها.

من الكعبة ﴿..أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ..﴾آل عمران:96، كان بدء الرحلة العالمية للأسرة الآدمية الواحدة، في المسارَين المادي والمعنوي، الجسدي والقيَمي، وكان العدل الغاية، فكانت القدس القبلة الأولى.

وعندما بعدت الشقّة في أوائل الجولات، وغلب الفراعنة، وطال ليل المستضعفين، استردّت الكعبة زمام المبادرة: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا..﴾البقرة:144.

ومع القبلة الثانية كانت القدس المسرى، والمعراج: ﴿..مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى..﴾الإسراء:1. والمسرى رمز مسار حركة التوحيد على وجه الأرض، وارتباطِ هذا المسار جذرياً بالقدس.والمعراج رمز محورية كربلائية القدس في سلامة ارتباط مسرى ممانعة الأجيال وجهادها، بالسماء والسموّ.

وكما أجمع النصارى على عودة المخلّص، وارتباط هذه العودة بالقدس، أجمع المسلمون على «ظهور المهديّ المنتظَر، ونزول النبيّ عيسى عليه السلام، وائتمامه بالمهديّ ومحاربة الكفر تحت لوائه» وارتباط ذلك كلّه بالقدس، فالإجماع على القدس ومخلّصه عالمّي.

ولا تنفصل ثنائية المهديّ والمسيح عن ثنائية الكعبة والقدس. وحديث هذه الثنائية المتحدة بائتمام المسيح بالمهديّ، حديث المشكاة المحمّدية، والزيتونة التي يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار. وحديث العقل الأوّل: لولاك ما خلقتُ آدم. وحديث شاهدية المصطفى الأقرب على كل المصطفَين، الذين لم يُبعث أيٌّ منهم إلّا بالإقرار بنبوّته صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وكما تتجلّى وحدة حركة النبّوات كلّها في القبلتين: القدس، والكعبة، لموقعهما من المحمّدية البيضاء، محور المشيئة الإلهية في الخلق، كما في سياسة القلوب في خط العقل الكلّي، تتجلّى بسنًى أبهى في محمّدية المهديّ المنتظر.

وسيؤكّد المسيح على نبيّنا وآله وعليه السلام هذا التجلّي، التزاماً منه بمقتضى قول المصطفى الحبيب: «لا نبيّ بعدي ».

قال ابن حجر: «..وعند أحمد من حديث جابر في قصة الدجّال ونزول عيسى: وإذا هم بعيسى، فيقال تقدّم يا روح الله، فيقول: ليتقدّم إمامكم فليصلِّ بكم".."

..وقال ابن الجوزي لو تقدّم عيسى إماماً، لوقع في النفس إشكال، ولقيل أتراه تقدّم نائباً، أو مبتدئاً شرعاً؟ فصلّى مأموماً، لئّلا يتدنس بغبار الشبهة وجه قوله صلّى الله عليه وآله: لا نبيَّ بعدي. وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأمّة، مع كونه في آخر الزمان، وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الأقوال أنّ الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجّة، والله أعلم».

[ابن حجر، فتح الباري: 6/358 – 359]

وهل يمكن الفصل بين محمّدية المهدي، وبين حسينيته وكربلائيته، وهما التماع جوهرة: «حسينٌ منّي وأنا من حُسين».

بل هل يمكن الفصل بين محمّدية الحسين وبين المسيح أو محمّديته، لافرق.

المهديّ بعض عطاء الله تعالى للإمام الحسين المعوّض من شهادته «أنّ الأئمّة من ذريّته».وهو الادّخار الإلهي الأعظم بإذنه تعالى ليوم العدل العالمي في هذا الشوط البشري، يوم: ﴿..لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ..﴾التوبة:33، في غاية المسار الكربلائي.

لا يمكن - إذاً - الفصل بين ائتمام المسيح عليه السلام بالمهديّ، وبين ادّخاره ليوم الفصل الحسينيّ، يوم العولمة الأصيلة تحت شعار«يا لثارات الحسين» في ملاحم يشكّل وجود المسيح فيها رمز وحدة المسار التوحيدي عبر كلّ المراحل.

ومن هذا التماهي الحسيني بين المهديّ والمسيح ينبغي أن يبدأ البحث عن الحقائق التالية:

  1. أنّ ولادة المسيح عليه السلام كانت في كربلاء.
  2. أنّه لم يُرفع حجر في بيت المقدس يوم شهادة الحسين، إلّا وُجد تحته دم عبيط.

3- أنّ المعركة الفاصلة بين الخير والشر حسينية- مسيحية، بقيادة المهديّ الذي يأتمّ به المسيح.

*وسيغرق في موجات التحريف كلّ مَن يفتقر إلى الرؤية الكلية للمسار التوحيدي، كما يغرق في مستنقعات الأحقاد إلى حد انعدام الحس الإنساني مَن لا يصدق منهجه الفكري ثابتة أنّ جميع الناس هم بنو آدم وحواء، إخوة حقيقيون.

أمّا من أراد قصد السبيل، فسيكفيه - لإعادة النظر على الأقل- فيكفيه التأمّل في أنّ ولادة المسيح كانت في كربلاء:

يصف القرآن الكريم مكان ولادته عليه السلام بصفات: ﴿..مكاناً شرقياً﴾، ﴿..مَكَانًا قَصِيًّا﴾، وفيه نخل ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ..﴾ (مريم:16/22/25)

فالمواصفات الواردة في الأيات الثلاث الأول لا تنطبق- من بين كلّ الأقوال في تحديد مكان ولادة النبيّ عيسى عليه السلام - إلا على القول بولادته في كربلاء!

كما نجد التصريح بأن ولادة نبيّ الله عيسى عليه السلام كانت في كربلاء، وهو ما يضعنا أمام احتمال أنّ الحديث عمّا حول كربلاء حديث عنها، ثم يقوى هذا الاحتمال حدّ التعيّن عندما نجد أن علاقة نبي الله عيسى عليه السلام بعاشوراء وبكربلاء علاقة خاصة : ففي يوم عاشوراء كانت - على رواية- ولادته عليه السلام. وقد استدعت هذه العلاقة مروره بكربلاء وبكاءه الإمام الحسين عليه السلام فيها، وأنه ترك في كربلاء أثراً لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام- روي ذلك في المصادر السنية- ويسجل لنا التاريخ أن الأمير عليه السلام وجد ذلك الأثر، وحدّث من كانوا معه عن مرور نبيّ الله عيسى بكربلاء. ".."

***

تتماوج الأطياف المحمدية لعالميّة الحسين والمهديّ المسيح، في واحدية المعتقد، لتتجلّى على صفحات الزمن عبر القرون رحمة إلهية « رحمة للعالمين» في المسار الكربلائي الدائم الذي كانت القدس أولى ساحاته، وها هو الراهن يتلو ما سيؤكّده المستقبل الواعد: وحدة المصير والدم، الذي انبعث فوّاره المحمدي في كربلاء، فانبجس تحت كلّ حجر من أحجار القدس الشريف وانتفاضاته .

وما يزال، وسيبقى.. إلى أن يتنفّس من ربى القدس الكربلائية - بالقائم المهديّ المنتظر - صبح يوم الخلاص، لتظهر بجلاء واحدية الناس، وواحدية مشكاة الأديان، ومحورية القدس الكربلائية في جمع الشمل، وإنجاز حلم العولمة الأصيلة . (مختصر)


 

___________________________________________

* نقلاً عن موقع «السرائر» الإلكتروني – www.saraer.org

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ 6 أيام

إصدارات عربية

نفحات