حوارات

حوارات

12/09/2018

قراءة للمؤرخ جعفر شهيدي في منابت الانحراف قبل واقعة كربلاء

 

الأمويّون حوّلوا الشريعة النبوية إلى طقوس تَشوبها البِدع

قراءة للمؤرخ جعفر شهيدي في منابت الانحراف قبل واقعة كربلاء

ـــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــ

(بعد خمسين سنة) هو عنوان كتاب للمؤرخ الإيراني الراحل الدكتور جعفر شهيدي، يعالج فيه أسباب الفاجعة الأليمة التي جرت أحداثها في كربلاء بعد خمسين سنة من رحيل النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم.

في محاولته التعرّف إلى مناشئ الانحراف الكبير الذي مُنيت به الأمّة، يُعيدنا المؤرخ شهيدي إلى مراحل بعيدة سبقت واقعة الطفّ، مستحضراً العوامل المختلفة، من قَبلية، ونسَبية، ونفسية، وعقائدية وغيرها، أسهمت جميعها في وقوف سواد الأمّة موقف المتفرّج من قتل ريحانة النبيّ صلّى الله عليه وآله بتلك الصورة الفظيعة، وسَبي عيالاته.

يأتي هذا الحوار الافتراضي مع الدكتور شهيدي من خلال مادّة كتابه، لمناسبة حلول شهر محرّم الحرام وصدور الطبعة الثانية من النسخة العربية عن «دار رياض الريّس» في بيروت، بترجمة الإعلامي السيد محمد صادق الحسيني.

 

س: حدّثنا عن الغاية من كتابك هذا، وما يميّزه عن سائر ما كُتب في النهضة الحسينية.

ج: المهمّة التي سعيتُ إليها خلال تجميع الوثائق التاريخية حول واقعة كربلاء، وترتيبها حسب الأولوية والأهمّية، هي أن أعرف خلفية ما حصل أو وقع، ولماذا حصل ووقع؟

لقد حاولتُ أن تأتي الإجابة على هذا السؤال من خلال قراءة الأحداث نفسها، ثمّ أعرض الإجابة -التي آمل أن أكون قد حصلت عليها- على القرّاء أنفسهم ليحكموا عليها.

ولكي أجد الجواب الصحيح فقد وضعتُ (انتمائي) جانباً أثناء البحث والتحقيق، ثمّ جمعت الروايات والقصص التاريخية المتناقضة الواردة خلال ما يزيد على قرن من الزمان، من بينها تلك الروايات ذات الإسناد التاريخي الصحيح، والتي تؤيّدها وتؤكّد صحّتها الظروف الإقليمية والدينية والاقتصادية والاجتماعية.

س: ما حصل في واقعة كربلاء يدلّل على انحراف خطير أصاب الأمّة الإسلامية في تلك المرحلة،برأيكم في أيّ مرحلة بدأ هذا الانحراف بالظهور الجليّ؟

ج: إذا أراد شخص ما تحليل وفهم حادثة عام 61 من الهجرة، يجد بأنّه من النصف الثاني من الحكم في زمن خلافة عثمان حتّى نهاية حكومة معاوية، حصل انقلاب تدريجي على مبادئ الحكم الإسلامي، وظهر في المجتمع آنذاك ما يسمّى بـ«البِدع في الإسلام»، وصلت هذه البدع والانقلاب على مبادئ الحكم الإسلامي إلى قمّتها في زمن حكم معاوية، فالعدالة التي كانت ركناً أساسياً في الحكم الإسلامي أصبحت حينها مهملة ومتروكة، فالاعتقالات، والنفي في البلاد، ومصادرة الأموال بدون حجج شرعية أو بحجج قابلة للنقاش، كذلك التعذيب والأوامر التعسّفية والمضايقات لأبسط الأمور، كالآراء الفقهية والعقائدية، كلّ ذلك سبّب اعتراضات واسعة بين الناس، ومهّد لمعارضة شعبية واسعة، لكنّ دهاء معاوية منع تحوّل هذه الاعتراضات إلى حالة معارضة ضدّ حكمه، فهو قد بسط سلطته بقوّة في الشام من جهة، ومن جهة ثانية قام عمّاله ورجاله العلنيّون والمخفيّون بفرض سيطرتهم الحديدية على المجتمع، حيث لم يستقم أيّ تجمّع للمعارضة، ولم يكتب النجاح لأيّ محاولة ضدّ الحكومة.

س: اذا كان يزيد لم يأخذ بعين الاعتبار أيّاً من مبادئ الإسلام حين اقترف جريمته بحقّ أبناء النبيّ الأكرم، فماذا جرى للبقية من أفراد المجتمع الإسلامي في ذلك الزمان حتى تعاملوا مع فاجعة كربلاء بهذه الطريقة المخزية؟

ج: تُعتبر معركة الطف واحدة من الحوادث التي يجب البحث عن سببها أو أسبابها الرئيسية، ليس في ذلك العام أو في الأعوام القليلة التي سبقت وقوعها. فمن الجائز أن يتطلّب منّا أمر البحث والتدقيق في المسألة العودة إلى سنوات ما قبل «الخلافة الأولى»، وقبل ظهور الإسلام، بل وربّما إلى سنوات ما قبل ولادة رسول الإسلام صلّى الله عليه وآله وسلّم، وذلك لأنّ هذه الوقائع تشبه حلقات سلسلة مرتبطة إحداها بالأخرى، ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض.

س: لو تكرّمتم بإطلاعنا على مختصر ما توصّلتم إليه من نتائج في مجال أسباب وقوف المسلمين ذلك الموقف السلبي من فاجعة كربلاء.

ج: سأضع ما توصّلت إليه في نقاط:

أوّلاً: الأغلبية الساحقة للجيل المسلم الذي كان يقطن شبه الجزيرة العربية آنذاك وُلد في نهاية خلافة عمر، وتربّى في عهد عثمان، وانخرط في المجتمع في بداية حكومة معاوية.

ثانياً: أفراد المجتمع من ذوي أعمار الخمسين من أبناء هذا الجيل لم يرَوا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأمّا أبناء الستّين فقد كانوا في سنّ العاشرة من عمرهم في العام الذي توفّي فيه النبيّ صلّى الله عليه وآله، في حين أنّه لم يبقَ من أولئك الذين رأوا النبيّ وسمعوا أحاديثه سوى عدد قليل من الصحابة موزّعين في الكوفة ومكّة والمدينة أو دمشق. وهؤلاء القلّة من أبناء السبعين أو الذين ناهزوا السبعين ببضع سنين كانوا في الواقع يفضّلون بدلاً من التفكير بالإقدام على عمل اجتماعي أو سياسي ما، العمل على حزم حقائبهم استعداداً لسفر الآخرة واستقبال الموت.

ثالثاً: إنّ أكثرية الناس وخاصّة طبقة الشباب الذين يسيّرون عجلة نشاط المجتمع، أيّ أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين كانت أعينهم قد رأت النظام الإسلامي وعاصروا الحكومة من خلال شخصيّات قريش الأرستقراطية، أمثال المغيرة بن شعبة، وسعيد بن العاص، والوليد، وعمرو بن سعيد، وغيرهم من رجال الفسق والفجور والظلم والجور، الذين لا همّ لهم سوى جمع المال والاهتمام بزخرف الدنيا وزِبرجها. والأسوأ من كلّ ذلك النظرة العنصرية العِرقية المتحكّمة فيهم. إنّ هذا الجيل منذ أن فتح عينه على الحياة والمجتمع لم يرَ سوى حكّام الظلم والاستبداد الذين لم يرحموا المعارضة قطّ، فإمّا كانوا يقتلون أفرادها شرّ قتلة، أو يرموهم في ظلمات السجون. ومن هنا فإنّهم نشأوا في ظلّ الأجواء التي تبرّر عمليات اعتقال المعارضين وإبعادهم ونفيهم ورميهم بالسجون أو قتلهم، واعتبار كلّ ذلك من الأمور العاديّة والمشروعة، وفي إطار قانون البلاد الإسلامي الحاكم آنذاك.

رابعاً: احتكاك أهل هذه البلاد مع جيرانهم، واطّلاعهم على مناهج التفكير الأخرى الواردة من هناك، وانتشار النقاشات الفلسفية على شكل حلقات في المساجد، كلّ ذلك ساعد هذه الفئة من الناس على التهرّب من مسؤولياتهم الدينية، كالذي حصل مع ظهور الفرقة المعروفة باسم «المرجئة» في المرحلة الثانية من الحكم الأموي، والتي قامت نتيجة الثغرات التي أدخلتها أبحاث علم الكلام في صفاء العقيدة، وهي الفرقة التي تمادت في انحرافها إلى الحدّ الذي صارت فيه تبرّر ارتكاب الكبائر من المحرّمات الدينية.

س: كيف انعكست مظاهر هذه العوامل في المجتمع الإسلامي آنذاك؟

ج: كلّما كان المسلمون يبتعدون عن عصر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أكثر ، كلّما كانت الأخلاق والخصال الإسلامية تنحسر، وتأخذ مكانها في المقابل أخلاق العهود الجاهلية بالتدريج، فيتمّ إحياء فكرة التمايز العِرقي، واستعادة الأحساب والأنساب، والتنافس القَبلي، والمواجهة بين الطوائف والعشائر والبطون على أساس العِرق والعداوات والأحقاد التاريخية، وهلمّ جرّاً.

ما نسمّيه بروح الشريعة الإسلامية -وهو التقوى والعدالة- اختفى من المجتمع، وأحكامُ الدين لم يبقَ منها سوى الجمعة والجماعة، والطقوس الظاهرية الأخرى والتي كان يتمّ إجراؤها بشكل احتفالي محض. وهذه الصورة الاحتفالية كانت تختلط أحياناً بالبدعة والفجور والفسق العلني، إذ إنّ المؤرّخين ينقلون مثلاً أنّه كان الوليد بن عقبة أخاً لعثمان (لأمّه) وكان عاملَه على الكوفة، فصلّى بهم الصبح ثلاث ركعات وهو سكران، ثمّ التفت إليهم فقال: وإن شئتم زدتكم!

س: كان العراق (الكوفة والبصرة) في حالة نهضة وغليان ضدّ الحكم الأموي، فلمَ حصل فيه ما حصل؟

ج: صحيح أنّ فئات من أهل العراق كانت قد نهضت من أجل الدفاع عن الدين وحماية الإسلام، وطالبت بعودة الحكم العادل وتجديد سنّة عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلّا أنّ رؤساء القبائل وشيوخها وأعيان القوم الذين كانت بيدهم مفاتيح البلاد لم تكن عندهم هذه الدرجة من حُسن النية، فإنّ هؤلاء كان يهمّهم بالدرجة الأولى أن ينتصر العراق حتّى ينتقموا من الشام، إلّا أنّهم لم يحسبوا تماماً ردود الفعل المتوقّعة من قبل الشام في مقابل ذلك التحرّك الجسور والجريء الذي أعدّ له أهل الكوفة. لذلك فإنّهم ما إنْ رأوا أنّ الشام تراقب بدقّة ما يجري في العراق، وذلك من خلال إرسالها لابن زياد، تراهم قد غيّروا اتجاههم مرّة واحدة مفضّلين إطاعة يزيد على إطاعة ابن بنت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

12/09/2018

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات